الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة التكفير

رفعت عوض الله جاد الرب
(Refaat Awadallah Gadelrab)

2017 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لعنة التكفير
علي مر التاريخ واجهت البشرية آفات خطيرة استنزفت قواها ، وفتكت باعداد هائلة من ابنائها ، ولكن الإنسان امكنه التغلب عليها بالإرادة وإعمال العقل وتوظيف العلم ،والتطور الحضاري
وها هو الإنسان منذ مطلع العصر الحديث يكافح المرض والجهل والفقر حتي انه تغلب عليها في بلاد الحضارة والتقدم والعقل والعلم ، اما في بلاد التخلف والتي هي فعليا خارج نطاق الحضارة الإنسانية مازال البشر نهبا للمرض والفقر والجهل.
من آفات البشرية المميتة القاتلة آفة الإنغلاق العقلي ، وإعلاء الذات وكل ما يخصها ، والإيمان اليقيني باننا علي صواب مطلق ، وبالتالي غيرنا المختلف عنا علي ضلال مطلق.
الصواب المطلق والضلال المطلق منطقيا لا يُوجدا معا ، ولا يرتفعا معا ، فوجود الواحد ينفي وجود الاخر . من هنا حرب من يتوهمون حيازة الصواب المطلق علي من يرونهم علي ضلال مطلق.
هذه الافة العقلية الخطيرة حايثت او وُجدت مع الإنسان منذ بداية التاريخ ، وبسببها قامت حروب ضارية ضروس ، وسُفكت دماء غزيرة ، واُزهقت ارواح اعداد هائلة من بني الإنسان علي مر التاريخ.
علي مسرح حياة البشر لعبت العقائد الدينية الدور الاكبر الفاعل في إيهام اصحاب كل دين بانهم وحدهم مالكو الحق المطلق. أما من يختلف عنهم فهم في ضلال مبين ، وواجب ومسؤولية اصحاب الحق محاربة الباطل حتي ينتهي امره وامر اصحابه
كانت وسيلة كل فريق هي تكفير الأخر علي مستوي الجماعات ، وعلي مستوي الافراد كان تصويرهم ، اي تصوير من تري الجماعة انه خارج عليها ، ومناد بما هو جديد مخالف للتقاليد والاعراف وروح العقيدة . اقول تصوير مثل هؤلاء علي انهم مفسدون ، وضالون ، وانهم خطر علي عقول الناس الذين من الممكن أن يتبعوهم.
وهكذا واجهت دولة مدينة أثينا اليونانية قديما الفيلسوف سقراط الباحث عن الحكمة ، والمثير للفكر بجدله المنطقي . فقد نظر إليه ساسة المدينة ، وسدنة الدين علي انه مفسد لعقول الشباب ، مزدرٍ بآلهة المدينة ، فحكموا عليه بالاعدام بتجرع السم.
وهكذا نظر اليهود للمسيح علي انه مجدف بقوله انه ابن الله ، وانه سيتسبب في زوال كيان اليهود الديني والاجتماعي فلابد من قتله ، فقتلوه صلبا.
في العصور الوسطي انقسم العالم المعروف في ذلك الزمن تقريبا إلي شرق يدين بالاسلام وغرب يدين بالمسيحية.
نظرت دولة الخلافة الإسلامية في الشرق للغرب المسيحي علي انه ضال وكافر ومؤله للمسيح فكان التناقض العقيدي ومن ثم العداء ومن ثم الحرب.
وكذا نظر الغرب المسيحي من خلال البابوات والاباطرة والملوك للشرق المسلم علي انه فاسد العقيدة لا يؤمن بألوهية المسيح ، فكان التناقض والعداء والحرب.
في إطار الدولة الإسلامية انقسم المسلمون إلي سنة وشيعة . بنظر المسلمين السنة ،المسلمين الشيعة كفار ،وبنظر المسلمين الشيعة اهل السنة كفار.
في دولة الخلافة الاسلامية السنية أُضطهد الشيعة ،ومارست الدولة والرعية ضدهم تمييزا وتهميشا.
علي مستوي العقيدة ظهر العديد من الفرق الكلامية التي تنظر لمفاهيم ومعطيات الدين الاسلامي مثل الشاعرة والمعتزلة وغيرهم وكل فرقة بلا استثناء كفرت غيرها . كم قتل اتباع فرقة ما اتباع فرقة اخري وكم انحاز الخلافاء والولاة لفرقة واستعدوا العامة علي الفرق الاخري ، فقامت مجاذر بشعة لا لسبب سوي الرمي بالكفر والضلال.
علي مستوي المسيحية في الغرب حكمت الكنيسة في العصور الوسطي علي لاهوتيين مفكرين مطورين للفكر الديني المسيحي بالهرطقة ، وأدانت محاكم التفتيش لاهوتيين وفلاسفة بتهمة الهرطقة وحكمت بحرقهم احياء " سافونا رولا وجردنو برونو " علي سبيل المثال.
كذلك حكمت الكنيسة بهرطقة العلماء الذين أتوا بنظريات جديدة هي من وجهة نظر الكنيسة تتعارض والكتاب المقدس " كوبرنيكوس وجالليلو " مثالا.
بعد حركة الاصلاح الديني في اوروبا في القرن 16 م نشات الكنيسة البروتستانتية مختلفة عن الكنيسة الكاثوليكية التقليدية.
نظرت الكنيسة الكاثولكية للكنيسة الناشئة ورعيتها علي انها هرطقة وخروج صريح عن الحق المسيحي ، فقامت الحروب الدينية بين الفرقاء المسيحيين " حرب الثلاثين عاما" مثالا.
في تلك الحروب الدامية قتل مئات الالوف وجرت دماء غزيرة وكلهم مسيحيون.
مع مقدم العصر الحديث الذي تميز بالكشوف العلمية وشيوع مفاهيم حقوق الإنسان والعلمانية وتأسيس الدول تأسيسا جديدا ليس على اساس إلهي ديني ، وتفويض الملوك من قبل الله بالحكم ولكن علي اساس بشري ، فهناك عقد ضمني بين الحاكم والمحكومين بموجبه يفوض المحكومون الحاكم في الحكم ليقر الامن وسيادة القانون والسلام الاجتماعي.
كل هذه المفاهيم زعزعت اليقين والوهم بأن فريق يملك الحق والمختلف معه يملك الضلال. فالحقيقة نسبية ، ولا يمكن القطع باليقين ، مما فتح الباب امام التسامح وقبول الاخر المختلف ، ومن ثم إقرار السلام الإجتماعي وإنتفاء القول بهرطقة المختلفين ، ومن ثم انتهت الحروب الدينية وتقسيم الناس ما بين مؤمن صحيح الايمان وهرطوقي فاسد الايمان في اوروبا المسيحية.واصبح الدين شأن فردى وعلاقه خاصه بين الانسان وربه.
ولكننا للاسف الشديد في شرقنا المسلم مازلنا نعيش اجواء وروح العصور الوسطي " ما قبل عصر الحداثة " التي تكفرالاخر المختلف إنطلاقا من توهم إمتلاك الحق المطلق ، وتري وتؤمن بالخلاص منه بالتكفير ومن ثم القتل.
هكذا ينظر الشيعة للسنة والسنة للشيعة في منطقتنا البائسة ، وهكذا ينظر المسلمون حكومات وشعبا ومؤسسات للمسحيين من ابناء الوطن او من الامم الاخري ، وهكذا يشتعل الارهاب المستند علي تكفير الدولة والمجتمع وغير المسلمين ، وهكذا دخلت منطقتنا المنكوبة في اتون الإرهاب باسم الله والاسلام والحقيقة المطلقة.
متي نتجاوز كل هذا الظلام والشر ونؤمن بنسبية الحقيقة ؟ متي ندخل عصر الحداثة الواقي لنا من لعنة التكفير والإرهاب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهند كشفت عورة المنافقين
Amir Baky ( 2017 / 11 / 22 - 11:51 )
فى الهند هناك عشرات الأديان و العقائد و المنغلقين منهم يرون إنهم يمتلكون الحق المطلق ولكن الكل يضع هذه المعتقدات فى إطارها الإيمانى فقط. خلط الدين بالسياسة و جعل رجال الدين يمارسون قيادة سياسية هو السبب فى تبرير الحروب لإختلاف العقيدة. فى العصور المظلمة لاوروبا كان لرجال الدين دور سياسي فكان التخلف قائم. الآن رجال الدين الإسلامى يمارسون السياسة و بيتم توظيفهم سياسيا لتخدير عقول الشعب المظلوم لمصلحة الحاكم. هؤلاء القوادين يبررون لحرب المختلف عنهم فى المعتقد لأن المختلف يهدد مصالحهم الشخصية . و أيضا يمارس رجال الدين المسيحى فى شرقنا التعيس هذا الدور اللاخلاقى.
أى دين لو رجالة لهم دور سياسي فأعلم أن التطرف و العنصرية و الطائفية و الكراهية هى المتحكمة فى عقول تلك المجتمعات.
رجال الدين من هذه النوعية هم تجار و قوادين للدين و هم أسوء ما يمثلونة و هم سبب الإلحاد و كراهية الأديان. فدفاع رجل الدين عن الدين قمة الكوميديا السوداء لأنه هو وصمة العار على الدين وهو المشوة للدين الذى يدافع عنه.
الخلاصة: تكفير المختلف = تدمير المجتمع = مصلحة رجال الدين الشخصية

اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل