الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى الاربعين للربيع العربي

عادل صوما

2017 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


اتفق جميع المحللين على أن وصول المتربحين من الاسلام سياسيا إلى الحكم أو "الربيع العربي" بدأ في كانون الاول/ديسمبر سنة 2010، لكن التدقيق في الوقائع يقول انه بدأ فعلياَ من أربعين سنة. والمقال للتأمل والتفكير وتذكير متبادل بيني وبين القارىء ليحكم في نهاية المطاف.
بسقوط المملكة الحشمونية أو حشمونائيم التي حكمت مملكة يهودا والمناطق المحيطة بها حوالي سنة 63 قبل الميلاد، وتفكيكها وإنشاء كيان يدين بالولاء للإمبراطورية الرومانية، فقد اليهود القدرة على القتال والحكم، وعاشوا أقلية في ارض فلسطين وعانت أغلبيتهم من الشتات، لكنهم مارسوا باقتدار كبير حكم الاخرين ماليا وعقائديا واعلاميا، لذلك لم يكن غريبا في بداية جلسة مجلس الوزراء اليهودي في 18 حزيران/يونيو سنة 1967، ورغم سيطرت نشوة النصرالتي تحولت إلى غطرسة احيانا، أن يقول موشي ديان: لدينا مليون ونصف المليون نسمة تحت سيطرتنا من العريش في الجنوب حتى الجولان، فيرد عليه رئيس الوزراء ليفي إشكول: إذن، من أجل المستقبل، ماذا سنفعل بهم؟
قنبلة السلام
هنا بعض أهم المقطتفات ذات الدلالات المهمة في هذا الاجتماع، وتلقي الضوء على أسباب تغيير إسرائيل لسياساتها والحفاظ على ما يهم أمنها.
- وزير الداخلية إلياهو ساسون: قرأت الاقتراحات بشأن المناطق كلها، وعلينا أن نكون صادقين: هل نريد فعلاً حلاً أم أننا نريد المماحكة فقط؟ بالنسبة لمصر، أنا لا يهمني أن ترضى بصنع السلام معنا أم لا، بل إذا قلنا لها: وقعّي على سلام مقابل الأرض، فهذا يقويها. أنا أقول لها: أريد 3 أشياء منك: حرية الملاحة في القناة والمضائق، ونزع السلاح من سيناء، والفصل بينكم وبين غزة، فهي منطقة ليست لكم. كذلك لست موافقاً على وضع شرط أن ينهوا المقاطعة لإسرائيل. وبالنسبة للضفة الغربية، نفاوض الملك حسين، أو نتركه، ونحل المشكلة بأنفسنا. وبالنسبة لسورية أيضاً، لا حاجة للحديث عن سلام، يكفي أن نطلب نزع السلاح عن الهضبة.
- الوزير مناخم بيغن: هل يقبل العالم ألا نتحدث عن السلام؟
- ساسون: الحديث عن سلام سيورطنا لأن الحديث هنا عن عالم عربي كبير؛ الجزائر دولة عربية، ألا تريد السلام معها؟ هل تبقى معادية؟ والسودان؟ والعراق؟
- إشكول: ماذا عن قطاع غزة والضفة الغربية؟
- ساسون: لست مؤيداً لضمهما إلينا؛ يوجد هنا مئات الألوف من الفلسطينيين. علينا أن نفتش عن حل مع الأردن، بحيث ننقل اللاجئين من غزة إليه.
- ديان: هذه ليست مشكلة هذه الحرب. اللاجئون بدأت مشكلتهم سنة 1948. نحن نقول إننا بعد هذه الحرب فتحنا القدس بأماكن العبادة فيها للجميع، ويجب أن نبقى فيها لهذا الغرض، ونقول إننا منفتحون على عملية سلام كبرى مع الجميع. وما دام لا يوجد من يشاركنا في هذه العملية، فسنظل في المناطق. بالنسبة للضفة الغربية، يمكننا أن نطرح حل الحكم الذاتي، الذي يتيح للفلسطينيين أن يحكموا أنفسهم في كل شيء، ما عدا السياسة الخارجية والأمن.
وعندما احتدم النقاش عن إمكانية التفاوض والسلام مع الدول المجاورة، قال موشي ديان:
- إما السلام والتفاوض حول الحدود، وإما نبقى على الحدود الحالية. سألوني: ألا تريد الجولان؟ بلى، أريده، وأريد ثلاثة أرباع سيناء. الجميع يطلب هنا اتفاق سلام. وفي اتفاق السلام، يجب أن نتوقع مفاوضات ومماحكات ومساومات.
- إشكول: هل يمكن أن تحصل مصيبة انفجار السلام في وجوهنا حقاً؟
السجع والواقع
في نهاية الاجتماع قال إشكول: نترك الضفة الغربية والأردن، ونعرض السلام على سورية ومصر، ونعود إلى هذا الموضوع في ما بعد. واتخذ مجلس الوزراء اليهودي قراراً بعرض السلام على مصر وسورية، وجرى تكليف وزير الخارجية الاسرائيلي بنقله إلى الولايات المتحدة التي بلّغته بدورها إلى الدول المعنية، لكن لم يصل أي رد من دمشق أو القاهرة، ولم تبحث الحكومة الاسرائيلية هذا الموضوع إلا في شهر تشرين الأول/اكتوبر 1967، بعدما فضّل الرؤساء والملوك العرب في مؤتمرهم في الخرطوم، في 2 أيلول/سبتمبر 1967 اختيار الكلام المُقفى وتجاهل السلام الإسرائيلي المُقترح بضمانة الولايات المتحدة، لأن العقل العربي كان سيفيق ويسألهم: لماذا حاربتم من الاساس؟ وخرجوا على العالم باللاءات الثلاثة؛ لا اعتراف ولا تفاوض ولا صلح مع العدو الصهيوني.
ثم صاغ محمد حسنين هيكل شعاراً مسجوعاً "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة" وتبناه الرئيس عبد الناصر، وتجاهل الرؤساء والملوك العرب معه أن الحرب والانتصار على إسرائيل لن يحل المشكلة، فاختاروا المجهول لأنهم في واقع الامر اتفقوا امام شعوبهم على اللاءات غير العقلانية ذات السجع والحماسة، واختلفوا وسبّوا بعضهم بعضا في غرف الاجتماعات، ومن ثمة تأخرت المفاوضات، وحتى اتفاقات السلام التي تحققت بين بعض الدول العربية وإسرائيل في ما بعد كانت في واقع الامر حبرا على ورق، لأن المجموعتين اللتين أدارتا النزاع الفلسطيني/اليهودي، و(النزاع العربي/العربي وإن كانوا ينكرون ذلك تماما) منذ عصر العسكرتاريا العربية بعد إنقلاب سنة 1952 في مصر، هما الصهيونية التي عاشت بعيدا عن إسرائيل، والقومية العربية/العروبة التي اخترعتها بريطانيا وتبناها الرئيس عبد الناصر، وهما إيديولوجيتان استثمرتا كل هذه النزاعات لتحكمان قبضتيهما على الشعوب.
تجاهلت الصراعات العربية/العربية الركامات والمسوخ التي أقامها الاستعمار في الشرق الاوسط، وركزت على قضية الفلسطينيين، وكان الخطأ الثاني فالسلام النهائي الشامل في هذه المنطقة يعني قبل كل شيء العدالة وحقوق المواطنة المسلوبة من الشعوب ذات التاريخ الموجودة في المنطقة وهي صاحبة السيادة الشرعية، وليس النزاع اليهودي/الفلسطيني فقط، بل كل القضايا التي تمخضت عن سنوات طويلة من الاستعمار ورسم خرائط وبناء عروش تناسب مصالحه الاقتصادية.
الاسلام واليهودية
يمكن أن نفهم هذا الاجتهاد العقلي إذا تأملنا اعمال الملك فيصل الذي أطلق "المؤتمر الاسلامي" سنة 1971 بعد وفاة الرئيس عبد الناصر مقابل "المؤتمر اليهودي العالمي"، وكأنه أدرك استحالة الحوار بين القومية العربية/العروبة والصهيونية، فبدأ يفتش ويمهد لحل من نوع آخر قبل وبعد حرب 1973 غير الحروب والصراعات الاستثمارية العبثية.
قال هنري كسينجر له مداعبا في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول سنة 1973: طائرتي واقفة في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها وانأ مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟
- وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟ قال الملك فيصل له متجاهلا ترديد شعارات العروبة العقيمة على مسامع كيسنحر.
إغتال الامير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود عمه الملك فيصل سنة 1975، وهناك الكثير من التفاسير لدوافع الإغتيال، لكنها غير مقنعة بالنسبة لسياق حياة الملك.
هناك الرئيس أنور السادات الذي كان صديقا للملك فيصل، عكس علاقة الرئيس عبد الناصر بملوك السعودية تماما، وقد تجاوز الرئيس السادات حماسيات العروبة وشعاراتها واستثمارعنوانها للبقاء في السلطة، وفتح باب المفاوضات المباشرة مع اليهود، بعدما أحس بأنه وصل إلى طريق مسدود بسبب التفكير النمطي العروبي بعد إنتصار 1973، وقال تعقيبا على مقاطعة مصر واختيار عاصمة أخرى مقرا لجامعة الدول العربية "العرب باين عليهم لعنة"، ثم أعلن عن رغبته في بناء "مجمع الاديان" في سيناء بعد تحريرها بالكامل واعتزال السياسة، والتفرغ للحوار بينها، وليس بين العروبة والصهيونية، مع عدم اغفال مغزى كلامه في الحوار بينه وبين وزير الحربية المصري المشير عبد الغني الجمسي عشية توقيع إتفاقيتي كامب ديفيد.
- الجمسي: يعني انا بفهم من كلام سيادتك إن سينا هتكون منزوعة السلاح؟
- أكيد.
- طبعا سيادتك عارف الوقت والعذاب والتمن ألي دفعناهم علشان نعبر بالعتاد والجنود.
- يا جمسي انا هدفي إن الصراع معاهم يكون حضاري. مفيش صراع عسكري بعد النهارده. عمق مصر ياجمسي مش مساحة سينا. مصر عمقها 10 آلاف سنة حضارة. هنخاف من أيه؟
هل كان فعلا الملك فيصل والرئيس أنور السادات مهندسّي حوار الاديان والقوميات والسلام الشامل في الشرق الاوسط بعد استحالة حوار الايديولوجيات؟ الجواب يستحق دراسة تاريخية موثقة، خصوصا أن إغتيال الرجلّين شكّل مساريّن مختلفيّن تماما لبلديهما، إذ تفرغت السعودية للدعوة الوهابية في العالم، ودخل المتربحون من الاسلام سياسيا إلى مجلس الشعب المصري بغطاء دولي حجته الديموقراطية، وموافقة على مضض من السلطة وجيش مصر.
الخريطة الجديدة
منذ اربعين سنة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 زار الرئيس السادات القدس بعدما أدار ظهره تماما لأدبيات القومية العربية ورؤسائها المنتفعين منها، كما تجاهل نصيحة الرئيس حافظ الاسد العروبية الذهبية له: إنتظرنا 29 سنة من سنة 1948 حتى اليوم فلماذا لا ننتظر 29 سنة أخرى لنكون أقوى؟ وحقق بزيارته ايضا نبؤة ليفي إشكول بانفجار السلام في وجه الصهيونية، وحاول الرئيس السادات تدشين الحوار الاسلامي/اليهودي في الكنيست الاسرائيلي بوضوح تام: "جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام. وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحداً. وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام".
اعتقد الشرق أوسطيون أن السلام سيبدأ إن آجلا أو عاجلا، لأن القومية العربية المُفلسة لم تجد سوى الايقاع المُقفى مرة ثانية "الصمود والتحدي والتصدي" ردا على بدء هذا الحوار الذي كان على وشك أن ينهي سيطرة العروبة والصهيونية على القرار، لكن حدث على الارض تغيير له دلالاته للأنظمة لم يدركه أحد بسبب تعتيم اباطرة الاعلام والمتربحين من الازمات على مغزاه، ففي 6 كانون الثاني/يناير 1979 أُخرج شاه إيران، صديق الغرب ومؤيد السلام بين مصر وإسرائيل، من خريطة الشرق الاوسط وأتوا بآية الله الخوميني، وفي سنة 1981 اغتال متربحون من الاسلام سياسيا الرئيس أنور السادات، وأطلقوا على خطة الاغتيال عملية الجهاد الكبرى، وفي 1982 انسحبت المقاومة العلمانية الفلسطينة من جنوبي لبنان، وتأسس "حزب الله" الذي حل محلها، وفي كانون الاول/ديسمبر 1987 تأسست حركة "حماس"، مع عدم اغفال صعود المتربحين من الاسلام سياسيا للسلطة خطوة بخطوة في مصر وتركيا ودول الشرق الاوسط.
القراءة لهذه التغيرات تقول أن الصراع بين المسلمين واليهود تغيّر من صراع عروبي/صهيوني وهما إيديولوجيتان، إلى صراع متأسلم/صهيوني وهما ايضا إيديولوجيتان مستفيدتان من الاسلام واليهودية ليس إلا، والطرفان يرفضان الحلول والحدود النهائية.
من الذي مهّد لوصول المتربحين من الاسلام سياسيا شيعة كانوا أم سُنّة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس لوأد قنبلة السلام التي ستنفجر في وجوه المستفيدين منها كافة؟ هل بدأ الربيع العربي بواسطة صُنّاع الخرائط العالمية سنة 1977 خطوة بخطوة لأن مثل هذا التغيير يستحيل أن يتم في فترة قصيرة؟ هل هناك خاسر أكبر سوى المواطن الذي يئن من انعدام الخدمات التحتية والغلاء وارتفاع نسبة البطالة وسيطرة الأساطير وموت الامل بسبب تقوض بعض الدول؟ هل الزلازل التي تحدث في أوروبا اليوم إرتدادات لهذا الربيع؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة