الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة بداية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 20
الادب والفن


كلمة بداية

وجود العراق الدولة والمجتمع والشعب هم وطني ناء بحمله أبناءه وأبناءه فقط، أما حازمي وحاملي الحقائب الذين يضعون رجل هنا ورجل هناك لا يهمهم من العراق غير ما يكسبون وغير ما يحصدون من مغانم، من سبق منهم ومن رحل ومن هو في الطريق قادم، حكاية العراق لا تشبهها أية حكاية لبلد أخر قريب أو بعيد، ممكن أن تكون هناك بعض التفصيلات المشتركة مع بعض المجتمعات والدول، لكن يبقى العراق بوضعه الحالي والقادم رهن الفرادة والتفرد في كل شيء.
هذا البلد العظيم الذي لم ينساه التأريخ أبدا ولم تغادرها الجغرافية بواقعها وتنافضتها من أن تضعه دوما في قلب العاصفة له ميزة أنه حاضر في كل شيء، في الفكر والمعرفة في الحرب والسلام في الماضي والحاضر والمستقبل، في الأديان كان محورا وحاملا لمشاعل التحرر، في النظم والقوانين كان الرائد الذي تنحني له كل الشرائع قديمها وجديدها، في المظلومية هو الأول وفي السطر الأول من سفر الظلم والظالمين ضحية تنتهك كل يوم.
هذا العراق الذي تذكره الأساطير والموروث الفلكلوري العالمي من أول يوم أبتدأت فيه الحكاية ينسج للخيالات أفكار وجودا تعدى حدود الفن والأبهار إلى حدود ما بعد المعقول، تتناوشه اليوم أقلام حاقدة وصحف صفراء مدفوعة بقزمتيها لتنال منه على أنه مجرد كيان صنعته بريطانيا من تجميع غير قابل للتوافق ليكون عراق ساحة لها تلعب به كما يلعب الطفل بما يحب، هذه الأصوات لا تنكر التأريخ فقط بل تنكر أنها تملك عقولا أو تعرف المنطق أو تدرك أنها مجرد فضلات متراكمة تعفنتت فأطلقت ريحها المشئومة.
بلدي الذي منحني طينة الوجود ورزقني من عطاءه الثر يعاني اليوم جملة من الأمراض المزمنة، أصابت جسده وتكاثرت عليه الألام لعلها تفقده وعيه، لكنه يقاوم وسيقاوم كما كان بالأمس وقبل الأمس وقبل قبل ذلك عنقاء لا تموت ور تندثر، هذا العراق الذي سكنا كشعب في روحه سكن في أرواحنا نحن أبناءه في جدلية لا يفهمها إلا من كانت طينته من ضفاف دجلة أو شواطء الفرات، أما المستوطنون والمهاجرون والنتقلون قد يجرهم بعض الحنين له ولكنهم لا يتحملون ألما وصل العظم في جسد الفراتين.
لذا حملت قلمي دوما على أن أدافع عن هذا الوجود ليس لأني لا أملك غيره وطن ولكن لأن كل الأوطان لا تسع روحي ولا روحي تسع غربتها إلا هنا حيث نخلة قديمة تحكي لي أن التأريخ مر بها وأوصاها بأن العراق أمانة الوجود كله، قد يكون لامي هذا عاطفيا أو تحت تأثير ما أجد من ظلم وأهتضام لحقي وحق بلدي، ولكنني أتكلم الآن بكامل وعي وبمنتهى الحرص على أن أجسد وعي الكامل بما أشعربه وما أنا عليه مؤمنا بكل حرف.
كتبت وكتبت وناقشت وعرضت الأفكار وعارضت الواقع وحاولت أن أصل بعقلي لبعض أدق القضايا من غير أن يردعني خوف أو وجل لأني أريد الخلاص لي ولوطني وشعبي، الذي يعشق بلده ويخلص له لا يماري ولا يجامل ولا يهادن الحاكم الفاسد ولا يصمت أمام ظلم وجور، بل عليه أن يتقدم الصفوف ويقول ما لا يمكن أن يقوله غيره، العراق اليوم بحاجة ملحة إلى عقول نازفة بالأفكار الحرة والجديدة والمتجددة التي تبني ما هدم الغرباء، وتعيد للواقع صورة العقل المفكر المدبر.
هذه السلسلة من المقالات كتبتها في ظروف مختلفة وتحت أهداف ولأجل غايات في مجملها ليس الأعتراض على التحريف والتغرير وتزييف الواقع، بل مع رؤية تقريبية لما يمكن أن يجعلها محل أخذ ورد وبناء ينضج يوميا مع القراء، ومع تأكدي أيضا أن القليل من القراء من شارك في الإحساس والتأثر بما فيها، لا لأنها غير واقعية أو مجرد أحلام كاتب، ولكن لأن القراءة في عراق اليوم أصبحت من الترفيات ومن الواجبات التي تأت في المراتب الأخيرة من سلسلة المهم والأهم، وهذا ما نجح به السلطويون في فرضه علينا ليبعدنا عن قضيتنا الكبرى والأهم وهي العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا