الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطي ومش خايف

ناجح شاهين

2017 / 11 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ديمقراطي ومش خايف:
لماذا فشل التحول الديمقراطي العربي في سياق الربيع المزعوم؟
"الديموقراطية غير ممكنة قبل حسم المسألة القومية. ويرجع ذلك إلى أن الديموقراطية التي تسبق ذلك الحسم إنما تقود الدولة إلى حتفها، عن طريق تفككها إلى وحدات أصغر على أساس وحدات قبلية أو طائفية أو إثنية أو حتى مناطقية."
ناجح شاهين
انتشرت أغنية أيام الانتفاضة الأولى تنتسب بوضوح للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، تقول كلماتها:
"ديمقراطي ومش خايف
وديني على نايف"
غالباً المقصود هنا بكلمة ديمقراطي هو الانتساب إلى الجبهة الديمقراطية وليس إلى فلسفة الديمقراطية عموماً. لكن على الرغم من ذلك استوقفنا بالفعل أن كلمة الديمقراطية كانت كلمة سحرية طوال الوقت، خصوصاً في دوائر الشيوعية "السوفييتية" ومن لف في مدارها من قبيل "الديمقراطيات" في شرق أوروبا وفي آسيا وغيرهما. لذلك كانت بلغاريا ديمقراطية، وكذا ألمانيا الشرقية، واليمن الديمقراطي...الخ.
لماذا الإصرار على استخدام كلمة ديمقراطية على الرغم من عدم وجود أية ممارسات "ديمقراطية" بالمعنى الليبرالي الشائع لكلمة ديمقراطية؟ الجواب بسرعة هو وجود مركب نقص تجاه الديمقراطيات الليبرالية الرأسمالية، فكان لا بد من مواجهتها بديمقراطية ما، تزعم أنها أعلى قدراً وأرفع منزلة من الديمقراطية الليبرالية. في الوقت الحالي ازداد الوضع سوء بفضل انتشار ايديولوجية البنك الدولي التي تنفذها منظمات غير حكومية عملاقة تهيمن على المشهد الكوني وتجعل المتدين والملحد واليساري واليميني يرددون جميعاً في جوقة موحدة أنشودة الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان دون فهم كلمة من محتواها.
وقد مهد لهذه الهيمنة أصلاً أنه لم يكن بالإمكان نقد فكرة الديمقراطية ذاتها في سياق المدرسة السوفييتية المتعثرة في النظرية والممارسة على السواء. من جانبنا نود في هذا السياق أن نوضح لماذا كان التحول الديمقراطي في البلاد العربية مجرد وهم يريد التماهي عبثاً مع نموذج الرأسمالية الصناعية في غرب أوروبا وشمال أمريكي بما يقود إلى طرح المشاكل الخطأ، وبالتالي عدم وجود أية فرصة واقعية لحلها. المشاكل الخاطئة أو الزائفة لا حلول لها مثلما أوضح ماركس منذ زمن بعيد.
نبدأ بالقول إننا نرى إلى الديموقراطية بوصفها نوعاً من نظام الحكم السياسي الملائم لإدارة الصراع الاجتماعي بفعالية عالية وبتكلفة قليلة في أوقات وأماكن معينة. لكن ذلك لا يتحقق إلا في سياقات تاريخية محددة، وذلك على وجه التعيين عندما يتشكل وضع يصبح فيه الاستغلال الاجتماعي وعدم العدالة الاقتصادية غير مرئيين بالنسبة إلى معظم السكان، مما يمكن الجدال السياسي أن ينحصر في قضايا تافهة لا تؤثر في البنية الأساس للمجتمع. بالطبع هذ الوضع ينطبق على الولايات المتحدة التي يعتقد فيها معظم الناس أن الهائمين في الشوارع ليسوا مشكلة الدولة أو النظام، إنما هم أناس كسالى، أغبياء...الخ في سوريا أو الأردن يكاد المواطن يتهم الدولة بالتسبب في انحباس المطر أو انتشار الآنفلونزا وهو جاهز تماماً للانقضاض عليها وهجرها إلى دولة أخرى إن استطاع. ولعل من المفيد وإن كان مؤلماً أن نقول هنا إن معظم الفلسطينيين جاهزون للانضمام لإسرائيل لو كانت الدولة العبرية مستعدة أن تتقبلهم بأي شكل من الأشكال.
وفي الحد الأدنى، تتطلب الديموقراطية التنافس متعدد الأحزاب (انتخابات نزيهة، وتنافسية، تشمل الجميع، ومنتظمة)، وسيادة القانون (الحريات السياسية والمدنية إضافة إلى قيود دستورية على ممارسة السلطة)". هذا في الواقع هو شكل المؤسسة التي يمكن أن تلائم أمرين في وقت معاً: أن يقوم الناس من جانبهم بالتصويت واختيار ممثليهم "بحرية"، وأن يتمكن هؤلاء المختارين من قبل الناس من تقرير ما يريدون باسم الذين انتخبوهم بغض النظر عما إذا كانت قرارات المختارين تمثل إختيارات/قرارات الناخبين أو لا تمثلها. الناس "اختارت" توني بلير أو جورج بوش أو ترامب، وهكذا ينتهي دورها، ويبدأ دور القائد المنتخب وحزبه ونخبته في تنفيذ المشروع الذي يريدون بغض النظر عن موقف الغالبية. ولذلك بالضبط تمكن بلير من الذهاب الى احتلال العراق على الرغم من معارضة الغالبية الساحقة للحرب وصولاً إلى حشد الملايين في الشوارع للهتاف ضدها.
إن حجر الزاوية في الديموقراطية الليبرالية الموجودة فعلياً هو تنصيب شخص ما في سدة الحكم يكون قادراً على المحافظة على الحريات الاقتصادية والليبرالية. فإذا لم يكن ذلك ممكناً فلا بد من التضحية بالحريات السياسية من أجل المحافظة على الملكية الخاصة واقتصاد السوق. هذا بالطبع يتناقض مع بعض الأفكار المسيطرة (والرائجة) التي ترى إلى الديموقراطية بوصفها نظاماً مساواتياً من حيث المبدأ. وهناك في الواقع بعض الآراء الساذجة التي ترى أن المساواة والحرية أساسية في انبثاق الديموقراطية.
للأسف ليست الدولة العربية في وضع يسمح لها بالتحول الديمقراطي بغض النظر عن كون الديمقراطية خيراً أو شراً. الدولة العربية ليست دولة الأمة ودولة المواطنين. بل هي تعاني بدئياً من مشكلة في مشروعيتها.
فقد تشكلت تلك الدولة بشكل قسري تماماً فرضته الدول المستعمرة. وقد خلق هذا التكوين الاصطناعي منذ اللحظة الأولى صراعاً بين الهويات تحت-الدولتية (القبائل والطوائف) والهويات فوق-الدولتية (العروبة والإسلام) من ناحية والدولة المحققة من ناحية أخرى. لكن الديموقراطية غير ممكنة بالطبع قبل حسم المسألة القومية. ويرجع ذلك إلى أن الديموقراطية التي تسبق ذلك الحسم إنما تقود الدولة إلى حتفها، إما عن طريق تفككها إلى وحدات أصغر على أساس وحدات قبلية أو طائفية أو حتى مناطقية، وإما بواسطة اندماجها في وحدة سياسية أكبر.
بالطبع لا يمكن أيضاً الحديث عن الديمقراطية الليبرالية دون وجود برجوازية صناعة تتمكن من تحقيق هيمنة حقيقية في المستوى الآيديولوجي في نطاق الحيز العام والمجتمع المدني. أين سوريا والعراق ومصر من ذلك ناهيك عن اليمن وليبيا؟
لسنا في مرحلة الديمقراطية أبداً، إننا في مرحلة الاستقلال السياسي والبناء العلمي والتزريع والتصنيع، على الأغلب بعيداً عن الممارسة السياسية المسماة بالديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال