الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهل؛ أعظم الاسلحة الصامتة لحروب هادئة

مهند طلال الاخرس

2017 / 11 / 9
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الجهل؛ أعظم الاسلحة الصامتة لحرب هادئة
الجهل هو عكس العلم وجهل الأمر يعني خفي عنه، وإذا كان من المعروف أنَّ العلم هو حضور صورة الشيء في الذهن فالجهل هو : «عدم حضور صورة الشيء في الذهن». وعامة الناس يستخدمونها فيمن لاعلم له بمسألة يجادل فيها، فيقال هذا جاهل بالأمر، وعند العامة يسمى الأطفال جهالا، لعدم وعيهم وقلة علمهم وأجهل العرب هو عمرو بن هشام أبو جهل.

وكان القرآن الكريم استخدم لفظ الجهل بمعنى الاعتقاد الفاسد علميا ومنطقيا وفطريا، والجهل في الاستخدام القرآني عكس الحلم والحكمة والعقل. وهو يعني تحكيم القوة ﴿أفحكم الجاهلية يبغون﴾ومن هنا سميت الفترة ما قبل الإسلام بالجاهلية، لأنها كانت فترة تحكيم القوة والعصبية القبلية أي حكم القوي على الضعيف. ولكن بمرور الوقت أصبحت بمعنى عدم المعرفة، باعتبار أن العرب قبل الإسلام كانوا لا يملكون كتابا يعلمهم الحكمة.

إن الجهل أساس كل الشرور كما قال أفلاطون، فالجهل مع الدين إرهاب، والجهل مع الحرية فوضى، والجهل مع الثروة فساد، والجهل مع السلطة استبداد، والجهل مع الفقر إجرام، وهو أسوأ آفة قد تبتلى به أي أمة.

لم يتوقف توق الإنسان إلى المعرفة، وتحصيل القدر الأكبر من العلوم منذ تلك اللحظة التي علَّم الله تعالى فيها آدم -عليه السلام- الأسماء كلها، ولهذا فإن تطوّر وعي الإنسان، وقدراته المعرفية، والعلمية، لا يزال قائماً، ولا يمكن أن يتوقف مهما حصل، فالعلم لا حدود له وهذا من سنن الحياة وقوانين الطبيعة. وعليه فإن أي حرب تشن على المجتمعات والشعوب(وهذه الحروب اساسها وركيزتها الانسان) يجب عليها أن تستهدف الانسان في أهم القيم لديه ألا وهي المعرفة، وإذا كان من المعلوم بمكان أن هذا الاستهداف للمعرفة لا يمكن له أن يجد الارضية الخصبة إلا إذا عم الجهل كأساس متين لتشيد بناء من الاكاذيب والاضاليل والاشاعات والامراض العقلية والجسدية ومعها كهدايا كافة الامراض المجتمعية الاخرى. وعليه فإن المعرفة لها قوانينها كظواهر انسانية بحتة تميل الى الفطرة السليمة لدى النفس البشرية السوية؛ وبالمقابل فإن العناصر الفاسدة والمضادة للفطرة السليمة وللانسانية تطرح قوانينها وأسلحتها الصامتة وحروبها الهادئة في مواجهة قيم المعرفة عبر الكثير من الادوات أهمها الجهل، وهي القيمة الاكثر فتكا بقيم المعرفة، فهذا السلاح لوحده كفيل بأن يخرج كل الامور عن منطقها وأن يظهره في عداد الامور المألوفة والمتوارثة والتي تأخذ صورة الرتابة والروتين والبيروقراطية حتى تمسي جزءا أصيلا من سلوكنا هذا اذا لم تصبح جزءا من عاداتنا وتقاليدنا وتراثا وطنيا لا يمكن ولا يجب المساس به.

من كان يظنّ مثلا أنّ عملا أدبيا يمكن أن تُوظّفه وكالةإستخبارات لتحوّله إلى “سلاح دعائي بقصد تقويض وزعزعة نظم ودول عاتية وشامخة كالطود؟
إن ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست، الأمريكية في تقريرها المفصّل، نقلا عن مذكرة من بين 130 وثيقة صادرة عن وكالة الإستخبارات الأمريكية، سي آي إيه، تم رفع السرّية عنها مؤخّرا، يفضح كيف جرى إستخدام رواية الشاعر الروسي بوريس باسترناك، الشهيرة: “دكتور زيفاغو، كأداة لخلق رأي عام وهندسة عقول وذلك قصد “تقويض الإتحاد السوفييتي” إبان الحرب الباردة!
لم تكتف الوكالة بذلك بل ساهمت في الدفع نحو منح باسترناك جائزة نوبل في الأدب!
وجاء الرد بعد ردح من الزمن عكسيا؛ فيضطر النائب العام الامريكي بفتح ملف تحقيق فيما يتعلق بتسريبات حول كيفية تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية لصالح ترامب ضد هيلاري كلينتون، وما بين الحادثتين صراع مرير طويل، لكن كان على الدوام اهم ما يميز هذا الصراع(الحرب)اسلحته الصامتة.

هذا مثال صارخ على الحروب الهادئة التي تشن بالاسلحة الصامتة في مجتمعات تحمل الكثير من قيم المعرفة، هذه الحرب استهدفتها فانهارت بصيغة او بأخرى. لكن هناك مجتمعات وحضارات لم تستطيع حتى البقاء مع هذا الاستهداف الممنهج ومع هذه الحرب الصامتة.
فالجهل هنا نسبي بالنسبة لمن يواجه هذه الحرب فكما نقول نحن العرب"الفلسطينيون"خيمة عن خيمة بتفرق، أيضا في هذه الحروب جهل عن جهل بيفرق، فبمقدار معرفتك تبقى وبمقدار جهلك تتلاشى. وهذا ما حدث تماما مع الهنود الحمر في امريكا حيث هددهم كولومبس بأنه سيسرق منهم القمر اذا لم يمنحوه الطعام والتموين الذي يكفي طاقمه للبقاء على قيد الحياة.
لم يصدق الهنود الحمر حينها ان هذا القرصان قادر على تنفيذ تهديده، كان الفلكيون الذين رافقوا كولومبس قد أعلموه ان خسوفا كاملا سيحصل بعد ايام، ولما غاب القمر بالفعل جاء الهنود المساكين يتوسلون كولومبس لإعادته اليهم بعد ان تعهدوا بتنفيذ جميع اوامره حرفيا، في الليلة التالية عاد القمر مكتملا ، لقد أعاده كولومبس لهم بكل تواضع من تلك الحادثة ربح الهنود الحمر طقوسهم الاحتفالية بالقمر ولكنهم خسروا قارة كاملة وفقدوا ذاتهم والوطن.

يقول مارتن لوثر كينج:"لا شيء في العالم أخطر من من الجهل الخالص، والغباء حي الضمير".
ويقول جورج برنارد شو: انتبه ادعاء المعرفة أشد خطراً من الجهل.
ويقول العالم والفيلسوف العربي ابن رشد: "التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في جاهل، عليك أن تُغلف كل باطل بغلاف ديني".
ويقول سقراط:"الخير هو العلم والشر هو الجهل".
لهذا يعتبر الجهل أم المصائب في الأسرة والمجتمعات والشعوب، والسبب الرئيسي لكل أنواع الشر .
ويقول الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو : تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل؛ لأن منح الحرية لجاهل كمنح سلاح لمجنون !

الجهل هو من أخطر الأمور الحياتية على الشعوب، فهو نقيض العلم والمعرفة، الجهل يدمر الحضارات، ويدمر مستقبل الأمة بأكملها، لأن تدمير أي أمة لايحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى أو مؤامرات دولية أو كونية، ولكن يحتاج إلى تخفيض مستوى التعليم واغراقه في مستنقع الجهل ووضع الرجل الجاهل في مكان العالم وافساد كل المدخلات السليمة بغية إحداث كل المدخلات وافساد الذائقة العامة للبشر ترويج فعل الرداءة على أنه هو الصواب، وفي عزّ زمن الجيل الرابع من الحروب غير المتوازية، التي يُعرّفها الباحث وخبير الإستراتيجيات العسكرية، ماكس مانوارينغ، على أنها “حرب إكراه وإخضاع العدو على القبول بإرادتك” دون إعتماد الإستراتيجيات التقليدية أو إستخدام الجيوش النظامية، بل بإستخدام الحرب النفسية والإشاعة ووسائل التضليل وصناعة الرأي، وزرع الفوضى، من أجل “زعزعة الإستقرار”، تصبح كل الأدوات والوسائل قابلة للإستخدام والتوظيف. بالإضافة لخلق مناخ مناسب أو تأجيج بؤر توتّر ما، يتوجّب الإعتماد على ما يشبه الطابور الخامس كخط هجوم أولي، نحو الإختراق فالزعزعة، أو التقويض، مُضيا نحو حالة من الفوضى تؤدي حتما الى الانهيار.

إذن النتيجة هي أن الجهل هو الحاضنة الاجتماعية والارضية الخصبة التي تستهدفها الحروب الهادئة وتوجه عليها كل الاسلحة الصامتة وتشكل مطمعا للآخرين. وعلميا إذا كانت المياه الراكدة تجذب الحشرات وتكون بؤرة للأمراض، فإن المجتمعات التي تغيب عنها القيم المعرفية، تصبح بمواجهة الأفكار الغيبية وكافة الامراض المجتمعية الاخرى وتكون بؤرة للاغبياء وتجار الدين والسياسين الفاسدين والذين يشكلون الطليعة المقاتلة وقوات الصاعقة للحرب الصامتة !!

“كل ما يُتوقّع من الأسلحة التقليدية سيكون مُتوقّعاً كذلك من الأسلحة الصامتة ولن تختلف عنها إلاّ بالأداء الوظيفي. الأسلحة الصامتة تُطلق وتُحدّد المواقف بدلاً من إطلاق الرصاص، وتقوم بمعالجة المعلومات بدلاً من التفاعلات الكيميائية، وتستخدم الحاسوب بدلاً من البندقية، ويتحكم بها مبرمج الحاسوب بدلاً من المسلّح، وتخضع للأوامر المصرفية بدلاً من العسكرية. عندما يُطبَّق نظام الأسلحة الصامتة تدريجياً سيتكيّف الشعب مع وجوده ولن يشعر حقيقةً بالتعدّي الذي يُمارسه هذا السلاح على حياته إلى أن يصل الضغط النفسي إلى الحد الذي يؤدّي إلى انهيار الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر