الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب بين الأديان؟ أعوذ بالله!

أوري أفنيري

2006 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحد رؤساء الأركان سابقا، رفائيل ("رفول") إيتان، الذي لم يكن نابغة عصره، سأل ذات مرة ضيفا أجنبيا: "أنت يهودي أم مسيحي؟"

"أنا ملحد!" أجاب الرجل بتفاخر.

"حسن، حسن" حثه رفائيل وقد نفذ صبره، "ولكنك ملحد يهودي أم ملحد مسيحي؟"

حسن، ملحد إلى أبعد الحدود. لذا أنا أرى، بقلق متزايد كيف يحمل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي يسيطر على حياتنا بأكملها، طابعا دينيا أكثر فأكثر.



بدأ النزاع كتصادم بين حركتين قوميتين، تم استخدام الحوافز الدينية فيها كزينة على الأكثر.

كانت الحركة الصهيونية، منذ بدايتها، حركة غير متدينة وحتى أنها كانت معادية للدين. كان كل الآباء-المؤسسين تقريبا ملحدون معلنين. اقترح بنيامين زئيف هرتسل، في كتابه "دولة اليهود"، بأن يتم حصر الحاخامين في الكنس (والضباط في القواعد العسكرية). كان حاييم فايتسمان عالما لا إله له. وكان زئيف جابوطينسكي قد طلب في وصيته بأن تُحرق جثته – وهذا الأمر ممنوع بشكل قاطع في الدين اليهودي. أما دافيد بن غوريون فكان يرفض اعتمار الكيبا حتى في الجنازات.

إضافة إلى ذلك: كل كبار حاخامي التوراة في أيام هرتسل، المؤيدين و"المعارضين" على حد سواء، عارضوه بشدة وكالوا له الشتائم. لقد أنكروا فرضية الحركة الصهيونية الأساسية: بأن اليهودية هي قومية، بالمفهوم الأوروبي، وأصروا على أن اليهود هم شعب مقدس، وأن تنفيذ الوصايا فقط هو ما يوحده.

الأنكى من ذلك، أن الحاخامين رأوا بمجرد فكرة الصهيونية خطيئة لا تغتفر. فرض الله سبحانه وتعالى على الشعب اليهودي الجلاء، عقابا على خطاياهم. لذلك، الله سبحانه وتعالى مخوّل فقط بإبطال هذا العقاب وإرسال المسيح المنتظر ليعيد اليهود إلى أرض إسرائيل. حتى ذلك الحين، فُرض منع تام على "العودة". لذلك، إذا قدموا إلى البلاد أفواجا أفواج، سيتمردوا الصهاينة على الله سبحانه وتعالى وسيؤجلوا – لا قدّر الله – مجيء المسيح المنتظر.

صحيح أن الصهاينة سرقوا من الدين اليهودي رموزه (نجمة داهود، شمعدان الهيكل، "التاليت" التي تحوّلت إلى علم وحتى الاسم "صهيون")، إلا أنه كان تلاعبا ذا منفعة. الفئة المتدينة الصغيرة التي انضمت إلى الصهيونية ("الصهيونية المتدينة") كانت هامشية وبائسة.

تعلمنا في المدرسة الصهيونية في البلاد، قبل الكارثة، التطرق إلى أي شيء يهودي بالرفض دون هوادة واعتباره "مهجريا"، الدين اليهودي، البلدة اليهودية، المجتمع اليهودي ("الهرم المقلوب"). الكارثة فقط هي التي غيرت موقفهم تجاه اليهودي في المهجر.

تساهل بن غوريون مع المتدينين. قام بتسريح بعض المئات من طلاب الحلقات الدينية من الخدمة العسكرية وأسس مؤسسة تربوية رسمية-دينية. كل هذا بهدف كسب شركاء مريحين في الائتلاف. في لب هذه الفرضيات كانت الفرضية، التي كانت مشتركة لدى جميعنا، بأن الدين اليهودي سوف يتبخر من تلقاء نفسه تحت أشعة الشمس الإسرائيلية المتوهجة، وسوف يختفي تاما خلال جيل واحد أو جيلين.

كل هذا تغير بعد حرب الأيام الستة. عندها حدث "كام-باك" الدين اليهودي بشكل كبير.



حدث، في الجانب العربي تطوّر مشابه، ولكن الخلفية هناك مختلفة تماما.

ولدت الحركة القومية العربية هي أيضا على أساس الفكرة الوطنية الأوروبية. نادى آباء الحركة الروحانيون بتحرير القومية العربية من أكبال الحكم العثماني، وبعدها من عبء الاستعمار البريطاني، الفرنسي والإيطالي. كان الكثير من آباء الحركة مسيحيون بالذات.

عندما تبلورت في البلاد حركة قومية فلسطينية منفردة، في أعقاب وعد بلفور وإقامة حكومة فلسطين البريطانية، لم تتسم بمؤشرات دينية. قام البريطانيون بتعيين شخصية دينية محضة لقيادة الجمهور الفلسطيني بهدف محاربتها. لقد كان الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، هو الذي سرعان ما تحوّل إلى زعيم المعارضة الفلسطينية لارتفاع شأن الصهيونية. حاول منح التمرد العربي-الفلسطيني طابعا دينيا، بحجة تآمر الصهاينة للسيطرة على قبة الصخرة، لقد طلب من كل الشعوب الإسلامية مساعدة الشعب الفلسطيني.

مني المفتي بفشل ذريع، وقد أسهم فشله بنكبة شعبه. لقد قام الفلسطينيون بمحوه من تاريخهم. لقد أيدوا، في الخمسينيات، جمال عبد الناصر، الذي حمل على أكتافه الوطنية العلمانية العربية برمتها. حين قام ياسر عرفات بتأسيس الحركة القومية الفلسطينية المعاصرة، لم يميّز بين المسلمين والمسيحيين. لقد شدد في خطاباته، حتى آخر أيامه، على تحرير "مساجد وكنائس" القدس.

نادت منظمة التحرير الفلسطينية في إحدى مراحل تطوّرها، بإقامة "دولة ديمقراطية علمانية، يعيش فيها معا المسلمون، اليهود والمسيحيون". لم يحب عرفات كلمة "علمانية"، وفضل بدلا عنها كلمة "غير موالية" والتي معناها: بأنها لا تخص أية طائفة دينية).

كان جورج حبش، الذي ترأس حركة "الوطنيين العرب" وبعدها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، كان مسيحيا.

تبدلت هذه الحال، عند نشوب الانتفاضة الأولى فقط، في أواخر عام 1987. عندها فقط بدأت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بالسيطرة على النضال القومي.



النصر الساحق الذي حققه الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، والذي بدا كأعجوبة، أحدث في إسرائيل تحوّلا سياسيا-ثقافيا جذريا. مع النفخ في البوق بجانب حائط المبكى انطلقت الشبيبة المتدينة، والتي تم تهميشها حتى ذلك الحين، إلى مركز الحلبة.

وعلى حين غرة، اتضح بأن الجهاز التربوي الرسمي-الديني، الذي أسسه بن غوريون كرشوة سياسية، خائننا بذلك ذاته، نتج عنه نتاج تربوي متدين متزمت. حركة الشبيبة المتدينة، التي عانت على مرّ السنين من الإهانة والإحساس بالنقص، امتلأت بالقوة وبدأت بموجة الاستيطان. لقد قادت الجهد الوطني الأساسي: ضم الأراضي المحتلة.

اجتاز الدين اليهودي طفرة هو أيضا. لقد تخلى عن الخصائص الإنسانية العامة واضمحلّ إلى دين قبلي ضيق، مقاتل، يكره الغرباء، يتطلع إلى الاحتلال والتطهير العرقي. اقتنع الصهاينة-المتدينون الجدد بأنهم يعملون باسم الله وأنهم يقومون بالتهيئة لمجيء المسيح المنتظر. أخلى الوزراء المتدينون-الوطنيون، الذين كانوا تابعين للشعبة المعتدلة في الحكومة، أماكنهم للقيادة المتطرفة، التي لم تكن بعيدة عن الفاشية الدينية.

لم تتحوّل دولة إسرائيل إلى دولة متدينة. توجد فيها، حتى يومنا هذا أغلبية علمانية كبيرة، التي تضم داخلها معسكر يعرف نفسه بـ "علماني-تقلدي". وفق دائرة الإحصاء ذات المكانة المرموقة التابعة للحكومة، يعرّف 8% فقط أنفسهم كـ"حاريديم"، 9% كمتدينين، 45% كعامانيين غير متدينين و 27% كتقليديين غير متدينين.

إلا أنه بواسطة المشروع الاستيطاني، أحرز المتدينون تأثيرا كبيرا على المجريات السياسية. لقد وقفوا في وجه أي إمكانية للسلام مع الفلسطينيين. وليس بأقل أهمية: لقد ساعدوا على إثارة رد فعل ديني متطرف لدى الطرف الآخر.

منح النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، الذي وصل إلى ذروته عند بدء الانتفاضة الأولى، دفعة هائلة للقوى المتدينة، التي نمت حتى ذلك الوقت بهدوء (وبتشجيع كبير من سلطات الاحتلال، التي رأت فيها وزنا مضادا لمنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية).

أدت الانتفاضة الأولى إلى اتفاقية أوسلو وإلى إعادة ياسر عرفات إلى البلاد. ولكن السلطة الفلسطينية الجديدة لم تنجح في وضع حد للاحتلال وإقامة دولة فلسطينية علمانية. عندما انتشرت المستوطنات في كل أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، تعزز النداء بين أوساط الجمهور الفلسطيني إلى مقاومة المسلحة. وقد برعت الفئات المتدينة بهذه المقاومة. يسهل على الشاب المتدين أن يضحي بحياته في عملية انتحارية أكثر من زميله العلماني.

عزز غضب الجمهور الفلسطيني من ظاهرة الفساد التي التصقت بالمستوى الرفيع في فتح العلمانية (ولكن ليس بياسر عرفات المتزهّد)، شعبية المتدينين، الذين لم تلتصق بهم أية وصمة.



منذ سنوات يراودني كابوس: بأن يكف النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عن كونه نزاعا وطنيا ويتحوّل إلى نزاع ديني.

يمكن حل النزاع الوطني، حتى وإن كان شديدا. في مائتي السنين الأخيرة، نشبت حروب وطنية كثيرة. وانتهت كلها بتسوية إقليمية. هذه النزاعات بالأساس كانت منطقية، ويمكن إنهاؤها بشكل حكيم.

ليس الأمر كذلك في النزاعات الدينية. فالتوصل إلى تسوية حينما يكون كل طرف مقيد بوصايا إلهية مختلفة أصعب بكثير.

يؤمن اليهود المتدينون بأن الله وعد الشعب الإسرائيلي بالبلاد كلها، وتسليم كل جزء منها "للأغراب" هو خطيئة لا تغتفر. أما من وجهة نظر الأصولي المسلم، فإن البلاد هي وقف إسلامي، ويمنع، بأي شكل من الأشكال، تسليم جزء منه إلى الكفار. (عندما قام الخليفة عمرو باحتلال البلاد، قبل 1400 عاما، أعلن عنها "مقدسات دينية". دافعه كان عمليا للغاية: أراد منع جنرالاته من تقسيم البلاد بينهم).

على فكرة، الأصوليون الذين ينادون بالانتقام، والذين يسيطرون الآن على واشنطن، يعتبرون البلاد ممتلكات دينية، وبإعادة اليهود إليها فقط يمكن أن تتاح فرصة عودة يسوع المسيح.

هل ممكن الوصول إلى تسوية بين مثل هذه القوى؟ بالتأكيد ممكن، ولكنه أصعب بكثير. يسمح للمسلم المتدين بأن يعلن الهدنة لمئة عام أو أكثر، دون أن يبذل ذاته. أريئيل شارون، الذي بدأ بإخلاء المستوطنين وحظي بدعم أغلبية الجمهور، تحدث عن حلول مؤقتة طويلة الأمد. ففي السياسة كل ما هو "مؤقت" يتحوّل إلى دائم.

لكن هناك حاجة إلى الكثير من الحكمة، الكثير من الحنكة والصبر، للتوصل إلى نهاية النزاع في هذه الظروف.

في اليوم الذي توفي فيه ياسر عرفات، أثرت غضب الكثير من الإسرائيليين حين صرّحت بأننا سنشتاق إلى هذا الزعيم العلماني، الذي كان مستعدا وقادرا على صنع السلام معنا. قلت بأن انصرافه سيزيل العائق الأخير قبل وصول الأصولية الإسلامية إلى فلسطين إلى كل العالم العربي.



لا حاجة لأن يكون المرء نبيا لكي يدرك ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح