الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (92) المراقبة

بشير الوندي

2017 / 11 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (92)

المراقبة

بشير الوندي
--------------
مدخل
--------------
المراقبة بإسمها الطبيعي هي من أعمال المكافحة الأمنية وركنها الاول , الا انها تلعب دورا محوريا في العمل الاستخباري , اي ان المراقبة لها محوران احدهما امني صرف والاخر استخباري , الا ان الفرق بينهما كبير كما سنوضح .
وتتنوع المراقبة الى عدة اشكال ابتداءاً بالمراقبة البشرية والمراقبة الالكترونية والاخرى الفنية والاخرى الجوية والارضية وغيرها .
فالمراقبة الاستخبارية هي من الطرق الرئيسية لجمع المعلومات خارجياً عن العدو وعن اذرعه ومصادره , وكذا لمراقبة التحديات الداخلية والفجوات الاجتماعية والتهديدات الداخلية .
---------------------------------------
المراقبة بين الامن والاستخبارات
---------------------------------------
نقف عند عنوانين جوهريين لتبيان الفرق بين الرقابة الاستخبارية والمراقبة الامنية , وهما :
1- الفرق من حيث الشكل :
ان من ابرز الفروقات بين المراقبة الاستخبارية ونظيرتها – او بتعبير ادق مكملتها – الامنية يتمثل في ان عموم الخطوات الاستخبارية هي خطوات سرية وغير قانونية , ومن هنا فالرقابة الاستخبارية لاتتم بأمر قضائي , وانما تتم بحذاقة بعيدا عن كل رقابة , فترى ان رجل الاستخبارات المحترف ينسحب من مشهد الحادث عند ظهور الشرطة والاجهزة الامنية , وينكر صلته باي شيء في حال انكشافه , فالطرق الاستخبارية سرية ولايتم الافصاح عنها .
وحتى في النجاحات , فان الاجهزة الاستخبارية لاتكون تحت اضواء الاحتفال , لذا تحاول التعويض من خلال تزويد بعض الكتّاب والسينمائيين بملفات بعض العمليات الناجحة – بعد التنقيح – لعمل اعمال فنية تعكس نجاحات مؤسسة لايحق لها بالزهو علنا .
ولاشك في ان الامر يختلف في العمل الامني عموماً والمراقبة الامنية خصوصاً , فكل الخطوات الامنية والمكافحة لاتتم الا بعلم وموافقة القضاء سواء بالمراقبة البشرية او الالكترونية وانتهاءاً بكافة الملاحقات والاعتقال وصولاً الى التحقيق والعرض على القضاء , فكل تلك الخطوات محسوبة ومقننة وتجري بمعرفة دقيقة بكافة التفاصيل من قبل الادعاء العام والسلطات القانونية الاخرى .
2- الفرق من حيث المضمون :
ان العمل الاستخباري يبدأ بالخبر الذي قد يكون علنيا او سريا , ليبدأ العمل على المعلومة وتطويرها بالاستخبار ثم بالتحليل والتدقيق وآخر مايفعله هو التهديف (الا اذا استدعت المعلومة التحرك الفوري دون انتظار ومثالها ان تصل معلومة للاجهزة الاستخبارية عن وجود ارهابي يزرع عبوة في الطريق الفلاني , فحينها ياتي الايعاز السريع لاحدى الطائرات او الاسلحة السريعة بالمعالجة ), وحين يتم التهديف يحول الملف الى الجهة الامنية لتكافح الهدف ( وفي بعض الاحيان يكون هنالك جهاز مكافح ضمن الجهاز الاستخباري ).
ومن هنا فان المراقبة الاستخبارية لابد ان يكون لها رصد متقدم لكشف الاهداف ليس بالضرورة بناءاً على شكوك محددة , وانما استحضاراً للمخاطر وبحثا عن الاهداف المحتملة وفق دراسة مسبقة للجهات التي لابد من رصدها دائماً , أي أن المراقبة بشكلها الاستخباري مراقبة شاملة وعامة , فقد تراقب الاستخبارات اهدافاً لسنوات بلا جدوى لكنها تستمر بالمراقبة ,اما المكافحة او الأمن فانه يراقب لغرض العمليات وضرب الخطر.
ومثال تلك الاهداف المغرية للرقابة الاستخبارية (خارجياً) مراقبة العدو ونتاجاته الاعلامية واستعداداته العسكرية واحوال الاقتصاد لديه , اما (داخلياً) فالمراقبة "هي عملية رصد سلوك أشخاص او تشكيلات أو أشياء أو عمليات للتأكد من سير العمل الطبيعي والمتوقع لها وذلك للحماية والأمن الاجتماعي" فتتم مراقبة الحدود والاجواء , مراقبة النشاط المعادي , مراقبة الدعاية المضادة, مراقبة السفارات والقنصليات والمنظمات الاجنبية , مراقبة الوفود والبعثات , مراقبة شبكات التجسس, مراقبة النشاط الإجرامي , مراقبة الفعاليات الأمنية والعسكرية والقادة العسكريين والامنيين, مراقبة السجون , مراقبة المواتمرات والمهرجانات , مراقبة الصحافة والإعلام , مراقبة الاتصالات ووسائل التواصل , مراقبة السوق والسلع , مراقبة الجامعات , مراقبة الاداء الحكومي , مراقبة عصابات الجريمة المنظمة كالتهريب و المخدرات والسلاح , مراقبة حركة الأموال , وغيرها من الاتجاهات الحساسة.
فالإرهاب مثلاً لاتتم رقابته عندما ينمو وينتشر وانما يفترض ان يراقب في بداياته حيث انتشار الافكار المتطرفة ولايتم انتظاره حتى يمر بمراحل التنظيم والاستعداد والتخطيط والتنفيذ, وهذا يستدعي مراقبة للفكر المتشدد واتجاهاته القومية والدينية .
وكذا الامر بالنسبة للتشنجات الاجتماعية باشكالها الطائفية والعنصرية والقومية , فان انتظار اندلاعها يعد فشلاً استخباريا وانتحارا, فلا مناص من الرقابة الاستخبارية لكافة الاهداف كشخوص او مؤسسات واعلام ونشريات بشكل دائم لملاحقة التطورات وحصر الضرر, والامر ذاته في رقابة السوق ورقابة القرارات الحكومية ورصد ردود الافعال عنها , وفي مراقبة القادة العسكريين او الجامعات والمنظمات ومرافقة الوفود في سفرها الى الخارج .
اما مراقبة الاجانب فلاجدال لاهميته سواء كانت سفارات او هيئات اجنبية او منظمات , عدا عن الاشراف على اقاماتهم ودخولهم وخروجهم عبر المنافذ .
ان مانعنيه هنا ان الرقابة الاستخبارية هي عمل دؤوب ومستمر , وان رقابتها للاهداف لايقف عند حد او وقت محدد , لان الخطر قد ياتي في اية لحظة , كما ان عدم وروده لايلغي الرقابة
---------------------------------
نتائج متوخاة من المراقبة
---------------------------------
بالرغم من ان الهدف الاساس للمراقبة متعلق بكل مامن شأنه حماية البلاد من العدو , فان الامر لايتوقف عند هذا الحد بل يتعداه الى فوائد كثيرة منها :
1- تدريب الاستخبارات لعناصرها على طرق التخلص والتملص من المراقبة والتعقب , وهو امر اساسي في العمل الاستخباري لاسيما في ارض العدو .
2- المراقبة تتيح كشف نوايا وخطط المستهدف ولاشك انها ضرورية في عمليات التصفية والانقضاض حيث لايمكن الاستغناء عنها .
3- تتيح المراقبة للاجهزة الاستخبارية فرص الحصول على ادلة وتسجيلات تسهل تحطيم العدو او تجنيده او لكسر ارادة الصمود لديه من خلال مكاشفته بمعرفتها الدقيقة لتحركاته وافعاله بالصوت والصورة والفيديو وغيرها.
4- كثيراً ماتؤدي المراقبة الى توالد الاهداف , فمراقبة عنصر معادي قد يكشف اوكارا او اشخاصا غير مرصودين , مما يؤدي بدوره الى الكشوفات الاكبر .
5-تنتج عامل نفسي مؤثر للردع والخوف من العمل ضد أمن البلد وتبين قوة عين الاستخبارات .
---------------------------------------
الاستخبارات عدو الخصوصية
---------------------------------------
ان العمل الاستخباري هو عمل غير شرعي وغير دستوري غالباً بالرغم من انه يجري ضمن نطاق مؤسسات دستورية بالطبع , فالاجهزة الاستخبارية لا تطلب الاذن القانوني بالمراقبة ولا بالتنصت بل انها تدعي في الغالب البراءة وتتنصل من اية اعمال غير قانونية , وهي في الغالب كذلك .
ومن هنا ترى الاجهزة الاستخبارية ان عظم المهمات الملقاة على عاتقها وتنوع تلك المهمات تتطلب من الجهات الرقابية الصمت والسكوت عن اعمالها , والاكثر من ذلك , ان الاجهزة الاستخبارية توحي للاجهزة الرقابية والتشريعية والسلطات الحكومية بان من الافضل لتلك الجهات ان لاتعلم بتفاصيل العمل الاستخباري لاسيما العمليات الخارجية التي تبنى على المراقبة .
فالاجهزة الاستخبارية المحترفة وحتى في دول العالم الثالث , تغتال وتعاقب وتسرق وثائق وتفتح خزائن وتدخل لغرف النوم وتجند شواذ وعاهرات و تقوم بكل مايقع تحت طائلة القانون , ومن هنا نرى انه حتى في الموازنة العامة للدول , لايجري اطلاع الجهات التشريعية البرلمانية على تفاصيل العمليات الاستخبارية وانما يجري الاطلاع على الرقم النهائي المطلوب للموازنة , وهو اشكال دستوري واخلاقي سعت الدول المتقدمة الى حله عبر اتجاهين :
الاتجاه الاول عبر عدد محدود من التشريعيين يجري اطلاعهم بشكل ضبابي عن العمليات التي تتطلب الدعم والتخصيصات .
والاتجاه الثاني عبر ربط الموازنة الاستخبارية بالنتائج , فلايوجد شيك على بياض لعنوان عريض اسمه مكافحة الارهاب , وانما يجب ان يعلم المشرعون ( ولو بلغة الارقام والنسب المئوية ) عن التقدم في القضاء على الاهداف الخطيرة وعلى مدى اختراق تنظيمات العدو , وعن نسبة ماتحقق من الاهداف التي التزمت الاجهزة الاستخبارية بتحقيقها خلال السنة المالية , فيكون التقييم بالنجاح والفشل وفي الدعم او حجبه وفق النجاح والفشل الاستخباري .
ولاشك من ان سرية وفعالية الرقابة الاستخبارية , لاسيما الالكترونية منها , قد اثارت الكثير من التواقين الى الخصوصية والحرية , الا ان من المسلّم به , ان الاستخبارات في اعرق الديموقراطيات في العالم تدين بنجاحاتها الى ارتفاع مناسيب خرقها لكافة الموانع الفنية والالكترونية .
فاجهزة الاستخبارات عندهم تراقب الاتصالات والسفر والنت والصفحات والايميلات وحركة الأموال وكل شي دونما اعتبار للخصوصية ولا للاسرار , فكل شي يوضع على شبكة الانترنيت يعتبر مراقب والهاتف مراقب وبطاقات الائتمان والأموال مراقبة وتعتبر الاستخبارات المحترفة استخبارات مراقبة بالدرجة الاولى , لاسيما بعد تنشيط التنظيمات الارهابية للجهاد الالكتروني !! لاطلاق الذئاب المنفردة , الامر الذي قوّى من معادلة نشر الامن مقابل تقليص الخصوصيات.
-----------------------------------
المراقبة ..السر المعلن
------------------------------------
بالرغم من كل ما اوردناه عن سرية العمل الاستخباري , الا ان العمل الاستخباري نظرياً هو سر مكشوف , فالكل يعلم في كل مكان في الكوكب انه مراقب بطريقة ما , سواء من مخابراته الوطنية او من المخابرات الاجنبية .
وللحق نقول انه بالرغم من توخي السرية , الا ان الكثير من العمليات الاستخبارية باتت مكشوفة او محسوسة والبعض منها تعمدت ذات الاجهزة الاستخبارية كشفه لاسباب لامجال لحصرها .
بل ان الاجهزة الاستخبارية تتعمد احياناً الى المراقبة العلنية لارهاب العدو واشعاره بان عليه ان يلزم حدوده , فالسفارات والهيئات الدبلوماسية تعلم جيداً ان كافة سياراتها مراقبة بشكل علني احياناً تحت غطاء وذريعة حمايتها الموكولة قانونا للبلد المضيف , والضيوف الاجانب والوفود الاجنبية يعلمون جيداً ان مرافقيهم وقائدي سياراتهم هم من الاجهزة الاستخبارية , وعلم هؤلاء واولئك ان اجهزتهم النقالة ومحادثاتهم مرصودة .
وفي المقابل صار اللعب على المكشوف احيانا, فبات من المسلّم به ان سفارة اية دولة هي بمثابة وكر تجسس رسمي وان اي سفير هو جاسوس رسمي مهذب ببدلة سموكنك .
--------------
خلاصة
--------------
العمل الاستخباري عمل النفس الطويل في سبيل استحصال المعلومة , والرقابة الاستخبارية الشاملة هي السبيل الوحيد لضمان امن البلاد , ومن هنا تولي الاجهزة الاستخبارية للمراقبة الاهمية القصوى وتجند الكثير من الطاقات الفنية والبشرية لتلك المهمة .
ومما يؤسف , ان معظم مهام الرقابة الاستخبارية واختصاصاتها غائبة وضبابية ومبعثرة في اجهزتنا الاستخبارية , والله الموفق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة