الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيجموند فرويد والديانة العبرية

طلعت رضوان

2017 / 11 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من بين التناقضات العديدة فى الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) ما ورد بشأن شخصية (موسى) فرغم أنه (نبى) وفق ما جاء فى شـُـعب تلك الديانة الثلاث، فإنّ من كتب سـِـفرالتثنية ذكرأنّ موسى وهارون خانا الرب، رغم أنّ (الرب) أعطى الأرض لبنى إسرائيل (تثنية- الإصحاح 32- الآيات من 48- 52) فكيف حدث ذلك؟ ولماذا خان موسى وهارون الرب؟ وهل يتقبـّـل العقل الحرهذا الكلام على أنه (حقيقة) أم أنه أساطيرهبطتْ لدرجة الخرافة؟
وأليس ذلك أكبر دليل على التناقضات العديدة فى العهد القديم والتى رصد سيجموند فرويد بعضها فى كتابه (موسى والتوحيد ص103) ونقل فرويد رأى العالم (إدوارد ميير) أنّ موسى ليس أكثرمن أسطورة وليس شخصـًـا تاريخيـًـا)) وأضاف ((ولذلك لم ينجح أحد من الذين عاملوه كشخص تاريخى (فيما عدا الذين يقبلون التراث برمته كحقيقة تاريخية) فى ملء هذا الشكل الفارغ بأى مضمون، وفى وصفه كفردية متجسمة، ولم يكن لديهم شىء يقولونه عما حققته أوعن رسالته فى التاريخ)) (ص87) وتساءل فرويد: من الذى يختارالآخر: الشعب يختارإلهه؟ أم الإله يختارشعبه؟ وهذا السؤال واحد من الاشكالية فى الديانة العبرية (ص105، 106) وكيف يكون إله بنى إسرائيل (يهوا) إله البراكين؟ وبالتالى كان لابد من تزويق هذه الصفة للرب العبرى ((بسمات تـُـثبت العظمة المخيفة لهذا الإله البركانى، مثل عمود الدخان الذى تحوّل إلى عمود من نارفى الليل)) (ص96) ولذلك وصف فرويد هذا الرب العبرى قائلا ((لم يكن ذلك الرب كائنــًـا عظيمًـا بأى حال من الأحوال. فقد كان إلهـًـا فظــًـا، ضيق العقل، محليـًـا، عنيفــًـا ومُـتعطشــًـا للدماء، وكان قد وعد أتباعه أنْ يعطيهم أرضًـا ((تفيض لبنــًـا وعسلا) وشجـّـعهم على أنْ يـُـخلــّــصوا البلد من سكانه الأصليين ((بحد السيف)) (ص113)
وبينما الرب العبرى هو رب بنى إسرائيل أتباع موسى (فقط) وبهذه الوحشية، فإنّ إله المصريين ((يحتوى كل البشر. وهوإله الحب كما هوإله القوة. ويـُـبغض كل طقوس السحر، ويضع حياة ملؤها الحق والعدل، كهدف أسمى للإنسانية. وأنّ أخناتون (رغم أنه هوالذى ابتدع الوحدانية التى انتقلتْ إلى الديانة العبرية- ط . ر) وصف نفسه فى نقوشه باعتباره ((يعيش فى الماعت ، أى الحق والعدل)) ولذلك فإنّ إله المصريين أكثر روحانية من كل الآلهه فى الديانات الأخرى. ولذلك فإنّ الإله (يهوه) حاز شرفــًـا لايستحقه)) (ص114)
كما أنّ الإله العبرى وجـّـه ضربة للأصل المصرى لعادة الختان. وأنّ (يهوه) طلبها لإبراهيم وأقامها كعلامة على الميثاق المضروب بينه وبين نسل إبراهيم. وهذه على أية حال بدعة حمقاء بوجه خاص...وليس من الممكن أنْ يجهل الإسرائيليون الذين خلقوا التوراة، أنّ المصريين كانوا يـُـمارسون عادة الختان، ومع ذلك كان لابد من إخفاء الحقيقة بأى ثمن (104، 105)
ويرى فرويد أنّ الديانة اليهودية ((صارت ديانة حفرية)) (ص182) ولأنّ فرويد عالم يحترم لغة العلم لذلك كتب عن شخصية عيسى ((الواقع أننا لانملك– تقريبا– معرفة محددة بتاريخع أكثرمما نعرف عن موسى. ولانعرف هل كان هوحقيقة الإنسان العظيم الذى تــُـصوّره الأناجيل؟ أم إنّ واقعة موته وظروفها كانت بالأحرى هى العامل الحاسم فى إضفاء هذه الأهمية عليه؟ وحتى بولس الذى صار رسوله لم يكن هو نفسه يعرفه)) وأضاف ((وهكذا صارمقتل موسى الذى ارتكبه شعبه والذى رآه (سيللين) فى آثارالتراث، جزءًا لايتجزأ من تفكيرنا، وهمزة وصل هامة بين العقل المنسى للعصورالبدائية ومعاودة ظهوره بالتالى فى شكل الديانات التوحيدية. وإنها لفكرة جذابة أنْ نقول بأنّ الذنب المُـتعلق بمقتل موسى هوالدافع لقيام أمنية ظهورالمسيح الذى سيعود ويعطى شعبه الخلاص والسيادة الموعودة على العالم. فإذا كان موسى هوالمسيح الأول، فإنّ يسوع صاربديله وخليفته، حينئذ يحق لبولس بعض الشىء أنْ يقول للشعوب ((انظروا إنّ المسيح قد قدم حقيقة. ولقد قــُـتل حقــًـا أمام أعينكم)) وحينئذ تكون هناك أيضـًـا بعض الحقائق التاريخية فى إعادة مولد المسيح، على أنه كان (موسى) الذى بـُـعث حيـًـا. وكان كذلك الأب البدائى العائد للعشيرة البدائية، بشكل مغاير هذه المرة، وكابن فى مكان أبيه)) (من ص182- 185)
وكان من رأى فرويد أنّ ((قيام الديانة المحمدية كان تكرارًا على نطاق ضيق للديانة اليهودية. وأنّ الديانة المحمدية ظهرتْ مُـقلــّـدة للديانة العبرية. وهناك من الأسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد أنّ النبى (محمد) كان يزمع فى الأصل اعتناق اليهودية، من أجل الإيمان بالأب الواحد البدائى والكبير. ولكن (الله) كافأ شعبه الإسلامى (الأدق شعبه العربى- ط . ر) المختار بأكثر مما كافأ به (يهوا) شعبه اليهودى المختار عندما اعتنق ديانته. ولكن التطورالداخلى للديانة الإسلامية الجديدة سرعان ما توقف ، وربما كان ذلك لأنّ العمق كان ينقصها ، ولذلك فإنّ ديانات الشرق التى تبدو فى ظاهرها وكأنها تقوم على العقل ، بينما هى فى جوهرها عقائد سلف، تتوقف عند مرحلة مبكرة من عملية إعادة بناء الماضى)) (من ص189- 191)
وقد يتصوّر البعض أنّ فرويد كان مُـتحاملا على المسيحية والإسلام (نظرًا لديانته الموسوية) بينما هو كان شديد التجرد من أية أفكار مسبقة وهو يكتب كتابه (موسى والتوحيد) ولذلك عندما تناول شخصية (موسى) وعرض وجهات النظر المختلفة حول شخصيته : هل هوشخصية حقيقة أم لا، وهل كان (موسى) مصريـًـا كما يدعى البعض، فإنه كتب ((سواء ثبت ذلك أم لم يثبت، فلا يمكن استخلاص شىء أكثر من ذلك (حتى الآن) وليس بوسع أى مؤرخ أنْ ينظر إلى القصة الواردة فى التوراة عن موسى والخروج، بأكثرمن أنها أسطورة دينية ، قلبتْ إحدى الروايات البعيدة لمصلحة اتجاهاتها....ولكننا لانستطيع أنْ نبقى بغير اكتراث عندما نجد أنفسنا فى تعارض مع البحوث التاريخية اليقظة لعصرنا)) (ص84)
وعلى العكس من كل أصحاب الأدمغة العبرية (من صهاينة وعرب ومصريين) الذين شغلوا أنفسهم وشغلوا القراء معهم بحكاية (اسم الملك / الفرعون حسب التسمية العبرية) الذى (خرج) بنو إسرائيل فى عهده ، فإنّ فرويد تناول الموضوع من وجهة نظر مختلفة ، فكتب عن زعم البعض بأنّ (الخروج) حدث فى عهد (مرنبتاح) بعد أنْ يأس كثيرون من أنّ (الخروج) حدث فى عهد رمسيس الثانى، فقال إنّ مرنبتاح لايمكن أنْ يكون هو فرعون الخروج كما يـُـفترض من قبل. وأضاف ((ويبدو لى سؤال : من كان فرعون فى وقت حدوث الخروج، سؤالا فارغـًـا، فلم يكن هناك فرعون فى ذلك الوقت ، لأنّ الخروج حدث فى الفترة التى تخلــّـلت حكميْن )) وهذا الرأى يتفق مع ما كتبه العالم إدوارد ميير (ص111، 112)
ورغم أنّ فرويد موسوى الديانه، فإنه كان شديد الموضوعية والتجرد العلمى عندما وصف أجدادنا المصريين القدماء بالوداعة، بينما وصف العبريين أتباع موسى وكل الساميين بأنهم (همج) (موسى والتوحيد - مصدرسابق – ص109) وعندما هرب من حكم النازى إلى بريطانيا أخذ معه أصدقاءه ، فمن كانوا هؤلاء الأصدقاء؟ مجموعة من التماثيل المصرية الصغيرة، كان من بينها تمثال ل (توت) أو (جحوتى) إله الحكمة والمعرفة فى الديانة المصرية القديمة، وكان من أهم الرموز لديه (بتــّـاح) الذى كان موضع حبه ، ولذلك وضعه على مكتبه، ليكون أمام عينيه باستمرار وهو يكتب ، خاصة وقد رأى أنّ فلسفته تنص على الدورالإبداعى للفكرة وللكلمة. وكان فرويد مبهورًا بالحضارة المصرية (د. مرفت عبدالناصر- فى كتابها : لماذا فقد حورس عينه- دارشرقيات – عام 2005- ص64)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح