الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلات مغربية : جلسة مع التصوف (بحث عن الله ) . - نقطة تطوان-

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2017 / 11 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رحلات مغربية : جلسة مع التصوف (بحث عن الله ) .

- نقطة تطوان-

في رحلتنا عبر الشمال المغربي وصباح اليوم الثاني من مكوثنا في تطوان، كان لنا شرف الحضور إلى ندوة عنوانها : "فلسفة الأخلاق : ظاهرة التصوف " أعدها الأستاذ أحمد الفراك بكلية أصول الدين، في البداية عرف الأستاذ فلسفة الأخلاق بكونها تشمل كافة سلوكات النوع البشري، فالإنسان كائن أخلاقي في مواقفه وسلوكاته، إذ يتميز بالأخلاق، إلا أن دراساته تثير صعوبات وعوائق، إن أصعب الموضوعات هي الموضوعات التي تتعلق بالإنسان كما هو الحال لعلم الاجتماع والتاريخ ...ذلك على اعتبار أن الإنسان يستبطن كافة القضايا وحينما يتكلم يحمل المجتمع معه كما قال دوركايم، وفي هذا الصدد ميز بن رشد بين العلم النظري (ذات العالم ) والعلم الإرادي (الطبيعة )، وبالتالي فما يجعل الظاهرة الإنسانية عصية هو عدم القدرة على الانفلات من قبضة التحيز، وهذه الصعوبة نجدها ضمن إشكالية الأخلاق والقانون، إن القانون هو تنظيم الفعل الأخلاقي، فالجيد في القانون هو المباح والسيء هو الممنوع، غير أن المفارقة التي يثيرها القانون هو أنه يعاقب على الممنوع ولا يكافئ على المباح، هنا تظهر الصعوبة التي تعتري الظاهرة الإنسانية في مقابل الشرع الذي عاقب على الممنوع و كافأ على المباح ! فالشراب كان حلالا إذا لم يكن مسكرا !!، وعلى ضوء ذلك طرح الفراك هذا السؤال : هل الأخلاق توازي القانون ؟ وهل باحترام القانون نمارس الأخلاق ؟ والجواب الذي يعطينا إياه: هناك أفعال كثيرة لا قانونية وأخلاقية والعكس صحيح، ولذلك لا يستطيع القانون أن يجسد كافة الأخلاق، إن مونتسكيو يحب الحكم بروح القوانين أي تلك القوانين الإنسانية المنصفة التي تأخذ بعين الاعتبار ظروف الإنسان، ومن بين المسائل الأخلاقية المطروحة علاقة الحرية والأخلاق، إن الحرية ليس معناها التحلل من الأخلاق، فهذا الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي يرى أن الشخص لا يكون حرا إلا حين يتحول الإنسان من الكائن كباقي الكائنات (الحيوان، الجماد، الغريزة... ) إلى الشخص العاقل الذي يستحضر الآخر ويعرف أن حريته مرهونة باحترام حريات الآخرين، أو بتعبير سارتر لما ينتقل الشخص من الوجود في ذاته إلى الوجود لذاته، هذا ما قاد الأستاذ الفراك إلى الحديث عن كتاب :" باطن الإثم " للبوطي، إذ ميز هذا الأخير بين العقل الجواني في الإنسان (الروح )، والجانب البراني فيه (الآلة )، فكيف التوفيق بينهما وهذه الصعوبة تطرح نفسها حينما يتعارض القانون والأخلاق، وأعطى الفراك مثالا على ذلك يبرز من خلاله هذا التعارض : تصور أنك شرطي و جاءك الأمر باعتقال والدك بسبب أنه ارتكب جريمة، فما العمل يتساءل الفراك؟! إن هذا المثال هو التعبير الساطع عن التعارض الذي يوجد بين الأخلاق والقانون .إنها إشكالية فلسفية، وهي إشكالية تذكرنا بالحوار الذي دار بين كانط وبنجامين كونستان حول الكذب، فكانط أكد أن الكذب لا يجوز مطلقا، بينما كونستان أكد الكذب ممكن حسب الظروف التي يتموقع فيها الإنسان، يقول الفراك : (لنتأمل عبارة يرددها إنسان ما حينما يلتقي بصديقه: ونهااار كبير هذا، توحشناك فين غبرتي )، إن مجمل هذه العبارات التي نستعملها يوميا لا تكون واقعية، لذلك فإلى جانب نشدان الإنسان للحقيقة، فهو أيضا ذات كذابة من حيث لا يشعر، فالدنيا عبارة عن ماركوتينغ تباع القيم فيه وتشترى .بل حتى العلاقات الزوجية، إن الكذب يتم دمجه في تنشئة الإنسان منذ الطفولة، لهذا لا يجب أن نتفاجأ إن كذب السياسيون! وفي هذا السياق يعتبر الفكر الصوفي نوعا من المكاشفة مع الذات للوقوف على مزالقها ومعايبها مثل النفاق والكذب، ويعطي الأستاذ مثالا يتعلق بالمتصوف الحارث المحاسبي، ولد هذا الأخير في العراق خلال القرن 2 الهجري، عرف بكونه أحد رجالات التصوف، عاش زاهدا يذم الدنيا، يكتب عن محبوبات الدنيا ومكروهاتها، ويدعو إلى الابتعاد عن الدنيا والمال، فهو مصدر الشرور، عرف التصوف بأنه علم الإحسان أو التزكية، بمعنى أن التصوف هو علم السلوك، فالمتصوفة هم السالكون المقتحمون الذين يرتفعون إلى السماء بحثا عن الله، إن الطريق إلى الله تكون من خلال التصوف والسير يكون عبارة عن الانتقال عبر منازل ودرجات، فابن القيم يعرف التصوف بأنه التدرج عبر المسالك والتعرج حتى الوصول إلى سدرة المنتهى، ويرى الأستاذ الفراك أن التدرج في مسالك التصوف يفضي إلى التخلق وهو تحول نفسي واجتماعي واقتصادي، بمعنى أن التصوف هو التخلي عن كل فعل دنيء، وتجاوز المعاصي والرذائل، وبذل جهد في سبيل الاهتداء، إنه تحول نفسي عميق من كائن غافل لاه إلى كائن آخر مقبل على ربه.استنادا على الحارث المحاسبي، يرى الأستاذ الفراك أن النفس حية مادامت حية، قد تفسد على الإنسان حياته، ويجب عليه أن يقتل نفسه حتى لا يظل حظها حاضرا، يقول المحاسبي: ( أعط حقها وامنعها عن حظها )، يجب القيام بالصوم والصلاة ... ثم يجب منحها الطعام، وعلى هذا المنوال كان يسير المحاسبي، وسمي كذلك لأنه كان يحاسب نفسه باستمرار مثلما كان نوح كثير النواح في سبيل هداية الناس إلى الله .ويرى الأستاذ الفراك أن هناك ستة أركان ترتكز عليها النظرية الأخلاقية عند المحاسبي وهي :
الركن الأول : يتعلق بالطبيعة الإنسانية، إذ يرى أن هناك الملائكة ذات طبيعة نورانية وعقلانية غايتها الطاعة لا الشهوة، إضافة إلى الأنعام (الحيوانات ) التي لديها شهوة دون عقل، ثم الإنسان الذي يوجد في منزلة بين المنزلتين تتقاذفه الشهوة والعقل، ومن ثمة يرى المحاسبي أن الإنسان لكي يقترب من الملائكة عليه بمجاهدة الشهوات والتحكم فيها وقتلها .الركن الثاني : لابد أن يكون هناك مرشد، ويتجلى في الوحي الذي يزكي المكابدة والمجاهدة .
الركن الثالث: ينبغي أن يكون هناك عمل صالح بتوفيق من الله .
الركن الرابع : يجب القيام بأعمال الخير ليس خوفا من الله و خشية من عقابه، بل حبا فيه كغاية في ذاته وليس وسيلة، ويستند في ذلك في قولة لربيعة العدوية التي قالت :" لو لم تكن هناك جنة أو نار، ألا يستحق الله أن يعبد؟ " إن الإخلاص لله يجب أن يكون لله دون النظر إلى الجنة أو النار، والصوفي يراقب نفسه بنفسه دون انتظار أي جزاء من الله، على اعتبار أن الله جدير بالحب المطلق .
الركن السادس: تحدث الأستاذ الفراك استنادا على المحاسبي على ضرورة الرجاء في الله، وعدم الاقتراب من المعاصي، وحسن الظن بالآخرين وتوجيه اللوم إلى الذات، مع عدم الدعاء على أحد بالشر، ويعطي مثالا حيا من الواقع: كيف لفقيه يظل نائما حتى 11 صباحا من يوم الجمعة ويذهب إلى المسجد ويدعو إلى تجميد عروق اليهود، بينما هم يصنعون الصواريخ ؟ لذلك يقول المحاسبي لا تثق بكل حلاف يستخدم الله ويحلف به دائما كحال فقهائنا، ومن هذا المنطلق يلح المحاسبي على عدم تكفير أحد، وعدم فسخ العقود، والاعتماد على الله في كل شيء ومحاسبة النفس على الدوام والتحلي بالغيرية في سبيل الآخرين، كما يلح المحاسبي على النظر إلى المستقبل واختبار النفس على الدوام للوقوف على معايبها، فإذا عرف الانسان نفسه عرف الله، ومن ثمة فإن معرفة الله مشروطة بمعرفة الذات، ومعرفة الذات تكون من خلال تحمل الشدائد والخطوب والصعاب، لا ينبغي أن نلوم الآخر، فإذا رأيت عيبا في الآخر يجب على الذات أن تستحضر أخطاءها ومعايبها ومزالقها، لذلك لا يجب التربب على الآخرين، بل ينبغي التحبب إليهم يقول الأستاذ الفراك، ويعود الأستاذ الفراك إلى الواقع، لقد عرف رجلا يتحدر من إقليم بنسليمان كان يقف مع الناس في الشدائد والصعاب من خلال الوقوف معهم في مشاكلهم سواء كان هناك مرض أو جنازة، فاستطاع أن يقنع 70 رجلا عن الإقلاع عن التدخين، ومن ثمة فالإنسان يجب أن يكون قدوة للآخرين متحببا إليهم لا مترببا عليهم . أعجبتني هذه المحاضرة وأعجبت بالفكر الصوفي، ربما السفر والرحلات ومعرفة أكثر بالبشر وبالحياة سوف تساعدني أكثر من ذي قبل في فهم ذاتي وفي فهم عالمي المحيط بي . اكتشفت أنني مازلت في الطريق و أن كل ما عرفته واكتشفته طيلة هذا العمر اليسير هو قليل جدا . وأنه من اللازم أن أقرأ كثيرا واسافر كثيرا .

ع ع/ بنسليمان- المغرب / 18 نونبر 2017 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ترصد التأهب الأمني في محيط القنصلية الإيرانية في بار


.. وزير الخارحية الأميركية: الولايات المتحدة -غير منخرطة- بالهج




.. مسؤول إيراني لرويترز: لا توجد خطة لرد فعل انتقامي فوري


.. الشرطة تنتشر حول القنصلية الإيرانية بباريس بعد أن هدد رجل بت




.. مسؤول إيراني لرويترز: لا توجد خطة لرد فعل انتقامي فوري