الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -10-

علي دريوسي

2017 / 11 / 18
الادب والفن


المقطع العاشر
*****
ملاحظة: لا يَتبنَّى مُؤلف هذه الحوارية المُتْعِبة الآراء المنقولة عن شخوصها.
*****

في المساء اجتمعت العائلة للاحتفال الصغير، وضعت الأم الكعكة على الطاولة، كانت تبدو مثل وجه حزين لا يفتح الشهية، جاءت بيلسان بإبريق الشاي والكؤوس، وضعت سناء في صحون صغيرة القليل من المكسرات التي جلبها ماهر معه بعد صلاة العصر، أحضر أبو صلاح قنينة عرق الميماس وثمانية كؤوس، جلسوا حول الطاولة.
سألت بيلسان: بابا، لمن الكأس الثامن، هل ننتظر شخصاً ما؟
الأب: لأخيك النقيب صلاح، سيشرب معنا نخب أخيه عبر السكايب، إذا لم يحصل طارئ ما.
الأم: والله اشتقت لرائحة حبيبي صلاح، الله يحميه ويرجعه إلينا سالماً منتصراً.
بيلسان وسلمى بصوتٍ واحد: آمين ماما، الله يسمع منك.
*****

أبو صلاح: كيف كانت صلاة العصر يا دكتورنا اليساري؟ هل تحدثتم بالسياسة أم بالدين؟
ماهر: لماذا تفترض أنني ملحد؟ لماذا نفترض أن كل يساري ملحد؟ وكل ملحد يساري؟ لا ينبغي على اليساري أن يكون مُتَدَيِّناً، لكن ينبغي عليه أن يحترم الأديان.
سناء: كما لا ينبغي على اليساري أن يكون فقيراً، لكن ينبغي عليه أن يناضل ضد الفقر.

أبو صلاح: لماذا لم تقل العكس؟ لا ينبغي على المُتَدَيِّن أن يكون يسارياً، لكن ينبغي عليه احترام الفكر اليساري والماركسي والعلماني وأن يؤمن بمبادئ فصل الدين عن الدولة و حرية اللاتدين و مساواة المرأة مع الرجل. لماذا تفرض على طرفٍ دون الآخر؟ الإلحاد بالمناسبة علم وفلسفة وثقافة...

سناء: من قال أنَّ المُتَدَيِّن لا يحترم الفكر اليساري؟ من قال أنَّ الميول والنظريات اليسارية وُلِدَتْ خارج رحم الأديان؟.

أبو صلاح: لم يحترم الإسلام منذ نشوئه وحتى الآن سوى فكره ولا دين عند الله غير الإسلام لسان حال كتاب المسلمين فإذا كان موقف الإسلام من الديانات الأخرى بهذا الإقصاء فكيف سيكون موقفه من الفكراللاسماوي؟

ماهر: لماذا نفترض أنَّ كل مسلم يميني مُتَطَرِّف؟ وأنَّ كل مُتَطَرِّف هو مسلم يدعو إلى العنف بالضرورة؟ الإسلام إيمان ودين رحمة، وهو علم وفلسفة وثقافة. الشاب أندرس بهرنغ بريفيك الذي فتح النار دون رحمة على المراهقين في النرويج في معسكر في جزيرة أوتايا عام 2011 مع بدايات ثورتنا وقتل منهم أكثر من تسعين شخصاً، لم يكن مسلماً، بل مسيحياً.

الأم: ليس من الضروري أنْ يكون اليساري غير مؤمن، يمكن أن يكون مؤمناً ويسارياً. لو عدنا في الوراء بضعة عقود أي ماقبل فورة النفط واستشراء حمى الإخوان هل كنا نرى في مجتمعاتنا مثل هذا الاقصاء؟ أبداً، حتى بين أوساط الناس البسطاء المتدينين جداً، كانوا يعيشون في أحياء متشاركين في كل شيء، ولاتعرف دين الواحد منهم إلا ربما في الأعياد أو في مراسم تأبين الموتى فقط، وكانت الأوساط النخبوية كذلك الحال بغض النظر عن تجيير النصوص والشرائع لخدمة إلغاء الآخر، وهذا نراه حتى في بقية الأديان...

ماهر: لماذا لا نتخذ من الحزب الشيوعي السوداني قدوةً لنا، فهو يعترف بالقرآن، على الأقل ضمنيّاً. يفتتح جلساته بقراءة آية جميلة. يصلي أعضاؤه الفروض الخمسة، يصومون شهر رمضان، ويلتزمون بعدم التبشير بأفكار تخالف قيم الشعب السوداني!.

سناء: لم يقم الإسلام في الوطن العربي باعتقال الآلاف من اليساريين، وإبادة المئات من الإسلاميين في السجون، وتفجير المنازل والشوارع على رؤوس ساكنيها من المسلمين، ليس الإسلام من أباد القائد اليساري اللبناني فرج الله الحلو بالأسيد أو النقابي السوداني عبد الخالق محجوب، أو المناضل الشيوعي محمد عبود، ليس الإسلام من قام بإغراق أعضاء اللجنة المركزية للحزب المصري اليساري في البحر واغتيال عشرات المثقفين العلمانيين، ليس الإسلام من ارتكب هذه الأفعال الخرقاء، بل قامت بها بعض الأنظمة التي تسمي نفسها شبه علمانيّة.

الأب: القمع الديني تاريخياً لا يقل هولاً وتغوّلاً عمّا فعلته الأنظمة السياسية ما بعد الإستقلال فهي قد خرجت من عباءة الثقافة ذاتها، اللَّوْن الواحد والطيف الواحد والزعيم المقدس الواحد، وإن تزيّت بأردية قومية واشتراكية وغيرها من التسميات، هي أصولية أخرى ودمويّة، وكل مخالف لرأي الحزب الواحد فهو في ضلال وبالتالي مطرود من الجنّة، وهي وحدها الفرقة الناجية ومن سار في ركابها طبعاً. تحالفت الأنظمة الحاكمة مع تيارات الإسلام السياسي في كل مراحل تطور بلداننا العربية، لكن الوضع مختلف الآن، فلا تحالفات قائمة إلا في البلدان التي ليس فيها صراع مسلح...

ماهر: منذ أكثر من نصف قرن ومجتمعنا موغل بمرض الظلامية الطائفية ولم نستطع أن نخلق او نبدع شيئاً ينير طريقنا. لم يتجرَّأ أي حزب وطني حتى الآن على طرح هذه المعضلة، على الأقل، في برنامجه الاستراتيجي، أو نقاشها في ندوة علنية بغية تقديم الحلول لمعالجتها.
*****

سلمى: كأنَّك يا سناء تبرئين قوى الظلام التي مارست القمع والوحشية تاريخياً، وماتزال تعطي كل الأمثلة على وحشيتها كل يوم. ألم تُحارب المعتزلة من قبل الإسلام، ألم تُبتر رؤوس من أيدها ومن فرّ نجا بروحه ولُوحق كما الآن تماماً. هل نسيت ما فعله وما زال يفعله الأخوان المسلمون، لعنهم الله. فلا شيء جديد على ثقافة الأكثرية، وأكرر حين تكون أكثرية عددية فهي ذاتها، ستنتج ذات الثقافة والتقاليد والعادات.

سناء: أبداً، أردت فقط القول أنَّ التطرُّف ليس من سمات المسلم فقط، وأنَّه ينبغي احترام قناعات البشر، وتشجيع ثقافة الاختلاف والتباين كي نعيش بسلام. الاحترام المتبادل هو في النتيجة حجر الأساس للعيش المشترك. علينا أن نرى الإيجابيات قبل السلبيات وخاصة حين نتطرق إلى نقد وتحليل ظاهرة ما.

الأم: ليس هناك احلى من الاختلاف حتى ضمن الأسرة الواحدة، ما أجمل أن يكون لكل فرد من أفرادها شخصيته المستقلة التي لاتعني بالضرورة التسلُّط على بقية أفراد الأسرة، كما هو الحال في هذا البيت، كم جميل أننا مختلفون، نتحدث، نتناقش، قد نختلف في بعض النقاط، ونتفق في بعضها الآخر، لكننا نفرح معاً، ونحزن معاً، لأنَّ ما يجمعنا هو الإنسان، وهو أغلى من كل شيء، أغلى من أي فكر ومن أي قيمة، ويبقى الاختلاف والتباين سر جمال الحياة، لا وألف لا للون الواحد.

ماهر: الإيمان والقناعة باختلاف البشر واختلاف أنماط حيواتهم يقودان حتماً إلى المطالبة بالمساواة للجميع في كافة الحقوق، التغلب على التمييز بكافة وجوهه السلبية واحترام التميز كوجه إيجابي هو من مهمة المجتمع والسياسة القانونية النظيفة التي يجب أن تسود في مجتمعنا ذات يوم.

إبراهيم: الاحترام هو نظرية وفلسفة علمية تربوية سياسية، ممارسته تَسْتَلْزِم توفر الأرضية الديمقراطية والثقافة والاختلاط بمجتمعات وثقافات الشعوب الأخرى.

سلمى: نعتقد دائماً أنَّنا نفهم بكل شيء ولا سيما الدين والسياسية، وننسى أنَّهما علم، دراسة العلوم السياسة ليست هراء أو تسلية. صرت أعرف شيئأً عنها، بعد أن بدأتُ بدراستها في الجامعة بجانب مهنتي، نحن العرب نتكلم كثيراً ولا نعرف عن الدين والسياسة إلا القشور السلبية والتي لا بد من تعريتها، في الوقت نفسه لا بد من البحث عن النقاط الإيجابية. الدين ثقافة وكذلك السياسة، والثقافة عمل يومي مضن.

ماهر: أعتقد أن المسلم الحق يحترم الفكر الآخر وهناك حكايا كثيرة مما رواه البعض العلماني عن تجاربهم الإنسانية مع معتقلي الإخوان المسلمين، الجناح غير المسلح طبعاً، ويروي العشرات من اللامتدينيين أيضاً عن تجاربهم الإنسانية والتجارية مع كبار تجار حلب حماه... المشكلة تكمن في أنَّ الإسلام المُقدّم لنا بصورته الحالية هو من صنع الإستخبارات المختلفة لأجندات متفقة ومختلفة، وهو بأحد أوجهه نتاج لهذه الأنظمة الساسية القائمة. وبكل الأحوال يجب أن ينطلق التعامل مع الإسلام من حقيقة أنَّه ملك للجميع وتراث يهم الجميع وليس حكراً على فئةٍ معينةٍ تفسّره على هواها.

إبراهيم: على الإنسان قبل كل شيء أن يكون إنساناً. الإنسانية تقتضي احترام ما حولنا، وعدم السخرية من أي شيء، والبحث عن الجمال في أي شيء. ومهما اعتقدنا أنَّنا على حق، فهذا موضوع نسبي والحقيقة المطلقة لم ولن يصل إليها أحد.
*****

يتبع في المقطع الحادي عشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية