الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكاكين أمريكية في الظهرالكردستاني

إبراهيم اليوسف

2017 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يصور كثيرون أن الرئيس مسعود بارزاني الذي أصرَّ على تنفيذ قرار إجراء الاستفتاء كان يعلق الآمال على أمريكا بأنها ستقف إلى جانبه، إلا أنه قد تفاجأ بخذلانها له، ولشعبه، من دون أن يعرف هؤلاء كنه أمرين، أولهما: أن الرئيس بارزاني، لم يتحمس لإجراء الاستفتاء إلا لأنه يعرف مدى أهميته كأول وثيقة تاريخية لشعبه على مدى التاريخ المعاصر، والدليل على ذلك حالة الذعر التي تعرض لها الجوار في تركيا وإيران بالإضافة إلى موقفي بغداد ودمشق، ناهيك عن مواقف دول المنطقة والعالم التي ترتبط بهذه الدول الإقليمية بمصالح معروفة للقاصي والداني، ولا تساوم على مصالحها، وثانيهما أن ما دفعه إلى الإصرار بهذه الدرجة، على تنفيذ الاستفتاء، هو سعيه لتثبيت حقوق شعبه، وسط المعادلة السياسية التي تتغير، وباتت إيران خلالها لاعباً مقلقاً- ولو مؤقتاً- في سياسات المنطقة، وخطراً داهماً عليها، بل ومتحكماً بالشأن العراقي، والمنطقة، نتيجة جملة التواطؤات الأمريكية التي تبدو، وإن تكتيكياً، وقد جاء ذلك بعد سنوات من الحصار الاقتصادي من قبل حكومة المركز في بغداد للإقليم الذي كان لابد من محاولة إرضاخه، وإذعانه، بعد أن أنجزت الكثير من التطور الذي صار يضغط على العراقيين-عامة- لمطالبة حكوماتهم المتتالية بضرورة تغيير واقعهم، بعد طوال معاناتهم.
لم يكن مسعود بارزاني ليثق يوماً واحداً بأمريكا على ضوء قراءته لتاريخ سياسات" البيت الأبيض" تجاه شعبه، حتى في لحظات بلوغها أوج التفاهمات بعيد الهجرة المليونية1991، وهكذا في عشية سقوط بغداد 2003، إذ إن أمريكا وقفت عائقاً أمام ضم كركوك إلى الإقليم، وهي نفسها تتحمل الآن وزر ما يحدث من خلاف على هذه المنطقة التي عدها الراحل ملا مصطفى بارزاني قلب كردستان، وكانت سبباً في عدم توصله وبغداد إلى اتفاق نهائي أثناء ثورة أيلول 1963، كما أن أمريكا نفسها حاولت تهميش البيشمركة حتى في شنكال وغيرها من المناطق التي سميت ب" المتنازع عليها"، بعيد سقوط صدام حسين، حتى وإن بدت لأول وهلة متفهمة للكرد، متبنية لقضيتهم، كمحاولة تكفير عن الخطيية الغربية تجاه الغرب الذي قسم خريطتهم، وكانت أمريكا ضالعة في ذلك، لاسيما بعد امتناعها عن التوقيع على معاهدة فرساي1919 التي جاءت امتداداً واستجابة للمبادىء الأربعة عشرالتي نادى بها ويلسون1918، وكانت المادة الثانية عشرة منها تنص على منح الشعوب غيرالتركية-ومنها الكرد- على حقوقها في تقرير مصائرها، كما أنها لم تنخرط في أي مشروع لترسيخ السلام في المنطقة، وأن موقفها من ثورة أيلول التي قادها الراحل الملا مصطفى البارزاني كان سلبياً، عقب نكسة الثورة1975 بعيد توقيع الاتفاقية بين صدام حسين وشاه إيران برعاية الرئيس الجزائري، وإن سمحت له باللجوء إلى أمريكا، ليسكن ولاية فرجينيا إلى أواخر حياته.
يروي بروس ريدل مدير الدراسات الاستخبارية في معهد بروكنجز والمسؤول السابق عن الشؤون الكندية وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي أنه عندما زارالرئيس البارزاني أمريكا مع قادة المعارضة العراقية الستة في المرة الأولى في العام1992بأنه كان الأكثر جدارة بالثقة وكان صعب الإقناع وطوال الزيارة كان ينظر، وعلى ضوء إرث خذلان أمريكا للكرد، بعين الريبة للنوايا الأمريكية، ويبدو له وهو في مكتب روزفلت متوتراً قلقاً ، ويبين أن حالة عدم ثقته بأمريكا ظلت تهيمن عليه، إذ إنه في زيارته في العام التالي1993 إلى أمريكا لم يتخلص من شكوكه في النوايا الأمريكية تجاه الكرد، ويقول: بدا عابساً في كل الصور التي التقطت له، وكانت شكوكه هذه واضحة للعيان".
الرئيس مسعود بارزاني، ومن خلال رفضه للوصاية الأمريكية التي تدخلت، للحيلولة دون تنفيذ الاستفتاء، أكد على الملأ أنه لا يتسلح إلا باعتماده على إرادة شعبه، لاسيما بعد وثيقة الاتفاق بين مجمل الأحزاب الكردستانية، وهوما استفز مطبخ السياسات الأمريكية الذي أراد إدارة ظهر المجن للكرد، لتثأر من ثقة الرئيس بارزاني، وكي يكون ذلك رسالة ذات شيفرات واضحة للكرد، والمنطقة، والعالم، عن تغطرس هذه الراعية التي تستعجل، مسابقة الزمن، لامتصاص خيرات المنطقة، لاسيما بترولها، بوتائر أعلى من قبل، وأن لا مكان لمن لا يذعن للغول الأمريكي، من دون أن تعلم أن ما تم ليس سقوطاً أخلاقياً للرئيس دونالد ترامب وحده، وإنما هو سقوط أخلاقي، مدو، لأمريكا كلها، بل وللعالم المستكين، المستسلم، الذي أدرك أن صورة الداعشي -البعبع الكوني- باتت تستعاد، من لدن الحشد الشعبي الذي ارتكب مجازر وحشية، بحق كرد كركوك، والمناطق التي وطأتها.
في المقابل، أكدت بيشمركة كردستان التي ما إن التقطت أنفاسها، بعيد نكسة كركوك16 تشرين الثاني "أكتوبر" الماضي أنه لم يكن في إمكان الحشد الشعبي دخول كركوك، لولا عامل الخيانة، من قبل أبعاضهم، في البيت الداخلي، وأن هذا الجيش الذي تديره، وتدعمه إيران، وبتنسيق تركي صرف، وبموافقة أمريكية، وبسلاح أمريكي، لم يكن ليستطيع الصمود مجرد ساعات، كما حدث على محاور الجبهات القتالية.
ثمة محاولات ميئوسة لتقديم رئيس الحكومة العراقي العبادي، في مظهر المنتصر، بعد سيناريو المسرحية التي تمت في كركوك وكانت لها تداعياتها على إقليم كردستان عامة، ولما كان ذلك لينجح إلا نتيجة"الضوء الأخضر الأمريكي" للرجل"، لدواع تكتيكية، أو حتى استراتيجية، من ضمن سياساتها المتبعة، وهوما التقطته أربيل، كرسالة واضحة، في اللحظة الأخيرة، وراحت تنسحب، وتغير خطتها، بعيد تمكن إيران من اختراق- خط المقاومة الكردستاني- عبر بعض الذين تم استغلال هشاشة رؤاهم، ودوافعهم الفردية، على ضوء إرث من خلافات البيت الكردستاني، والتي نشأت، أصلاً، بسبب الدور الإيراني، وأنظمة الدول التي تتوزع عليها خريطة كردستان.
شخصية العبادي، كما بدت، للمتابع، للمشهد العراقي، أنها لا تعدو أن تكون أكثر من- روبوت- ينفذ ما يملى عليه، وهو نفسه مدرك أن بغداد، لا يمكنها أن تواجه قوات البيشمركة لولا جملة التخاذلات والتواطؤات والتحالفات التي تمت، كردستانياً، وإقليمياً، وسط فرض حالة الحصار، والتحرك التركي/الإيراني/ العراقي، وكان كل ذلك بإشراف أمريكي، معترف به من قبلها، بما يعني للكرد أن أمريكا هي التي انتصرت، وهو ما يزيد من تشوه الصورة الأمريكية في الذاكرة الكردية، ويضيف اسمها إلى جدول أسماء الدول الغربية التي خذلت الكرد، لتحل موقعها، وبجدارة، وكان في إمكان الغرب محاولة التكفير، تلك، عن خطيئته، وإعادة رسم صورته، بيد أن لعاب المصالح الدولية، كان يتطلب هذه-المأدبة الكردية- من الدماء، والأحلام والتراجيديا، ليظل الغرب، وأمريكا، على حال صورتهم نفسها
وحين يعول الكرد، على الأسرة الدولية لإنصافهم، فإن ذلك يتأتى من انطلاقهم من فهمهم للدور المطلوب من هذه الأسرة الافتراضية التي لم تلعب دورها في حل المشكلات المستعصية في المنطقة والعالم، ومن بينها القضية الكردية، إلا وفق الانصياع لذبذبات الريمونت كونترل المنفعي، وإلا فإن شعباً قال كلمته في استفتائه على حق تقرير مصيره، قال كلمته، ولقد كان على العالم أن يذعن لإرادته، لا أن يقف ضدها، وفي هذا ما يجعل أربيل منتصرة في نهاية المطاف، بعد أن حصلت على وثيقة حق تقرير مصيرها بما في ذلك كركوك وسواها من بقايا خريطتها- وإن مع تأجيل التنفيذ- مقابل هزيمة العالم "المتواطىء"كله، وليس بغداد وحدها التي سجلت انتصارها الموقوت، والافتراضي، من خلال تسليم مفاتيحها لإيران، والإذعان لما يملى عليها، بما يجعل المنطقة كلها في انتظار مفاجآت أعظم، وأخطر..!؟
*كاتب كردي سوري مقيم في ألمانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية