الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!أوعى البطوط

لبنى حسن

2006 / 2 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أصبحت رؤية طائر تعادل رؤية إرهابي خطير حامل لأسلحة دمار شامل, فبمجرد أن رأى الناس بطتين بيتمشوا لوحدهم في منطقة المنيل حتى عم الهلع و الفزع و قفز الناس بعيدا و اتصل الأهالي بقسم الشرطة, و فورا استجاب مأمور القسم و اتصل بدورة بوزارة الداخلية طالبا المشورة و العون لمواجهة الكارثة و بعد اتصالات مكثفة و توجيهات من كبار المسئولين تم مده بأعداد غفيرة من قوات و جنود الأمن المركزي التي وصلت مسرعة لمقر الجريمة, فأقامت كوردون أمنى و حاصرت المتهمين و ثبتتهم في مكانهم في انتظار أوامر ضباط مكافحة الطيور أو مندوبي الصحة الذين تأخروا فحيروا الشرطة التي وقفت في حالة تأهب تحمل لوازم القتال للتعامل مع البطة و صاحبتها, و استعدت بالهراوات و القنابل المسيلة للدموع و حتى بلطجية الانتخابات و المظاهرات و لكن هيهات فالبطة مش ممكن تعترف و لا يبان عليها أعراض كما يحدث مع سائر الأنواع الأخرى....................

لم اعد أصادف اى وسيلة إعلام مصرية أو حتى مواطن إلا وكان الحديث عن فيروس أنفلونزا الطيور فقد أصبح حديث الساعة, و المسبب الأول للرعب الذي يبدوا انه تمكن من الجميع, فانطلقت الشائعات و انتشرت بسرعة كالنار في الهشيم و ربحت شركات الاتصالات مبالغ طائلة من جراء تبادل رسائل الهاتف النقال التي أمست الوسيلة الأولى لنشر الشائعات في مناخ خصب متعطش للمعلومة و إن لم تكن منطقية, حتى أن مرصد الشائعات التابع لوزارة الأعلام رصد 178 شائعة جديدة يوم الثلاثاء فقط.

الرسائل المتدفقة على الهواتف صعدت من الحالة المعلنة و تحدثت عن حالات إصابات بشرية في مصر بل ووفيات, و حذرت أخرى من تناول الحلويات و المأكولات التي يستخدم البيض في إعدادها..... مع أن طبقا للخبراء الطائر المصاب لا يبيض... المهم ازدادت الحكايات التي كلما تناقلها الناس أكثر كلما كبرت ككرة الثلج و أضيف لها أحداث مثيرة و أخرى مريبة, حتى وصل خوف البعض من القطط التي يحتمل أن تكون قد تعرضت للاحتكاك المباشر بأنفاس طائر... على فرض تبادل القبلات مثلا!! و مع مرور الساعات أصبح موضوع أنفلونزا الطيور هو محور حياة المواطن المصري و مؤرق منامه, و لعل أقوى شائعة انتشرت كانت تلك التي تتحدث عن ثلوث مياه النيل بالفيروس بعد إلقاء الطيور النافقة فيه, ليهرع الناس لشراء المياه المعدنية, حيث لم تفلح معهم تأكيدات وزارت الصحة و الري و الإعلام و مسئولي الحكومة أجمعين بأن هذا الفيروس يصيب الجهاز التنفسي و بالتالي لا ينتقل عن طريق الجهاز الهضمي إن وجد في المياه فعلا, كما لم تسعفهم ذاكرتهم بالصورة المعتادة للحيوانات النافقة الملقاة دائما في النيل سواء في مصر أو الدول الأخرى المطلة على حوض النيل, مثلا مؤخرا في السودان حيث انتشرت الحمى القلاعية بين المواشي و ألقى بها أصحابها في مياه النيل تماما كما تلقى فيه جثث بشرية أحيانا.

و حتى أطباء منظمة الصحة العالمية الذين ظهروا على التلفزيونات المصرية و هم يتناولون الدواجن و الحلويات و البيض, لم يفلحوا في طمأنة الناس أو إقناعهم أنهم غير تابعين للحكومة المصرية, لأن اى مسئول يطل على الشاشة مدان إلى أن يثبت عدم صلته بالحزب الوطني, و المواطن من كثرة ما تعرض للخداع و التدليس بات شديد الإيمان بنظرية المؤامرة فما الضامن؟ و لما لا يكون موظفي تلك المنظمة العالمية - و حتى إن كانوا غير مصريين- مواليين للحكومة المصرية و متآمرين على الشعب؟

فيروس أنفلونزا الطيور تحول لوباء و انتشر في دول عدة كفيتنام و أندونسيا و تايلاند و ماليزيا و الهند و الصين و تايوان, كما أصاب دواجن في النمسا و ألمانيا و لبنان و السعودية و ليس مصر فقط و لكن كم الذعر و الفزع الذي شهدته مصر ليس له مثيل, فنحن دائما منفردون و خصوصيتنا طاغية على سير الأحداث و مع الوقت و الإلحاح الإعلامي و التوجس من التضليل الحكومي نسينا انه وباء يصيب الطيور في الأصل و ليس الإنسان, و طبقا لأخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية, فقد اعدم حتى الآن مائه و ستين مليون طائر مصاب بينما لم تتعد حالات الإصابة البشرية في كل أنحاء العالم - منذ انتشار المرض من عامين- 160 فرد توفي منهم 92 و جميعهم من أصحاب التماس المباشر مع الطيور المصابة.

و الأهم أننا نسينا أن بلادنا تحديدا ذات طابع خاص و أن وزراءنا في الأساس رجال أعمال و أن أصحاب المصالح يتربحوا وقت الأزمات, فبالرغم من الخسائر الفادحة التي ألمت بقطاع الدواجن الذي يعمل به أكثر من اثنين مليون ونصف مواطن, إلا أن هناك من استثمر بل و أطلق الشائعات لتحقيق مكاسب, فمصائب قوم عند قوم فوائد, فها هي شركات الهاتف النقال تتصدر الأرباح و لحق بها منتجي اللحوم و الخضروات و أخيرا أصحاب شركات المياه المعدنية و البقية تأتى.... و من ناحية أخرى نسينا أن ازدياد الاهتمام الحكومي و تهويل الإعلام المحلي للأمر الذي هبط على النظام من السماء باعتباره أول كارثة ليست من صنعه, جاء في توقيت مناسب و حجم يؤهله لإلهاء الناس و جذب انتباههم بعيدا عن كارثة العبارة و علامات الاستفهام حول صاحبها المحصن, بالرغم أن ضحايا عبارة السلام 98 من المصريين أضعاف عدد مصابي أنفلونزا الطيور على مستوى العالم.

و لو دققنا و تأملنا الأحداث بهدوء لوجدنا أن هذه هي سياسة النظام المفضلة, فكلما غضب الشعب و ارتفعت الأصوات المعارضة و المطالبة بالمحاسبة, اخرج لنا من جعبته ورقة جديدة لجذب أنظارنا بعيدا.. على طريقة بصوا العصفورة يا حلوين... فمثلا في نفس توقيت الحكم على أيمن نور استيقظ ضمير الإعلام المحلي و بادرونا بالحديث عن موضوع ماريان و كرستين و فتحت قضية اختفاء الفتيات المسيحيات, و قاموا بالإمعان في إظهار الحدث و إضفاء الاهتمام الحكومي بل و الرئاسي بالمواطنين- و هو ما لم نعهده من قبل- و كأن الموضوع ظهر فجأة و في هذا التوقيت بالذات تماما كما أخفى فجأة و لم يستكمل أو يحل بل أغلق عندما أستوفى الغرض منه و قام بدوره في التشويش على الناس و شغل الرأي العام و توجيهنا بعيدا عن قضية المعارضة, و هو نفس ما حدث عندما تم تفجير قضية فساد عبد الرحمن حافظ رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي و تسليط الضوء الاعلامى على قضية نهب الملايين من المال العام, في نفس توقيت مجزرة السودانيين و قبل أيام من حفظ التحقيقات في قضية انتهاك عرض الصحفيات.

نعم أنفلونزا الطيور و باء و مرض يصبح خطير على البشر أن لم نتعامل معه بوعي و حرص و لكنه ليس اخطر من وباء الاعلام المحلى و لا فيروس الحزب الوطني المستوطن و لا أبشع من ما نعايشه و نبتلعه من مصائب و كوارث, و لم يصل ضحاياه عالميا لعدد ضحايا محرقة بنى سويف و لا بنى مزار و لا السودانيين و لا ضحايا العبارة و لا الانتخابات أو ضحايا الإهمال و تلوث الماء و الزرع و الهواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة