الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تولدت الخرافة من الأحلام ؟

رمضان عيسى

2017 / 11 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من خلال الدراسات الموسعة لحياة الانسان البدائي، والتي تعرفنا عليها من خلال دراستنا للمجتمعات البدائية المنعزلة والتي لم تتواصل بعد مع الحضارة ، وجدنا أن التفكير الانساني كان خرافياً بامتياز ، حيث نسب الظواهر الطبيعية الى أسباب غيبية . وأن الأحلام لعبت دوراً كبيراً في تشكل الخرافة وارتدائها ثوب العادية في التفكير الانساني فتشكلت منها قصصاً وروايات كثيرة شملت الكون والطبيعة والمجتمع والجسد الانساني ، وأصبحت هذه القصص الأرضية الرحبة التي تفرعت منها الآلهة والأديان والصلوات والأدعية والقرابين .
وفي المجتمعات الأقرب الى الزراعية والصحراوية نجد أن الأحلام لها تأثير قوي في حياة الناس بحيث أصبحت تؤثر على سلوكهم اليومي ، فمن كان حظه حلماً سيئاً كالسقوط من مكان عالِ ، أو فقدان نقود ، أو مقابلة أموات أو أشباههم ، ومحاولة أخذ أشيائهم ، أو النوم في المقابر ، فإنه يقضي يومه في عبوس وتوجس وتحسُب من خطر ما ، وربما يدفعه هذا التوجس أن لا يخرج للعمل ذاك النهار .
بينما لو كان حلمه له علاقة بشيء مفرح ، أو رؤية نبي أو مقابلة عزيز ، أو العثور على نقود ، فإنه يبدأ يومه بالاستبشار والفرح والأمل أن تكون أحداث هذا اليوم في الذاكرة السعيدة من حياته .
ومن تأثير الأحلام فقد تم نسج وتصور وجود عالم آخر غيبي مليء بالأرواح والملائكة والجن بمختلف مسمياتهم من عفاريت وشياطين ، ولكنه لا يسكن الأرض ، بل يسكن السماء ، ويأتون لزيارة البشر في الأَحلام ، وأحيانا يشاركون البشر بإرشادات حياتية لهم عن طريق الأحلام . وهذا ما يُفسر قول البعض أن لهم تواصل مع الغيب .
ويذكر التاريخ ان الأحلام دخلت في تشكيل وحبك الكثير من القصص والروايات على ألسنة الأنبياء والرسل والكهنة الذين ساقوها للناس على أنها رؤيا صادقة أو وحي الهي ، أو مخاطبة من الآلهة لهم . وأحياناً كانت هذه القصص كأوامر وتحذيرات أو ارشادات لحياة الناس ، أو تُعطي ايحاءات مستقبلية ، وفي كثير من الأقوال نرى اختلاط الأحلام والرؤيا مع مفهوم الوحي بشكل أو بآخر .
فقد ورد في التّوراة على لسان الربّ – أُولاهيم ، يهوه - يقول لهارون ومريم اللذان يرغبان أن يكلمهما الربّ كما يكلّم موسى ، (فقال اسمعا كلامي، إن كان منكما نبيّ للربّ فبالرّؤيا أستعلن له ، في الحلم أكلمه ، وأما عبدي موسى ، فليس هكذا ، بل هو أمين في كل بيتي ، فما إلى فم ، وعيانا أتكلم معه ، لا بالألغاز، وشبه الرب يعاين ). (سفر العدد _ الإصحاح الثاني عشر – 6،7 ،8 ).
وورد في الانجيل على لسان المسيح : " أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله) (انجيل (يوحنا 8 :45 )
وورد أيضا : " ثم إذ أُوحي اليهم في حُلم أن لا يرجعوا الى هيرودس، انصَرفوا في طريق أخرى الى كورتهم " ( انجيل متى – الإصحاح الثاني 12 ) .
ـــــــ يقول بولس الرسول في غلاطية (1: 11) : أريدكم أن تعرفوا أنّ البشارة التي بشّرتكم بها ليست من مصدر بشري. فأنا لم آخذها من انسان. ويقول بطرس في رسالته الثانية (1: 21): لأنه لم تعطَ نبوّة قطّ بمشيئة انسان، بل انقاد رجال الله بالرّوح القدس فنطقوا بكلام الله.
في القرآن الكريم في سورة النجم " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) .
وورد أيضا في سورة القصص : وأوحينا الى أم موسى أن ارضعيه. ( آية 7 ) . لا يعني الايحاء هنا الحديث وجهاً لوجه ، بل خاطرة ، فكرة ، إلهام ، حُلم .
وقال رسول الله صلعم : " ان روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها … " .
وجاء في القرآن : يا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ، فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ.. (102 ) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) ( الصافات ).
وفي سورة يوسف نقرأ (قال تعالى: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين) [سورة يوسف - الآية: 4 -5].
من هذا نستدل على التأثير القوي للأحلام والرؤى على الفكر البشري عبر التاريخ ، وهذه النصوص إن دلت على شيء فإنما تدل على أن معاني الحلم والرؤيا والوحي متداخلة ، ويعتقد البعض أنها من طرق تواصل الغيب ، الآلهة مع البشر، والتي لا يمكن تصنيفها ضمن المنهجية العلمية في المعرفة . للمزيد من المعلومات : راجع مقالنا : ( الوحي في الأديان الكتابية ) – الحوار المتمدن .
وقد نجد أن البعض ممن لديهم قوة ملاحظة وفراسة وفطنة وذكاء ، أو ممن لديهم عاهة مميزة ، قد وجدوا في اللعب على هذا الوتر النفسي وسيلة للكسب المالي ، ومنهم من ادعى القدرة على تفسير الأحلام ، وإبعاد الأثر السيء للأحلام بعد أن نسبها الى العفاريت ومردة الجن ، بكتابة التعاويذ والطلاسم والحجبة وقراءة الأدعية وتلاوة آيات من الكتب المقدسة .
كما نجد أن من يحفظون آيات قرآنية يعطون لأنفسهم الحق والقدرة على تفسير الأحلام والرؤى وفق الآيات ، وتمادوا في ذلك الى ابتداع ما يُسمى بالرقى الشرعية وكتابة الطلاسم والتعاويذ ، والأدعية والاستخارات للاسترشاد بها في اتخاذ القرارات في الزواج والسفر ، والنجاح في الامتحانات ، أو الدخول في مشروع !!
ونظراً لاندماج قصص الأحلام وتفسيراتها مع الدين فقد كان لها الدور الكبير في التغلغل الى تفكير الأجيال وانسياقهم الى تقبل الخرافات بشكل طبيعي ، خاصة بعد أن أُدخلت ضمن المناهج التعليمية في كافة مراحل التعليم .وهذا ما يكشف لنا لماذا في الوسط العربي الذي لا يمكن فصله عن الاسلام نرى أن الأفكار العلمية تسير كالسلحفاء ، بينما قصص الجن والعفاريت والأحلام وملابس النساء تنتشر مثل النار في الهشيم !!!
ففي المجتمعات الأقرب الى الزراعية نجد الخرافة وملحقاتها تتفوق على النظريات العلمية في كل فروع العلم ، وفي مجتمعات أُخرى نجدها تسير جنباً الى جنب مع تخصصات العلوم الأُخرى .
وقد انعكس تغلغل الخرافة بأشكالها المتداخلة مع الحياة الاجتماعية ، فكان لها التأثير القوي على التعليم فنراها في المناهج التعليمية كقصص وحكايات يتم طرحها على أنها حدثت في الواقع رغم أنها لا تجد لها مسوغ عقلي ، فقد واجه المدرسون اشكالية في شرح نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين مما أدى الى شطبها من مناهج العلوم والبيولوجيا .
إن الايمان بأثر الأحلام ، واعتبارها عند البعض وسيلة للمعرفة يعني الانسياق خلف الخرافة والتنكر للمنهجية العلمية في التفكير ، وإلغاء دور العقل في النقد والاستنتاج والاختراع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فضحهم بعد فوات كثير من الاوان
محمد البدري ( 2017 / 12 / 8 - 19:49 )
من افضل ما خلفته الاديان لنا مسألة الاحلام التي كشفها بعد زمن طويل سيجموند فرويد وفضح اصحابها كخزعبلات وهلوسات ومعه انثروبولوجين كثيرين درسوا المجتمعات البدائية واكتشفوا ان ان القضية تنحصر في نمو القدرات العقلية للبشر بدرجات متفاوتة كل حسب تدرجه التاريخي في الحضارة,
شكرا لك وتحياتي علي هذه المقالة التي تلخص الكثير من الكتب واعادة قراءة سيجموند فرويد والي تحتاج الي عقل منفتح وليس مسدودا بالاديان. وتقبل فائق احترامي وتقديري


2 - انجلز والظاهرة الدينية
رمضان عيسى ( 2020 / 2 / 8 - 10:39 )


إن إنجلز بتحليله الظاهرة الدينية من منظور الصراع الطبقي قد أبرز القوة الاحتجاجية للدين وشق الطريق بتناوله العلاقة بين الدين والمجتمع لنهج جديد و متميز عن الفلسفة التنويرية التي ترجع إلى القرن الثامن عشر.

فالمسيحية لم تبدو في نظره مثلما كانت تبدو في نظر فيورباخ، بوصفها “جوهرًا منفصلًا عن الزمن” بل هي تبدو بوصفها شكلًا ثقافيًا يتعرض لتحولات في العصور التاريخية المختلفة: فهي تبدو في البداية بوصفها ديانة للعبيد، ثم بوصفها أيديولوجيا الإمبراطورية الرومانية، ثم بوصفها أيديولوجيا ملائمة للهيراركية الإقطاعية وأخيرًا بوصفها أيديولوجيا تتميز بالتكيف مع المجتمع البورجوازي.

حاول إنجلز فهم وتفسير التجليات الاجتماعية الملموسة للأديان، فالدين عنده ظاهرة موضوعية تنتمي إلى الوعي الاجتماعي، وله القدرة في ظل ظروف محددة أن يلعب دورًا إيجابيًا في اتجاه تحرير الإنسان من الاستغلال

اخر الافلام

.. ماكرون يستقبل رئيس الوزراء اللبناني ميقاتي في الإليزيه لبحث


.. «بي سبورت» تفتتح فرعها الثالث في مجمع السيف




.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي