الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ومخالب السلطة

آرام كربيت

2017 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة هي الدولة، في جوهرها أداة قمع واخضاع واستلاب، تحتكر القوة والتنظيم عبر أذرع متعددة كالمؤسسات الفاعلة التي تقبض على المجتمع وتخضعه لمتطلباتها.
تتغير في الشكل، بيد أن جوهرها هو هو، أي أنها تنظم النوازع والرغبات والمصالح في ذاتها والمجتمع، وتضع غلة المكاسب في حصالة النخب المالية والبنوك والشركات الكبرى.
استطاعت الدولة في البلدان الغربية عبر صيرورة طويلة، وصراعات مفتوحة بينها وبين نفسها، وبينها وبين المجتمع أن تهذب مخالب السلطة شكلانياً، بمعنى أن تخبئ هذه المخالب باقتدار، وتضعه في قفاز من حرير، وأن تقلب مطالب المجتمع السياسية، من التغيير السياسي الرئيسي إلى سياسة مطلبية شكلانية، لا تمس جوهر السلطة ومصالح النخبة المالية والسلطة.
أصبح واضحاً للجميع أن أقصى مطالب الناس في الدول الديمقراطية هو الحصول على العمل وشراء فيلا جميلة وسيارة فارهة.
من أجل سلامها السياسي الداخلي استطاعت الدول الديمقراطية المركزية أن تفرغ المجتمع من المطالب في التغيير السياسي الرئيسي لتضعه تحت السياسي، أي في عب المجتمع المدني، لتتفرغ للتحكم في هذا العالم السياسي على مستوى العالم.
ومع هذا ما زالت الدولة الديمقراطية تعرف قانونياً بدولة المواطنة. بمعنى، أن الدولة تضع قوانينها وإرادتها فوق المجتمع وتبقى على مسافة منه، أي بعيدة عن ذات المجتمع وحيوات الناس ومشاعرهم وصراعاتهم الذاتوية، وتبقى الحقوق والواجبات عامة، كبناء فوقي، دون الدخول في البناء الذاتي للإنسان، وكأن لسان حالها يقول: هذا علفك يا كديش، تأكله صباحاً ومساءً، وأن عليك أن تسير وفق هذا الخط وأي انزياح عنه يحيلك إلى مصير مجهول. لا مكان للقفز عمّا خطته هذه الدولة لك، ولا إرادة أو حرية لك خارج هذا الغطاء القانوني.
من بعيد، تبدو الأمور صحيحة وصحية وراسخة، وعال العال، بيد أن الواقع يقول غير ذلك تمامًا. ما زالت القوانين الصادرة عن الدولة تشكل غربة عميقة في علاقة الإنسان بنفسه وبالآخرين. عملياً، تخلق الدولة، قوانينها حواجز ومسافات متباعدة، وآلية انفصالية، تفصل الناس عن بعضهم بحدود وحواجز عالية جداً، تهيمن عليهم، بل تسيطر عليهم دون إدراك المجتمع لقسوة القانون وتدجين حيوات الناس وتمزيق إرادتهم ورغباتهم. كأن لسان حالها يقول:
أنت كانتون في وحدتك، كائن مقيد بما نمليه عليك. إن إرادتنا كدولة هي فوق إرادتك، وعليك أن تذوب في ذاتنا. أنت لا شيء دوننا، ولا شيء خارج قوانيننا. أنت لا مواطن خارج قوانيننا، كائن ممزق، غريب. وبالرغم من أن قوانيننا غربة، بيد أنك خارجها. أنت لا شيء.
الديمقراطية ليست من مرتكزات الدولة، إنها دخيلة عليها، ثوب يتم خياطته على مقاس النخبة الحاكمة. ويمكن اللعب عليها وفيه وحولها وتغيير اتجاهها وخط سيرها كما فعل هتلر. إنها برقع أسود يغطي عيوب السلطة وممارساتها القذرة.
ومع هذا ينبغي القول إن الديمقراطية أفضل إنجاز سياسي على مدار التاريخ السياسي العالمي، وهي أقل قسوة من التسلط السياسي المباشر، كأن يعتقل الإنسان لرأيه أو لمجرد التفكير أو محاسبته لهفوة أو الدخول في ذاته الشخصية ومراقبة تفكيره وسلوكه الشخصي. هي رابط المؤسسات بالقانون، وخاصة السلطة التنفيذية.
لم تصل البشرية إلى بناء نظام مفهومي جديد يقود هذا العالم إلى احترام الإنسان والطبيعة والحيوان وبقية الكائنات، لأن جوهر الدولة يرتكز على دعائم القوة وتنفيذ إرادة النخبة.
إن السلام الاجتماعي الذي نراه في المجتمع هو مجرد سلام سياسي، أي لا سلام. إنه سلام مختلس يمكن أن يتمزق إرباً إربا، لهذا عليك الامتثال لإرادة الدولة الكلية القدرة. إنه سلام نخبوي، منحة من الدولة تستطيع أن تأخذها متى تشاء وفي الظروف التي تريدها. والمعطيات الحالية تشير إلى ذلك على صعيد العالم.
إن الخطر الذي يتعرض له المجتمع في هذا العالم أكثر من واضح. وهذا الأخير في حالة عجز كامل. ولا يملك الفكر ولا المفهوم ولا القدرة على تعبيد الطريق لبناء منظومة مفهومية وواقعية لبناء ذات خاصة به بغياب نخبه.
إن مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية هو أحد إفرازات النظام الرأسمالي، في مراكزه تحديداً، أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وكندا ونيوزيلندا وإيسلندا. وما زال المجتمع يتلقى الفتات من هذه الدولة، النخبة.
صحيح أن الدولة مكون اجتماعي نخبوي، تكوين عمودي، هرمي وعالي التنسيق وعلى المجتمع كمكون أفقي أن يخضع لنا.
لا يمكن تصور الحياة الحالية القائمة على التراتبية الشديدة دون وجود سلطة. إنها اساس الدولة ومتكئها.
برأيي أن السيطرة على مخالب السلطة تطور كبير، بيد أن السؤال: كيف استطاع الغرب أن ينظم علاقة الدولة بالسلطة، وإخضاع الأخيرة لشروط الأولى، التي اعتبرها مكسباً كبيراً، وكبيراً جداً لإدارة الاقتصاد والسياسة بأقل كلفة على كل الصعد، وأعطت أصحاب النفوذ المالي والسياسي القدرة على ترتيب مصالحهم وأولوياتهم. وأيضاً تحويل السلطة إلى مؤسسات يعتبر إنجازاً وتطوراً كبيراً.
مع الأسف الشديد، لم يتطرق الفكر العربي والإسلامي لقضية الدولة وعلاقتها بالسلطة، وكيف يمكن تقليم أظافر هذه الأخيرة لمصلحة الدولة، وأصحاب النفوذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير