الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة والتفاوت في المواهب والمكاسب!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2017 / 11 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العدالة في أبسط معانيها تعني (إعطاء كل ذي حق حقه)(رفع وإزالة الظلم العام والخاص)(رد الحقوق إلى أهلها)(الفصل بين المتخاصمين بالحق)(معاقبة الجاني بما يستحق بدون زيادة ولا نقصان)، وهي بالتالي تعتمد وبشكل أساسي أولًا على (معرفة حقوق الناس) إذ أن الظلم يعني في أبسط معانيه (الإعتداء على حقوق الغير) سواء الحقوق الخاصة (الفردية/العائلية/التشاركية) أو الحقوق العامة (الوطنية/القومية).

وفيما يخص الحقوق الفردية فيجب علينا هنا التمييز بين درجتين من الحقوق:
أولًا: الحقوق الأساسية والأصلية والأولية:
وهي تلك التي يُطلق عليها في الغالب اسم (حقوق الإنسان والمواطن) أو (الحقوق المدنية) أي تلك الحقوق الفردية من حيث المبدأ الفلسفي والحقوقي والدستوري التي تقرها من حيث الأصل كل الشرائع والمواثيق الحالية لحقوق الانسان، كحق الحياة، وحق الكرامة الانسانية، وحق الحرية الشخصية وحق النشاط السياسي وحق العمل والنشاط الاقتصادي والتملك وحق حماية الملكية، وحق العلم والمعرفة والوصول للمعلومات...إلخ..إلخ .... وبالرغم أننا قد نجد فوارق قومية بين بعض المجتمعات الوطنية من حيث وجود اختلافات في بعض التفاصيل والحدود لهذه الحقوق والحريات الفردية لكننا لو تأملنا جملة الحقوق الفردية في كل المجتمعات الراهنة لوجدنا جملةً من الحقوق والحريات هي موضع اتفاق عام، وهذه ما يمكن اعتبارها بشكل عام الحقوق الأساسية والأولية والطبيعية للبشر والتي لا يكتسبونها بجهدهم ولا بمنة من أحد بل هي لصيقة بوجودهم الإنساني الفردي والاجتماعي أولًا لكونهم بشرًا وآدميين (حقوق الإنسان) ، وثانيًا لكونهم أفرادًا في مجتمع وطني ومواطنين في دولة وطنية (حقوق المواطن)، فكل المجتمعات والدول الراهنة تقر بهذه الحقوق الأساسية من حيث المبدأ سواء أن التزمت بذلك من حيث الممارسة والتطبيق والتنفيذ أم لم تلتزم!، وسواء أمارس هؤلاء الأفراد والمواطنون هذه الحقوق والحريات أم لم يمارسوها بالفعل، كمن يمتلك حق المعرفة والتعلم والعلم ولكنه يرفض التعلم ولا يحب تنمية معرفته!، أو من يملك حق التملك وتنمية ملكيته ولكنه لا يرغب في تنمية ممتلكاته!، أو من يملك حق التصويت والترشح فلا يشارك في التصويت ولا يرشح نفسه!....إلخ
ثانيًا: الحقوق الفرعية والفعلية:
أي الحقوق المشتقة والمنبثقة عن تلك الحقوق الأساسية الأصلية أو ما يمكن تسميتها بـ(الحقوق الفعلية المكتسبة)، فالأملاك الفعلية التي بحوزتك هي حقوق فعلية مادية مكتسبة مشتقة ومنبثقة عن حقك الطبيعي والدستوري في العمل والتملك وكسب وتنمية المال، والمعارف العلمية والمهارات الفنية التي اكتسبتها بالفعل من خلال التعلم والتحصيل المعرفي هي مكتسبات وحقوق فعلية مشتقة ومنبثقة عن تلك الحقوق الأساسية الأولية!.
***
ولهذا فإنه لتحقيق العدالة - سواء العدالة الاجتماعية في المجتمع بشكل عام أو لتحقيق العدالة القضائية بين الخصوم أو ايقاع العقوبات على الجناة والمعتدين على حقوق الآخرين - فإن راعي العدالة يحتاج إلى معرفة هذين النوعين من الحقوق:
(1) معرفة الحقوق من حيث المبدأ الفلسفي والحقوقي والقانوني والدستوري والتي ينبغي أن يكون فيها الناس والمواطنون سواسية كأسنان المشط من حيث المبدأ والمنطلق ومن حيث المشروعية بحيث يتمتعون جميعًا بهذه الحقوق من حيث المبدأ الدستوري بشكل متساو لا فرق بين انسان وانسان ولا بين مواطن وآخر.
(2) ومعرفة الحقوق الفعلية المكتسبة بالفعل لهذا الإنسان المواطن بعينه وحيثيته (فلان الفلاني) من خلال ممارسته لحقوقه الطبيعية والدستورية، ففي مجال ممارسته حقه الطبيعي والدستوري في العمل والكسب والتملك وتنمية ممتلكاته، كم أصبح له من ممتلكات حقيقية بالفعل؟ ممتلكات مشروعة وموثقة بوثائق رسمية؟، وفي مجال ممارسته لحقه الطبيعي والدستوري في التعلم وتنمية مواهبه ومعارفه، كم أصبح له من معارف ومعلومات ومهارات فنية بالفعل؟ موثق بوثائق رسمية وشهادات علمية وفنية مُعترفٌ بها قانونًا؟..الخ ، فكل هذه الحقوق الفعلية التي في متناول يد هذا المرء هي حقوق مكتسبة مشتقة ومنبثقة عن تلك الحقوق الأساسية، ففي الحقوق الأساسية الأولية فإن الناس والمواطنين سواسية كأسنان المشط من حيث المبدأ الفلسفي والحقوقي والدستوري أما في الحقوق التطبيقية الفعلية (المكتسبة) فالناس والمواطنون على درجات متفاوتة ومجالات مختلفة!.
***
هل يُولد البشر متساوون بالفعل!؟؟
**********************
الجواب الواقعي أن البشر من حيث المواهب والفرص الواقعية والفعلية وأيضًا من حيث الصحة العصبية والبدنية وجمال الجسم بل ومن حيث الظرف المادي والاقتصادي لا يُولدون متساوون!، بل يُولدون مختلفون ومتفاوتون!، فبعضهم يولد سليمًا وبعضهم يولد معاقًا!، وبعضهم يولد وسيما وبعضهم يولد قبيحًا مشوهًا!، وبعضهم يولد في عائلة غنية وبعضهم يولد في عائلة فقيرة!، بعضهم يولد يتيمًا بلا أبوين ويجد نفسه في دار الأيتام لقيطًا مجهول النسب!، وبعضهم يُولد بين أبوين متحابين حنونين وبعضهم الآخر يولد بين أبوين قاسيين متشاكسين يحطمان أعصابه ويلوثان عقله ويزرعان في قلبه الخوف والحقد والشكوك!!، بعضهم يُولد في مجتمع وبلد غني بالثروات الطبيعية وبعضهم يولد في بقعة جغرافية متصحرة وفي مجتمع بائس فقير يعاني من جفاف الصحراء وقسوة البيئة الطبيعية!، بعضهم يولد في مجتمع متمدن ومتحضر يقوم على احترام حقوق وفردانية وخصوصيات الإنسان الفرد وآخر يُولد في مجتمع متخلف متوحش يأكل فيه القوي الضعيف ويسحق الرجال فيه النساء، ويتنمر فيه الكبار على الصغار، ويحتقر فيها الأصيل كل غريب ولاجيء ودخيل!، بعضهم يولد بمواهب عقلية أو عملية مميزة وبعضهم قد لا يتمتع بمثل هذا القدر العالي من النباهة والمواهب والاستعدادات، وبعض هؤلاء الموهبين قد يرميهم حظهم في عوائل أو مجتمعات تخنق وتسحق المواهب فينتهي بهم الأمر إلى أشخاص فاشلين أو محطمين أو نزلاء السجون والمصحات النفسية والعقلية!!، وهكذا لا يمكن بحال من الأحوال وبنظرة واقعية للحياة أن نقر بأن الناس يولدون متساوون بهذا التعبير المطلق المفتوح !، ولكن إذا قيل لنا أن الناس يُولدون متساوون في استحقاق الحقوق الإنسانية والطبيعية ومن حيث المبدأ الفلسفي والقانوني فهذا صحيح مع ضرورة الانتباه أننا هنا نتحدث عن (ما ينبغي أن يكون) لا عن (ماهو كائن بالفعل)!، كذلك فيما يتعلق بحقوق المواطنة الأساسية فالمواطنون من حيث المبدأ فيها سواسية كأسنان المشط!، ويبقى التحدي الحقيقي والكبير أمام البشر في سعيهم الحثيث لتحقيق الحياة الكريمة والعادلة والفاضلة على الأرض - وبعد اقرارهم بهذه الحقوق الأساسية للأفراد (حقوق الانسان/المواطن) - إيجاد أنظمة ومؤسسات (اجتماعية/اقتصادية/سياسية) تحقق أكبر قدر ممكن من (التوازن) و(التعاون) و(التضامن) (التعادل) و(التكامل) و(التكافل) الاجتماعي والانساني بحيث تقوم هذه الأنظمة والمؤسسات – على المستوى القومي المحلي – وأيضًا على المستوى العالمي الدولي - بمنح (المتخلفين) و(غير المحظوظين) و(غير الموهوبين) و(من يعانون من نقائص وتشوهات ذهنية أو بدنية أو نفسية أو اجتماعية أو مادية) المزيد من الفرص لتحسين ظروفهم المعيشية، فالمجتمع البشري لا ينبغي أن يقوم على (التنافس) فقط بل لابد مع هذا التنافس من (العدالة) وأيضًا لابد من (الكفالة).
***
ماهي أسباب التفاوت في المكاسب بين الأفراد!؟
*****************************
(1) إما بسبب التفاوت في المواهب والفوارق الفردية الطبيعية التي يولد بها الناس، فالأفراد حتى في البيت الواحد قد لا يولدون متساوون من حيث الجمال البدني والتوقد النفسي و الذهني بل ومن حيث الميولات والاستعدادات!.
(2) أو بسبب التفاوت في الظروف العائلية أي في عامل الوراثة على مستوى وراثة الخصائص البدنية والعصبية (الجيدة أو السيئة) أو على مستوى وراثة الأملاك والثروة المادية (العالية أو المنخفضة)!.
(3) أو بسبب اختلاف المكان!، أي اختلاف الظروف الوطنية والقومية ففرق بين إنسان وُلد في موطن صحراوي جاف فقير الثروات وبين قوم متخلفين حضاريًا وعلميًا وتقنيًا ، وإنسان آخر ولد في وطن بطبيعة غنية بالماء والغذاء والثروات الطبيعية وسكانها على مستوى عالٍ من العلم والمعرفة والمهارات والتقنية!، فلا شك أن فرص هذا الأخير بشكل عام أكبر وأكثر!.
(4) أو بسبب اختلاف الزمان!، فلكل عصره ظروفه وملابساته، إيجابياته وسلبياته، فهناك من يولد في زمن الإنتصار الوطني أو القومي أو العسكري للمجتمع أو يولد في زمن الازدهار والانتعاش الاقتصادي والمعرفي والأدبي والفني والأخلاقي وعصر التسامح والانفتاح!، وهناك من يولد في زمن الكوارث الطبيعية والصراعات السياسية والجهوية والطائفية الحادة وفي زمن الحروب الأهلية والدولية أو زمن انتشار الارهاب وانعدام الأمن والاستقرار، وزمن الانحسار والانكماش الاقتصادي والأدبي والفني والضمور الفكري والانحطاط الاخلاقي، وهكذا فلا شك أن هناك تفاوت في حظوظ الأفراد من حيث ولادتهم في عصر دون عصر كإختلاف حظوظهم من حيث ولادهم في مصر دون مصر!.
وبهذا، فلا شك أن الفوارق الفردية (البدنية والذهنية والعصبية والمزاجية) والفوارق العائلية والوطنية والقومية والزمانية تنعكس على الأفراد وتكرس الفوارق الفردية بين الأفراد كما تجعل هناك (فجوة) بين فرصهم وحظوظهم في الحياة!، ولكن التاريخ يعلمنا أنه بالرغم من ذلك فإن الإنسان – فردًا أو مجتمعًا – قادرٌ - بإرادته وجهده ووعيه ونضاله – إذا عقد العزم على تغيير مسار حياته وتحسين ظروفه – على أن يتجاوز هذه الفوارق والتحديات ويحقق طموحاته في حياة أفضل له ولأولاده من بعده!، فنجد إبن الطبقة الفقيرة أو البلد المتخلف ينجح ويعلو في درجات العلم أو المال أو الشهرة والمواهب فينتقل من طبقة اجتماعية وضيعة إلى طبقة اجتماعية رفيعة، بينما ذاك الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب قد يفشل في كسب المعرفة وكسب احترام الناس وتحقيق علاقات اجتماعية ناجحة بل وقد يضيّع تلك الثروة التي ورثها عن أبائه وأجداده بسبب غياب الحكمة والرشد وضعف الارادة أمام الشهوات والنزوات وبالتالي يفقد ويخسر كل الفرص الكبيرة التي ولد وسطها والتي كانت في متناول يديه بكل سهولة ويصبح في أسفل السافلين!!.
**********








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر