الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة الكورية الى أين؟

جورج حداد

2017 / 11 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


تحت عنوان "شبه الجزيرة الكورية: الدبلوماسية أم الحرب؟" نشرت الجريدة الالكترونية الروسية "نيزافيسيمايا غازيتا" مقالا للباحث البروفسور غيورغي تولورايا، رئيس المركز الستراتيجي الروسي للشؤون الاسيوية التابع لاكاديمية العلوم الروسية. وننقل فيما يلي اهم ما جاء في هذا المقال نظرا لاهميته:

بتهديده أميركا، اجتاز زعيم كوريا الشمالية كيم تشين أون الخط الاحمر.
وبالرغم من العقود التي انقضت منذ وقف الأعمال الحربية في كوريا في تموز/ يوليو 1953 - سواء الحرب الأهلية أو الاشتباك بين النظامين داخل العالم الثنائي القطبية الذي كان يضم الصين (واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وراءها) وبين الولايات المتحدة الاميركية، لم يتغير الى الان جوهر ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية. وخلال أحداث 60 عاما مضت لم يحقق أي من الطرفين ما يرغب فيه. ويأمل كل طرف أن "العدالة التاريخية" في رأيه التي تقع الى جانبه ستنتصر عاجلا أو آجلا.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت كوريا رهينة في "اللعبة الكبرى" للقوى العظمى، وعلى وجه التحديد الآن، اذ يختفي النظام العالمي ذي القطب الواحد "المتمركز في أميركا"، ويجري إيجاد توازن جيوسياسي جديد مع عدة مراكز للقوة.
وبالتالي فإن المخاطر مرتفعة، ولا تقتصر على قنبلة كوريا الشمالية. لذلك، من وجهة نظر "تفاؤلية"، مهما كان الوضع سيئا، لا ينبغي اليأس: لان الوضع يمكن أن يصبح أسوأ من ذلك. واليوم، فإن شدة الأزمة، ربما هي في الذروة - ولنذكر أن الرئيس الأمريكي وبكل جدية هدد كوريا الشمالية بـ"الدمار الكامل". ان كوريا الشمالية كانت منذ فترة طويلة تخشى ذلك، وبالتالي كانت تعمل بحماس لخلق "رادعها النووي" والان تعمل لتحسينه.
وقد بدأ العمل بهذا البرنامج، فضلا عن تصميم الصواريخ، منذ عقود: وليس من المستغرب أنه بعد انهيار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، فإن قادة كوريا الشمالية، فقدوا الحلفاء، فبذلوا كل جهودهم لخلق الضمانة الوحيدة التي تحمي بلادهم من التدخل الخارجي. وقد ساعدتهم أمثلة يوغوسلافيا وليبيا والعراق على التمسك برأيهم القائم على بصيرتهم الخاصة.
واليوم، تفتخر جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بإمكانية إنتاج قنبلة نووية حرارية (وقد تأكد ان التجربة التي جرت في 3 سبتمبر / أيلول، كانت بقوة انفجار 250 كيلوطن) (ملاحظة: قوة انفجار قنبلة هيروشيما كانت 20 كيلوطن). كما أنها تمكنت من صناعة الصواريخ الباليستية عابرة القارات، واكدت تجارب صاروخ هواسون -12 وهواسون -14 أن البلد لديه مثل هذه التكنولوجيات (ويقال ان ذلك لم يكن بدون الحصول على تكنولوجيات الصواريخ بطرق غير مشروعة من الخارج). ولا تزال هناك شكوك حول ما اذا كانت كوريا الديمقراطية فى وضع يسمح لها بتركيب رأس حربي نووي على الصواريخ وايصال الشحنة القاتلة الى النقطة المنشودة وما اذا كان من الممكن اسقاط الصاروخ بأحد الصواريخ المضادة الاميركية. ولكن لا احد يستطيع التحقق من ذلك. وقد هددت كوريا الشمالية بالقيام بالفعل بالاختبارات في المحيط الهادئ لاقناع المتشككين.
واليوم، يعتقد المزيد والمزيد من "الصقور" فى الولايات المتحدة انه من الضرورى المخاطرة قبل فوات الاوان، وان الجيش الاميركي "تحسبا لاي احتمال" يقوم باستعدادات روتينية لضرب كوريا الديمقراطية وتدمير قدراتها النووية. ويأمل البعض ألا يؤدي ذلك إلى التصعيد وبداية حرب شاملة.
في السابق، لم يكن الأمر كذلك: فهل ان هذه الحالة تقتصر على شخصية دونالد ترامب، الذي طرح في صلب أجندة السياسة الخارجية مسألة منع بيونغ يانغ من إنشاء ترسانة قادرة على تهديد أميركا؟
والواقع هو أنه في السابق، وبالرغم من جميع اتهاماتها بـ"العدوانية"، لم تكن جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، بحاجة إلى مهاجمة جيرانها - وكان القصد من نظامها الردعي هو الدفاع عن النفس. ولكن الاميركيين، بصرف النظر عن الحرب الخطابية العمومية، كانوا يستفيدون من التوتر في شبه الجزيرة الكورية. فـ"الفوضى المدارة" كانت تسمح لهم بالاحتفاظ بقبضة عسكرية كبيرة في آسيا والضغط على الصين، المنافس الجيوسياسي الرئيسي لاميركا.
ولكن كيم تشين اون غيّر اللعبة وتجاوز الخط الاحمر: اذ بدأ يهدد أمريكا نفسها، حيث أنه تمكن من صنع ليس فقط الرؤوس الحربية النووية، ولكن أيضا وسائط ايصالها. إن التهديد بشن ضربة نووية لاراضي الولايات المتحدة الاميركية لم تعد لدى مخططي البنتاغون مسألة خيال هوليودي بل اصبحت واقعا مخيفا.
ولكن بالرغم من الشكوك حول حقيقة هذا التهديد، فإن الاشخاص ذوي المصلحة لا يتوقفون عند هذه الشكوك، بل يهمهم التركيز على خطر التهديد القائم وضرب ميزانية الدولة لمصلحتهم.
والولايات المتحدة لن تكون هي الولايات المتحدة، "زعيمة العالم الحر"، و "المدينة المتلألئة فوق المرتفع"، إذا تهاونت امام التهديد الحقيقي لاحد المنبوذين الدوليين. إن التاريخ الطويل للحرب الباردة يلزم اميركا، كبديل للحرب الساخنة، بقبول اتخاذ مواقف شبيهة بمواقف المواجهة مع روسيا والصين (وقد لعب مثال أزمة الكاريبي في عام 1962 دورا هاما على هذا الصعيد).
ويستند هذا التعايش القسري إلى مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد"، وتواصل الولايات المتحدة محاولاتها لتقويض هذا التوازن الستراتيجي (بما في ذلك من خلال إنشاء الدرع الصاروخية والاسلحة عالية الدقة). ولكن نظام كوريا الديمقراطية لا يدرج بأية حال من الأحوال في نظر الأميركيين كلاعب فاعل في السياسة الدولية، وبالتالي فإن "التسليم" له بذلك من شأنه أن يقوض أسس الهوية الأميركية. والواقع إن الاعتراف الفعلي بالوضع النووي لكوريا الديمقراطية والانتقال إلى سياسة الردع البارد ضدها محفوفان بعواقب غير مريحة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة: ان ذلك يمثل ضربة خطيرة لنظام حظر الانتشار النووي وله "تأثير الدومينو"، وضربة لمكانة أميركا باعتبارها زعيمة عالمية تقوم زعامتها على الاحتكار النووي، وستكون لذلك عواقب سياسية سلبية خارجية وداخلية بالنسبة لاميركا.
إن التهديد بسيناريو عسكري، خلافا للعقود الأخيرة، نما بشكل ملحوظ. ولا يمكن لأحد أن يعتقد جديا في احتمال قيام كوريا الشمالية بعدوان غير مبرر ضد الولايات المتحدة (وهذا سيكون سخيفا وانتحاريا)، ولكن الأميركيين يجادلون في قيام كوريا الشمالية بمثل هذا العدوان المغامر من منظور منع كوريا الشمالية من الشعور بالإفلات من العقاب لان ذلك يمكن أن يدفعها ليس فقط لابتزاز شركائها بهدف الحصول على تنازلات، ولكن أيضا في امكانية القيام بمغامرة تتمثل بمحاولة توحيد كوريا عن طريق شن هجوم خاطف مع توقع أن الولايات المتحدة لن تتدخل (خوفا من ضربة نووية انتقامية)، وفي هذه الحالة فإن كوريا الجنوبية سوف تستسلم.
وهكذا، فإن ترامب وكيم، مثل قطارين متواجهين يسرعان للاصطدام احدهما بالاخر، يواجهان خيارا فوريا: اما الانزلاق الى الحرب أو الجلوس الى طاولة المفاوضات. وتخشى سيؤول من ان لا تستطيع الولايات المتحدة منع وقوع الخسائر الفادحة بين سكان جمهورية كوريا وتدمير البلاد فى حالة تنفيذ السيناريو العسكري وقيام كوريا الديمقراطية (الشمالية) بتوجيه ضربة انتقامية لها. وفي حالة وقوع العدوان الأميركي فإن الصين سوف تتدخل في الوضع وبالتالي يتحول الصراع المحلي حتما إلى صراع دولي. وعلى الرغم من اعلان بكين انها لن تتدخل فى حالة اندلاع الحرب ضد كوريا الديمقراطية، الا انه في الواقع هي مضطرة ان تفعل كل شيء من اجل الحفاظ على الدولة الكورية الشمالية، كـ"دولة تابعة" او "منطقة عازلة".
وحسب رأي المتشائمين، فإن الزيارة التي سيقوم بها ترامب الى المنطقة في تشرين الثاني سوف تستخدم من اجل حصول الولايات المتحدة على"تسوية ما بعد الحرب" (اي تقاسم مناطق النفوذ) مع الصين واقناع بكين بقبول "الحل العسكري المحدود". ومن الضروري أيضا تطمين قيادتي كوريا الجنوبية واليابان الحذرتين من انه يمكن ببساطة التضحية بهما من أجل الحفاظ على الوضع المهيمن للولايات المتحدة في العالم. لقد سئمت بكين من "زبائنها الكوريين الشماليين"، واليوم من الممكن بالفعل أن نتصور ما لا يمكن تصوره: أنه في شروط معينة، يمكن أن توافق بكين على "ازالة الدمل" مقابل، ونتيجة لذلك، زيادة النفوذ الصيني في المنطقة.
وحتى الان، بدون ان تقرر اللجوء الى الحرب، تسعى الولايات المتحدة الى عزل النظام الكوري وإضعافه من خلال العقوبات والحصار الاقتصادى الفعلي بحجة ان هذا قد يجبر قيادة كوريا الديمقراطية على تغيير اولوياتها. وبطبيعة الحال، لن تفرض أية عقوبات على بيونغ يانغ الاستسلام والتخلي عن الدرع النووية التي تم إنشاؤها بكل هذه الجهود (وكما قال فلاديمير بوتين بدقة: "انهم سيأكلون الحشائش، ولكنهم لن يتخلوا عن الأسلحة النووية"). وفي الوقت نفسه، فإن العقوبات، وفقا لملاحظاتنا، تؤثر بالفعل سلبا على فرص التنمية الداخلية وستؤدي قريبا إلى انخفاض مستوى المعيشة (ولكن ليس بالضرورة انخفاض مستوى الدعم للنظام)، على الرغم من أن البلاد حققت في السنوات الأخيرة نموا اقتصاديا كبيرا بسبب الإصلاحات غير الرسمية على أساس متطلبات السوق.
هل من الممكن إيجاد حل عن طريق الدبلوماسية؟ هذا يتطلب إرادة سياسية من كلا الجانبين. ان هدف كوريا الديمقراطية هو واضح: ان بيونغ يانغ تسعى الى اجبار الخصوم على اضفاء الطابع الرسمي على نتائج الحرب التي تفترض وجود جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كدولة مستقلة والاعتراف بها واعطاءها ضمانات حقيقية لفرص الامن وامكانية التنمية. ولكن الموقف الاميركي يراوح مكانه: ان المؤسسة الحاكمة للولايات المتحدة ليست فى وضع يمكنها من اتخاذ قرار استراتيجي بالاعتراف بكوريا الديمقراطية، ومن ثم تنزلق الى الهستيريا. وعلى الرغم من الاتصالات السرية، لا يمكن للطرفين الاتفاق على اعلان ما يتم الاتفاق عليه.
اما سياسة سيؤول فهي متناقضة. ويبدو أن القيادة الديمقراطية الجديدة لجمهورية كوريا الجنوبية قد فهمت أنه ليس هناك أمل في توحيد كوريا بالقوة تحت رعايتها، وهذا يعني أنه من الضروري إيجاد شكل للتعايش السلمي، لا يتسم بالود. ولكن رئيس جمهورية كوريا، مون تشي يين، يحاول "الجلوس على كرسيين" - فمن جهة يحافظ على شعارات التعاون مع الشمال، التي جاء تحتها الى السلطة، ومن جهة ثانية يخضع للإملاءات الاميركية التي تدعو الى عزل كوريا الديمقراطية. وفي الوقت الذي يطمح فيه الى عدم إضعاف علاقات التحالف مع الولايات المتحدة، فإن مون يسعى في الوقت ذاته إلى التقارب مع الصين وروسيا.
ما هو المخرج؟ ان روسيا والصين على السواء تدعوان الى ايجاد حل تفاوضي للمشكلة على اساس متعدد الاطراف (ان الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية ضرورية ولكن بدون ضمانات من قبل الدول الكبرى يمكن للاتفاقيات الثنائية ان تنهار في اي وقت). ونظرا للعلاقة المتوترة الحالية بين بكين وبيونغ يانغ، فإن روسيا تحصل على فرصة لتصبح صانعة للسلام (وبالمناسبة، يعتمد الكوريون الجنوبيون كثيرا على ذلك، وهم يدعون بوتين للعب دور "رجل إطفاء" لإطفاء اللهب في شبه الجزيرة الكورية). ومن أجل تفادي نشوب صراع مدمر شامل، يتوجب على روسيا ان تعمل على الحفاظ على الوضع الراهن (الستاتيكو)، حتى لو كان ذلك يعني نشوء قوة نووية بحكم الأمر الواقع على حدودها.
كيف يمكن لروسيا المضي قدما في هذا؟ من الممكن، على سبيل المثال، أن تبدأ بحزم: أن تدعو لعقد مؤتمر رفيع المستوى متعدد الأطراف تحت رعاية الأمم المتحدة، وأن تعلن أطر الاتفاقات المقبلة. ولكن ربما لا يوجد أحد على استعداد لهذا حتى الآن. وهذا ما يدفع روسيا ان تباشر بشكل تدريجي بوضع "خريطة طريق" بالاشتراك مع الصين. ولتتضمن "الخريطة" المراحل الثلاث التالية (التجميد المتبادل للاختبارات والتجارب، وإبرام اتفاقات أساسية ثنائية، وإنشاء نظام أمن جماعي)، واذا تعذر ذلك فليكن هناك "قاع مزدوج": المهم هو بدء العملية الدبلوماسية وتجميد كل من برنامج الصواريخ النووية الكورية الشمالية، وحشد القوات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، الأمر الذي سيبعد الطرفين عن حافة الهاوية. ان العملية الدبلوماسية تعني الحفاظ على الصراع، وفي هذه الحالة فإن هذا الخيار ليس هو الأفضل، ولكنه ليس الأسوأ.
إن الواقع الجيوسياسي الجديد يسمح لاتحاد روسيا والصين بأن يأخذ على عاتقه هذه المهمة الطموحة، التي تكتسب اهمية خاصة بالنسبة لكلا البلدين المتاخمين لكوريا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي