الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخير والشر؛ لقاء المستحيل

مهند طلال الاخرس

2017 / 11 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


علاقة الإنسان بالخير والشر مسألة مركزية دينيا ودنيويا شغلت البشر على مر العصور، وقد تم تناولها فلسفيا وأخلاقيا ونفسيا وتربويا، وشغلت حيزا كبيرا في الديانات المختلفة وفي الحكمة والشعر والعادات والتقاليد والتراث وحتى الموروث الشعبي، وحازت على إهتمام كافة قطاعات الامم كل حسب إدراكه وسعة معرفته وحاجته للخير لدفع الشر.

أن الإنسان منذ أن وجد على الأرض وجدت معه قوتان عظيمتان وهي قوى الخير وقوى الشر، قوتان دائماً في حالة تصادم، والتصادم بين هذه القوى قديم بقدم التاريخ نفسه، أحياناً الخير ينتصر وأحياناً الشر ينتصر، قد يعترض المهزوم على تجبر المنتصر، لكن الأولى به أن يلوم نفسه قبل أن يلوم عدوه .
في الأخير تبقى الغلبة لمن ؟ إنها لصاحب الدفاعات الأقوى .
ومن نافلة القول أن العاقل في هذا الصراع ليس الذي يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرّين .

والخير يمنح الإنسان القوة والإنسجام والتصالح مع الذات والقدرة علي مواصلة مشوار الحياة، أما الشر فهي مشاعر سلبية تحمل في طياتها قوة تدميرية تقود صاحبها إلي الأفكار السوداوية التي تغذي وتنمي لدية الإحساس بالحرمان والاضطهاد الذي قد يؤدي به إلي الجنوح للعنف السلوكي الغير مبرر اتجاه الآخرين.

الخير والشر ومترادفاتهما المتضادة كالحب والكراهية مثلا نقيضان متضادان متوازيان، وقيمتان متصارعتان على الدوام كغيرها من القيم المتضادة، وتشكلان ذروة الصراع في هذا الكون المتجلية بحقيقة الله والشيطان، وسيقى التصادم والتدافع عنوان المواجهة الازلية بين القيم المادية والمعنوية في الحياة وبين كل ماهو سلبي وما هو ايجابي.

والخير والشر وجهان لعملة واحدة ذات علاقة ارتباطيه متوازية تنموا بالتساوي في النفس البشرية إلا أن الفروق الفردية وطرق التربية والبيئة المحيطة والدين والاخلاق والقيم والثقافة هي التي تساهم في تغليب إحدى هاتين الصفتين على الأخرى وإظهارها كـسمة تميز أفعال وتصرفات الأشخاص فـيبدو شخص كـإنسان ودود محب الخير للغير يستميت من أجل تحقيق أهدافه النبيلة وأشيائه الجميلة التي يحبها ويواجه بشجاعة كل من يحاول الوقوف بينه وبين إشباع رغباته الخيرة، وشخص أخر تمكنت منه الكراهية والحقد يضرب بمشاعر الآخرين عرض الحائط ولا يقيم لهم وزنا ويحمل في ثناياه كل أنواع السلبية والتفرد وحب الذات وهمه فقط التمتع بلذة الإنتقام والتشفي وإيذاء كل من يحمل نحوهم ميول عدائية مليئة بالرذائل يختزنها قلب أسود حقود، والمهم أن كل هذا الصراع يحصل دون شعوره هو بمدى تأثره السلبي بهذه الانفعالات ومدى الطاقة التدميرية الكامنة بها والتي تكلفه في الغالب التدمير الذاتي.

فالخير هو نقيض الشر، و لكي نحكم على أي عمل بأنه خير، ينبغي أن يكون هذا العمل خيرًا في ذاته، وخيرًا في وسيلته. وخيرًا في هدفه، وبقدر الإمكان يكون أيضًا خيرًا في نتيجته.

يقول ( مصطفى محمود ) : إن ما يُحدد أفعال الإنسان في الخير ليس الإيمان في المقام الأول إنما تراكم الخبرات البشرية على مر التاريخ ثم تتولد الرغبات نتيجة لتلك الخبرات.

وقد واكبت المعرفة الانسانية بصورها واجيالها الخبرات والتجارب الانسانية على مر التاريخ والتي تراكمت من جراء تطور حالة الصراع والصدام الازلي بين قوى الخير والشر وما تمثلان من طبيعة للصراع كونه من سنن الله في خلقه وكون هذا الصراع من قوانين الطبيعة؛ فحتى نعرف الخير بما يمثل كقيمة إيجابية في الحياة كان لا بد لنا وللمجتمعات الانسانية أن تختبر الشر لتتيقن من الحقيقة الازلية أن هذا الصراع باق ما بقيت الحياة وأن ديمومة هذا الصراع مرتبط بوجود الانسان نفسه وبمقدرته على مراكمة كل ما هو ايجابي في سبيل ضحد كل ما هو سلبي.

وفي سبيل ذلك لم تبخل الانسانية مجتمعات وأفراد في ترك بصماتها في سبيل إنتصار الخير على الشر وفي سبيل إكبار مساحة الفضائل وتحجيم مكانة الرذائل بغية الحفاظ على آدمية الانسان والبعد عن جنوحه بإتجاه الحيونة.
وفي هذا المجال ذهب فولتير الى تقديم الحل الأمثل لإنتصار الخير بقوله:" أفضل طريقة لالزام الناس أن يقولوا فينا خيرا هي أن نصنع الخير."
وذهب فيكتور هيجو الى حد الربط المقدس بقوله:" الحسنة اخت الصلاة".
ولم يبتعد شكسبير كثيرا عن هذا المقصد عندما قال:" لا احد أقوى من نفسك على ارشادها الى الخير".
وحتى في فطرة الابآء والاجداد والتي أورثونا إياها كانت ألسن كل من حولنا تحثنا على تعود الخير بغية الرغبة في أن يصبح عادة سلوكية متوارثة بما يضمن تطور هذه العادة وما تجلبه من منافع وقيم ايجابية مرافقة عبر تعودنا على قيمة اساسية كالخير لذلك قالوا منذ القدم :"تعودوا الخير فإن الخير عادة".
وكذلك لم يبتعد مونتيسكوا كثيرا عن صلب الموضوع عندما قال :"الحرية خير يمكننا من التمتع بسائر الخيرات".
وفي نفس المضمار قال توفيق الحكيم:" بورك من ملأ حياته بعمل الخير لأنه أدرك أنها أقصر من أن يضيعها بعمل الشر". وكذلك فعل فولتير بقوله:" إن فعل الخير هو أفضل عبادة يمكن أن نقدمها لله".
وكان أفضل ما فسر هذا الصراع ما ورد على لسان واضع علم الاجتماع نفسه وصاحب الفكر الثاقب ابن خلدون عندما قال:" قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير.

إلا أن أجمل وأشهر الإبداعات الانسانية في هذا المضمار تجلت بالاسطورة الاغريقية التي أسطرت الصراع بين الخير والشر وبين الفضائل والرذائل وأضفت عليه جانبا ميتافيزيقي غارق بالازل أسهم في إضفاء مزيدا من الهالة والقداسة حول هذا الصراع، حيث تقول الاسطورة:"
في قديم الزمان حيث لم يكن على الأرض بشر بعد ...
كانت الفضائل والرذائل.. تطوف العالم معا"..
وتشعر بالملل الشديد....
ذات يوم... وكحل لمشكلة الملل المستعصية...
اقترح الإبداع.. لعبة.. وأسماها الأستغماية..
أحب الجميع الفكرة...
وصرخ الجنون: أريد أن أبدأ.. أريد أن أبدأ...
أنا من سيغمض عينيه.. ويبدأ العدّ...
وأنتم عليكم مباشرة الاختفاء....
ثم أنه اتكأ بمرفقيه..على شجرة.. وبدأ بالعد...
واحد... اثنين.... ثلاثة....
وبدأت الفضائل والرذائل بالاختباء..
وجدت الرقة مكانا لنفسها فوق القمر..
وأخفت الخيانة نفسها في كومة زبالة...
وذهب الوله واختبأ... بين الغيوم..
ومضى الشوق إلى باطن الأرض...
الكذب قال بصوت عال: سأخفي نفسي تحت الحجارة.. ثم توجه لقعرالبحيرة..
واستمر الجنون بالعد: تسعة وسبعون... ثمانون.... واحد وثمانون..
خلال ذلك أتمت كل الفضائل والرذائل تخفيها... ماعدا الحب...
كعادته.. لم يكن صاحب قرار... وبالتالي لم يقرر أين يختفي..
وهذا غير مفاجيء لأحد... فالكل يعلم كم هو صعب إخفاء الحب.. فالحب دائما مفضوح.
تابع الجنون: خمسة وتسعون....... سبعة وتسعون....
وعندما وصل الجنون في تعداده إلى: مائة ،،،،،،
قفز الحب وسط أجمة من الورد.. واختفى بداخلها..
فتح الجنون عينيه.. وبدأ البحث صائحا": تخبوا إمليح أجاكوا الجنون على ظهر الريح....
كان الكسل أول من أنكشف...لأنه لم يبذل أي جهد في إخفاء نفسه..
ثم ظهرت الرقّة المختفية في القمر...
وبعدها.. خرج الكذب من قاع البحيرة مقطوع النفس ... !!
وأشار على الشوق أن يرجع من باطن الأرض...
وجدهم الجنون جميعا".. واحدا بعد الآخر.... ماعدا الحب...
كاد يصاب بالإحباط والبأس.. في بحثه عن الحب...
إلى أن اقترب منه الحسد ،،،
وهمس في أذنه: الحب مختف في شجيرة الورد...
التقط الجنون شوكة خشبية أشبه بالرمح..
وبدأ في طعن شجيرة الورد بشكل طائش ليخرج منها الحب
ولم يتوقف إلا عندما سمع صوت بكاء حزين يرافقه أنين يدمي القلوب...
ظهر الحب.. وهو يحجب عينيه بيديه.. والدم يقطر من بين أصابعه...
صاح الجنون نادما": يا الهي ماذا فعلت؟..
ماذا أفعل كي أصلح غلطتي بعد أن أفقدتك البصر ؟...
أجابه الحب: لن تستطيع إعادة النظر لي... لكن لازال هناك ما تستطيع فعله لأجلي... كن دليلي ... وعيني التي أرى بهما.
وهذاما حصل من يومها.... يمضي الحب الأعمى... يقوده الجنون !!!
ومن يومها والصراع بين القرينين (الخير والشر والفضائل والرذائل والحب والكراهية وسائر الثنائيات المتضادة) صراع الوجود والخلود، بطله الانسان وهدفه الانسان ولا يحيا بدون الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة