الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زواج القاصرات الاصل الديني الروائي

حسين سميسم

2017 / 11 / 16
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


الحلقة الثالثة
اجمع الفقهاء على ان خبر زواج النبي من عائشة هو الخبر الاقوى الذي اباح زواج القاصرات ، وقد اعتمد المفتي في الوصول الى هذه النتيجة على روايات اعتبرها روايات صحيحة وصلت الى حد التواتر ، وينتهي غالب تلك الروايات بشخص واحد هو هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عن عائشة ( ليس عن النبي ) . وهو صاحب رواية ارضاع الكبير ، وروايات قدرة النبي الجنسية وكثير من الروايات التي يقف امامها الباحث المسلم موقف التعجب والاستنكار . ويوجد طريقان لبحث هذه المسألة :
الاول : الاقرار بحصول هذه الزيجة ، وان عائشة تزوجت من النبي وعمرها ست سنين ودخل بها في السنة الثانية للهجرة وكانت تبلغ من العمر تسع سنين . واستخدم الفقيه هذا الخبر حجة له في فقهه ودليلا في فتواه ، واعتبرها من سنن النبي التي يجوز الاقتداء بها ، فقد شرعها النبي الذي هو احد مصادر التشريع الى جانب الله والاجماع والقياس او العقل . وبرر الفقيه هذا الفعل بان النبي لم يقصد اجراء العلاقة الجنسية بطفلة قاصرة بل يريد ان يشرع ذلك بفعل منه يشهد عليه المسلمون ويكون حجة لهم وعليهم ، ويلاحظ ان هذا التشريع لم يشرعه القران بنص لا بعد حدوثه ولا قبله . فقد شرع القران حرمة التبني بعد زواج النبي من زينب بنت جحش ، وجواز الزواج من زوجة الابن المتبنى ، ولم ترد أية آية قرانية تبيح الزواج من ذات التسعة .
لقد اطلق الفقهاء حكم الزواج من ذات التسعة ولم يقيدوه ويخصصوه بالنبي ، وسمحوا به لكل المسلمين والمسلمات ، واجازوا الزواج من عمر الرضاعة والدخول بالبنت بعد البلوغ ، لكنهم اختلفوا في قاعدة البلوغ : هل هي تسع سنين حسب رواية هشام بن عروة ؟. او بلوغ البنت اول حيضة حسب ما ذهب اليه بعض الفقهاء ، وهو قد يتاخر لدى بعض البنات ؟. او قدرتها على تحمل الفعل الجنسي؟ ولم نعرف الجهة التي تقدر هذا الامر ( البنت نفسها ، امها ، الزوج ، او القاضي ) ، واختلفوا كذلك في ربط سن البلوغ بسن الرشد . ويعني ذلك اننا امام امر واحد تفرع الى ابواب واجتهادات عدة .
ان هذه التداعيات الفقهية حدت بالفقيه ان يختار طريقا من طريقين : فاما ان يقول بان فعل النبي مطلق وغير مقيد بشخصة وبذلك يجوز للناس اتباع النبي في هذا الامر ، واما ان يقول بأن فعل النبي هذا مقيد وخاص به دون غيره ، فالنبي فعل اشياءا قيدت بشخصه مثل الزواج من 12 امرأة حيث ترك بعد موته تسع نساء ، وهذا طبعا يخالف النص القرآني الذي يبيح الزواج من اربع نساء كحد اعلى ، وهذا الامر معروف والدلائل عليه اكثر من تحصى ، كما ان النبي رضى ان توهب المرأة نفسها اليه يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين (انظر الاحزاب 50) دون عقد او مهر وهو يخالف وجوبهما في الزواج ، كذلك حلية النساء اللاتي هاجرن معه ..
. . كما ان الفقيه لم يوضح نوع هذا الزواج ولم يطلقه لسائر المسلمين .
كما توجد اشياء مختصة بالنبي منها :
-- عدم جواز تبديل ازواجه او الزواج عليهن منذ ورود النص في سورة الاحزاب ( لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدل بهن من ازواج ولو اعجبك حسنهن الا ما ملكت يمينك )( الاحزاب 52) .
-- عدم السماح للنبي في الزواج من كتابية حرة الا ان تكون امة جارية ، نظرا لتناقض ذلك مع سورة الاحزاب ( وازواجه امهاتكم )(الاحزاب 6) فكيف تكون ام المؤمنين كتابية .
-- ومن مختصات النبي ان نساءه لا يتزوجن من بعده فهن امهات المؤمنين كما اسلفت . لقد تسالم الفقهاء على ان هذه الامور هي امور مقيدة بحياة النبي لا يمكن اطلاقها لسائر الناس ، فلماذا لم يقيد الفقيه فعل الزواج من عائشة بهذا العمر الصغير ، واعتبارها مسألة مختصة بالنبي ؟. خاصة وان الزواج من الصغيرة والقاصرة لم يكن شائعا في مكة او في المدينة عكس ما يروجه البعض من شيوع هذا الامر في ذلك الزمان ، فلم نجد صحابيا تزوج من قاصرة ، والروايات التي ذكرت شيئا من ذلك كلها ضعيفة وفاقدة للشهود . ولغرض جعل الامر معقولا برر البعض بان الجو في الجزيرة العربية من حر شديد كان يسرع في بلوغ البنت ويحولها الى امرأة ، وهذا الامر هو كذبة مغرضة لتبرير امر لم يبرهن عليه التاريخ ولا الجغرافيا ،لان الحرارة الان فاقت مثيلاتها ايام الدعوة النبوية ، ولم نر تغيرا يذكر في نمو البنات ولا بلوغهن .
ان عدم شيوع الزواج من قاصرة خلال الفترة النبويه يفهم منه مايلي :
1) في حالة حدوثه فعلا فانه كان مقيدا وخاصا بالنبي دون غيره .
2) وفي حالة عدم حدوثه تكون النتيجة واحدة . وبالتالي فان تشريعه لعامة المسلمين هو خطأ فقهي .

الثاني : وضع الرواية في مختبر التاريخ وفي مختبر السند والبحث عن وثاقة الراوي ، ويوضح ذلك امكانية صحة او عدم صحة وقوع الحدث استنادا الى المباني الاسلامية التي يتفق عليها اكثرية المسلمين ، ولا اريد ان اثقل على القارئ كثرة الاسماء والتواريخ والعنعنة فهي موجودة في النت ويستطيع من يريد التوسع الذهاب لامهات الكتب التاريخية . وساختصر ذلك كما يلي :
أ -- الشكوك التاريخية بالرواية : ان من يقارن عمر اسماء بنت ابي بكر بعمر عائشة يظهر بأن عمر عائشة حين زواجها بالنبي كانت بين 16 سنة الى 20 سنة على اختلاف الروايات .كما ان حساب عمر عائشة بالنسبة الى عمر فاطمة الزهراء يبدل تلك الارقام قليلا ، حيث ان الصديقة فاطمة ولدت في عام بناء الكعبة والنبي كان عمره 35 سنة ، وتكبر فاطمة عائشة بخمس سنين وفي الحساب يظهر ان عمر عائشة حين زواجها بلغ حوالي 14 سنة .كما ان خطبة جبير بين المطعم بن عدي عائشة قبل خطبة النبي لها يجعلها اكبر سنا من الروايات التي يعتمد عليها الفقهاء الذين يقولون بان عمرها كان حسب تلك الروايات 5 سنين ، وذلك يجعل الامر غير معقول ، فليس من المتعارف عليه خطبة الاطفال بهذا العمر في مكة او المدينة ، كما ان رواية البخاري التي تقول بان عائشة كانت جاربة وتلعب حين نزول سورة القمر في السنة الرابعة لبدء الوحي يتناقض مع تلك الروايات ويؤكد خطأها .
ب -- سند الرواية : ينتهي سند روايات زواج عائشة من النبي الى عائشة نفسها ، وكان الراوي هو عروة بن الزبير بن العوام ( 23- - 94 ) وقد رواها ابنه هشام بن عروة ، ونقلها البخاري بخمس طرق تنتهي كلها بهشام بن عروة عن ابيه ، وكان مالك بن انس صاحب كتاب الموطأ لايرضى رواياته وانه نقم عليه !! . اما حال عروة فأنة يجذب الشك والنقد ، فقد كان موسرا وبنى قصرا كبيرا في منطقة العقيق ، وقد سرق بيت مال اخيه عبد الله بن الزبير وهرب به - بعد ان تاكد خبر سقوط اخيه - الى عبد الملك بن مروان ، وتوجد روايات عند ابن عساكر توضح نفعية عروة وحبه للدنيا ، كما انه احرق كتبه خوفا من وجود روايات تسئ الى بني امية فيها ( انظر ابن عساكر تاريخ دمشق ج 40 ص 258 وابن حجر في التهذيب ). وخلال وجوده مع حكام بني امية روى معظم الروايات التي تسيئ الى شخص النبي والى نسائه . فقد كان ذلك يصب في صالح بني امية نظرا لعدائهم القديم مع بني هاشم .
ان شخصا بهذه المواصفات وهذه الظروف لاتقبل رواياته وتعتبر من الروايات المشكوك في دوافعها ، وقد قال عنها اية الله كمال الحيدري بانها روايات اموية . كما ان طريق الرواية مر بهشام بن عروة ( 61 -- 146 ) الذي خلط في نهاية حياته واصبحت رواياته في تلك الفترة غير مقبولة واعتبره النسائي مدلسا .
اما الروايات الشيعية التي تنص على جواز الزواج من ذات التسعة فان معظمها ينتهي بالامام جعفر الصادق وهو ما لم يثبته البحث السندي . وقد وردت تلك الروايات في الكافي وبحار الانوار ، والاول هو من اقدم واكبر موسوعة حديثية معتمدة عند الشيعة ويحتوي على ( 16199) حديثا ، وهو واحد من اربعة كتب هي: من لايحضره الفقيه للصدوق ويحتوي على (5998 ) حديثا ، والتهذيب للطوسي ويحتوي على (13905 ) حديثا ، والاستبصار للطوسي ايضا ويحتوي على (5511) حديثا . وتوجد كل هذه الاحاديث مجموعة ومصنفة في موسوعة بحار الانوار لذلك سوف لن افصل بحثا او تنقيبا في جميع تلك الكتب لان ذلك يثقل على القارئ .
لقد ذكر المجلسي في بحار الانوار اربعة احاديث في باب ( الحد الذي يدخل بالمرأة فيه ) وهو حد تسع سنين (باب 13) وقام نفس الكاتب بتقييم تلك الروايات وقال بان واحدة فقط منها صحيحة والباقي ضعيف ، ثم جاء الباحث المعاصر آية الله اصف محسني الذي بحث في جميع روايات بحار الانوار حسب مباني السيد الخوئي ووجد ان كلها ضعيفة ولا ترقى للاعتبار ( انظر كتاب مشرعة بحار الانوار ج2 ص 486 ) .
ان هذه الدلائل تبين ان الفقيه يقف في هذا المورد في منطقة الفراغ ، وهي منطقة ظنية لاترقى الى مستوى المحاججة ، ويعني ذلك انه لايعتمد على نص مقدس في فتواه ، ولا على اساس رواية صحيحة ، ولا على اساس حدث تاريخي وقع فعلا ، بل اعتمد على تفسير ظني سابق غير متطابق مع النص القراني ، وعلى اساس روايات لم يبرهن عليها التاريخ ، وحسب روايات ضعيفة السند ورجال لم يكن من المعقول اخذ رواياتهم بنظر الاعتبار ، ويعرف كل الفقهاء قاعدة ( اذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال ) ونحن ازاء اخبار محتملة الوقوع ، ومحتملة النقل ، ولا يستطيع العقل الاقرار بها ،كما لا يمكن تطبيقها مطلقا ، فهل حدث فعلا ان واحدا من الشيعة كان او من السنة تزوج بنتا قبل السنة التاسعة وتلذذ بها او لاعبها جنسيا ؟ . ان العرف والذوق لايسمحان بهذه الممارسات الشاذة ، لذلك اطلب في هذه المناسبة مراجعة الاحكام الفقهية وغربلتها في هذا الباب بشكل خاص وطرح السقيم منها بعيدا ، فالاحكام الشرعية تدور مع علتها وقد تختلف العلل في الزمان والمكان ، فلو حكم الفقيه في علة معينة وفي زمان سابق فان هذا الحكم لايلزمنا بل علينا النظر للمتغيرات التاريخية والحضارية والتفكير جديا بمسالة الاحكام الاخرى كالرق وقطع اليد والجلد والرجم وعمر الزواج ومدة الحضانة والارث والوصية وفترة الحمل والنسب ، ونخرج من ذلك باحكام اسلامية تتصالح مع الواقع وتعبر عنه ، ولا تسبب الضرر لاحد .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اذا اختلت قواعد البيت سقط البناء
سمير آل طوق البحرأني ( 2017 / 11 / 16 - 06:44 )
اخي الكريم بعد التحية.الاسلام بني على قواعد مرسومة ومثبتة واي جهد لتحريك تلك القواعد او ترميمها هو تمهيد لسقوط ذاك البناء وان القاعدة الام هي شهادة ان محمدا رسول الله وانه لا ينطق عن الهوى وان ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وان حلاله حلال وحرامه حرام الى يوم القيامة وان العبرة بعموم اللفظ لا بسبب النزول فعن اي اعادة النظر تتكلم؟. فاذا اعيد النظر في الرق وقطع اليد والجلد والرجم وعمر الزواج ومدة الحضانة والارث والوصية وفترة الحمل والنسب ، لتتصالح مع الواقع وتعبر عنه ، ولا تسبب الضرر لاحد فهل يصح بان تسمى احكام اسلامية وهل يبقى للاسلام والاعتراف بنبيه اي معنى؟ . اخي الكريم ان هذا الطلب صعب المنال والاولى ان تطالب بابعاد الدين عن الدولة وجعله شان شخصي وتطبيق الاحكام المدنية التي تسنها البرلمانات المنتخبة فقط ولا دخل للامة بفتاوى الفقهاء ـ وبالاخص في الامور الدنوية ـ لانها آرراء شخصية مبنية على روايات ظنية وضررها اكثر من نفعها وجعلها مقنصرة على العبادات الشخصية كـ الصاة والصيام والحج وغيره.
عن المرء لا تسال وسل عن قرينه ** فكل قرين للمقارن ينسب
انت تعرف الحكم العراقي ومن قرينه


2 - شكر
حسين سميسم ( 2017 / 11 / 16 - 09:45 )
اتفق مع ما قلت فالفقه قضية بشرية وكل ما شرع في المدينة هو من مضتضيات السلطة وبذهابها لابد من قوانين جديدة تتناسب مع الواقع الجديد ، فالدين في رايي مسالة شخصية واختيار فردي لايتضرر منه الاخرون ، تحياتي


3 - الخصخصه
Almousawi A.S ( 2017 / 11 / 16 - 10:30 )
استاذنا القدير الجميل ابو علي حسين سميسم
لقد استمتعت كثيرا
بجمال طرحك
لهذا الكم الهائل من الروايات
وكذلك من مسأله الخصخصه
في نساء النبي وحكومه العراق
من خلال هذه الروايات اتعجب كثيرا
لماذا لا تقص هذه كامله
على بعض البرلمانيات
المؤيدات لزواج القاصرات
ليقمن بدورهن
امام زملائهن من الرجال
اسوه حسنه بزوجات نبيهن بدون خصخصه او حياء
والغريب كيف كانت تواريخ ميلاد الاناث مؤكده ودقيقه
وصاحب هذه المداخله ابن القرن العشرين
لا يعرف الا انه ولد بيوم ممطر جدا
نقلا عن طيبه الذكر الوالده العزيزه الحجيه ام عبد الواحد
احسنت وابدعت التشخيص استاذنا العزيز

اخر الافلام

.. رواية النصف الحي


.. زواج القاصرات كابوس يلاحق النساء والفتيات




.. خيرات فصل الربيع تخفف من معاناة نساء كوباني


.. ناشطة حقوقية العمل على تغيير العقليات والسياسات بات ضرورة مل




.. أول مسابقة ملكة جمال في العالم لنساء الذكاء الاصطناعي