الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصلاح الأجتماعي وضروريات البناء المعرفي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سيبقى موضوع الإصلاح الأجتماعي هدفا مركزيا في دائرة الفكر التنوير الحضاري وإعادة بناء الذات الوطنية والفردية خاصة في المجتمعات التي عانت من اضطرابات ونكسات في تأريخها العام، ولكي تكون عملية الإصلاح الأجتماعي عملية متكاملة وقادرة على البعث الروحي في المجتمع، لا بد لها من أطر فكرية وقيم حضارية وترابط مع المؤثرات الفاعلة في عملية الإصلاح بشكل عام، هنا يبرز العامل الفكري والمعرفي كأحد الأعمدة الرئيسية التي يبنى عليها التحول والتغيير الإصلاحي بأعتباره هو من يحمل بذور الأصلاح القادم.
لذا فليس مهما أن تكون لدينا رغبة حقيقية في التحول والتغيير الأجتماعي ما لم يكن ذلك مرافقا بمنظومة فكرية مؤسسة، ولديها مشروع يماهي جوهر وروح التغيير ويتفاعل مع المقومات الأجتماعية التي تساهم في حركة الإصلاح، ومنها العامل المعرفي الثقافي بشقيه الديني والعلمي، بمعنى أن عملية الإصلاح وخاصة في المجتمعات التي يلعب الدين فيها دور محوري في رسم الوعي الفردي والجمعي، عليه أي الدين أن يكون مهيئا أيضا للمساهمة في عملية الإصلاح والتحول، خاصة وأن الدين كفكر مجرد له قابلية التحريك في الذات الفردية أكثر وأسرع من العوامل المعرفية الأخرى كالثقافة والأخلاق وعموم المعرفة.
من هنا كان لا بد لنا أن نقرأ عملية الأصلاح الأجتماعي من زوايا عدة ومن فروعها الأساسية، فلا أصلاح أجتماعي من دون أصلاح المنظومات المؤسسة والمنظومات الرافدة للمعرفة الإنسانية، الدين بأعتباره ووفق ما هو واقعي في مجتمعاتنا يبقى الباب الأول الذي يجب أن ندخل منه في عملية الأصلاح، وقبل أن نصلح الواقع الأجتماعي برمته لا بد لنا من أصلاح النظام الديني بجوانبه الفكرية والتعبدية والعلاقات التي تنشأ بظله أو من خلاله، لحقيقة أن الدين كما هو عامل حامل أجتماعي للتغيير أيضا كان وسيكون عامل تثبيط وعرقلة لعملية الأصلاح والتغيير.
من هنا كان علينا أن نبدأ بمجموعة من الخطوات التمهيدية العملية النقدية في هذا الأتجاه، هذه الخطوات سوف تمس الكثير من المتراكم والإرثي التقليدي في منظومتنا العقائدية والتعبدية، وهو أمر غير ميسور ولا سهل التعامل به بوجود حراس المعبد وجند الكهنوت الديني الذي ينظر لكل عملية أصلاح على أنها تهديد وجودي لمركزه، وهذا التهديد بأعتقاده سينسحب إلى تهديد وجود الدين ذاته، فيحاول دوما التعاكس والأعتراض على كل خطوة أصلاحية مهما كانت درجة تأثيرها على الواقع.
إذا كان لا بد لنا من الخوض في جوانب متعددة ومتكاملة من علاقات وقيم المجتمع ووفق رؤية نقدية علمية تؤسس لعمل الإصلاح، وتنظر له في ذات الوقت لتكشف ثغرات وضعف البنية الأجتماعية والثقافية والمعرفية المتهرئة التي يستند عليها المجتمع ويتعامل بها، هذه العملية ليست تتعلق بمرحلة الأعداد فقط ولا يمكنها أن تتوقف لمجرد أن يعرف المجتمع أوجه القصور والخلل، ولكنها تبقى مستمرة طالما أن الواقع يتحرك نحو متبنيات التحول والتغيير وأهدافه الغائية.
عملية الأصلاح في حد ذاتها لا ينظر لها على أنها مرحلة أنتقالية لها أحكامها وظروفها الخاصة بها والتي ترتبط معها وجودا وعدما، ولا يمكن عدها مجرد محطة في سلسلة محطات في تطور المجتمع وأنتقالاته الكونية، إنها الديناميكية اللازمة دوما لجعل الواقع مستعدا للحركة ويهجر عوامل السكون والتوقف طالما أن حركة الزمن ذاتها لا تتوقف في محطة ولا تسكن في زاوية من زوايا الوجود، الأصلاح الأجتماعي ضروري مع كل تعاطي بعلاقات وشبكة تواصل تربط الإنسان ببعضه، وتعيد فرض شروط وأستحقاقات جديدة تتوالد مع كل عملية تجديد.
في ما مضى كانت قيم القرية والمجتمع الريفي بوجهها المبسط المستند على أعراف القبيلة وشروط العمل والأقتصاد المحلي تفرض طبيعة خاصة لنظرة المجتمع للوجود، ولكن مع أنفتاح المجتمع وتطور التعليم وأنتشار التواصل بين القرية والمدينة أصبحت هناك تأثيرات متبادلة بين المجتمعين، لكن لم يصبح القروي متمدنا ولم يصبح المتمدن قرويا على أي حال، لكن الأثنين تحولا بفعل هذا التواصل والأنفتاح على نمط جديد من العلاقات المستحدثة يتجاوز واقع القرية كما يتجاوز واقع المدينية، وكلا الواقعين بقيا في حالة تجاوز مستمرة بناء على نتائج سابقة، هذا الأمر يحصل حتى في المجتمعات الحضارية التي تمتلك مفاتيح الإصلاح وتسير فيه بسرعة.
هنا في هذه المحاولة التي نطرقها في سلسلة من الكتابات التنظيرية والفكرية المعرفية نحاول أن نمارس النقد العلمي المنهجي، على مجموعة المكونات الأساسية التي تصيغ وتبلور الواقع الأجتماعي وتعيد رسم الرؤية الأجتماعية الجديدة، وقد ننجح في تحريك الماء الراكد في الواقع الأجتماعي كلما حركناه في أماكن أخرى، ليكون الجو العام مهيئا ومستعدا للقبول بالخطوة الأكبر وهي إعادة بناء العقلية الفردية والجمعي، لتتولى عملية الأصلاح عبر برنامج علمي وعملي ومتفق عليه ومتداخل ومتشابك، للنهوض بالمجتمع من خلال تحرير الإنسان من الروابط التقليدية المقيدة لحرية الفكر وحرية الإرادة، علينا أن لا نقف أمام أي عثرة فكرية أو معرفية أو أي مقاومة من أي جهة كانت وتحت أي عنوان، لأن الإصلاح لم يعد ضروريا فقط وملحا بل صار خيارا وجوديا نكون أو لا نكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا