الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثر الحياة في امريكا على قرى شرق رام الله

محمود الشيخ

2017 / 11 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اثر الحياة في امريكا على قرى شرق رام الله
بقلم : محمود الشيخ
بلا ادنى شك لقد شكل السفر الى امريكا مصدر جذب واغراء لنسبة عالية جدا بين اوساط الشباب في قرى شرق رام الله ( المزرعة الشرقية وسلواد وعين يبرود وبيتين وديردبوان ورمون وديرجرير والطيبه ) وهي القرى التى جرفها نهر الغربة وتحديدا الى امريكا، حتى انها غدت احد مصادر الهجرة الى امريكا،ويعتبر صيف كل عام مسرحا للزواج في تلك القرى ومعظمها اونسبة 99% منها للسفر الى امريكا،ويعني هذا اولا تفريغ القرى من العناصر الشابه بفقدان تلك القرى لفئات عمرية في عمر الورود،يقضون سني حياتهم في امريكا يتأثرون بعاداتها واسلوب حياتها،وينجبون اولادا يحملون لغتها وحبهم القوي لها بفعل نموهم الجسمي والعقلي والتعليمي وتأمين مستقبلهم فيها،فكيف لك ان تطلب من شاب او شابة ان يحب بلده الأصلي لم يقضى حياته فيها او يتعلم وينمو عقله وجسده ولم يلعب على ترابها وتتعلق روحه فيها،فإذا الكبير الذى نمى وترعرع واكتسب من عاداتها وتعلقه فيها اصبح حنينا ومشاعر يترجمها بزيارات كل عام او عامين وبعضهم بعد سنين،قد تصل عشرة سنين او اكثر وبفعل غيابه الطويل فقد جزء من الكلمات العربيه،لينطقها بالإنجليزيه،ثم ان اتى زيارة الى بلده يأتي مسرعا ويعود اسرع،يفضل العيش في امريكا على العيش في بلده غير ممارسته لكم هائل من الإنتقادات لتصرفات وعادات شعبه،وان اقام بيتا كم من الإنتقادات يطلقها لمن يعملون معه ويقارن عملهم مع عمل الأمريكان،وينطبق على هؤلاء المثل العربي الذى يقول ( غاب عن الدار يوم ورجع اقول وين باب الدار ) وفي هذه الجزئية التى نتعرض لها في حياة المغتربون،يطغى على معظمهم استمرار البقاء في امريكا سواء من فشل او نجح في عمله،الفاشل لا يستطيع العودة لأنه لا يستطيع تأمين عمل له،والناجح يأخذه جمع المال الى المزيد من حبه حتى ان المال اصبح في عقله وتفكيره وطنا له،وهنا المغترب يدري او لا يدري شهوته للمال يفقد مقابلها وطنه دون ان يدري فالوطن ليس زياره بل اقامة وتنميه واقامة مشاريع تساهم في دفعه الى الأمام،والوطن هو ان تأتي بأولادك اليه وترويهم من هوائه وتزرع فيهم حبهم له وتعلمهم لغته وتعرفهم على تضاريسه وتراثه ومواقعه الأثريه،الوطن امك وابوك وارضك واهلك واقاربك وبلدك ولغتك وقوميتك.
والحياة في امريكا تفقدك كل ما تقدم وعلى رأسها لغتك وحسك القومي وعلاقاتك مع اهلك واقرباؤك،ولا تدفعك الحيا في امريكا لمتابعة اخبار بلدك ووطنك وتكون هائما بين مشاعرك تجاه وطنك وسبل نجاحك في عملك حتى انك تنسى اولادك والأهمية القصوى لإرسالهم الى وطنك فقط ليروا سمائه ولون ترابه يقطفون عن اشجاره التين والعنب ويسقط على رؤسهم من اشجا زيتونه زخات من حباته المليئة بالزيت،هكذا تنمو مشاعر حبهم لبلدهم ووطنهم،لكن الطامة الكبرى ان الناجحين من المغتربين يكتفون ببناء منازل فخمة لهم في قراهم،ولا يكتفون بما جمعوه ثم يقيمون مشاريع لهم في اوطانهم الا القليل منهم،فيخسر هؤلاء اولادهم ثم مالهم يبقى ايضا في امريكا،والوطن هو الخاسر الأكبر من تلك الهجره.
وقسم كبير من بيوت المغتربين متروكه من سنين في بلدي المزرعة الشرقيه - رام الله،فمن هاجر الى امريكا في بداية سني حياته هدفه كان تأمين لقمةعيش وحياة كريمه يسعى من خلال اغترابه الى تحسين وضعه المعيشي وتوفير مستلزمات الحياة،وهروبا من بطالة إما مقنعه او مكشوفه وقد نالت من حياته الكثير فلا هو قادر على مجاراة حياة فيها بؤس وشقاء ولا هو قادر على توفير متطلبات الحياة،ولا هو قادر على العيش متفرجا على وضعه النفسي الذى بدأ بالتاكل ليدفعه القدر للهروب من ضيق سبل الحياة التعيسه التى عاشها ولم تساعده لا على تأمين زواج ولا بناء بيت ولا قضاء وقت يستمتع فيه،اجرته ان وجد عملا لا تفي بمصروفه فكيف سيؤمن مصروف عائله ان كتب له الزواج والعيش في بلده،ولأن الإغتراب هي سمه من سمات اهل بلدي فان 99.9% من اهل بلدي مغتربون،مساحتها ( 16000( دونم وعدد سكانها المقيمين فيها لا يزيد عن ( 4200 ) بينما يبلغ عدد المغتربون فوق ال ( 11500 ) نسمه،ومن الملاحظ ان اي زيادة في نسبة الولادات يقابلها هجرة اما متساويه مع الزياده او تزيد قليلا عنها،قلنا في مقال سابق ان عدد الزيجات سنة 2016 كانت (60 ) حالة زواج اغترب منها بعد الزواج بايام ( 55 ) حالة انتقلت للعيش في امريكا،ففي بلدي تسافر أُلأسره بأكملها وتترك بيوتها فارغة وغير مأهوله ،حيطانها تتسامر مع بعضها.يزيد عدد البيوت المتروكه وغير المأهوله خاصه في الفتره ما بين 15-8 الى 15-6 من السنه التى تليها،اي (10 ) اشهر وبيوتهم في حالة سكون تام وبعضها اما مبات للعصافير واحيانا للمتسكعين من الشباب كما اسمع ،او بعضها يستعملونه للأرجيله وهذه البيوت ليست بيوت المتسكعين حتى تكون في حدقة عيونهم،فهي عرضة اما للسرقه او للهو فيها او لتكسير زجاجها،والعبث في محتوياتها بغض النظر ما هي المحتويات فلا رحمة عند المتسكع او اطلق عليه ما شئت من التسميات،خاصه في ظل غياب حراسات ليلية او كمرات ترصد القادم للبيوت المتروكه.
والمشكله تكمن في ان المغتربون امنوا حياة كريمه من خلال نجاحهم في عملهم واقاموا البنيان لهم في بلدهم،لكن برزت قضية في سلوكهم وحياتهم في امريكا بأن اوطانهم اصبحت اموالهم،وغدوا غير قادرين على الحياة في بلدهم بعد ان اعتادوا على اسلوب حياة يختلف مع اساليب حياتنا نحن العرب وانجبوا اولادا دخلوا مدارس امريكا وتكيفوا مع لغتها واسلوب حياتها واصبحت امريكا هي موطنهم لغتهم ليست العربيه واسلوب حياتهم امريكي،وعلاقاتهم وصداقاتهم مع طلاب مدارسهم وفلسطين لا يعر فون عنها شيئا ووالديهم لا يتحدثون معهم غير اللغة الإنجليزية كونها الأسهل في لغة التعامل مع الأطفال فيكبر الطفل وتتوسع اللغة الإنجليزيه ومخارجها ومفاهيمها تنمو مع نموه،ولذلك يصبح ارتباط الوالدين بأمريكا اقوى نظرا لقوة ارتباطهم باولادهم وبمدارسهم ومستقبلهم وبأعمالهم واموالهم،ويصبح من الصعوبة القبول بحياتنا لأنها مختلفه بطباعنا وعاداتنا ومفاهيمنا يعني في امريكا الحياة ( ريلاكس ) وفي بلادنا الحياة ( ديفيكالت ) كما يقولون ،ولا يستطيع لا الأب ولا الأم امتلاك القدره على اقناع اولادهم بالعيش في بلادنا غير فقط القدوم اليها لقضاء فرصة الصيف والتى لا تزيد عن شهرين يأكلون العنب والتين المختلف في طعمه ونكهته عن العنب والتين في امريكا،فيأتوا على عجل ويعودوا ايضا على عجل.
والبيوت التى اقاموها في بلداتهم تزدهر الحياة فيها مدة قصيرة تراها مبتسمه اضاءتها قوية السهر فيها حتى الصباح واصوات زوامير سيارتهم تملىء الشوارع ضجيجا،اي ان قراهم تعيش اجمل ايامها في الصيف لأن الحياة ينبض فيها كل شي، الا البيوت المتروكه بعضها منذ سنين والبعض الأخر يهجرها اشهر لا تقل عن (10)،وهنا لا اريد ارفاق مقالي هذا ببعض صور المنازل المتروكه منذ سنين كي لا ابكي اصحابها على حالها كيف هي مهشمة الأبواب والشبابيك والزجاج،وملعبا للمتسكعين،ثم يلومون لماذا هكذا وضعها وحقيقة اللوم يقع على اصحابها الذين قبلوا استمرار الإبتعاد عن اوطانهم حتى اصبح المال هو وطنهم وليس فلسطين.
صحيح ان للمغتربين دور هام في تطور قراهم سواء في البنية التحتية او النهضة العمرانيه،فلا يوجد مشروع في تلك القرى ليس للمغتربين يد فيه،انما اهم العوامل السلبيه ما ذكرت سابقا وعلى رأسها ان اولادنا لم يعودوا اولاد وطننا بل هم فاقدين لقوميتهم وفي احسن الأحول هم عديمي القوميه اي لا قومية لهم ضائعين بين العربية والأمريكيه،ومالهم الذى جمعوه البقاء لله حتما سيبقى في امريكا،لناجح هناك لا يمكنه القبول بالعيش في فلسطين واقامة مشاريع فيها،قد يقولون ان الحياة السياسيه لا استقرار فيها ولا افق لحل سياسي وبلد غير امن على مصالحهم واموالهم،ولا تشجيع فيها او حوافز للمستثمرين،لكن الأصل خسارة الأولاد بعد بقاء مالهم في امريكا اي ما انتجته من مال واولاد يبقى في امريكا،وهذا من اكبر الأثار للحياة في امريكا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد