الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللورد و الواعظ و صناعة المشرق العربي الجديد

محسن عامر

2017 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لا يجب ان ننسى أن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية ليس الموقف العربي "الرسمي" الأول من نوعه و لكن الإستتبعات الان شديدة الاختلاف . في البيان الختامي للدورة ال33 لاجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في مارس 2016 كان البيان الختامي في فصله السادس و السابع يشير إلى وجود تنظيمات إرهابية تسعى "إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة" . حينها لم يكن لهذا التصنيف أي أثر حقيقي نظرا لأنه لم يكن ممكنا وقتها تصريفه إلى إجراءات حقيقية ضد حزب الله ,الأمر الذي جعل حزب الله نفسه يستقبل هذا القرار بهدوء مشوب بكثير من السخرية لقرار لم يتجاوز نبرة التهديد المعتادة . أما الان مع المتغيرات العميقة التي تحدث في المشرق و تجاوز التنافس الهيمني السعودي الإيراني الخطوط السياسية ليفتح الباب أمام المجهول الذي قد يصل إلى حدود الحرب , فالسعودية على ما يبدو أخذت تتحرك دافعة الجميع إلى حرب لا يمكن أبدا توقعه فصولها المدمرة و استتباعاتها التي و إن كان من الصعوبة توقعها إلا أنها ستغير مشهد المشرق إلى الأبد.
المتغيرات "التحديثية" التي تحدث في السعودية تعتبر الأكثر جذرية منذ أن قرر الجد المؤسس للدولة السعودية إنها حرب "الدعوة " و تصفية اليد العنيفة "إخوان من طاع الله " ليخلق دولة قائمة على التحالفات القبلية مجاليا و النفط في مستوى الثروة . هذا الترابط الاجتماعي و الاقتصادي الذي قاد السعودية زهاء القرن (بدون إطناب في الأسباب البنيوية التي سنعود إليها لاحقا ) لم يعد قادرا على تسيير الدولة بهذه المحافظية داخل عالم شديد التغير . إضافة إلى التحولات الكبرى عالميا و السجال الدموي على طاولة مصنوعة من جماجم السوريين بين القوى الكبرى , أصبح لزاما على السعودية أن تتجاوز الفشل الكبير في إدارة صراعها ضد هيمنة إيرانية تغلق عليها كل المنافذ من اليمن جنوبا إلى سوريا شمال . بالتالي خيار المواجهة أصبح حتميا و إلا سيطبق عليها داخل كماشة قاتلة.
الاقتصادات الريعية التي تتحدد المليكة وبالتالي توزيع العمل من الأعلى أي من نظام الحكم المسيطر ذاته تملك "مرونة" كبيرة في تغير المشهد السياسي و بالتالي مجمل التوازنات الاجتماعية السائدة . لأن حركة الصراع فيها ليست بالتعقيد البنيوي الذي عاشه صراع اللورد و الفلاح الإنجليزي أو التاجر و الإقطاعي الفرنسي . ربما , أن السلوك الاجتماعي هنا أكثر أهمية من البنية الاجتماعية و هذا ما يجعل حركات التغيير في دول الخليج حتى لو نحت "للجذرية" لا تخلق قلالق كبيرة و بالتالي اهتزازات مجتمعية عنيفة.
ملاحظة ما يحدث في السعودية , هذه "الجرأة" المثيرة للإعجاب للأمير الشاب في تصفية فرع كامل من عائلة متجذرة في جهاز الدولة الذي ينجح في عملية بيوريتانية (تطهيرية) داخل العائلة الحاكمة لا تنبأ بتغير ذا بال داخل النظام السعودي في مستوى بنيته و مهامه الاجتماعية و هويته الطبقية الأساس . إذا أن سلمان يستطيع إطلاق النار على أي كان داخل المؤسسة الحاكمة و لكنه لن يستطيع حتى لو أجهد نفسه في أن يتحول إلى حالة " مستبد مستنير" لا على الشاكلة التركية _هذا أبعد من زحل_ بل و على أي شاكلة تحديث سلطوي شهدها العالم الثالث أجمع . فإذا كان سلمان يستطيع التعاطي بعنف داخل نظام الحكم الذي سينظر له حتما اجتماعيا على أنه صراع "عائلي" فإنه لن يستطيع نقل هذا الهوس التصفوي حتى لو افترضنا وعيه بضرورة تغيير "ليبرالي" يصدر نحو الغرب لأنه سيفتح معركة أكثر عنفا أمام مجتمع شديد التأخر و المحافظية الثقافية و بالتالي الاجتماعية.
ما سينجح فيه الملك االقادم هو تركيز نظام مغاير في مستوى الشكل فقط على سابقه, بمعنى أنه سيخلق نظاما شديد المركزة في مستوى بنية النظام بأشكال جديدة للسيطرة قد يكون أحدها إنهاء سيطرة المؤسسة الإيديولوجية التي تعبر عن حاضن دافع للتجانس المجتمعي و تحيل على تحالف اجتماعي جذوره تمتد إلى الجد المؤسس.

السعودية تتحرك داخل مسارين في إطار تسخين أجواء الحرب ضد المحور الإيراني:

الأول مخاطبة الشعور القومي العربي المعادي "للأمة العربية" و هذا غير قادرة على توظيفه سياسيا خارج إطار الدعاية لسببين. أولها تفسخ الحالة القومية التي تتأسس أيديولوجيا على مقولة العداء للتمدد "الفارسي" بعد نهاية الدولة الكاريزيمة في العراق و تغير الديمغرافيا السياسية العراقية و بالتالي القوميعربية لصالح شكل شديد الرجعية من الحكم الطائفي , و الثاني كون الصورة "الرسمية" المتبقية للمشروع القومي العربي و نعني النظام السوري و حكم بعثه ذا الشعارات العروبية انتهى لصالح الشق المقابل و جذب معه كل الحركات السياسية ذات النزوع العروبي في كل العالم العربي , بالتالي لا تسطيع السعودية منازعة أصحاب الخطاب لخطابهم و هذه المنازلة الأيديولوجية خاسرة منذ البدأ.

أما الثاني فهو ترفيع هيستيريا التناقض الطائفي على قاعدة صراع ديني سني/شيعي . هذا التمشي ربما نجح في مناخ عالمي متناغم مع تمشي دول الخليج الذي كان متجانسا وقتها لإسقاط الأسد و بالتالي توظيف المنسوب الديني المرفع للثورة السورية الذي أنتج كاستتباع أيديولوجي و سياسي طبيعي الحركات الدينية المتطرفة أي داعش و جبهة النصرة و كل تفرعات الإسلام السني الحربي في سوريا . الأن من الصعب جدا حلف من هذا الجدال الطائفي الجديد (polimique) لأن العالم "المتحضر" الذي خاض حربا ضروسا من أجل إنهاء داعش العراقية و السورية و الذي يتجه إلى مساومات أكثر هدوء و أقل تشنجا بعد فرض الروس الأمر الواقع لن يقبل من جديد بالتسامح مع الإسلام الجهادي الجديد عديم الفاعلية داخل قوانين جديدة للعبة في المشرق العربي.

و على أي حال لن ينجح السعوديون إنتاج أدلوجة أكثر اتساقا من أدلوجة "الممانعة" التي تسندها سردية تشكلت بجهد و صبر منذ احتلال سوق الكسب النضالي الأخير للقضية التحررية العربية في جنوب لبنان , بل أنها تعاني دعاية مضادة جبارة مرتبطة بعلاقتها بالكيان الصهيوني التي تلغي أي إمكانية تعاطف تقدمي عربي مباشر مع خياراتها في مواجهة رصيد كبير من الثقة التي يحوزها حزب الله بتاريخه الطويل الظافر مع الكيان الصهيوني . غياب صدام حسين عن صراع الهيمنات العربية / العربية الذي شهد هزيمته الأخيرة في لبنان ضد إيران و حافظ الأسد السعوديون حينها مستكينين لأدوارهم الهادئة في تسويق الأجندة الأميركة بأمانة التلميذ النجيب ’ لتستيقظ فزعة الأن بعد حربها على الجميع وحيدة و مضطرة لهرسلة الحكومات العربية الضعيفة خلفها من أجل حرب ضمانات نجاح فيها شديدة الضبابية .

ما يريده سلمان أبعد من أن ينال.. "اللورد" الشاب الذي وقف ضد الملكية التقليدية و الذي يحاول دفع تغيير داخلي مستعجل جدا ربما قد يدفع العربية السعودية إلى تحولات اجتماعية أساسها الشريحة الوسطى الكبيرة المكبوحة دائما ببنية سلطوية تقليدية تقمع الطموح , و التي بدى عبر الحماسة الكبيرة منها أنها تأمل في تحولات حقيقية تخرج السعودية من حكم الشيوخ إلى نور العالم الأرحب . و لكن هذا الاستعجال المرتبط بصراع مع ملالي إيران الأقوياء و الذي اختيرت له لبنان المنهكة كحلبة منازلة مع تحالف عميق الجذور في الأرض مع طموحات عربية "رسمية" منهكة و تابعة و فاقدة لكل إمكانات النجاح .. لنشاهد ما يحدث

*كاتب تونسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را