الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(عدالة ومسئولية ومشاركة) شعارنا للمرحلة القادمة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


شعار التيار المدني الديمقراطي الراهن في العراق والذي يلخص رؤية هذا التيار وتفرعاته للمشكلة العراقية، جميل جدا أن نعرف شعاراتنا بوضوح ودون أن ندخل في التنظيرات العقائدية ومشاكل الفكر والأيدولوجيا السياسية وبكل بساطة نقترب من مطالب الشارع وهموم الشعب، لكن الشعارات وحدها لا تكفي لأن تجمع الناس حول هدف وغاية ما لم يقترن ذلك بشيء من الواقعية العملية وفهم حقيقي لكيفية تجسيد هذه الشعارات على أرض الواقع، عند تفكيك هذا الشعار والعوده به إلى واقعية الواقع أجد وكرأي شخصي أننا لم نصل بعد إلى فهم حقيقي ومتوازن للمشكلة العراقية من جذورها، ومن حقيقة الحرية والخبز طريقا لبناء كيان مدني قادر على أن يقود المجتمع لغايات وأهداف أستراتيجية ومنها قيام الدولة المدنية.
الحرية كمفهوم سياسي وفكري وحقيقة لها مساحة واسعة في الواقع عموما خاصة بعد تحولات 2003، وقد يكون العراق وبموجب دستور 2005 من أكثر البلدان في المنطقة إقرار بالحرية السياسية والفكرية والدينية، وما الصراعات والتناقضات على سطح الواقع العراقي والتي تقترب خطوة خطوة نحو الفوضى الغير خلاقة إلا نتاج هذه الحرية المدستره والنافذة بقوة على السطح، إذا الحرية لم تعد تهم الشعب العراقي مع هذه الفوضى ومع هذا الإنفلات حتى عن أطارها المعروف عالميا، الحرية ليست شعارا فقط بل هي قضية تربوية ونفسية وسلوك أجتماعي يرتقي بالضرورة بالعقل العام والجمعي نحو الإنعتاق من الأطر العامة المتوارثة عن علاقة الإنسان بالأخر وبالسلطة وإلى ملامسة حاجة الفرد الطبيعية لها كتعبير عن إنسانية الواقع وأستواء التجربة.
ما ينقص الحرية في العراق روح الحرية وما يعيب عليها أنها غير محمية فعلا بالقانون لتجذيرها، الحرية في العراق سيئة السمعة لأنها فتحت كل أبواب الفساد الأخلاقي والسياسي والأجتماعي لأطر منغلقة تحاول أن تأخذ منها سلما لجعل المجتمع كانتونات وكتل تدافع عن مصالحها وأمتيازاتها بأنياب حادة وشرسة، دون أن يشعر العراقي فعلا أن هذه الحرية أداة سلام وطريق حياة وبناء جامع، لذا كره العراقيين هذه الحرية الخاصة والمخصوصة للبعض وكرهوا حتى الشعارات التي تنادي بها.
الحرية في العراق مولود مشوه وناقص النضج وفاقد للمعنى وقريبة جدا من معنى السلاح الموجه لقتل المجتمع وتمزيقه، إذا حتى يكون للحرية وجود حقيقي لا بد أن نقرن المعنى برؤية أجتماعية بشقيين قانوني وأقتصادي، الأول يجذر قيمة الحرية ويحمي تجربة النضال الجماهيري من أجلها ويضعها في محك الأقتران والمقاربة الفعلية، والشق الثاني أن نمنح الحرية داعم مادي للتحول النظري إلى اللمارسة الفعلية حين يتاح لكل فرد أن لا يخضع لقوى منفلته وخارجة عن القانون تتحكم في لقمة الخبز ومصدر البقاء الضروري لأن نشعر أننا فعلا أحرار.
لا يمكن للحرية أن تكون شعارا والمجتمع العراقي أساسا غير خاضع لإرادته السياسية وأستقلاله الأقتصادي في ظل أزمة عميقة أطاحت بكل مقوماته الوطنية، لا حرية مطلقا في مجتمع تنتشر به كل أنواع الأستغلال السياسي والديني والمذهبي، وتفتك به البطالة والفقر والجهل والفوضى وغياب سلطة القانون، الخبز مع الحرية لا ينشئان دولة مدنية إن لم يكن هناك بنية أجتماعية تستوعب الحس المدني وتستوعب مستلزمات البناء الديمقراطي الشامل، العراق ليس دولة جائعة ولا شحيح الموارد حتى يكون شعارنا المزيد من الخبز، بل لا بد أن يكون خبزنا محميا أيضا بالقانون ومحميا بسلطة النظام التي تجعل من كل مواطن منتج، ومتاح له حرية الأنتاج والتمتع بالقدرة على العمل وتأمين الأستقرار السياسي والأجتماعي لهذا الأنتاج.
إذن نحن لا نطالب بالخبز لأننا بحاجة له ولا نطالب بالحرية لأننا بحاجة لها، فكلاهما موجود بالقدر الذي يغطي الحاجة ويزيد، ولكننا نغفل بشعارنا هذا قضية أهم ومطلب أولى في التقديم ألا وهي تطبيق القانون والدستور برغم كل التحفظات عليهما في الواقع، ما ينقصنا جملة من المفاهيم والأدوات العملية الضرورية لذلك وبسط الممارسة الديمقراطية بأصولها المعروفة وإبعاد شبح الفوضى التي تؤسس دوما لمفاهيم عبثية وتحرف نضالات الشعب عن طريقها المطلوب، توظيف العدالة الأنتقالية والعدالة الموطنة والمحاسبة الكاملة والشاملة والحيادية ورفع يد الفساد عن التحكم بمعطيات ومقدمات الحرية والخبز هدفنا أولا والضروري في المرحلة الراهنة، ثم البدء بتشريعات البناء الحضاري لتحل محل البنية التحتية القانونية والتشريعية التي في غالبها تتعارض مع فهم وروح الحرية ومع العدالة الأجتماعية.
مطلوب منا أن نترجم القانون والدستور واقعا وأن نعود للمشترك الجمعي في بناء مجتمع واحد موحد على أساس من تقديم حق وواجب المواطنة أولا، المطلوب أن نرفع شعار ديكتاتورية القانون العادل على الجميع دون أن يكون ميزان العدل بكفة واحدة، ومطلوب أيضا منا أن ننزل لساحات العمل الأقتصادي المتحرك لننتج الخبز للجميع ومن الجميع بكرامة وبالمساواة، لا خبز ولا حرية والعراق لا يملك حتى رؤية قصيرة ومتوسطة وطويلة لبناء أقتصاد منافس وطني مستمد قوته من عوامله الأساسية وثروته المادية والبشرية.
الدولة المدنية لا تبنى بشعارات صادحة تولد لتموت من غير فكر عميق وأصيل وجاد ونظرية تعتمد المنطق البنائي لتحويل السلطة إلى إدارة منتجة وتكليفية لا وجود فيها للأختلالات البنوية، الدولة المدنية تعني أن السياسة الناجحة طريق للأقتصاد الناجح والقوي والقادر على توفير الخبز والكرامة للجميع، الدولة المدنية لا تؤمن بأصحاب الهويات المتوارثة ولا تؤمن بغير القانون سقفا للجميع، الدولة المدنية تصبح حقيقة بمجرد أن يشعر المواطن أن إدارة السلطة تعني وجوده العام والفردي وحامية لهذا الوجود، الدولة المدنية يمكن أن تكون أقرب للتحقق حين يعرف المواطن أن الدستور والقانون هما السند الذي يحتمي بهما دون أن يفلت أحد من العقاب والمسائلة، الدولة المدنية تكون واقعا ملموسا عندما لا يضطر إلى أن يبيع صوته الأنتخابي مقابل دراهم معدودة لأنه يعلم أنه إن صوت أو أمتنع النتيجة واحدة ولا تفرق في حساب الحصاد الديمقراطي لأن القانون نائم والفساد هو من يسير ويدير شؤون الدولة والمجتمع.
الحرية والخبز والدولة المدنية ليست شعارات ترفع بل هي حقوق أولية وأساسية من حقوق الإنسان يجب أن تحترم ويصار إلى أنتزاعها بالقانون وفرضها على السلطة لا بالقوة ولكن من خلال تفعيل القانون وبناء منظومة العدالة التي يحميها الدستور، ويعمل فيها المجتمع على إعادة القوة والفعل للمسار الأقتصادي الممنهج والمدرك لطبيعة العراق الأقتصادية والمالية والبشرية، وكلا الطريقان لا يمكن أن يكونا متاحين ما لم يكن هناك عمل جماعي ومؤسساتي يعتمد على التنافسية السياسية الديمقراطية القائمة على التخصص والتنوع والأستحقاق الحقيقي لا على الأمتيازات والتلاعب والمحايلة والتجاوز على الحقوق.
كيان الدولة المدنية هو كيان دولة المجتمع ومؤسساته التي تعمل لخدمة الجميع ومن الجميع بشفافية ووضوح ووطنية خالية من الأستماع والأنصات لمطالبات الاخرين والخضوع لشروطهم من خارج وداخل العراق، الدولة المدنية تنمو في ظل قمع الأنفلات العشوائي نحو فوضى السلاح وفوضى المصالح وفوضى العقائد، فلا يمكن أن يكون للفوضى وجود مع وجود سلطة ونظام واحد يسري على الجميع ويحتمي الجميع به، جدلية الدولة والمجتمع والفرد تتضح تماما حين تكون الإدارة أساس السلطة والحكومة أداة تنفيذ لإرادة المجتمع بتكليف ديمقراطي يعتمد الحرية والسلام.
نحن نؤمن بالمدنية ونؤمن بالديمقراطية ونسعى إلى التحول العميق والجذري لهما، ولكننا من جهة أخرى محاصرون من كل الجهات بقوى وأفكار وأجندات تسنمت السلطة وتسللت لمواقع القرار وهي لا تؤمن بالمدنية وتحاربها، وتعمل في ظل جو ديمقراطي ولا تخضع لأحكامها لأن بقائها مرهون بتغييب إرادة الشعب، هذه الإشكالية لا تعالج بشعار مرفوع ولا بهتافات تطلق هنا وهناك في يوم أو في عدة أيام.
نحن بحاجة لمنهج قانوني وأقتصادي يقود التحول الحقيقي ويعيد صياغة المفاهيم والأفكار في ضوء تجربة النجاح والفشل، الشعارات البراقة لا تمنح الشعب خزبا وأمانا وعدالة أجتماعية في ظل سكوتنا وتمادينا في الخضوع لأعداء الحرية والعدل والمدنية أو التحالف مع بعض أطراف الفساد أو أصحاب أجندة السادة والعبيد، علينا أن نصارح شعبنا أننا أمام خيارات أحلاها مر وأن نتمتع بشيء من الشجاعة لنقول أن المطلب الأول للعبور للدولة المدنية، أن يخضع الجميع لسلطة القانون الحر وحرية القضاء في أجتثاث الفساد والمفسدين.
هذه هي أهم واجبات الدولة المدنية تجاه الشعب عامة وخاصة الفئات الأكثر تضررا والأقل حصانة تجاه السلطة، مدنية الدولة أن تساعد الإنسان لأسترداد ثقته بالنظام الأجتماعي والسياسي وأن تعيد له حق المشاركة في صنع القرار المصيري ليكون مسؤلا عن قراره وخياره الحر دون أن نأخذ منه ولا نعطيه، هنا كان من الضروري أن نعدل الشعار المرفوع من خبز حرية دولة مدنية إلى شعار (عدالة ومسئولية ومشاركة) لنكون أقرب حقيقة من أمال وتطلعات الجماهير التي سحقتها ديكتاتورية السلطة ومصادرة قرار الشعب تحت عناوين فلسفة الحكم والأيديولوجيا والمصلحة العليا وكأن الناس مجرد قطيع يقاد من رؤوس السلطة والنخب الحاكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024