الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من فناني المهجر العراقي الفنان المبدع البير الياس أو (آريه الياس)

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 11 / 22
الادب والفن



الفنان البير الياس أو (آريه الياس) يعتبر النموذج اليهودي العراقي المثابر الذي لا يخشى الصعاب, ولد في بغداد يوم 1 نيسان 1921م, وعندما كان في سن الخدمة العسكرية هاجر إلى إسرائيل عام 1947م, وكان البير الياس واحداً من أوائل المغادرين إلى فلسطين عام 1947م لأسباب إيديولوجية صهيونية بحته, بعد أن اكمل تعليمه في المدرسة الأليانس في بغداد, نجح في اسرائيل بالتغلب على العديد من العقبات الاجتماعية والثقافية والتمييز العنصري المقيت الذي تحاول إسرائيل مكافحته وذلك بفضل موهبته وقوة إرادته وإصراره.
كان السبب الرئيسي لهجرة البير الياس نشاطه الصهيوني الذي انخرط فيه مع بعض الشباب اليهودي في العراق اربعينات القرن الماضي مما وضع حد نهائي لطموحه الفني في مجال المسرح, وبسبب هجرته إلى فلسطين تخلى عن طموحه وفرصته في لعب دور (شايلوك) في مسرحية (تاجر البندقية) لشكسبير, هذا الدور الذي عرض عليه من قبل معهد الفنون الجميلة في بغداد, وبدلاً من ذلك هاجر فجأة وبشكل سري, وعندما وصل إلى إسرائيل حاول العمل في مجال التمثيل, لكن النجاح لم يحالفه(1).
أسس معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1936م وتم فتح فيه قسم المسرح سنة 1939/1940م, وكان من ابرز الممثلين اليهود الذين تعلموا فيه هو البير الياس وزملاءه سلمان عبد الله يوسف وإسحق باؤوا, وقد درسوا على يد بعض اساتذة المعهد العائدين من أوروبا بعد اكمال دراستهم العليا, وقد أخرج البير الياس واسحق بطاط مسرحية (إستير), حيث ادى تمثيلها طالبات مدرسة الأليانس للبنات في بغداد, وجعل ريعها للمساعدة بتزويج الفتيات اليهوديات الفقيرات, ولعبت الطالبات أدوار الذكور, كما قدم الممثلون اليهود أيضاً عروضاً لأجل جمع التبرعات للمؤسسة الإسلامية, وكان ذلك محل تقدير جمهور المسلمين, وكان مخرج هذه المسرحية ومدير المسرح وخبير الإضاءة والماكياج لجمعية مدرسة التفيّض في بغداد, السيد سيمون العماري (شمعون بن عمري 1921)(2).
في إسرائيل لم ينسجم البير الياس في مسرح هبيما الإسرائيلي, وكان السبب الرئيسي هو رطانته للغة العبرية الغريبة عليه ولهجته العراقية التي تبرز من خلالها حروف القاف والعين والطاء الثقيلة لأنه درس وعاش في بغداد ومن اصول عراقية, فعندما اندلعت الحرب عام 1948م التي تُدعى (حرب استقلال إسرائيل), تم تجنيد الياس في سلاح الاستخبارات, وبناءً على توصيته من (يغئال ألون) أرسل إلى شركة جزباترون للتمثيل للاختبار, وقال الياس في لقاءه مع أورنا شمارياهو ص35 :" بأن لديه خلفية في الأدوار المسرحية التي يؤديها في العراق في حين كان الذين يختبرون يميلون إلى مسرح التسلية والترفيه, وهذا هو سبب فشله في الاختبار".
كانت جهود البير الياس الاندماج بالمسرح الاسرائيلي كيهودي عائد من العراق كانت محدودة, مما اصابته بخيبة أمل وصدمة كبيرة, فبعد انتهاء فترة الخدمة العسكرية الإلزامية استمر في محاولات عديدة لكي يصبح ممثلاً متساوي الحقوق في المسرح الإسرائيلي, ولكن من دون جدوى, ففي النظام الثقافي الإسرائيلي تم تصنيف الياس على أنه شخص ينتمي إلى القطاع الثقافي العربي.
كان البير الياس ناجحاً فقط في المسرحيات الإذاعية وباللغة العربية التي كانت تقدم من خلال المحطة الإسرائيلية الرسمية تحت إدارة السيد شاؤل بار حاييم, وقد شارك العديد من الممثلين اليهود العراقيين في هذه المسرحيات الإذاعية.
عام 1952م تم قبول البير الياس في المسرح الكامري العبري, حيث شارك في مسرحية (طرائق نصر الدين) في قصة أسطورية شرقية من جزأين, تأليف ليونيد سيلوفيف وفيكتور فيتز, ونقلها للعبرية شلومو نيتسان, ومع ذلك وبعد عرضها لمرتين تم طرد الياس بسبب لهجته الشرقية بحسب قوله, وواصل مديرو المسارح العبرية لسنوات عديد في اعتباره ممثلاً يصلح للعب دور العربي أو اليهودي الشرقي المضحك والمثير للسخرية بلهجته وحركاته ولباسه وتصرفه الشرقي.
بعد أن وصل البير الياس إلى استنتاج مفاده أن الصعوبات اللغوية والاختلافات في التقاليد المسرحية عصية على الحل, فقام بتأسيس فرقة عربية أسماها (أور) نسبة إلى موطن سيدنا إبراهيم الخليل في بابل/ العراق, مع شمعون بن عمري (سيمون العماري) عام 1956م, وقد استقطبت الممثلين الذين هاجروا قسراً من العراق عام 1950/1951م, وتحت رعاية مسرح (أوهيل) – الخيمة- , عرضت هذه الفرقة اوبريت (مجنون ليلى) الغنائية, للشاعر الكبير أحمد شوقي (1867-1930م), واستمر العرض لأربعة عشر مرة, وأدرك الياس واصدقاؤه الشرقيين أن العروض الأربعة عشر للأوبريت جعلهم يشعرون بأن أداءهم أفضل وأكثر شعبية في مسرح يقدم اللغة العربية, بعد أن كانوا مقيدين بأدوار العرب أو اليهود الشرقيين(3).
اتهم البير الياس اليهود العراقيين الذين تولوا مناصب وزارية عليا في إسرائيل بعدم تقديم الدعم له, لأنهم لم يعلقوا أي أمل أو أهمية على المسرح العربي الشرقي, ولأجل أن يصبح مقبولاً في المؤسسة الفنية الإسرائيلية على قدم المساواة مع الآخرين فإنه لم يغير اسمه فحسب من البير إلى آريه, والتحاقه بصفوف جيش الدفاع الإسرائيلي, وإنما تزوج من امرأة اشكنازية أيضاً (من يهود اوروبا), ولما لم تؤهله كل هذه المحاولات لكي يصبح ممثلاً إسرائيلياً سافر إلى باريس للحصول على شهادة جامعية أوروبية في مجال الدراما, ومكث فيها مدة ثلاث سنوات ودرس هذا الفن تحت رعاية مخرجين فرنسيين بارزين, وكان ناجحاً لدرجة أنه حصل على فرصة عمل في فرنسا.
عام 1960م قرر الياس العودة إلى إسرائيل بسبب أفكاره الصهيونية, ولكن هذه المرة شعر بخيبة أمل أيضاً, فيقول (لقد وصلت مثل أي مهاجر جديد, فلا شيء قد تغير, ولم أحصل على أي عرض للعمل في المسارح الإسرائيلية)(4).
كان وضع البير الياس مشابهاً ليهود اوروبا الذين حاولوا الاندماج واستيعاب الوضع مثل بنيامين دزارئيلي (1804-1881م), الذي تم تعميده في السادسة عشر من عمره وتزوج من مسيحية, لكن بسبب النظرة الانكليزية ظل موصوماً بـ(اليهودي ذي البشرة الاسبانية السمراء). وأخيراً تخلى كل اصدقاء الياس عن حلمهم بالعمل في المسرح والتكلم باللغة العبرية, ووجدوا ضالتهم في راديو إسرائيل عبرَّ الأثير باللغة العربية, حيث عملوا في مسرحيات إذاعية وبرنامج حقوقي تحت عنوان (من ملفات القضاء).
بعد فشل البير الياس في الحصول على موطئ قدم في المسرح الإسرائيلي, تلقى عروضاً للعمل كمخرج وممثل, ولعب دور اليهودي الشرقي المضحك في افلام شباك التذاكر الناجحة مثل (احتفال سنوكر) و(تشارلي ونصف) وكلاهما من اخراج بوعاز ديفيدسون, ودوره في (اليزا مزراحي) و(هيرشيل) من إخراج يوئيل سلبريرغ, وفي المسلسل التلفزيوني (اطفال من حي حاييم), التي اذاعت هذه الأعمال شهرته. وفي عام 1974م حصل الياس على (دور حياته) كما يقال, عندما مثّل دور (زوربا اليوناني), وفي عام 1981م حصل على دور في فلم (الطلاق المتأخر) من إخراج أ. ب. يهوشواع, وقدمه على المسرح نيفه تصيديق, وبعد كل هذه الأعمال الفنية شعر بأنه قد تغلب أخيراً على شهرته كممثل يلعب دور اليهودي الشرقي المضحك بالصورة الخطية الشائعة المثيرة للسخرية.
إن الصعوبات الكبيرة التي واجهت المثل العراقي المولد الإسرائيلي الجنسية البير الياس الذي شارك في أكثر من خمسين مسرحية وفلماً في إسرائيل وخارجها, تمثلت بالعقبات الهائلة التي تقف في طريق فناني مرحلة الهجرة من العراق إلى إسرائيل, والأخيرة قد منحتهم ملجأً اجتماعياً وفنياً.
وفي نهاية المطاف افلح البير الياس في الاندماج بالثقافة الإسرائيلية, ونال جائزة (قيثارة داوود المتميزة) سنة 1983م عن دوره في فيلم (الطلاق المتأخر) وتم تكريمهُ بإشعال الشعلة عشية يوم ذكرى استقلال إسرائيل عام 1990م باسم اعضاء فرق الفنون التمثيلية, وأخيراً حصل على الاعتراف به كممثل إسرائيلي ناجح, وليس كمهاجر.
بعد هذا العمر التمثيلي للبير الياس رحل عن الحياة يوم 7 آذار 2015م عن عمر ناهز 94 عاماً.


المصادر:
1- مقابلات للسيدة أورنا شمارياهو (تسور), في 15 كانون الثاني و6 نيسان 1997م تحت عنوان. آريه الياس الرجل ونشاطه في المسرح العراقي والإسرائيلي ص30/38.
2- مقال لأريه الياس في مجلة نهر ديما, مركز تراث يهود العراق في 22 تشرين الأول 2000م. ص24/25.
3- أورنا شيمارياهو. مقابلة في منزل آريه الياس سنة 1997م. مصدر سابق.
4- تفيرسكي. الأدب العالمي. معجم تل أبيب. دفير, وئام عوبيد, 1963م, المجلد الثاني ص50/51.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق