الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن التاريخ والسياسة ح 11

عبد الحسين شعبان

2017 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن التاريخ والسياسة ح 11

كتاب الجهاد الدفاعي غير مسبوق بحياة تيار الفقهاء التقليديين
أ.د. عبد الحسين شعبان
وإذا كانت مرجعية الخوئي صامتة، فقد اعتبرت مرجعية الصدر ناطقة، ولذلك حاولت السلطة الانتقام منه، فقامت باغتياله مثيرة إلتباساً وغموضاً حول فعلتها، ومستغلّة الخلافات والتعارضات في الوسط الديني الشيعي بين محمد باقر الحكيم بشكل خاص ومحمد صادق الصدر، حيث كانت جريدة الشهادة عشية اغتيال الأخير قد نشرت ملفاً اتهامياً ضده باعتباره مقرّباً من السلطة الدكتاتورية، يضاف إلى ذلك الملابسات والحزازات والعنعنات بين قم والنجف، لاسيّما موضوع المنافسة على من يكون بيده القدح المعلّا. وفي كل الأحوال، فالسلطة أثبتت عدم جدارتها في كل ما اتخذته من خطوات للتعامل مع هذا الوسط الحسّاس الذي كان يمكن إستفادة الدولة العراقية منه، بدلاً من أن يكون بؤرة للفتن والاحتجاجات ضدها، أو حاضنة للمعارضة على نحو غير مباشر أو منظور.
وإذا كان صدام حسين في مطلع السبعينات يريد “منح” المرجعية لرجل دين “إيراني” أو غير عربي، خشية من الإشكالات التي تسببها المرجعية المرجعية العربية، فإن الوجه الآخر لمثل هذا الموقف هو موقف شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان يرغب في “إهداء” المرجعية إلى رجل دين عربي، ليتخذ منه عكازه في مواجهة مع الحكومة العراقية من جهة، ومن جهة ثانية ليضعف من دور “المرجعية الفارسية” في إيران وليس في النجف التي وقفت بشجاعة في مواجهته، والتي توّجت لاحقاً بثورة خرداد التي قمعها بشدّة. وقد جاء مثل هذا التأكيد في بحث لمختار الأسدي في كتابه ” الشهيد الصدر بين أزمة التاريخ وذمّة المؤرخين” الصادر عن دار الهادي، في بيروت، 1998 (ص 202) ونقلاً عن حامد الغار في بحثه ” دور العلماء المعارضين للسياسة الإيرانية”، بما يفيد ” إن شاه إيران اختار السيد محسن الحكيم للمرجعية ، فيما بعث إليه برقية تعزية بمناسبة وفاة السيد البروجردي (المرجع الأسبق) مفضلاً فقهياً عربياً من النجف – أي خارج إيران- لتقليص الدور الذي يمكن أن تقوم به (قم) ومنع نشوء مركز للسلطة الدينية داخل إيران”.


مفارقات سياسية
ولعلّ تلك واحدة من مفارقات السياسة في منطقتنا ، وكل يريد أن يلعب بملعب الآخر، وكان الوجه الثاني لمثل هذه السياسة بخصوص القضية الكردية، فطهران دعمت كرد العراق في مواجهة بغداد، سواء أيام الشاه أو بعد الثورة الإيرانية، وخلال الحرب العراقية- الإيرانية وبعدها في حركة المعارضة، وبغداد دعمت الحركة الكردية الإيرانية، خصوصاً عبد الرحمن قاسملو وحزبه الكردي الإيراني، وقبل ذلك دعمت المعارضة الإيرانية ، بما فيهم السيد موسى الموسوي (حفيد السيد أبو الحسن) وشاهبور بختيار وبعض جماعات تعود لنظام الشاه.
وللأسف فإن بعض من ظلّ يعيش في الماضي استمرّ في محاولة تلميع صورة النظام السابق وإنساب فضائل له في هذا المجال بعيدة كلّ البعد عن الواقع، حيث لم تشهد النجف والمرجعية الدينية تحديداً، فترة مظلمة أكثر من ربع القرن الأخير قبل احتلال العراق في تاريخ الدولة العراقية، دون نسيان الدور السلبي لبعض رجال الدين وارتباطاتهم الخارجية، لكن ذلك لا يمنع من رؤية الحقيقة على نحو موضوعي ومنصف.
وقد حاول النظام أن يناور وإن كان بشكل مفضوح، في دعم هذا المرجع أو رجل الدين أو ذاك، خلال فترة الحرب العراقية- الإيرانية وبعدها، لكن ذلك لم يكن سوى محاولة بائسة زادت في الطين بلّة وفي الالتباس إزاء العلاقة بالسلطة، ولم تنفع تلك المناورات في تحسين صورته إزاء الواقع المأسوي الذي عاشه العديد من رجال الدين والعوائل الدينية في النجف وخارجها، ولاسيّما بعد أن تولى صدام حسين موقع الرئاسة العام 1979 فقد كان صارخاً بكل المعايير، بل والأكثر بشاعة في كل تاريخها إزاء علاقتها برجال الدين، حيث قتلت العشرات منهم ومن العوائل الدينية دون أية أسباب حقيقية أو محاكمات حتى ولو صورية أحياناً، ابتداء من السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى العام 1980 والسيد محمد صادق الصدر العام 1999 وعشرات من آل الحكيم وآل بحر العلوم وآل الحلو وغيرهم.
أما بعدُ، فالجهاد بابٌ من أبواب الجنة
الإمام علي بن أبي طالب
الجهاد الدفاعي
تبنّى الحسني البغدادي فكرة “الجهاد الدفاعي” منذ أمد بعيد، وقد حاول الكتابة فيه، حيث أعدّ عنه مخطوطة كبيرة، لكنها ظلّت تقبع في مكتبته عقوداً من الزمان، حتى سنحت الفرصة بصدورها في كتاب بعنوان “وجوب النهضة”. وجاء موضوع نشره وتوقيته مناسباً جداً، خصوصاً بعد العدوان “الإسرائيلي” على الأمة العربية في 5 حزيران (يونيو) العام 1967? فجرى طبعه وتوزيعه في حينها، واحتفلت فيه الأوساط السياسية والثقافية، الوطنية والعروبية واليسارية، خصوصاً لما حمله من رؤية ثاقبة بخصوص مقاومة العدوان ورد كيد المعتدين والمتخاذلين.
وإذا كان الكتاب قد أعدّ أيام حكم الدولة العثمانية وفي مواجهة الإنكليز، فإن أحكامه امتدّت، بل أصبحت أكثر ضرورة حيوية لمواجهة “العدوان الإسرائيلي” باعتباره ” فرض عين وليس فرض كفاية” كما يقال. وهي الفكرة التي حاول آية الله علي السيستاني استحضارها في أطروحته عن “الجهاد الكفائي” لمواجهة داعش بعد احتلال الموصل في 10 حزيران (يونيو)2014.
عليك بالصدق وإن قتلك
عمر بن الخطاب
“الجهاد” وآراء فقهاء شيعة
وكانت كلمة الجهاد قد استّبعدت من كتب بعض رجال الدين منذ فترة طويلة على الرغم من أنّ ثلاثة من فقهاء الشيعة المتأخرين أخذوا بفكرة “الجهاد الابتدائي”، وهم آية الله الأنصاري وأبو القاسم الخوئي والحسني البغدادي، ويمكن إضافة السيد علي الخامنئي أيضاً، ومن الجيل الجديد أحمد الحسني البغدادي (الحفيد) وشقيقه السيد علي البغدادي.
والفارق واضح بين البغدادي والخوئي، والأخير باحث وفقيه له مؤلفات كثيرة، ففي حين اتّخذ الخوئي مواقف نظرية، “متقدّمة” بخصوص ” الجهاد” إلّا أنها كانت “تجريدية” من الناحية الفعلية والتطبيقية، فقد أحجم عن تكييفها للظرف الموضوعي الملموس، خصوصاً إبعاد نفسه عن أي دور سياسي، بينما كان منهج السيّد الحكيم ينصبّ دور إصلاحي ويرفع شعارات مطلبية، يعتقد أنها تتناسب مع توازن القوى. أما البغدادي فقد كان داعية لفكرة الجهاد الدفاعي على نحو عملي ومنسجم مع الدور الذي يريده لرجل الدين كعنصر مؤثر في خلق الوعي الشعبي.
وكان الخميني قد ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى فكرة الجهاد، بل كان مؤمناً ومنظّراً لفكرة قيام “حكومة إسلامية” في إطار ما أطلق عليه “ولاية الفقيه. والولي الفقيه وهو “النائب عن الإمام” في ما يسمى بعصر الغيبة بصلاحيات تكاد تكون مطلقة، وهو ما اعتمده بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 وثبته دستورياً، مع أن غالبية فقهاء النجف والحوزة النجفية لم يكونوا مع فكرة ولاية الفقيه في الماضي ولا في الحاضر. وكان الحكيم قد رفض فكرة ولاية الفقيه والجهاد الابتدائي، لكنّه اتّخذ لنفسه منهجاً تدرجياً معارضاً، بل كان شديد التأثير قياساً بغيره، وما موقفه من الشيوعية وتكفيرها إلّا دليل على قدرته على مجابهة مدّ ثوري وحركة صاعدة آنذاك.
إن استعادة موضوع الجهاد من جانب الحسني البغدادي هو بمثابة إعادة تأسيس للفكرة التي ظلّ يدعو لها، سواء في السابق دفاعاً عن الدولة العثمانية ضد الانكليز أو لاحقاً لمقاومة الاحتلال “الاسرائيلي” بعد العام 1967. ويعتبر البحث من الدراسات الفقهية – الاستدلالية، وهو مصدر أساس للمدارس الفقهية على اختلاف توجهاتها، وخارج نطاق التوجّه الطائفي، لأنها تخصّ الأمة التي يريدها أن تصطف في مواجهة أعدائها والتصدّي لعدوانهم.
مصدر اساسي
وكان البحث من السعة والتفريع والتحقيق بحيث يعتبر مصدراً أساسياً جديداً ومتقدماً للدراسات الفقهية المعمّقة، بعكس سائر المباحث الاخرى، لاسيّما كتاب الطهارة والصلاة والبيع والخيارات. (انظر: أحمد الحسني البغدادي – بحوث في الاجتهاد، طبعة بغداد، 1991? صفحة 184) وقد قام (الحفيد) بتحقيقات وتعليقات وترتيبات فصول كتاب “وجوب النهضة” وقد أسماه “وجوب النهضة- رؤية تأسيسية إستباقية حول الجهاد الدفاعي، الطبعة الرسمية الأولى، 2012م” وقدّمه إلى الجمهور باعتباره كتاباً راهنياً.
وقد نقل لي البغدادي “الحفيد” أنه سمع من جدّه في مجلسه ما يفيد أنه كتب كتاب “الجهاد الدفاعي” كمبتكر لم يسبقه إليه أحد من تيار الفقهاء التقليدين، بل ولا من تيار المفكرين الإصلاحيين من أمثال: السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ونحوهما، خصوصاً وأنه حاول تفنيد شبهات المستشرقين الغربيين حول جهاد الكافرين والمشركين. وحسناً فعل “الحفيد” حين كتب مقدّمة له، إضافة إلى ترجمة عن حياة البغدادي الكبير،وأعاد طباعته بحلّته الجديدة.
ويعود ذلك إلى حرص البغدادي “الحفيد” ومساهمته في الترويج لفكرة مقاومة الاحتلال الأمريكي ونشر ثقافة الدفاع عن الوطن والقيم، التي تبنّاها منذ العام 2003 ولاسيّما “الحق في مقاومة الاحتلال” وكان “الحفيد” قد أسّس منذ أواسط التسعينات “حركة الإسلاميين الأحرار” وكان لها بعض الامتدادات في أهوار الجنوب، إضافة إلى النجف وبغداد وبعض المدن العراقية من المؤيدين لآية الله البغدادي، وحين انكشف أمرها بعد ترصّد من جانب السلطة البعثية، التي لاحقته، فاضطرّ الهروب إلى إيران في العام 1998 ومنها انتقل بعد بضعة أشهر إلى دمشق، وتعرّض بعض أعضاء الحركة إلى التنكيل، بما فيها إعدام بعض من قياداتها.
وكتاب “وجوب النهضة” هو درس في الكفاح الوطني والقومي من أجل الحقوق وضدّ المعتدي والمحتل، مثلما هو درس في فقه المقاومة والدفاع عن الوطن. وعلى الرغم من أنه كان قد كُتب إبّان الحرب العالمية الأولى، لكن حيثياته واستنتاجاته لا تزال راهنة وحيوية، وفيها إعادة قراءة معمّقة لفقه المقاومة في مواجهة الاستكبار العالمي، وخصوصاً بعد اتّفاقية سايكس – بيكو لتمزيق البلدان العربية، العام 1916 وحتى اليوم.
ويعتبر الجهاد من فروع الدين، مثل الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولي لأولياء الله والتبرؤ من أعدائه. ويقسّم الفقهاء الجهاد حسب المفهوم الإسلامي إلى نوعين أساسيين هما: النوع الأول “الجهاد الابتدائي” وهو الجهاد الدعوي أو الأصلي، والأساس فيه إعلان الحرب على الكفار والمشركين والكتابيين لرفع كلمة “لا إله إلّا الله”. والنوع الثاني ” الجهاد الدفاعي” وهو جهاد من يشنّ الحرب على بلاد الإسلام ويحاول مهاجمة المسلمين أو احتلال أرضهم، وهو جهاد مباح حتى في الأشهر الحُرم.
ويضاف إلى ذلك الجهاد الفردي وهو بمثابة الدفاع عن النفس، كما هو معروف في القوانين الجزائية الوطنية التي تعطي “الحق في الدفاع عن النفس” عند التعرّض لاعتداء أو هجوم. والجهاد بشكل عام هو جهاد بالنفس والتضحية بها أو بالمال والعِرض وبكل ما لديه من عوامل قوة ومنعة.
من جهة أخرى فهناك الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر، وقد ورد على لسان النبي محمد، حين عاد المسلمون من إحدى المعارك، قال: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، فسألوه: وهل هناك جهاد أعظم من الجهاد ضد الكفّار؟ فأجاب نعم إنه جهاد النفس، ولا شكّ أن جهاد النفس سابق على أنواع الجهاد الأخرى، ومن لم يستطع الانتصار على نفسه وحمايتها من الشرور والرذيلة والقسوة، فإنه لن يستطيع الانتصار على العدو لأن القتال مكروه إلى النفس البشرية.وجاء في سورة الإسراء الآية 85 ” ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربّي، وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا”، وقد اعتبرت الصوفية حب الدنيا رأس كل خطيئة ، لذلك انصرفت عنها وعن لذائذها.
وجاء في سورة البقرة الآية 216 ما يفيد بهذا المعنى حيث تقول: ” كُتب عليكم القتال، وهو كُرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم…” ولكي تنقاد النفس وتطمئن إلى جهاد الأعداء، لا بدّ من مجاهدة النفس والتغلّب على أهوائها ونزواتها. والجهاد الأكبر يورث النور في القلب بصفائه وبأخذه النور يصير محلاً لانعكاس نور الله حسب جلال الدين الرومي.
أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
رسول الله محمد بن عبدالله
الجهاد الكفائي
أما الجهاد الكفائي، وهو الذي دعا إليه السيد علي السيستاني بعد احتلال داعش للموصل في 10 حزيران (يونيو)2014? فإنه جهاد يحلّ على الجميع دفاعاً عن العرض والأرض والمال والقيم، وسمّي بـ ” الكفائي” لأنه: لو قام به من يفي بالغرض، فإنه يسقط عن الآخرين، أي أن مبدأ الكفاية يكون قد تحقّق، في حين إن الجهاد العيني لا يسقط عن الشخص حتى لو تحقق مبدأ الكفاية، إذا كان رأي الإمام أن يخرج له الشخص فيصبح واجباً عليه، أو إذا كان لديه نذر أو نحوه فإنه يكون قد خرج من حدود الكفاية.
لقد بحث الكثير من الفقهاء ورجال الدين في الجهاد الابتدائي وكتبوا الكثير من الأفكار المكرّرة بخصوصه، وهي أقرب إلى استعادات مطروقة ومتناقلة من السلف إلى الخلف، لأنه من الناحية العملية والواقعية لم يعد بالإمكان تطبيقه بسبب تغيّر الظروف والأحوال، التي تحتاج إلى تغيّر الأحكام والقواعد، فشنّ الحرب على الكفار والمشركين سيعني التورط بحرب عالمية مفتوحة وبلا حدود، وهل يمكن قتل 3 مليارات إنسان من الكفار والمشركين مثلاً دون قتل ما يقابلهم من المهاجمين، زاد أو نقص، الأمر الذي سيعني الفناء للجميع؟
دخول الاسلام
أمّا شنّ الحرب على الكتابيين (المسيحيون واليهود وسواهم من الموحّدين) وإجبارهم على الدخول بالإسلام أو دفع الجزية، فضلاً عن سبي نسائهم، فهو أمرٌ يعود إلى الماضي ولم يعد قاعدة صالحة لعصرنا وللعلاقات بين الدول، بل إنّها محرّمة دولياً، لأنها ضد قيم هذا العصر وقواعد القانون الدولي والإنساني، إضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة. وعلى افتراض هناك من ينتمي إلى الماضي ويريد التشبث بتطبيقها بإدراجها ضمن برامج لقوى أو دول ، فإن ذلك سيعني أيضاً الترويج لثقافة الكراهية والحروب وإبادة البشر والقضاء على مستلزمات بقاء الحياة الإنسانية، خصوصاً وإن آلة التدمير الحربية، بما فيها القنابل النووية بإمكانها القضاء على البشرية عشرات أو مئات المرّات.
واستناداً إلى الإسلام وتعاليمه السمحاء وبشكل خاص ما ورد في القرآن الكريم والقراءة الحضارية التأويلية لنصوصه وتفسيراته وتكييفاتها الإنسانية، فإنه “لا إكراه في الدين، قد تبيّن الرشد من الغي” (سورة البقرة الآية 26 إضافة إلى الدعوة للجنوح إلى السلم والتعايش والمحبة، ودليلي على ذلك ما ورد في سورة آل عمران آية 64 ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم” أو ما جاء في سورة العنكبوت آية 64 ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلّا بالتي هي أحسن…”
تعاليم الاسلام
وأعتقد إن مثل هذه الأحكام هي من قبيل المبادئ والقواعد التي قامت عليها العلاقات بين المسلمين وغيرهم، سواء في زمن الرسول أو بعده، ولا ينبغي الأخذ بما هو طارئ ومؤقت، فحكم هذا ينتهي بزمانه، أما ما هو ثابت واستراتيجي وإنساني فهو ينسجم مع تعاليم الإسلام وقيمة التي لا تستقيم مع فكرة إرغام الآخرين على الدخول في الإسلام أو دفع الجزية، لاسيّما في زماننا.
وهذا يعني أن الأحكام التي تتعلق بقضايا الحرب والسلام والأمن والتعاون ليست مطلقة ولا ينبغي تعميمها، لأنها تتعارض مع مقاصد الإسلام وجوهر رسالته الإنسانية التسامحية، فضلاً عن كونها لم تعد صالحة لعصرنا، وتتعارض مع قواعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، سواء كان الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن، مسلماً أو غير مسلم أو من ديانة أخرى، شعباً أو دولة أو أمة. ولم يعد مناسباً الحديث عن “دار الحرب” و”دار الإسلام” لأن العالم تغيّر وإن قوانين التعايش السلمي والإنساني هي التي تحكمه بغض النظر عن الدين والقومية واللغة والتاريخ والأصل الاجتماعي وغيرها.
وأود أن أشير إلى أن الجهات التي ظلّت تبشّر فعلياً بفكرة الجهاد الابتدائي، بل وتعمل على تطبيقها ليست سوى التنظيمات الإرهابية مثل “تنظيم القاعدة”، والذي أسّسه أسامة بن لادن ويقوده حالياً أيمن الظواهري، وربيباته “تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام” “داعش” و”جبهة النصرة ” “جبهة فتح الشام” حالياً وسواهما، تلك التي تريد إعادة الزمن إلى الوراء بنحو 1400 عام، شاطبة التاريخ وتطوّر البشرية والقوانين والمؤسسات الدولية، بخصوص قضايا السلم والحرب والعلاقات الدولية (وحول فلسفة التنظيمات الإرهابية انظر بالتفصيل: عبد الحسين شعبان – ثلاثية الثلاثاء الدامي: الدين، القانون، والسياسة- الإسلام والإرهاب الدولي، دار الحكمة ، لندن، 2002) كذلك قارن: فواز جرجس- داعش إلى أين؟ – جهاد ما بعد القاعدة” الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، ط2? بيروت، 2016? (ص 201 – 202).
نشرت في صحيفة الزمان العراقية 21/11/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي