الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل إصلاح التعليم في ليبيا يحتاج إلى منع الواجبات المنزلية ؟

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2017 / 11 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


لقد اطلعت على قرار وزارة التعليم بحكومة الوفاق طرابلس رقم (1785) للعام 2017م، والذي ينص على منع المعلمين بمرحلة التعليم الأساسي منعاً باتاً من إعطاء التلاميذ واجبات منزلية ، كما قرأت مقترحاً مقدماً من قبل أحد أعضاء اللجنة الاستشارية بمركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية بخصوص الواجبات المدرسية، إضافة إلى محضر اجتماع الخامس اللجنة الاستشارية بمركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية لسنة2017م ، والذي تم فيه الاستشهاد بتجارب بعض الدول في هذه الممارسات، وفي الحقيقة فإن كل ذلك جعلني أتعمق في البحث عن موضوع الواجبات المنزلية، وتقرير مدى أهميتها، كما ارتأيت أيضًا التواصل مع بعض الخبراء والمهتمين بشأن التربوي والتعليمي ، حيث كانت النتيجة التالية :
 هناك اختلاف في جل نتائج الدراسات حول جدوى الواجبات المنزلية، وذلك من حيث اختلاف المراحل العمرية ، ومن حيث المستوى الدراسي ، ومن حيث المواد الدراسية، وبالتالي ليس هناك جزم بعدم أهمية الواجبات المنزلية، فالموضوع لم تصل فيه الدراسات إلى نتيجة موحدة، وإذا أضفنا إلى كل ما سبق حقيقة أخرى، وهي أن المقترح المقدم من قبل عضو اللجنة الاستشارية بمركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية لم يطرح فكرة إلغاء الواجبات المنزلية، إنما طرح فكرة التنسيق بين المعلمين لتقدير حجم الواجبات، وهذا مقبول ومطلوب.
 أن المقترح المقدم من قبل أحد أعضاء اللجنة الاستشارية بمركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية أوضح بوجود شكوى من الآباء، والأمهات، وحتى الأطفال من الواجبات المنزلية، كما بين وجود استقراء للرأي قام به صاحب المقترح، لكنه في الوقت نفسه لم يوضح في أي المدن والمناطق تمت تلك الاستقراءات،؟ كذلك لم يوضح أي فئات عمرية مستهدفة ؟ وأيضًا لم يوضح أي مستويات ومواد دراسية مستهدفة ؟ خاصة ونحن لا نزال نعيش في ظل ظروف أمنية غير مستقرة، بالتالي أعتقد بأن كل ذلك يضع ذك الاستقراء ونتائجه أمام حالات من الشك!.
 كما أن المطالبة بإلغاء الواجبات المنزلية والتحجج بوجود سلبيات تنجم عن تلك الواجبات، والاستشهاد بتجارب دول متقدمة وإجراءاتها بالخصوص، فإننا نود التأكيد أيضا على وجود تجارب لدول متقدمة لا تزال تعمل أنظمتها التعليمية على القيام بممارسة الواجبات المدرسية.
إن السؤال الجوهري الذي يقفز إلى الذهن هنا هو: هل إلغاء الواجبات المنزلية سيُساهم في إصلاح منظومة التعليم في ليبيا ؟
في الحقيقة من الصعب أن ندعي بأننا نمتلك إجابات عن هذا التساؤل المطروح، من خلال الإجابة بـ"نعم "، أم بـ "لا"، ولكن سوف نقوم بطرح بعض المقدمات التي هي عبارة عن سبر أغوار منظومة التعليم بليبيا، بغية فهم ممارساتها وقضاياها، وكشف المضمر، ورصد مواطن القوة والضعف لتلك المنظومة، للوصول إلى النتائج التي قد تساعدنا على رسم إجابات للسؤال المثار، وهذه المقدمات هي :
 استيراد مناهج التعليم الأساسي في ليبيا سنة 2005م، حيث تم جلب مناهج سنغافورية، كونها من أفضل المناهج التعليمية، كما تم تدريب بعض المعلمين على طرق تدريس جديدة، متمثلة في طريقة التعليم التعاوني؛ بغية تنمية التفكير الإبداعي للتلاميذ، والتي تتماشي مع طبيعة تلك المناهج، وعندما تم توزيع تلك المناهج على المدارس، وبدأ تنفيذها، بدأت تطفح على السطح الكثير من الإشكالات، فالقدرة المؤسسية للمدارس الليبية من مبانٍ وتجهيزات، ﻭأﻤﺎﻜﻥ ﻤﻔﺘﻭﺤﺔ، لا تتماشي مع طبيعة هذه المناهج المستوردة، فالعملية التعليمية وفقاً لتلك المناهج تستوجب مثلاً: وجود أجهزة حاسوب، وربطها مع الإنترنت، إضافة إلى عدد مقاعد محددة، وتوزيعها على شكل مجموعات، إلى آخر الأشياء الداعمة للعملية التعليمية، من ثم أصبحت عملية تدريس تلك المناهج عملية هجينة، مناهج سنغافورية تُدرس بطريقة التعليم التقليدية المعتمدة على التلقين والنقل، وفي بيئة لا تتوفر فيها شروط نجاحها.
 في دراسة لمؤسسة ألمانية (GTZ ) بالتعاون مع أمانة التعليم " سابقًا" (2008)، شملت واقع التعليم من حيث إعداد المعلمين، وجودة برامج التدريب الخاصة بهم، كذلك شملت الدراسة استطلاع الطموحات المهنية للطلاب وأولياء الأمور، والأساليب المتبعة في التدريس واستخلصت الدراسة على( تأكيد) عدد المؤشرات السلبية حول واقع التعليم في ليبيا، حيث بينت وجود تدنٍ لمستويات إلمام التلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي بالمعارف والمهارات والفهم، وفي مستوى التحصيل في اللغة العربية والرياضيات والعلوم، كما بينت الدراسة وجود تباين في مستوي التحصيل، كما أوضحت بأن مرد ذلك التباين قد يكون مرجعه إلى مكونات البيئتين المدرسية والمنزلية.
 خلال مرحلة ما بعد 2011م، وانهيار مؤسسات الدولة، تعرضت المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة إلى عمليات نهب وسلب وتدمير، كما اتسمت مرحلة ما بعد 2011م، بغياب للمؤسسات الرقابية للدولة، والأوضاع الأمنية المتدهورة، إضافة إلى كثرة اعتصامات المعلمين والتلاميذ والطلاب على حد سواء، بحجج حقيقية تارة، وغير حقيقية تارة أخرى، كما برز بشكل لافت للنظر إشكال القوة التي تمتلك السلاح في تحديد مسار بعض المؤسسات التعليمية، خاصة في تعيين بعض المدراء، وقبول المعلمين، إضافة إلى إلغاء بعض النتائج التحصيلية للتلاميذ، كما وصل الأمر أحياناً أخرى إلى قفل بعض المؤسسات التعليمية.
 وفي تقرير للزيارات الاستطلاعية الصادر عن المركز الوطني لضمان الجودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية لعدد من مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي خلال الفترة من: 26 / 11 / 2011 وحتى 08/ 12/ 2011 م، والذي كان يهدف إلى نشر ثقافة الجودة داخل مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي والمساهمة في توجيه المدارس نحو تطوير أدائها، حيث أكد التقرير على التالي :
1. عدم وجود رؤية ورسالة وأهداف للعملية التعليمية والتربوية، إضافة لعدم وجود خطط إستراتيجية.
2. العوز والنقص الواضح في الموارد المادية للإنفاق على البرامج والخدمات التعليمية لمساعدة المؤسسات التعليمية على مواجهة التحديات والمشاكل.
3. تركيز المؤسسات التعليمية على النواحي الإدارية الروتينية كمتابعة سجلات الحضور والغياب وتقليل الاهتمام بالعملية التربوية.
4. التغييرات المستمرة في البنية التنظيمية والمسؤوليات الإدارية والتعليمية أثر سلباً على عطاء المؤسسات التعليمية بشكل عام.
5. ضعف الإمكانات المتوفرة بالمكتبات وعدم ربطها بالشبكة الدولية للمعلومات.
6. قلة استخدام الطرق الحديثة للتعلم وتوظيفها في التدريس، والتركيز على استخدام طرق التعليم التقليدية.
7. الضعف الشديد في استخدام وتسخير تقنية المعلومات في المنظومات الإدارية والتعليمية في جميع المدارس تقريباً ، خاصة الحكومية منها.
كما أوصي التقرير المذكور بعدد من التوصيات، أهمها :
1. الإسراع في تأسيس مكاتب ضمان الجودة وأقسامها ووحداتها على مستوى المناطق والمكاتب التعليمية والمؤسسات التعليمية.
2. العمل على تفعيل وحدات ضمان الجودة بالمدارس بتنفيذ خطط وآليات الجودة، وترسيخ مبدأ التحسين المستمر وصولاً إلى التميز.
3. التأكيد على ملاءمة البيئة الصفية وتضافر الجهود المتجمعة، لتحقيق أهداف البرنامج التعليمي.
4. ينبغي أن يكون المعلم مؤهلاً علمياً وتربوياً ومتمتعاً بقدرات مهنية كافية تمكنه من أداء وظائفه التدريسية والتربوية على أكمل وجه.
5. استيفاء المواصفات التعليمية والتربوية والهندسية للمبنى المدرسي.
6. الاهتمام بخدمات الدعم التعليمية من خلال توفير مستلزمات العملية التعليمية، وتطوير المكتبات وتحديثها، وإتاحة استخدام الشبكة الدولية للمعلومات للمتعلمين كافة.
 في دراسة بعنوان " المنظومة التعليمية في ليبيا عناصر التحليل، مواطن الإخفاق، إستراتيجية التطوير " للدكتور عبدالسلام القلال (2012)، بين فيها أن مدراس التعليم الأساسي في مرحلة ما قبل 2011م، تفتقر إلى أدنى معايير المؤسسات التعليمية، أما عن نوعية التعليم بحسب الدراسة المذكورة فلقد كانت ليبيا في العام الدراسي 2009-2010م الترتيب الأخير عالميًا وعربيًا، حيث تتساوى مع أنغولا صاحبة الترتيب 139، أما عن تدريب المعلمين أثناء العام الدراسي 2009-2010م، فلقد كانت ليبيا الترتيب (110) عالميًا من (139) دولة، والترتيب (12) من (15) دولة عربية
 في دراسة أخرى بعنوان "التنبؤات المستقبلية للتعليم الأساسي والثانوي في ليبيا " للدكتور العجيلي سركز(2012)، بين فيه الباحث بأن منظومتي التعليم الأساسي والثانوي تعانيان خللاً في تدني مستوى التحصيل الدراسي، وضعف أداء للمعلمين، والتأخر في تطوير المناهج، وعدم الاهتمام بالمعلم، وضعف آليات التفتيش التربوي، وقلة توظيف الوسائل التعليمية ، والتركيز على عمليتي التلقين والإلقاء في التدريس، وضعف البنى التحتية بالمدارس، وانعدام الصلة بين البيت والمدرسة .
 في تقرير صادر عن منظمة اليونسيف بعنوان "حقائق عن البرنامج الوطني لتقييم المدارس 2013"، وهو عبارة عن دراسة قامت بها وزارة التربية والتعليم في ليبيا بالتعاون مع منظمة اليونسيف، حيث تم تقييم حوالي (4800) مدرسة، وتضمن التقييم المجالات التالية ( معلومات عن المدرسة، والطلبة ، والمعلمين ، مرافق الغسل، المرافق التعليمية ، والمواد ، والحماية)، حيث أوضح التقرير النتائج الدراسة التالية :
1. أنّ 40% من المدارس قد تعرضت لأضرار متفاوتة، و أنّ تلك الموجودة في المناطق الجنوبيّة للبلاد تحتاج إلى الإصلاح و إعادة التأهيل.
2. 15% من المدارس يضطر فيها أكثر من 90 تلميذا ما بين ذكور و إناث إلى استعمال مرحاضا واحدا و مختلطا.
3. أن ربع المدارس لا يتوفر قيها الماء الصالح للشرب.
4. ثلث المدارس ليس بها آلية لجمع النفايات، والتخلص منها.
5. ثلث المدراس تقع بالقرب من طرق سريعة ليس بها ممرات آمنة للمشاة.
6. نصف المدارس تطلب مزيدا من الكتب المدرسية ووسائل المساعدة البصرية ومواد التدريس لتحسين المحيط التعليمي.
وهكذا يتضح لنا من التحليل السابق بأن منظومة التعليم في ليبيا تحتاج إلى مراجعة تقويمية شاملة؛ لمعرفة مواطن ضعفها، وإحباطاتها، وأخطائها بغية التخلص من الرواسب السلبية السابقة، والقيام بالمعالجات المطلوبة بتصحيح الأخطاء، والتخلص من الإحباطات؛ ليتم بعد ذلك إعادة تعريفها وتجديدها؛ لتكون محفزًا على الإبداع والابتكار، وليس القيام بقفزات ضفدعيه من خلال طرح وصفات "روشتات" لا تعالج الأسباب، إنما تعالج بعض النتائج، فتكرار الأسباب يؤدي حتمًا إلى النتائج نفسها، لذلك فإن ضعف التكوين المهني لبعض المعلمين، وازدياد الاعتماد على أسلوب الحفظ والتلقين، وقيام بعض المعلمين بتدريس مواد غير متمكنين منها، وعدم تحديث وتطوير المناهج والمقررات الدراسية، وعدم الالتزام بمعايير التقييم الخاصة بالتلاميذ...إلخ، كل ذلك مرده أننا لم نحدد ماذا نريد من المؤسسات التعليمية؟
حيث إننا لا نزال نفتقر إلى وجود فلسفة ورؤية وأهداف واضحة ومعتمدة للمراحل التعليمية كافة، وذلك للقيام بعمليات التخطيط والتنفيذ والتقييم والمعالجة بأسلوب علمي دقيق، ونستطيع من خلالها تصفير المشكلات والصعوبات.
وخلاصة ما سبق هو أن التخلف والضعف الذي يرين الآن على منظومة التعليمية في ليبيا إنما يحتاج إلى عملية إصلاح المنظومة برمتها، وليس إلى إلغاء الواجبات المنزلية، أو السعي نحو إلغاء الاختبارات المدرسية، حيث إن ذلك ربما سيكون له آثار سلبية على منظومتي التعليمية والأسرية، فالواجبات المنزلية في ظل الظروف الأمنية السيئة، وانعدام وجود البيئة التعليمية والمجتمعية السليمة، والتي لا تخفى على أحد، كل ذلك جعل من الواجبات المنزلية وظائف أهمها :
1. تدريب التلاميذ على تحمل المسؤولية، وربطها بعامل الوقت.
2. تقوية الروابط الإيجابية لدى التلميذ مع أسرته، ومع المدرسة.
3. تشكل عامل مهم لربط الأسرة بالمدرسة، حيث تتمكن الأسرة من الاطلاع على ما يتعلمه التلميذ في المدرسة.
كما أن إلغاء ومنع الواجبات المنزلية يحتاج إلى تهيئة منظومتي التعليمية والأسرية لمثل هذه الممارسات، كما يحتاج الأمر كذلك إلى وجود بيئة داعمة وسليمة داخل وخارج أسوار المدارس، والتي تفتقرها حاليا جل مدارسنا، بل ويفتقرها الوطن برمته، في حين أن الدول المتقدمة تمتلك القدرات المؤسسية والفاعلية التعليمية التي تغنيها عن الواجبات المنزلية، إضافة إلى وجود البيئة الأسرية والمجتمعية الداعمة لإنجاحها، والتي تعتمد على مبدأ "تعلم أن تتعلم".
أخيرًا إن مستقبل الأجيال هو الركن الأساس للنهوض بهذا الوطن، وبلوغ التنمية المجتمعية مرهون بعمليات إصلاح التعليم ، فإذا ما انهار التعليم فإن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى انهيار الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا