الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة قصيرة مبسطة: هل قامت الأديان فعلا بتغيير جوهري، أم مجرد تلاعب بالمصطلحات؟

حكمت حمزة

2017 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كل مرة افكر فيها بموضوع الأديان، يقفز أمامي دوما وأبدا ذاك السؤال، ليحدث في رأسي دوامة فكرية لا تلبث أن تهدأ وتستقر في نفس النقطة دوما وأبدا، ما هو الفارق النوعي الذي أحدثته الأديان، أي ما الشيء الجديد، وما الذي كان غير موجود قبلها، و وجد بفضلها؟؟
. قد يخيل لك عزيزي القارئ بأني أتحدث عن الصلاة والصيام أو قداس الكنيسة أو شعائر اليهود ...الخ، ولكني فعلا أتحدث عن مفهوم العبودية بشكل عام، و تحديدا من يعبد من، بمعنى آخر، الكيان الذي تقام لأجله تلك العبادات، وتولي الناس وجهها شطر رضاه، حبا به (إذ لا تتجاوز هذه المحبة 1%) والباقي خوافا منه (99%).
-فكرة الأديان، على اختلاف تنوعها من أقصى مشرق الكرة الأرضية إلى أقصى غربها، تدور في فلك واحد، وهو عبادة الرب الذي خلق الكون، ابتغاء لمرضاته، طنعا في جنته، وخوفا من عقابه، وباختلاف الطقوس، والمسميات، والوجهات، إلا أنها جميعا تنصهر في بوتقة واحدة من ناحية الاساس والمغزى.
الشيء الآخر المتشابه في كل الأديان، هو أن جميعها جاءت لتصحيح المفاهيم وعبادة الإله الصحيح، بما أن اقوامهم كانوا يعبدون آلهة مزيفة، أو يشركون مع الله إلها آخر أو آلهة أخرى، أي من الناحية النظرية فإن تلك الرسالات الدينية كانت ذات نهج تنويري في نقل الناس من الظلمات إلى النور. إذا على أرض الواقع، لم تأت الأديان بشيء جديد، فكل مافعلته هو تغيير اتجاه، إضفاء اسم ولون جديد للإله والتعبد له، ومن هذه الناحية، نستطيع القول بأن الأديان لم تأت بشيء جديد، فالعبادة والإيمان وكل ذلك كان موجودا قبلها وبعدها، عمليا لا فرق يذكر سوى بالمصطلحات. فعلى سبيل المثال، الذي كان يعبد صنما حجريا متجسدا، صار يعبد صنما غير متجسد لا يراه، ولا يعرف عنه سوى ما وصل إليه عبر الوسيط البشري بين الإله والبشر.
كان القدماء يتعبدون الآلهة، لكي تحميهم، وتحفظهم وتمدهم بالقوة في حياتهم، وتجعلهم من أفضل الناس، أما بعد الموت فكما ذكرت سابقا، يطمعون في الخلود والحياة الأبدية، والتنعم بمكافئات الآلهة نتيجة اخلاصهم لها في حياتهم. ربما كان بعض الأقوام لا يؤمنون بأن هناك حياة بعد الموت، وأن لا أحد يستطيع إحياء العظام وهي رميم، ولكن بالنتيجة كانت أهدافهم من عبادة الآلهة، على الأقل في الشق الدنيوي، مثيلة تماما لما جاءت به الأديان. الأديان أيضا أتت بنفس المفاهيم، كي يحفظهم الإله وينصرهم، ويرزقهم ويعيشوا حياة ملؤها حب الإله، وبعد الموت أيضا وعدتهم بالخلود والنعيم الأبدي، هنا أيضا يمكننا القول بأنه لا فرق يذكر بين الاثنين.
قبل مجيء الأديان، أو لنقل قبل أن تتبلور في شكلها المألوف للجميع، كان هناك تدرج في هيئة ومسمى ومواصفات رجال الدين، فقد بدأ الانسان القديم بالتوجه نحو العرافين مثلا، باعنبارهم من ذوي القوى الخارقة، لهم مواصفات مميزة عن باقي البشر، يعلموة جزءا من الغيب أو يعلمون الغيب ككل، يسألونهم عن المستقبل وما الذي سيحدث معهم من جيد وسيء، يسألونهم عن القدر المخبئ لهم بالمعني العام للعبارة. فيما بعد جرت عملية تنظيمية للعرافين، فبدل أن يسكن العراف وحده في منزل، أو في كهف، انتشرت المعابد، وهي دور لتقديم فروض الطاعة والقرابين للآلهة، طبعا لكل معبد أشخاص محددون مسؤولون عنه، أصبح اسمهم فيما بعد الكهنة، وللكهنة رئيس، وكان الكهنة مع رئيسهم أيضا من الناس المميزين عن باقي البشر، فهم أدرى بالتعاليم الدينية، واأكثر معرفة وقدرة في التواصل مع الآلهة. ثم جاءت الأديان، فأصبح لدينا بدل العراف أو رئيس الكهنة، ما يسمى بالنبي هو المسؤول عن التواصل مع الإله، وجلب الأحكام الدينية من مصدرها الإلهي، واخبار الناس عما سيحدث مستقبلا إن هم أطاعوا الإله أو عصوه، وبدلا من أتباع العراف أو مجمع الكهنة أسماء أخرى، كالحواريين أو الأتباع، والصحابة...الخ.هنا أيضا لانججد فرقا يذكر بين الأديان وما قبلها، فكله يقومبنس الوظيفة باسم مختلف فقط لا غير.
النقطة الأخيرة، وهي المفضلة بالنسبة لي، هي فكرة الإله نفسه، فكل أمة كانت تعبد إلها وما أو صنما ما أو كوكبا ما، كانت تدعي أن بيده كل شيء، وهو القادر على فعل كل شيء، ينفع ويضر الناس، يعطيهم أرزاقهم أو يمنعها عنهم، يميتهم ويحييهم...الخ من الأفعال والقدراتن الإلهية الخارقة التي نعرفها، وكالعادة جاءت الأديان وادعت بأن تلك الآلهة لا تنفع ولا تضر وليس بيدها شيء، إنما الإله الصحيح (تبعا لكل ديانة) هو الذي ينفع ويضر وهو الذي بيده كل شيء. بيد أننا إن بحثنا في التاريخ، سنجد أنه حتى كل إله دعت الأديان لعبادته، لا ينفع ولا يضر أيضا، وكل ماحدث معهم هو شيء اعتيادي ومنطقي نتيجة الأسباب والظروف التي عاشوها، ولو تركنا الماضي جانبا، ودققنا في حاضرنا والأحداث التي نعيشها، سنجد أن الإله الإبراهيمي (الله)، لم ينفع ولم يضر أحدا، وليس بيده شيء، ولا يجيب الدعاء، ولا يسمع الاستغاثات، ولم ينصر مظلوما ولم يقهر ظالما، رغم الكم الهائل من الدعاءات الموجهة من أمهات ثكلى، وأطفال أيتام . وعجائز مريضة، وشعوب مكلومة مقهورة تفجرت فيها أنهار من الدم، وشعوب أخرى ضربت فيها المجاعة كل شبر، ترى عظامهم بوضوح من شدة الجوع، وترى انكماشات وتجعدات وجوههم وجلودهم من شدة العطش، أولئك يدعون الله ليل نهار، ومع ذلك لم ينفعهم ولم يرسل لهم ما يسدون به رمقهم، فإن كانت كل تلك الآلهة قبل الأديان لا تنفع ولا تضر، ونتيجة المشاهدة والملاحظة وجدنا أيضا بأن الإله الجديد لم ينفع ولم يضر أحدا، يمكننا القول بأن الأديان لم تأتي بشيء جديد من هذه الناحية أيضا.
مما سبق نستنتج مايلي:
أولا: إن كل الأديان التي أتى بها بنو البشر، لم تحدث أي فرق على الصعيد الانساني، فحال ماقبلها كحالها كحال ما بعدها، تغيير أسماء ومصطلحات فقط لا غير.-
ثانيا: الأديان مجرد عملية نصب واحتيال على البشرية، الهدف منها السيطرة على الشعوب وعلى مقدرات الشعوب والوصول إلى كرسي الحكم.
ثالثا: من لم يقتنع بكلامي، ليجرب ويدرس الموضوع من وجهة نظر محايدة، ارفع القدسية عن الأسماء والأشياء وأعد دراسة الموضوع، وسترى بعينك ما ستؤول إليه.
.
.
في النهاية أود القول بأني هنا لا أروج للإلحاد مثلا، ولا اناقش فكرة وجود إله من عدمه، ولا أضرب مصداقية دين ما و أؤيد دينا آخرن إنما طرحت موضوع الأديان بشكل مبسط قريب لعقول جميع البشر، لتتجلى الصورة بشكل أوضح للجميع، ونتيجة لأن الأديان لم تقدم ولم تؤخر شيئا، تبقى العلمانية هي الحل الوحيد للتخلص من براثن الجهل، والتحول إلى طريق التطور والخروج من هذا المستنقع الفكري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفس الطاس والحمام
ابو انور الكوفي ( 2017 / 11 / 13 - 15:22 )
الفارق النوعي الوحيد هو شعور كاذب بالاطمئنان ... والا هي نفس الطقوس والشعائر والممارسات تم تقنين بعضها وتغيير شكلي للبعض الآخر واضافات بصيغة تحسينات ومنع وتحريم لبعض الحالات وهي على الاغلب استنساخات من اديان اخرى


2 - السيد أبو أنور الكوفي...
حكمت حمزة ( 2017 / 11 / 13 - 22:13 )
ضمنيا حتى الشعور بالطمئنان هو نفسه، كان يطمئن لشيء، وأمسى يطمئن لشيء آخر..رأي شخصي طبعا، لم أجد شيئا مختلفا بين ما قبل الدين وبعده، رغم أني كنت من أشد المتدينين التزاما، قبل ان أتحول إلى اللادينية منذ سنوات، الأمر سيان
مع التحية

اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل