الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصور صدّام حسين وعمليّة الاختطاف

كامل علي

2017 / 11 / 16
سيرة ذاتية


بعد انتهاء حرب الخليج الثانية ( حرب الكويت ) طلبت نقلي من مقر عملي في المركز القومي للاستشارات الهندسية والمعمارية في بغداد التي كانت احدى المؤسسات التصميمية التابعة لوزارة الاسكان والتعمير الى شركة طارق للمقاولات التابعة لنفس الوزارة وبذلك تحقق حلمي منذ ايام الدراسة الجامعية بان اعمل بعد التخرّج في احدى الدوائر الهندسية في مدينة كركوك وأُسّس مكتبا معماريا خاصا امارس فيه اختصاصي.
قلت تحقق حلمي لانّي خلال عملي لمدة خمسة عشر عاما في بغداد قدّمتُ اربع طلبات للنقل ولكن تمّ رفضها من قبل لجنة شؤون الشمال بسبب سياسة تعريب مدينة كركوك التي كانت احدى ممارسات سلطة البعث حينذاك نظرا لانتمائي الى القومية التركمانية.
حسب توجيهات صدّام حسين بدات دائرة الشؤون الهندسية التابعة لرئاسة الجمهورية بانشاء مجمّع قصور على ضفاف نهر دجلة في مدينة تكريت وتمّ تكليف شركتنا باعداد التصاميم التفصيلية وتنفيذ بعض ابنية ومنشات المجمّع كسياج المجمّع والبوابات الثانوية وتغليف واجهات ابنية الخدمات بالحجر.
ضمن هذا التكليف كلِّفت شخصيا من قبل معاون رئيس دائرة الشؤون الهندسية ( كان مهندسا معماريا زاملته في القسم المعماري من كلية الهندسة وكذلك في المركز القومي للاستشارات الهندسية والمعمارية ) باعداد التصاميم التفصيلية للبوابات الثانوية لمجمّع القصور.
في احدى زياراتنا الاسبوعية الى مدينة تكريت لغرض حضور الاجتماعات التنسيقية مع مهندسي دائرة الشؤون الهندسية واثناء طريق العودة الى كركوك تمّ قطع طريقنا في الطريق الخارجي بين تكريت وكركوك من قبل اربع سياّرات وكانت بصحبتي في سيّارة الدائرة مديرتنا وهي مهندسة معمارية كردية وكذلك مهندس مدني تركماني اضافة الى السائق المصري.
بعد التوقّف الاجباري في وسط الطريق ترجَّلَ من السيارات المعترضة عدد من الاشخاص وكانوا مسلحين بالمسدسات ويحملون اجهزة الاتصال اللاسلكية. بعد تفتيش محتويات جيوبنا والتحقق من هوياتنا اركبونا في سيارتين على شكل مجموعتين، كان نصيبي مع زميلي المهندس المدني سيارة اجرة من نوع تويوتا، ونصيب مديرتنا والسائق المصري سيّارة المرسيدس.
بعد اخذ اماكننا في السيّارات امرنا احد المُختَطِفين والذي كان يجلس بجانبي في المقعد الخلفي بان نخفّض رؤوسنا حتّى لا يتمكن احد من المارّة من رؤيتنا اثناء عملية الاختطاف وكان هذا الشخص يكرر الامر بين حين واخر ويقول بلهجة امرة: ( دنّج "أوطأ راسك"، اذا ماتدنّج "إن لم توطيء" راح استعمل القوّة ).
في بادىء الامر ظننت بانهم عصابة تريد سرقة سيارتنا ولكن حديث احدهم في جهاز اللاسلكي ويبدوا انه كان امر المجموعة اوضح لي حقيقة الامر لانّه قال بالحرف الواحد:
- سيدي العملية تمّتْ ودنجيبهم " سنجلبهم".
بعد سماعي هذا الحديث الخاطف تيقّنتُ باننا في قبضة المخابرات العامة او الامن الخاص او
الامن العامّة، وانتابني شعوران متناقضان، شعور بالارتياح لانّي لم اكن سياسيا ولم امارس ايّ عمل ضد السلطة وشعور بالخوف من المجهول القادم لسماعي واطلاعي على مصير بعض العراقيين الذين اعتقلوا من قبل السلطة حينذاك ومن العبارات التي كنّا نسمعها: ( اللي يطب اهناك ميطلع صاغ سليم " الذي يدخل هناك لا يخرج سالما" ).
عملية الاختطاف هذه حدثت في شهر رمضان عام 1996 وفي منتصف النهار.
توجهت السيّارتان نحو الطرق الزراعية بينما توجهت السياّرتان الاخريتان نحو مدينة تكريت امّا سيّارة الدائرة فقد انضمت الى قافلتنا وبقيادة احد المختطِفين. عندما مالت الشمس للمغيب دخلت القافلة بحملها الى بغداد بعد انْ مرّت بمدينة سامراء وقد لاحظت ذلك عندما غافلت حارسي وخطفت نظرة الى الطريق ولمحتٌ على بعد ملويّة سامراء. بعد جولة في شوارع بغداد وازقّتها دلفنا من خلال مدخل في سياج احدى الابنية وتوقفت القافلة امام مبنى السيطرة، بعد هنيهة حضر احد المختطِفين وقال بلهجة امرة مخاطبا مديرتنا:
- ترجلّي من السيّارة وتعالي معي.
ثمّ توجّها الى مدخل مبنى كبير وسط حديقة غنّاء على مبعدة من البوابة ودلفا الى داخل المبنى.
مكثت مع زميلي المهندس نصرالدين في سيارة الاجرة وانضّم الينا السائق المصري سيّد حمادة بعد تلقّيه امرا من احد افراد الزمرة المُختطِفة، وبدات الهواجس تعصف بي وبدات اضرب اخماسا بالاسداس واحلل جميع الاحتمالات الممكنة واراجع في عقلي الاجوبة التي سارّد بها في الاستجواب بالرغم من عدم معرفتي التهمة التي ستوجّه لي.
بينما كنت اصارع قلقي كان زميلي المهندس نصرالدين يتمتم باية الكرسي وبعض الادعية الدينية التي تقي الانسان من الشرور. في هذه الاثناء تقدّم احد حرّاس البوابة من السيّارة وخاطب السائق المصري قائلا:
- انت مصري مو " أليس كذلك"؟
واجابه سيد حمادة بصوت مخنوق:
- نعم.
ثم اردف الحارس قائلا:
- انت اكيد عميل وجاسوس لحسني مبارك.
ساد صمت قاتل واحسست ان الجو قد بدا بالتوتر وارتسمت علامات الخوف على وجه السائق ولكنّي خمنّتُ انّ الحارس يلهو بطريقة ساديّة مع هذا المسكين.
عندما حان وقت الافطار تقدّمَ احد المختطِفين نحونا وقال:
- هل انتم صائمون؟ بعد تلقّى ردّنا الايجابي امر سائق السيّارة بالحركة وتوجهت السيّارة نحو منحدر خلف المبنى الرئيسي كان يؤدّي الى سرداب ومكثنا فيه حتّى انتصاف الليل.
المكان الّذي أُحتِجزنا فيه كانت قاعة صغيرة تحت الارض ليست فيها اثاث سوى حصيرة وقدر كبير منصوب على موقد ارضي وبجانبه قنينة غاز، وكان ينير القاعة مصباح يتيم مغلّف بالهباء الاسود مما اضفى على المكان مسحة كئيبة وزاد من احساسي بالقلق.
بعد جلوسنا على الحصيرة قدّمَ لنا احد الحرّاس طبقا مملوءا بالرز فوقه باقلاء مسلوقة فافطرنا به ثم صلّى نصرالدين صلاة المغرب، بعد ذلك غادر الحارس السرداب فبقينا نحن الثلاثة ننتظر على احر من الجمر ما سيحدث في ذلك اليوم العجيب.
عند انتصاف هذا الليل الطويل المتّسم بالترقّب والخوف والقلق حضر احد المختطِفين وامرنا بالتوجه نحو السيّارة التي كانت تنتظر خارج السرداب، ثمّ توجهت السيّارة نحو البناية الرئيسية التي دخلت اليها مديرتنا وتوقفت امام مدخلها.
بعد مرور دقائق معدودة حسبتها دهرا خرجت المديرة وبصحبتها احد المنتسبين وشخص ثالث علمت فيما بعد انّه شقيق المديرة وكان محاميا يمارس مهنته في مدينة كركوك وقد تمّ اختطافه بنفس الاسلوب اثناء توجّهه نحو مسكنه في كركوك.
بعد انضمامهم الينا امرنا السائق بانْ نخفض رؤوسنا ولكن بعبارة يقطر منها الادب هذه المرّة وتوجهت السيّارة نحو البوابة ومن ثمّ الى خارج المجمّع. بعد جولة في شوارع بغداد سُمحَ لنا برفع رؤوسنا فلاحظت باننا نعبر جسر الجمهورية باتجاه الكرخ، ثمّ دلفت السيّارة الى موقف سيّارات فندق الرشيد.
اصابني العجب باديء الامر ولم اجد تفسيرا لما يحدث لنا، فبعد عملية الاختطاف الشبيهة بالافلام الامريكية وما صاحبته من توجّس وخوف وقلق نجد انفسنا في افخم فنادق العاصمة. فركّتٌ عيناي لاتاكد بانني لا احلم وبينما كان عقلي منشغلا بايجاد تفسير للامر طرق سمعي صوت احدهم وهو يقول:
- اخوان نحن نعتذر عمّا حصل، كل ما في الامر هو اشتباه برقم السيّارة، وانتم هذه الليلة ضيوفنا وقد حجزنا لكم غرف في الفندق وتستطيعون الاتصال بعائلاتكم وتناول الطعام في الفندق.
كما علمنا فيما بعد فانّ عوائلنا اثناء عملية الاختطاف كانوا في دوّامة وقامت الدنيا ولم تقعد في تلك الليلة، فقد تمّ ارسال سيّارة من الدائرة الى تكريت للبحث عنّا ولكن عبثا وباءت جميع محاولاتهم لحل لغز الاختفاء الغامض بالفشل وامضوا جميعا تلك الليلة الليلاء وهم يضربون الاخماس بالاسداس لحين اتصالنا الهاتفي من فندق الرشيد.
في الفندق استلمنا الغرف المخصصة لنا ولكن السائق المصري كان لا يزال مرعوبا مما حدث واصرَّ على عدم المبيت وحيدا في غرفته وتمّ له ذلك حيث شارك المهندس نصرالدين في غرفة بينما اشتركت مديرتنا مع شقيقها في غرفة وبتُّ وحيدا في غرفة ثالثة.
اول اجراء اتخذته بعد الاتصال الهاتفي مع الاهل كان طلب الطعام وعلبة من سجائر سومر من خدمة الفندق، ثمّ اخذت حمّاما دافئا واستسلمت للنوم بعد ارق لعدة ساعات.
في الصباح وبعد تناول الفطور في صالة الفندق سمعنا نداء من مكبرات الصوت يطلب من مديرتنا التوجه الى موقف سيّارات الفندق، وهنالك تمّ تسليمنا سيّارة الدائرة بعد التوقيع على مستندات التسليم الرسمية، ثمّ ودّعنا بعبارات الاعتذار واتجهنا نحو مدينة كركوك.
بالرغم من الحاحنا على مديرتنا لكي تخبرنا عمّا جرى في التحقيق فانّها لم تكشف لنا السر وباءت جميع محاولاتنا لكشف لغز الاختطاف بالفشل وبقي الامر طي الكتمان ولكن شائعات في محل العمل تحدّثتْ عن احتمال بانّ السيّارة أُستخدِمتْ من قبل السائق السابق وكان كرديا في نقل البيشمركة في شمال العراق، ولكنّي اعتقد بانّ سبب الاختطاف كان عدم وجود تنسيق استخباري بين الامن الخاص للرئيس صدّام حسين وبين المخابرات العراقية او الامن العامة، لانّ مديرتنا كانت تستخدم هذه السيّارة اثناء الاشراف على تنفيذ قصور بعض المسؤولين الكبار في الدولة كشقيق صدّام حسين ونائب رئيس الجمهورية عزت الدوري وقد كنت اصاحب مديرتنا في بعض تلك الزيارات.
مهما يكن الامر فقد عشنا تجربة مليئة بالقلق والخوف والامل ومشاعر انسانية متناقضة لا تنسى بالرغم من مرور سنوات عديدة على عملية الاختطاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق الصديق والزميل المعماري / أيوب عيسى أوغنا
كامل علي ( 2017 / 11 / 19 - 08:46 )
سرني تعليقك ومتابعتك.
تصميم الجسر المسمى بالحجري لايعجبني لسذاجته وهي محاولة لتقليد التراث حيث كان في كركوك جسر مبني من الحجر من حقبة الحكم العثماني تهدم وبقي قسم من آثاره في نهر خاصة صو. الجسر مبني كما ذكرت في تعليقك من الخرسانة المسلحة ومطعم بأقواس حشرت حشرا في التصميم لتقليد الجسر التراثي.
حقا مدينة كركوك تعاني من القحط الهندسي والمعماري ألآن. في عام 1992 اسست مكتبا معماريا في كركوك ومارست العمل التصميمي والأشراف على التنفيذ لعدة دور ومراكز تجارية لغاية عام 1998 ولكن بسبب الحصار الاقتصادي شحت الطلبات وهبط راتبي في شركة طارق بسبب التضخم إلى مايقابل أربعة دولارات لذلك أضطررت لغلق المكتب وترك العراق للعمل في خارجه.
تحياتي


2 - المهندس أرتام
كامل علي ( 2017 / 11 / 19 - 08:54 )
أنقطعت أخبار المهندس المعماري أرتام بسبب تركي للعراق وحسب علمي أسس مكتبا وكان يعمل في دائرة التخطيط العمراني بعد عمله في بلدية كركوك.
تحياتي

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة