الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدر الثورات أن تنمو وتكبر، ويصبح مقاس الثوب الاسلامي مناسبا لها

حكمت حمزة

2017 / 11 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قد يخيل لك عزيزي القارئ عندما تقرأ عنوان الموضوع، بأن صاحبه مؤمن بنظرية المؤامرة، أو بعض منها. ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فالموضوع كاملا بما فيه من أفكار، ناتج عن معاينة شخصية للواقع. ربما يكون الاستشهاد بتجربة شخصية نوعا من المغالطات، ولكن ما أريده هو نقل جزء من الصورة، وأترك لك المهمة كقارئ وناقد، لما قد تراه منطقيا، أو غير منطقي، فربما أكون على خطأ، وربما على صواب. وكي يكون الموضوع أكثر وضوحان سنبدأ بحلقة واسعة ثم نقوم بالتضييق قليلا حتى نصل إلى مجموعة من المشاهدات التي قد تتفق مع واقع الحال.
منذ بداية عام ألفين وأحد عشر، اجتاحت موجة ثورية عارمة، بلادنا العربية العزيزة، تلك الثورات كانت تحمل في طياتها آمال الشعوب، وأحلامها بالتحول إلى واقع أفضل، ولكن عذرا عزيزي أبا القاسم الشابي، فإذا الشعب يوما أراد الحياة، ليس من الضروري أن يستجيب القدر. أطلق عل هذه الثورات اسم الربيع العربي، ولكن تبين فيما بعد أنه ليس إلاخريفا، إنما بألوان براقة، تخفي تحتها أغصانا يابسة قتلها العطش، وأوراقا صفراء لا حول لها ولا قوة ولا ثبات، تداعت مع أول نسمة هبت لتكشف لنا حقيقة الأمر.
وإذا عدنا بالوقت قليلا أو أكثر من قليل، إلى تاريخ منطقتنا العربية، خصوصا بعد خمسينات القرن الماضي، نجد أن توالي الأحداث أدى إلى زرع بذور القهر عند الانسان العربي، نمت هذه البذور على سنوات لتنتج لنا سلسلة من الثورات والانقلابات التي اجتاحت المنطقة، والمغزى هنا أن ماحدث هو نتيجة طبيعية لماضينا، ولم يك شيئا مفاجئا أو ليس في الحسبان.
الشيء المشترك قي هذه الثورات هو تواجد التيار الاسلامي السياسي بشكل أو بآخر، ولا أدري لماذا أن يكون هناك وفي كل ثورة، ملحق اسلامي، يبدأ صغيرا، ثم ينمو ويترعرع ليكبر ويلتهم ذوي الفكر الثوري التنويري العلماني، ويتصدر المشهد الرئيسي في الساحة، كأن قدرنا محصور بطريقين لا ثالث لهما، إما حكم عسكري ديكتاتوري فاشي شمولي، أو حكم إسلامي ديكتاتوري فاشي شمولي، وكانت معظم النتائج تؤول إلى الأولى. ربما هي صدفة، ولكنها ليست صدفة عشوائية، فهي عشوائية من بعيد، لكنها مفتعلة إذا دققنا النظر. وإليكم سوريا، العراق، مصر، ليبيا، تونس، واليمن كأكب شواهد تعلى ما تؤول إليه ثوراتنا المباركة سابقا، المدمرة لاحقا.
تبدأ الثورات بآمال الشعب الفقير الكادح المناضل، على أكتاف ثلة من المتنورين الحالمين، وهؤلاء يشكلون النسبة الأكبر من ضحايا استبدادا الحكام العرب، تتحول الثورة إلى مسلحة بالتدريج، بتحريض من أجهزة المخابرات، فكما حدث في سوريا (بلدي الحبيب) مثلا، تقوم أجهزة المخابرات، وأتباعها من المسلحين الغير رسميين الذين يعملون لصالح المخابرات، والمعروفين باسم (الشبيحة)، إما بإطلاق النار على المتظاهرين، أو بدس أحد العناصر بين المتظاهرين ليطلق النار على عناصر الأمن وحفظ النظام، في الحالة الأولى يقومون بدفع المتظاهرين إلى حيازة الأسلحة بحجة الدفاع عن أنفسهم، وبالضرورة، سيقوم من يحوز سلاحا بإطلاق النار على من يطلق النار عليه، وفي الحالة الثانية يقومون بإشاعة أن المتظاهرين أطلقوا النار ضد العناصر، وبكلتا الحالتين، يجدون مبررا كافيا لقمع المتظاهرين بالسلاح. وطبعا حديثي عن سوريا لأني سوري الجنسية، معتقل سابق لثلاث مرات، وكنت في خضم الثورة قبل تحولها للعمل المسلح.
هنا تبدأ العناصر الاسلامية بالظهور شيئا فشيئا، بداية بالمظاهرات التي تبدأ وتنتهي بالتكبير، و شعار ( مالنا غيرك يا الله)، يتطور الموضوع لتصبح الشعارات من قبيل (قائدنا للأبد سيدنا محمد)، وصولا إلى تسمية التشكيلات المسلحة بأسماء مثل (لواء التوحيد) و (كتائب الفاروق) وأحفاد الصحابة)...لخ من الأسماء الاسلامية السنية البحتة. بعد فترة وجيزة تتضح الانتماءات أكثر، فأصبح لدينا في سوريا فرع لتنظيم القعدة تحت اسم جبهة النصرة الذي تطور لاحقا ليصبح جبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام، أما مصر، فكانت ولا زالت الأكثر شهرة بالنسبة للإخوان المسلمين، برغم أن سوريا شهدت تمردا للأخوان المسلمين، لكن مصر تبقى في المرتبة الأولى، أما العراق فمنذ سقوطها بيد الاحتلال الأمريكي، والقتال ضد المحتل جهادي اسلامي بامتياز. وليبيا أيضا، حتى اليمن تشكل صراعا إسلاميا إسلاميا، بينالسنة والشيعة.
كل ما سبق يشير غلى تواجد العنصر الاسلامي وبقوة، لكن السؤال المهم هو لماذا؟ لماذا يجب دوما أن ترتبط كل الحراكات الشعبية بالاسلام، هل لأن الدين يشغل عقل الشعب، أم أن هناك من يريد أن يلبس الثورات الثوب الاسلامي رغما عنها، سعيا إلى تدميرها من الداخل، وجعلها تأكل نفسها بنفسها؟
بنظرة سريعة إلى حال العرب قبل الربيع العربي، نجد أن الدين لم يكن شيئا أساسيا في حياة المواطن العربي، فأغلب الدول العربية تنتشر فيها الملاهي الليلية وتباع فيها المشروبات الكحولية، إضافة إلى انتشار الدعارة في الكثير من البلدان، وأشياء أخرى تصنف ضمن معصية (الله)، يقوم بها المواطن العربي العزيز، إذا الموضوع ليس تشبثا دينيا من الفرد لدينا، فهو لو كان مهتما حقا بالدين والله، لما انتظر ثورات الخريف العربي كي تقوم ليقيم دين الله في الأرض، وبالتالي فإن للموضوع بعدا آخر.
البعد الآخر هو أن هناك قرارا مسبقا بإلباس هذه الثورا لبوس الاسلام، خصوصا في القرن الحادي والعششرين، إذ ارتبط اسم الاسلام بالارهاب ارتباطا وثيقا، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأنا لا أدعي هنا بأن المسلمين كلهم ارهابيين، ولكن الوقائع تقول بأن أغلب عمليات القتل والتفجير والتفخيخ تقوم بها جماعات اسلامية أصولية، وهذا العامل لعب دورا مهما ومساعدا للاستبداديين في الوصول إلى الحكم والتشبث به، خصوصا بعد ثورة الاتصالات والانترنت التي ادت إلى انفتاح المواطن نوعا ما، فأصبح غير قادر على العيش في ظل حكم اسلامي شمولي مستبد، وكنتيجة لذلك سيرضى ويرضخ غلى الحكم العسكري الاستبدادي في النهاية، على الأقل باعتباره بديلا أفضل من الحكم الاسلامي، أو كما يقال أفضل السيئين.
الملاحظ أيضا في ما يحدث، هو انجذاب الكثير من المسلمين الآسيويين والغربيين إلى البلدان التي حدثت فيها هذه الثورات، جيث أن القياديين المفصليين، وما يسمى بالقضاة (الشرعيين) في الجماعات الإسلامية المسلحة أغلبهم من خارج البلدان التي تقوم فيها الثورات، وكأن البلدان نفسها لا تحتوي أشخاصا ذوي اختصاص في الدين، لكي يشغلوا هذه المناصب، أو أن رجال البلد نفسه، ليسوا على سوية عالية من الرجولة والحكمة ليتسلموا المناصب القيادية في تلك الحركات.
طبعا تكشف للجميع في النهاية أن هؤلاء تم تسليمهم القيادة، كونهم قادرين على توفير دعم لوجستي كبير لتلك الحركات الاسلامية، وهذا السبب بالذات لا يمكن أن نتركه يمر مرور الكرام، فمن يريد التمويل من خارج البلد الثائر، لا يحتاج لشخص معين أن يكون قائدا أوشرعيا ليرسل له الدعم، بإمكانهم توكيل شخص من الداخل، أو ايجاد مكتب موارد لوجستية ضمن المنطقة الثائرة، وهناك الف حل آخر، لكن إرسال هؤلاء الأشخاص وتسليمهم مناصب ضمن تلك الحركات لجلب الدعم، هذا يتضمن هدفا آخر في داخله، ةكل الأصابع تشير غلى التحكم بالثورات وومجراها ومرساها، للوصول غلى هدف معين، الذي من الممكن أن يكون القضاء على هذه الثورات نهائيا، حتى إشعار آخر.
وكنتيجة سريعة، فليس الله من وراء القصد كما يدعون، وليس إعلاء كلمة الله هو الغاية والمنتهى، فالواقع يقول بأن هذه الحركات الاسلامية لها دور معين، تؤديه وتذهب إلى الجحيم، حاملة معها الكثير من شبابنا وحياتنا وبيوتنا وأطفالنا، وأشياء كثيرة أخرى، تعيدنا بالنتيجة إلى نقطة الصفر، التي نضطر فيها نحن، كالجيل الشاب المتوفر حاليا، غلى إعادة البناء من جديد، وكما هو معتادد، ما إن ننتهي من إعادة الاعمار، حتى تبدأ ثورة جديدة، تكبر قليلا ليصبح مقاس الثوب الاسلامي ملائما لترتديه، فتلبسه، ويعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، ولكن ذلك يحدث عندما يصبح أبناؤنا شبابا، فيحدث لهم ماحدث لآبائهم وأجدادهم، وهكذا دواليك.
الثورة ثورة شعب، أحلام بائسين يتطلعون إلى مستقبل أفضل، إلى دولة تنعم بالهدوء والاستقرار والاكتفاء على الأقل...الحكم الديني أثبت فشله على مر التاريخ، فلم تقم دولة دينية وتبقى، ستؤول في النهاية إلى زوال وانهيار، زمن سيطرة الدين على العقول ولى إلى غير رجعة، الدين اليوم هو علاقة روحية وجدانية بين الشخص، ومن يؤمن به ربا، لا خوارق ولا أديان ولا معجزات ولا أنبياء، اليوم يوم الانسان المتحرر المنفتح على مجتمعه ومجتمعات الآخرين، فلنتعلم من تجارب أوروبا والهند، بأن الحكم الديني الشمولي فاشل، أنتهى زمن حكم البشر كالقطعان، و الحكام والمتسلطون الذين يريدون محاسبة الناس على خروجهم عن حظيرة الدين، وكـأنهم وكلاء الله في الأرض، أضحوا من الزمن القديم، مكانهم المتاحف والمقابر، فقد حان وقت الحكم العلماني، الذي يضمن لكل شخص حقوقه كمواطن، كإنسان له حقوق وعليه واجبات،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض


.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس




.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس


.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين




.. قلق أوروبي من تزايد النفوذ الروسي داخل أحزاب اليمين المتطرف