الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو مدين شعيب الغوث

نوميديا جرّوفي

2017 / 11 / 21
الادب والفن


أبو مدين شعيب الغوث (509- 594ﮪ)

هو عَلمٌ من أعلام الصوفية وقطب من الأقطاب الربانية، عُرف باسم سلطان الوارثين، وشيخ الشيوخ، وإمام الصديقين، إنه الشيخ الورع، العارف الزاهد، التقي النقي، المتواضع الحَيِيْ، سيدي "أبو مدين الغوت شعيب بن الحسن الأندلسي الفاسي البجائي...، ولد بقطنيانة"، من عمالة اشبيلية بالأندلس حوالي سنة 509ﮪ ".

عُرف الشيخ بالجد والمثابرة والكد، ورغم اليُتم والحاجة، اللذان عاشهما، فقد خرج من بلاده صبيا، ناشدا، باحثا، عن ضالة لم يُدرك كُنهها ولا سرها إلا بعد سنوات، فكانت أول محطة في سياحته لطلب العلم، مدينة طنجة، ثم سبتة، ومراكش، وبعدها فاس، حيث درس وتعلم هناك، ثم توجه إلى المشرق، وبعدها سكن ببجاية، فكان له شأن عظيم، أينما حل وارتحل.

لقد كانت حياة سيدي أبو مدين الغوث تتسم بالبساطة في أيام الصبا والشباب، حيث كان يرعى الغنم، ويعمل مع العمال، وكان يخدم في السفينة مع الخدم، وكان يؤجر نفسه للصيادين لكسب قوت حياته، حتى أنه انخرط في الجندية، لكن مع مرور الوقت، أحس بأن هذه الحرف تمنعه عن تعلم العلم واكتساب المعرفة، وأداء الفرائض، والعبادات، والتقرب من الله على الوجه الأكمل، فقرر الفرار من الخَلق إلى خالق الخَلق، وهو لا يعرف أنه في مرحلة التَّهيئة، والاصطفاء للولاية وللقطبية؛ يقول: "فقويت عزيمتي على الفرار لأتعلم القراءة والصلاة".

وبما أن شعار الصوفية يتمحور حول العلم، فإن الارتقاء في مدارج السلوك الصوفي، واللِّحاق بمنازل السائرين إلى الله، لا يدركان إلا بالعلم والمعرفة، لذلك كان شغل سيدي بومدين الشاغل، هو تحقيق ذلك، بدءً من طلب العِلم، وصُحبة رجالاته، وشيوخه، إلى التدرج في مقامات التصوف، يقول: "لا يصلح سماع هذا العلم-التصوف- إلا لمن حصلت له أربعة: الزهد، والعلم، والتوكل، واليقين"[4]، لذلك دأب هذا الشيخ الجليل، على طلب العلم والمعرفة، حيث توجه إلى مدينة فاس، مربى العلم والعلماء، والمعرفة والصلحاء، فكان أول مجلس علم يحضره، ويواظب عليه هو مجلس سيدي حرزهم، "...الذي كان أول من فتق فنون المعرفة في قلب أبي مدين، وهو أول من هدى أبا مدين سبيل العلم".

يقول عبد الحليم محمود في كتابه «أبي مدين الغوث»: "لقد تثقف سيدي أبي مدين كأحسن ما يكون المثقف، تثقف من مصادر أصلية: القرآن الكريم، والسنن، الإحياء، والرعاية، والرسالة القشيرية، وكان يصاحب في دراسته القمم: السنة النبوية، الحارث بن أسد المحاسبي، وحجة الإسلام، والإمام القشيري... وقد درس الفقه أيضا، وله فيه فتاوي نفيسة، ودرس التفسير، وامتزج قلبه بنور القرآن، وكان عابدا، فاجتمع له العلم والعبادة...، فكان الشخصية الإسلامية المتكاملة، فلقد كان متفننا في علوم الإسلام المختلفة، نقليا وعقليا....".

كان سيدي أبي مدين ينهج نهج الصحابة رضوان الله عليهم في تفسير القرآن، وفهم أصوله وأسراره، يقول: "كنت إذا سمعت تفسير آية من كتاب الله تعالى، ومعه حديث واحد من أحاديث رسول الله علية الصلاة والسلام، قنعت بهما، وانصرفت إلى خارج فاس، لموضع خال من الناس، اتخذته مأوى للعمل بما يفتح الله علي من الآية والحديث، ثم أعود إلى فاس، فآخذ آية وحديثا وأخرج إلى خلوتي".

فلقد بدأ سيدي أبو مدين بدراسة علم التصوف وسلوكه، على الشيخ أبى يعزى، و الشيخ أبي علي الدقاق، وهو من كبار مشايخ الصوفية، الذي افتخر بتلميذه حيث قال: "أنا أول من أخذ منه الشيخ أبو مدين علم التصوف"،إضافة إلى "...الشيخ عبد القادر الجيلاني، الذي لقيه بالديار المقدسة، وأخذ عنه، وألبسه خرقة الصوفية".

كان سيدي أبو مدين، يبحث دائما عن سُبل العلم، ومَسَالِكه كيفما كانت، وأينما وُجدت، حتى أنه في سياحته، كان بلا ركوة، ولا عصا، ولا راحلة، بل يمشي على الأقدام، مستعينا في ذلك، برب الأنام، وقد سُئل عن ذلك في حضرة الشيخ أبي عمران موسى وهو من خواص أصحابه فأجاب: "...ركوتي الذِّكر، وعصاي التوحيد".

كيف لا وهو الذي شرب من مشارب العلوم الدينية، وارتقى عبر المقامات الصوفية، فأصبح شيخ الشيوخ والعلماء في عصره، جامعا بين دفتي الشريعة والحقيقة، حتى ملأت شهرته الآفاق، وأخذ عنه الكُبراء والعلماء، فقد تميز بتصوفه، وزهده، وانفرد برقيِّ علمه، ودروسه، إلى أن قيل عنه أنه" أجَلُّ عروس تجلى في محافل الدروس، عَلَّم فهذب، وعَبَّر عن القصد البعيد فقرب.

يقول ابن عربي: "شيخنا أبو مدين من الثمانية عشر الظاهرين بأمر الله، عن أمر الله، لا يرون سوى الله في الأكوان، وهم أهل علانية وجهر، مثبتون للأسباب".

وقد ذكر ابن الزيات التادلي في كتابه التشوف إلى رجال التصوف، عن إبراهيم الأنصاري يقول: "خرَّج أبو مدين ألف تلميذ، ظهرت على كل واحد منهم كرامة"، وهذه أكبر كرامات سيدي أبي مدين رحمه الله، ولعل من أكبر تلاميذه اللذين تخرجوا على يده "العارف سيدي محي الدين ابن العربي، والعارف الشيخ سيدي أبو عبد الرحيم القنائي، والعارف الشيخ أبو عبد الله القرشي"، وغيرهم كثير.

وقد قال عنه الشيخ يوسف اللخمي: "هو من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المقربين، وعظماء العارفين وأئمة المحققين، صاحب الكرامات...، وهو أحد أوتاد المغرب".

أما ابن عربي فيقول: "الغالب على قلب سيدي أبو مدين وبصره مشاهدة الحق في كل شيء".

وقال عبد الله الفهري السبتي في التعريف به: "كان مقبوضا بالزهد والورع، مبسوطا بالعلم، قد خاض من الأحوال بحارا، ونال من المعارف أسرارا...، وقال صاحب النجم: سيدي أبو مدين سيد العارفين، وقدوة السالكين...، جمع بين الشريعة والحقيقة وأنار به معالم هذه الطريقة، وأقامه ركنا من أركان الوجود، وأظهره بالبلاد المغربية، هاديا، وداعيا للخلق".

لقد كان سيدي أبو مدين نورا لامعا في أهل زمانه، سرى بمريديه وتلامذته إلى أرقى الأحوال، وأزكى الدرجات، وأعظم المقامات، يقول أحمد القسنطيني (ابن قنفذ) في كتابه أنس الفقير:"كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه مشغولا بالتربية، والإفادة، والتعليم، والعبادة، والإقبال على الله تعالى في الظاهر والباطن".

وهو الذي كان له في التصوف أسس، وقواعد يعتمدها في تربية مريديه، لتقريبهم إلى الله تعالى، ومن بين تلك الأسس:

* "التوبة: طلب الإرادة قبل تصحيح التوبة غفلة.

* الإخلاص: ما خفي على النفس درايته، وعلى المَلَك كتابته، وعلى الشيطان غوايته، وعلى الهوى إمالته.

* الزهد: إذا تاب الإنسان والتزم الورع، وأصبح زاهدا، فإنه يكون قد قطع مرحلة لابأس بها من مراحل التمهيد، للبدء في التصوف.

* المحاسبة: بالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة.

* المراقبة: هي اليقين بأن عليك رقيب.

* المعرفة: ثمرة التصوف، وتسليم لله سبحانه وتعالى تسليما كاملا".

أما من بين الأقوال النفيسة لأبي مدين الغوث رحمه الله، قوله:

* "حُسن الخُلق، معاشرة كل شخص بما يؤنسه ولا يوحشه مع العلماء، وبحسن الاستماع والافتقار، ومع أهل المعرفة بالسكون والانتظار، ومع أهل المقامات بالتوحيد والانكسار.

* الحق سبحانه وتعالى يجري على ألسنة علماء، كل زمان بما يليق بأهله، وإذا ظهر الحق، لم يبق معه غيره.

* أضر الأشياء، صحبة عالم غافل، أو صوفي جاهل، أو واعظ مداهن.

* أُسِّس التصوف على الجد والاجتهاد، وقطع المألوفات والاعتياد".

* " الحضور مع الله جنة، والغيبة عنه نار، والقرب منه لذّة، والبعد عنه حسرة وموت، والأنس به حياة.

* الشيخ من هذبك بأخلاقه، وأدبك بأطرافه، وأنار باطنك بإشرافه".

وقد خلف الشيخ أبو مدين مصنفات ومؤلفات لم يذكر المؤرخين منها إلا كتابين:"«أنس الوحيد ونزهة المريد»، وكتاب: «مفاتيح الغيب لإزالة الريب وستر العيب»"، وترك "كلاما وأدعية وشعرا، وشعره على ما ذكر المقري كثير مشهور بين الناس، وهو شعر مستكمل النفاسة لفظا ومعنا، والبعض منه يغنى به وينشد في محافل الذكر لحد الآن".

وفي بعض أشعاره يقول سيدي أبي مدين:

قوم كرام السّجايا حيثما جلسوا

يبقى المكان على آثارهم عَطِرا

يهدي التصوف من أخلاقهم طرَفا

حُسن التآلف منهم راقني نظرا

هم أهل وُدِّي وأحبابي الذين هُمُ

ممن يَجُرُّ ذيول العزِّ مُفتخرا".

توفي رحمة الله عليه سنة 594ﮪ، وذكر، ابن الأبار أنه "مات في نحو التسعين وخمسمائة بتلمسان، وكان آخر كلامه: الله الحي، ثم فاضت روحه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا