الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النَّص الديني ومشروعية تطبيق السيميوطيقا عليه

حميدة الأعرجي

2017 / 11 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ملخص
مقصود البحث من النص الديني هنا، هو الخطاب (الشرعي) المدوّن المتمثل بالقرآن الكريم وسنّة المعصوم ، والذي تدور عليه رحى الشريعة الإسلامية عامة، لكونه المرجع الأساسي والمصدر الرئيسي للفقيه والأصولي في استنباط الحكم الشرعي، ولأنه بهذه الحيثية العَلَية، يعتقد علماء المسلمين بأنّه خطاب متفرد عن غيره من الخطابات وعلى كل المستويات.. خطابٌ يتصف بصفات مَن أنزله، وبصفات مَن تلقّاه ونطَق به، في أوليته وآخريته، في ظاهريته وباطنيته، في معجميته وتركيبيته، في صوتيته وإيقاعيته، في دلاليته ومدلوليته... ولهذا السبب أوْلوا له اهتمامًا خاصًّا، فقضوا في فهمه أعمارًا، وحبّروا في دلالة ألفاظه وأساليبه أسفارًا.
غير أنّ المفكرين الحداثويين لا يتفقون مع عقيدة العلماء هذه، لأنهم يرون الخطاب الدّيني مكتوب باللغة العربية، وهو من هذا الحيث، لا يختلف عن غيره من الخطابات العربية التي يمكن قراءتها بآليات جديدة مغايرة لآليات القراءة التقليدية (أو العُلَمائية).
واحدة من هذه القراءات البديلة التي كثيرًا مّا تجد في مؤلفات الحداثويين الدعوة إلى تفعيلها في قراءة التراث الإسلامي عمومًا، و(القرآن الكريم) خصوصًا، (السميوطيقا).. لاعتقادهم أنّ هذا النوع من القراءات ناجع في إخراج الفكر الإسلامي من الطريقة التقليدية التي تعود عليها الفقهاء وغيرهم في بحوثهم ودراساتهم الدينية. وهي ما وقف البحث على تبيينها بعد أن عرِّج على الفهم الحديث للنص عمومًا، وللنص الديني خصوصًا، بمبحثين على التوالي.

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلى أله الطيبين الطاهرين، وبعد..
فإنّ القرآن الكريم على الرغم من نزوله بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ( )، إلّا أنه كان ولا يزال بحاجة إلى تبيين، يظهر ذلك من القراءة الأولى له في زمن التنزيل عندما كان المسلمون الأوائل يطلبون من النبيّ (صلى الله عليه وآله) تبيين ما أُبهِم عليهم من معنى، مع أنه خاطبهم بلسانهم، ومع أنهم كانوا معاصرين لأحداث النـزول. وازداد هذا الطلب بعد عصر النبيّ بشكل ملفت، فانبرى عدد من الصحابة في تبيانه، ثم التابعين وتابعي التابعين، إلى أنْ ابتعد الزمن بالمسلمين عن عصر التنـزيل وبدأ العلماء، مفسِّرون ومحدِّثون ونحَويّون وفقهاء ومتكلِّمون وفلاسفة ومتصوّفون وعرفانيون، كلٌّ يقرأهُ بحسب مشربه، حتى تعددت قراءاته واختلفت معاني ألفاظه وآياته إلى حد التقابل. كل هذا التنوّع القراءاتي للنصِّ الديني الإسلامي، ليس إلّا قراءات قديمة من وجهة نظر الحداثويين، لم تعد تلبِّي حاجة المسلم المعاصر، ولذا فهم لا يألون جهدًا في نقدها وفي تقديم قراءات بديلة عنها تتناسب وثقافة العصر.
يقول الجابري: «لن نستطيع تثبيت كياننا وبناء مستقبلنا إلّا إذا عالجنا العلاقة بين تراثنا وثقافة العصر معالجة فاعلة، لا انفعالية، أساسها نظرة جدلية واعية... لقد عولج تراثنا، ويعالج، بمناهج مختلفة، وبالتالي انطلاقًا من رؤى معينة، صريحة أو ضمنية. ولكننا -رغم تعدد المناهج والرؤى- ما زلنا نحس بالحاجة تتزايد لقراءة تراثنا قراءة جديدة»( ). ويقول نصر أبو زيد: «إنَّ التراث مجموعة من النصوص تتكشف دلالتها آنًا بعد آنٍ مع كل قراءة جديدة. وليست كل قراءة جديدة إلّا محاولة لإعادة تفسير الماضي من خلال الحاضر. إنّ البحث عن مفهوم النَّص في تراثنا هو بحث عن مفهوم محوري بالنسبة لهذا التراث من جهة، ومحاولة لاستقطار دلالة التراث لتأصيل مفهوم معاصر للنَّص من جهة أخرى»( ).

المبحث الأول
تعريفٌ بمفهوم النَّـص

المطلب الأول: النَّص في اللغة
قال ابن سلام (ت: 224هـ): النَّصّ: منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها، ومنه قيل: نَصَصْت الرَّجُل، إذا اسْتَقْصَيتَ مَسْأَلَتَهُ عن الشَّيْءِ حَتَّى تَسْتَخْرِجَ كل ما ِعنْدَه. وكذلك النَّصّ في السَّيْر إنما هو أَقْصَى ما تقدر عليه الدَّابة( ). وقال الجوهري (ت: 393هـ): نَصَصْتَ الشيء: رَفعتَه، ومنهُ مِنَصّة العروس. ونصُّ كل شيء: مُنْتهاهُ. وفي حديث علي : «إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ...»( )، يعني منتهى بلوغ العقل( ). وقال ابن منظور: نَصَّ الحديث يَنُصُّه نصّاً: رفَعَه. يُقال: نَصَّ الحديث إِلى فلان أَي رفَعَه إليه، وكل ما أُظْهِرَ فقد نُصَّ، ووُضِعَ على المِنَصَّةِ أَي على غاية الفَضِيحة والشهرة والظهور( )، وفي حديث هرقل: يَنُصُّهم أَي يستخرجُ رأْيهم ويُظْهِرُه، ومنه قول الفقهاء: نَصُّ القرآنِ، ونَصُّ السنَّة، أَي ما دلَّ ظاهرُ لفظهما عليه من الأَحكام. وأَصل النَّصّ أَقصى الشيء وغايتُه، ثم سُمّي به ضربٌ من السَّيْر السريعٌ. ونَصَّ الشيءَ: حرَّكه، والنَّصْنَصَةُ: تحرُّك البعير إِذا نَهَضَ من الأَرض( ).
ومن استقراء هذه الدلالات المتعددة، يمكن القول: إنّ المعنى الأصيل للفظ (النصّ) فيه جنبة ثابتة تتمثل في الظهور والاكتمال في الغاية، ثم توسع ليشمل جنبة متغيرة تتمثل في السير السريع والحركة، وليس هناك ما يدل على استعماله في الدلالة على الكلام (المكتوب) إلّا متأخرًا.
على أنّ هناك من يرى في اللفظ الفرنسي (texte) أكثر دلالة على معنى (النَّص) من اللفظ العربي، فهو مأخوذ من مادة (textus) التي تعني (نسيج) في اللغة اللاتينية، وكان يستعمل منذ العصر الإمبراطوري في الدلالة على ترابط حكايةٍ أو نصٍّ، كما يُطلق على الكتاب المقدّس أو كتاب القدّاس. و(النَّص) منظومة عناصر من اللغة أو العلاقات، وهي تشكل مادة مكتوبة أو إنتاجًا شفهيًا أو كتابيًا( ). ومن هنا فالاستعمال الفرنسي لكلمة (texte) أقرب في الدلالة على مفهوم التماسك النصّي؛ لأنها تدل على الترابط بين أجزاء الحكاية، كما أنّ كلمة النسيج في أبسط معانيها تدل على الانسجام والتماسك والترابط والتناسق بين خيوط المنسوج؛ ذلك المنسوج الذي يُشكِّل قيمة فنية ترتفع جمالياتها كلما ازداد تماسك خيوطها( ). ولهذا حاول بعض اللّغويين المعاصرين وضع دلالاتٍ جديدةٍ للفظ متناغمة مع ما جاء من معانٍ له في المعاجم الفرنسية والإنجليزية.
يقول خليل أحمد: النَّصّ، يعني في العربية الرفع البالغ، ومنه مِنَصّة العروس. والنَّصّ كلام مفهوم المعنى، فهو مورد ومنهل ومرجع. والتنصيص، المبالغة في النَّصِّ وصولاً إلى النَّصّ والنصيصة. والنَّصّ (textus) هو النسيج، أي الكتابة الأصلية الصحيحة، المنسوجة على منوالها الفريد، مقابل الملاحظات (Notes)، والشروحات والتعليقات (Commentaries). والنَّصّ: المدوَّنة، الكتاب في لغته الأولى، غير المترجم، قرأتُ فلاناً في نصِّه، أي في أصله الموضوع. والنَّصّ: كل مدونة مخطوطة أو مطبوعة، ومنه النصّ المشترك (Co-texte)( ).
ويبدو أنّ الاستعمال المستحدث لـ(النَّص) أوسع معنًى من المعاني التي ذكرتها المعاجم العربية القديمة، بل لعله يشملها جميعًا، من حيث أنّ المعنى المتبادر للفظ اليوم يعبِّر عن قطعة كلامية أو خطابية، مكتوبة أو مَحكيّة، صغيرة أو كبيرة، تَرفعُ إسناد الحديث إلى المتكلم، وتُظهر أقصى ما يريده من إيصال مقصدٍ ما إلى المتلقين، بشكل متناسق وجميل.

المطلب الثاني: مفهوم النَّصّ في العُرف الفقهي والأصولي
الملاحظ -من خلال التتبع- أنّ متقدمي الفقهاء والأصوليين استعملوا اللفظ كمصطلحٍ للدلالة على كلِّ ملفوظٍ قرآنيٍّ أو نبويٍّ يستبطنُ حكمًا شرعيًّا، سواءً كان ظاهرًا في الدلالة الواضحة على هذا الحكم، أم مجملًا بحاجةٍ إلى تفصيلٍ من ملفوظٍ غيره. وكان الإمام الشّافعي (ت: 204هـ)، الذي يُعزى إليه سبق التصنيف في علم الأصول()، هو أوّل مَنْ حدّ (النَّصّ) بهذا المعنى، بقوله: «كلّ خطاب عُلِم ما أُريدَ به من الحكم كان مستقلَّا بنفسه، أو عُلِم المراد به بغيره»( )، كما يُنقل عنه -أي الأمام الشافعي- أنه قسّم النَّصّ إلى ما يقبل التأويل وإلى ما لا يقبله( ).
غير أنّ المصطلح واجه انعطافة في المعنى بعد منتصف القرن الرابع الهجري، ليصبح أكثر تخصّصًا في الدلالة على الظهور الواضح لمعنًى واحد، وضوحٌ لعلّه يصل إلى درجة القطع، كما يُنقَل عن القاضي أبي حامد المروزي (ت: 362هـ) قوله: «النصّ ما عَري لفظه عن الشّرْكة وخلص معناه من الشّبهة»( )، ويبدو أنّ المعنى الجديد هذا استمر في الاستعمال حتى بعد منتصف القرن الخامس الهجري وبدايات القرن السادس، وهو ما يُلحَظ في كلمات كلٍّ من أبي الحسين البصري (ت: 436هـ)، والشيخ الطوسي (ت: 460هـ)، وأبي حامد الغزالي (ت: 505هـ)، بعد أنْ أشكلوا على الشافعي تسميته الخطاب المجمل نصًّا. إذ يرى البصري أنَّ النصَّ يجب أنْ يشتمل على ثلاثة شرائط:
- أحدها، أن يكون كلامًا، لأنَّ أدلة العقول والأفعال لا تُسمّى نصوصًا.
- والآخر، أنْ لا يتناول إلّا ما هو نصٌّ فيه، لأنَّ النَّصّ في اللغة مأخوذ من الظهور ومن ذلك قولهم (مِنَصّة العروس) لما ظهرت وارتفعت.
- والآخر، أنْ تكون إفادته لما يُفيده ظاهرًا غير مُجمَلٍ( ).
وعلى أساس هذه الشرائط، حدَّ البصري النَّصّ بأنه: «كلامٌ تظهر إفادته لمعناه، لا يتناول أكثر مما قيل إنه نصٌّ فيه»( ).
ووافقه الشيخ الطوسي في وجوب أن يكون النَّصّ ظاهرًا في معنى واحد، فقال: «وأمّا النَّصّ: فهو كلّ خطابٍ يمكن أنْ يُعرَف المرادُ به»( )، مستدلًا على صحة اختياره، بأنّ «النَّصّ إنّما يسمّى نصًّا لأنّه يُظهِر المراد ويَكشفُ عن الغرض، تشبيهًا بالنّص المأخوذ من الرّفع، نحو قولهم: (مِنَصّة العروس) إذا ظهرت، ونحو ما روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أنّه كان حين أفاض من عرفات إلى جمع يسير على هينته، فإذا وجد فجوة نصّ، يعني أنّه بلغ فيه الغاية»( ).
وكذا الغزالي في قوله: «قيل في حدِّه إنه اللفظ المفيد الذي لا يتطرق إليه احتمال، وقيل هو اللفظ الذي يستوي ظاهره وباطنه ولا يرد عليه الفحوى المفهوم على القطع... والمختار عندنا أن يكون النَّصّ ما لا يتطرق إليه التأويل»( ).
ولا زال مشهور الفقهاء يستعمل المصطلح بهذا المعنى إلى اليوم، سيما في الفكر الأصولي الإمامي، إذ يعدّون (النَّصّ) أحد قسمي (المبين)، الذي يقسمونه بدوره قسمان: (نصّ) و (ظاهر)، ويُمايِزون بينهما بتعريف الأول: بـ «الظاهر البالغ في ظهور دلالته إلى حيث لا يقبل التأويل عند أهل العرف، بل يعدّون التأويل له قبيحًا خارجًا عن رسوم المحاورة»( )، وتعريف الآخر: بـ«اللفظ الذي له ظهورٌ قابلٌ للتأويلِ بسبب القرائن، كالعامِّ والمطلق ونحوهما»( ). الأمر الذي جعلهم في موضع نَقدٍ من قبل الدراسات الحديثة؛ لأنّهم ركّزوا في تعريفهم على أحد شِقّي المعنى اللغوي للفظ، وهو الظهور، في حين شِقِّه الآخر دالٌّ على الحركة، أي أنهم ركّزوا على المعنى الثابت من دون المعنى المتغير( )، وبالطبع فإنّ الحداثويين أميَل إلى المعنى الثاني، لتناغمه مع النظريات الحديثة في قراءة النَّص.
والحق أنّ التركيز على جانب الثبوت من قبل العلماء المتقدمين لم يكن اعتباطًا، وإنما «التعدد الذي شهدته الثقافة الإسلامية كان له تأثيره في تحديد ما هو نصٌّ لا يقبل التأويل، وما ليس بنصٍّ يتحتم تأويله»( )، لقطع النـزاع بين الفِرَق الكلامية، والمذاهب الفقهية، في ما هو المحكم وما هو المتشابه.
وعلى ما تقدم، يمكن القول: إنَّ الملفوظ (القرآني، والحديثي) في عرف الفقهاء والأصوليين ينقسم -بحسب القسمة المنطقية الثنائية- قسمان: إمّا (نصّ)، وهو الظاهر في معنى واحد، وإمّا (غير نصٍّ)، وهو شاملُ لكلِّ ما ليس له ظهور في معنى واحد، كالمجمَل والمؤوّل. أي أنهم عندما يطلقون كلمة (نص) لا يريدون منه جميع الملفوظ القرآني والحديثي، وإنما ملفوظ معين، على خلاف ما يُطلق في العرف الأدبي الحديث.

المطلب الثالث: مفهوم النَّصّ في الدراسات الألسُنية الحديثة
يرى تودوروف، أنّ مفهوم (النَّصّ) لا يتحدد بنفس المستوى الذي يتحدد به مفهوم (الجملة، أو القضية، أو المركب)، بل هو متميز عن (الفقرة) التي تنتظم من عدة جُمَل أيضًا. إذ النَّصّ -عنده- مستقلٌّ ومغلق، قد يكون جملة، وقد يكون كتابًا بكامله، وحتى وإن كان غير مغلق، فإنه نظامٌ له نسقه الخاص الذي ليس بالضرورة أن يتطابق مع النسق اللساني، ولكن من الممكن القول أنه يدخل معه في علاقة تجاور وتشابه( ). يقول: فالنّص «هو نسق إيحائي؛ لأنه ثانوي بالنسبة لنسق دلالي آخر. إذا حددنا في الجملة الفعلية مكوناتها الصوتية، التركيبة، والدلالية، نحددها كذلك في النص دون أن تكون مكوناته متوقعة في الإطار ذاته»( )
فهناك مظاهر -أو صور- في النَّصّ تختلف عمّا في الجملة، ولكل مَظهرٍ منها (إشكاليته) ومدخليته في تأسيس أحد الأنماط الكبرى في تحليل النَّصّ، كالتحليل البلاغي، أو السردي، أو المعلوماتي. ومظاهر تحليل النَّصّ عند تودوروف ثلاثة، هي: المظهر الفعلي، وهو يتكوّن من كل عناصر الجملة اللسانية الخاصة (الصوتية، والنحوية، ...إلخ). والمظهر التركيبي، وهو يركِّز على العلاقات بين الوحدات النصية الصغيرة، أي الجُمَل، ومجموعات الجُمَل. والمظهر الدلالي، وهو نتاجٌ معّقدٌ للمحتوى الدلالي للوحدات اللسانية( ).
وبحسب بن ذريل، إنّ المتتبع لمفهوم النَّصّ في كلمات الألسني رولان بارت يجده يتطور عنده على مرحلتين:
الأولى، حين عرّفه في مقالة له أوائل الستينات بناءً على الدلالة الاشتقاقية للفظ (texte)، بأنه: نسيج كلمات منسّقة في تأليف معين، يفرض -على قدر المستطاع- شكلاً ثابتاً ووحيداً. معقِّبًا على هذا التعريف، بأنّ (النَّصّ) من جهة- أنه نسيج، فهو يرتبط بالكتابة، المنتظمة من رسم الحروف، ويشاطر التأليف في هالته الروحية، لأنه إيحاء بالكلام. غير أنّ الكتابة هي السمة الأساسية له؛ لأنها ضمانة للشيء المكتوب، وصيانة له؛ بإكسابه صفة (الاستمرارية) استناداً إلى التسجيل الرامي إلى تصحيح ضعف الذاكرة، واستناداً إلى شرعية الحرف -أيضاً- الذي هو أثر يتعذّر الاعتراض عليه؛ الأمر الذي يربطه بعالم من (الأنظمة) كالقانون، والدين، والأدب، والعلوم عامة( ).
والثانية، بعد عشر سنين من مقالته الأولى تقريبًا، حين توسّع بارت في مفهوم (النَّص) ليتجه إلى مبادئ التفكيكية. تطورٌ يلخصه بن ذريل في النقاط الأساسية الآتية:
1- في مقابل (العمل الأدبي) المتمثل في شيء محدّد، فإن (النَّصّ) هو مجرد نشاط، وإنَّ وضع (المؤلِّف) فيه هو مجرد وضع احتكاك؛ وهو لا يحيل إلى مبدأ بداية، أو نهاية، وإنما هو يحيل إلى غيبة الأب -أي أب النَّصّ-، وبالتالي يبدد مفهوم الانتماء.
2- يمارس (النَّصّ) التأجيل الدائم، واختلاف الدلالة، فهو مثل اللغة (مبني)، ولكنه ليس مغلقاً، ولا متمركزاً، بل هو لا نهائي، لا يشير إلى فكرةٍ معصومةٍ، بل إلى لعبة مخلَعة، وهو لا يجيب على الحقيقة، بل هو يتبدّد إزاءها.
3- (النَّصّ) مفتوحٌ، والقارئ المتلقّي يُنتِجهُ في عملية مشاركة، وهذه المشاركة ليست هي الاستهلاك، وإنما هي اندماج القراءة، والتأليف في عملية دلالية واحدة، بحيث تكون ممارسة القراءة إسهاماً في التأليف، ناهيك عن أنَّ (النَّصّ) هو نوع من (اللّذة)، بل هو واقعة غزلية( ).

ولم يبتعد لسانيو العرب في تعريفاتهم الحديثة عن التعريفات الغربية، فـ(النَّص) عند مرتاض: «نسيجٌ سحريٌّ متكاملُ التركيب، محبوك النَسج، وربما رُوعي فيه انتفاء التجنيس. فإذن لا هو شعر، ولا هو نثر، ولكنه نصٌّ أدبيٌّ مسطور... في اندماجٍ وانسجامٍ، وفي ذوبانٍ واتّساق»( ). وكذا فالنَّصّ -عنده- مفتوح للجميع، وفي توالد دائم، ولم يعد فهمه مقصور على النقاد ليُصدروا فيه الحُكم -كما كان يرى قدماء الإغريق- بل حلّت القراءة محلّ النقد، وغابت الأحكام، وأمست القراءة إبداعاً يُكتب عن إبداع، وصار النَّصّ قادراً على الإخصاب، ويَشتدُّ من حوله حوار النّصوص، فيُفضي نصٌّ إلى نصٍّ ثانٍ، ونصٌّ ثالث إلى نصٍّ رابع، وإذا بنا أمام ملحمة من النصوص يمكن أنْ يُطلق عليها (النصنصة المتسلسلة)( ).
تحولت قراءة النَّصّ إذن، من فعل استهلاكي إلى فعل توالدي إنتاجي، وأصبحت القراءة تستبطن الكتابة، فالقارئ يقرأ لينقد ويعلّق على ما قرأه، ثم يأتي قارئ آخر ليكتب شيئاً مختلفاً عمّا كتبه السابق. النَّصّ مفتوح بلا نهاية، ويحتمل الكثير من التأويل والمشاركة. مع الأخذ بالنظر أنّ حسن الفهم «يتحقق أكثر فأكثر كلّما غاص القارئ فيما غاص فيه المؤلِّف، ولا يتحقق كاملًا إلّا إذا كان القارئ والمؤلِّف على درجة واحدة من المعرفة بالموضوع، وكانا ينظران إليه من موقع واحد وزاوية واحدة»( ).
ولما كانت «قراءة النَّصّ، تقوم على الحفر في طبقاته وتفكيك بنيته، بحيث يكون هناك دومًا انتقال من طبقة معرفية إلى أخرى، أو ارتحال من دلالة إلى دلالة، فمعنى ذلك أنّ بإمكان المعاصرين أن يقرؤوا في النصوص ما لم يقرأه الماضون، فيستنطقونها عمّا كانت تمتنع عن النطق به، ويكتشفوا فيها دلالات لم تنكشف لأسلافهم»( ).

وهنا جاء دور الوقوف على واحدة من القراءات التي يدعو الحداثويون لتطبيقها في قراءة التراث الإسلامي عمومًا، و(القرآن الكريم) خصوصًا، وهي (السيميوطيقا).

المبحث الثاني
السيميوطيقا، أو السيميولوجيا
موضوع السيميوطيقا، بوجه عام، موضوع قديم حديث، قديم في أصله وجذوره، ومستحدث في اصطلاحاته وتنوع مجالاته واتساع ميادينه، حتى صار اليوم علمًا مستقلًا بنفسه يُعنى بالعَلَامات ونظامها عامة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدراسات الألسنية البنيوية الحديثة.
المطلب الأول: السيميوطيقا، معنى ودلالة
يرجع مصطلح (السيميوطيقاSemiotics ) في أصله اللغوي الغربي إلى اللغة اليونانية، وهو مأخوذ من كلمة (Semion) التي تعني (عَرَض) أو (عَلَامة) أو (إشارة)، وكانت تستعمل كمصطلح تقني خاص بعلم الطب في مدرسة أبيقراط، ثم نشأت فكرة إنشاء مذهب خاص بالعلَامات في عهد الرواقيين، حيث استعمل جالينس عبارة (سيميوطيقي)( ). وكذا بالنسبة لمصطلح (السيميولوجياSemiology )، فهو مأخوذ من الكلمة نفسها مضافًا لها كلمة (Logos) الّتي تعني خطاب أو علم. وهناك مَن يفرّق بين المصطلحيين( ) وهناك مَن يُرادِف بينهما على المستوى المعجمي( )، إلى أنْ حُسِم الأمر على تسمية هذا العلم بالـ(سميوطيقا) أبان تأسيس الجمعية الدولية لعلم العَلَامات في فرنسا عام 1974م. وعلى الرغم من ذلك فإنّ مصطلح الـ(سيميولوجيا) ظل راسخًا بصورة قوية في فرنسا بفعل جهود (رولان بارت) و(مارتيني)( ).
يتفق أغلب المفكرين المعاصرين على أنّ السيميوطيقا أُستحدِثت بوصفها علمًا مستقلًا بنفسه على يد عالِمَين في وقت متزامن، كل منهما على حدة( )، الأول: السويسري فردينان دي سوسّير F. D. Saussure (1857-1913م) الذي توقّع ولادة هذا العلم ليكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، ويكون علم اللغة جزءًا منه، ويكون موضوعه دراسة حياة الإشارات في المجتمع بشكل عام؛ لأنه -في رأيه- عبارة عن نظام من الإشاراتSystem of signs التي تعبّر عن الأفكار، وبالتالي يمكن تطبيق القواعد التي سيكتشفها علم الإشارات عليه. ولكن لمّا لم تتضح معالم موضوع هذا العلم الجديد في زمنه، أوكَلَ مهمة تحديد موضوعه إلى علماء النفس، وأوجب على اللغويين البحث عمّا يجعل اللغة نظامًا خاصًا متميزًا بين كتلة معطيات علم الإشارات( ).
يتضح ذلك في قوله: «ويمكننا أنْ نتصور علمًا موضوعه دراسة حياة الإشارات في المجتمع، مثل هذا العلم يكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، وسأُطلق عليه علم الإشارات Semiology -وهي لفظة مشتقة من الكلمة الإغريقية semion الإشارة- ويوضّح علم الإشارات ماهية مقومات الإشارات وماهية القواعد التي تتحكم فيها، ولمّا كان هذا العلم لم يظهر بعد إلى الوجود إلى حد الآن، لم يكن التكهّن بطبيعته وماهيته، ولكن له حق الظهور إلى الوجود، فعلم اللغة هو جزء من علم الإشارات العام، والقواعد التي يكتشفها هذا العلم يمكن تطبيقها على علم اللغة»( ).
والعالِم الثاني: الأمريكي شارلز ساندرز بيرس Ch. S. Pierce (1838-1914م)، الذي اتجه إتجاهًا فلسفيًا في تسميته بالـ (Semiotics)، لاعتقاده بقدرة هذا العلم على الإلمام بدراسة النشاط الإنساني في مختلف مظاهره وتجلياته، من خلال دراسة ما يظهره هذا النشاط من عَلَامات. وعلى هذا الأساس يُعد هذا العلم -في نظره- إطارًا مرجعيًّا يشمل كل الدراسات الإنسانية والعلمية الصرفة. يظهر ذلك مما يُنسب إليه قوله: إنه لم يكن باستطاعتي يومًا مّا دراسة أي شيءٍ -رياضيات كان أم أخلاقًا أم ميتافيزيقا أم جاذبية أم ديناميكا حرارية أم بصريات أم كيمياء أو تشريحًا مقارنًا أم فلكًا أم علم نفس أم علم صوت، أم اقتصاد أم تاريخ علوم أم ويستا -ضرب من لعب الورق- أم رجالًا ونساءً، أم خمرًا، أم علم مقاييس من دون أن تكون هذه الدراسة سيميائية( ).
ما هي (العَلَامة)؟
قطب الرحى الذي يدور عليه علم السميوطيقا، هو مصطلح (العَلَامة). فما الذي يقصده اللسانيون من (العَلَامة)؟ وما هي أقسامها؟ وكيف تؤدي معناها داخل السياقات اللغوية؟
اللغة عمومًا، عند سوسّير، عبارة عن نظام من الإشارات، وهي علم مستقل عن علم لغة الكلام (أو العملية الصوتية)، وعلى هذا الأساس يرى، أنه إذا ما أُريد دراسة اللسان فينبغي أن تتكون هذه الدراسة من جانبين: «الجانب الأساسي، وهو الذي هدفه اللغة، وهو اجتماعي محض مستقل عن الفرد، وهذا الجانب سايكلوجي()في جميع صفاته. والجانب الفرعي (الثانوي)، وهدفه الجزء الفردي من اللسان –أي الكلام بما في ذلك العملية الصوتية- والجانب الفرعي هذا سايكوفيزياوي()»( ). وإنّ كلًّا من الجانبين يدخلان في تكوين (الإشارة اللغوية) أو العلَامَة.
وبناءً على رأيه هذا، يعرّف سوسّير (الإشارة اللغوية) بأنها: كيان سايكولوجي (نفسي)، له جانبان وثيقا الصلة فيما بينهما، بحيث يوحي كل منهما بالآخر( ). فـ(العَلَامة) -عنده- إذن، أو الإشارة sign بحسب تسميته لها، (كُلٌّ) متكوّنٌ من الربط بين جزئَـيْه، الأول: المعنى، أو الفكرة concept، والثاني: الصورة الصوتية imagesound ( ).
وللتمييز بين هذين الجزئين، أطلق على الأول اسم (المدلولsignified)، وعلى الثاني اسم (الدّالsignifier)، أي أنّ (الدليل=الدّال+المدلول)، مع تأكيده على أنّ العلاقة (بين الدّال والمدلول) هي علاقة اعتباطية( )، مستدلًا على اعتباطية هذه العلاقة أو الرابطة، بقوله: «ففكرة (الأختsister) لا ترتبط بأية علاقة داخلية بتعاقب الأصوات s-o-r التي تقوم بوظيفة الدّال في اللغة الفرنسية، فهذه الفكرة يمكن التعبير عنها باستخدام أي تعاقب صوتي آخر، وخير دليل على ذلك اللغات المختلفة (التي تستخدم إشارات مختلفة). فالمدلول (ثور) له الدال b-o-f على طرف من الحدود (الفرنسية-الألمانية) و o-k-s (ochs) على الطرف الآخر»( ).
بيد أنّ هذه الرابطة تصبح قارّة بمرور الزمن والاستعمال، بحيث لا يمكن للفرد تغيير إشارةٍ مّا بعد أن تستقر في المجتمع اللغوي، كما لو استقرت الإشارة لمعنى العدالة برمز (الميزان) مثلًا، فلا يمكن استبداله اعتباطًا بأي رمز آخر، كالعربة مثلًا( ). أي أنها رابطة اصطلاحية أو اتفاقية بين مستعملي اللغة، ويمكن لهذا الاتفاق أن يكون ظاهريًا أو ضمنياً بصورة مشككة، يشتد قوّة كلما زاد استعماله ومستعمليه بمرور الزمن، مع الإشارة إلى أنّ نظرية الاعتباطية عند سوسير هنا لا تختلف عن نظرية التواضع (أو الوضع) عند مشهور البلاغيين والأصوليين الإسلاميين.
أما العلامة، عند بيرس، أو (توليد الدلالة) بحسب تسميته لها، فيعرِّفها بأنها «فعلٌ، أو تأثيرٌ، يستلزم مشاركة ثلاثة أطراف، هي: (العَلَامة، وموضوعها، ومؤوِّلها)، على نحو لا يتم فيه هذا التأثير النسبي بأي شكل كان في فعل اثنين منهما فحسب»( ).
يعلّق إمبرتو إيكو على هذا التعريف: إنّ تعريف توليد الدلالة لا يتعارض مع تعريف العَلَامة، لأنّ بيرس لم يكن يقصد بالعلامة كيانًا ثنائي المستوى، بل هي تعبير أو تمثيل. ولم يكن يعني بالموضوع (الموضوع الديناميكي) فحسب، أي الموضوع الذي تحيل عليه العَلَامة، بل كان يعني أيضًا (الموضوع المباشر) أو مدلولها، أي ما تعبّر عنه العَلَامة. وعلى هذا، لا يمكن إنتاج عَلَامة إلّا إذا دخلت عبارة، وبصفة فورية، في علاقة ثلاثية، يولّد فيها الطرف الثالث -المؤوِّل- بصفة آلية تأويلاً جديدًا، وذلك إلى ما لا نهاية له. إذن، فالعَلَامة عند بيرس ليست شيئًا يقوم مقام شيءٍ آخر فقط، بل إنها تقوم دائمًا مقامه ولكن في علاقةٍ مّا أو تحت صفةٍ مّا، بحيث تجعلنا دائمًا نعرف شيئًا مّا إضافيًا( ).
وينقل إيكو بعض التعريفات الأخرى للعَلَامة، منها: قول الفلاسفة الرواقيين: هي «قضية متكوّنة من ربط صحيح يكشف التالي»( )، وتوماس هوبز في قوله: هي «المقدّم الواضح للتالي، وعلى العكس، تالي المقدّم عندما تكون النتائج نفسها قد سُجّلت سلفًا؛ وكلما زادت معاينتها زاد اليقين في العلامة»( )، وعند وولفWolff «شيء يُستدلّ منه على حضور شيءٍ آخر، أو على وجوده ماضيًا أو مستقبلًا»( ).
أما عند إيكو نفسه، فالعَلَامة هي: «إشارة واضحة تمكننا من التوصّل إلى استنتاجات بشأن أمر خفي»( ). كما هي في الأعراض الطبية، أو معالم الجريمة، أو المؤشرات الجوية، أو الآثار والأطلال الدال على عظمة قديمة أو على حضور بشري، أو استعمال عبارات من قبيل القول: (أبدى علامات نفاد الصبر) أو (لم يبدِ حراكًا -عَلَامة تدل على أنه حيٌّ-)، أو (ظهرت عليها عَلَامات الحمل)، وهناك عَلَامات مُنذِرة، أو مؤشرات حدوث فاجعة، أو علامات تنبئ بمجيء المسيح الدجال... وهكذا، مع الأخذ بالنظر أنّ الشيء لا يكون علامةً إلّا إذا أوَّله أحدهم على أنه عَلَامة على شيءٍ مّا( ). ومن هنا يرى إيكو –كما من قبله سوسير- أنّ هذه الأشياء لمّا كانت عَلَامات على أشياء أخرى، فكذلك ينبغي أن تكون في اللغة. ولكي تنجح عملية النقل هذه، لابدّ من افتراض قاعدةٍ مّا (أو سننًا) تمكّن المرسل أو المتلقّي-على السواء- من فهم الرسالة بالطريقة نفسها، وحينئذ يتعين على القواميس وعلى اللغة المثقفة أن تعترف بأنّ الكلمات -أي الوحدات اللغوية المستعملة في الكلام- هي أيضًا عَلَامات( ).
ولتوضيح كيفية القيام بالتحليل السيميائي، يضرب إيكو مثالين لذلك، الأول: من المعروف أنّ (الراية الحمراء مع المنجل والمطرقة) رمز للشيوعية، فلو حمل أحدٌ مّا راية بهذه الصفة فمن المحتمل إذن أن يكون شيوعيًّا( ). والمثال الثاني، بقوله: «لنفترض أنني أقول: في منزلي تعيش عشر قطط. ما هي العلامة؟ هل هي كلمة قطط (سنّوريّات داجنة)؟ أم هي الإشارة إلى أنه يوجد في عالم التجربة الواقعية منزل معيّن توجد فيه عشر قطط معيّنة؟ أم إنه إذا كان لديّ في المنزل عشر قطط، إذن لديّ فضاء كافٍ، إذن لا يمكنني أنْ أملك أيضًا كلبًا، إذن فأنا من محبّي الحيوانات؟.. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ علينا أن نسأل: هل العَلَامة في جميع هذه الحالات هي الحدث الملموس، أم الصورة المجردة؟ هل هي الإنجاز الصوتي [ق-ط-ط] أم النموذج الصوتمي والمعجمي (قطّ)؟»( ). ثم يُضيف كثيرًا من التساؤلات الأخرى المحتملة لتحليل هذا النص. وبهذه الطريقة يمكن للسيميوطيقي تحليل ظاهرةٍ مّا، أو نصٍّ مّا، بما يفهمه من علامات دالة على تأويله.

المطلب الثاني: السيميوطيقا في منظور اللسانيين والحداثويين العرب
يترجم اللسانيون العرب كلا المصطلحين (Semiotics، Semiology) إلى اللغة العربية بلفظ (السيمياء)()، لما ورد له من معنى يدل على (العَلَامة) في المعاجم العربية. منها قول الجوهري: السُّومَة (بالضَّمّ)، العَلَامة التي تُجعَل على الشَّاةِ وفي الحَرْب أيضاً( ). وقول ابن منظور: سَوَّمَ الفرسَ: جعل عليه السِّيمة. والسُّومَةُ، والسِّيَمةُ، والسِّيماءُ، والسِّيمِياءُ -مَمْدُودَيْن بِكَسْرِهِنّ- بمعنى العَلاَمَةُ، وقوله عز وجل: ...حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ( )؛ أي أَنها مُعَلَّمة، ومثله في قوله تعالى: ...سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ...( )( ).
وإضافة إلى المعنى الحرفي الذي ورد في المعاجم، فإنّ لفظ (السيمياء) ورد في مؤلَّفات علماء المسلمين بوصفه مصطلحًا دالًّا على علم مشابه لعلم الكيمياء، قريب من السحر، يبحث «عن تمزيج القوى الإرادية مع القوى الخاصة المادية للحصول على غرائب التصرف في الأمور الطبيعية، ومنه التصرف في الخيال المسمى بسحر العيون»( ). وقد استعمله العرفاء والمتصوفة في علم الحروف والأسماء. يقول ابن عربي (ت: 638هـ): «السحر بالإطلاق صفة مذمومة، وحظُّ الأولياء منها ما أطلعهم الله عليه من علم الحروف، وهو علم الأولياء، فيتعلمون ما أودع الله في الحروف والأسماء من الخواص العجيبة التي تنفعل عنها الأشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال. فهو وإنْ كان مذمومًا بالإطلاق فهو محمود بالتقييد وهو من باب الكرامات وخرق العوائد... ويسمى عندنا علم السيمياء مشتق من السِّمة وهي العلامة أي علم العَلَامات التي نصبت على ما تعطيه من الانفعالات من جمع حروف وتركيب أسماء وكلمات»( )، وعرَّف البيضاوي (ت: 682هـ) علم السيمياء بأنه: «علم يستفاد منه حصول مَلَكة نفسانية يُقتدَر بها على أفعال غريبة بأسبابٍ خفية»( ).
وأبرز اللسانيين العرب الذين كتبوا في السميوطيقا المعاصرة بوصفه تخصصًا لغويًّا وأدبيًّا: (حنون مبارك، ومحمد السرغيني، وعواد علي، وسمير المرزوقي، وعادل فاخوري).. وممن ترجم كتب الغربيين في هذا المجال: (محمد البكري، وأنطون أبو زيد، وعبد الرحمن أبو علي).. كما توجد مجلّات نشرت مقالات وبحوث حول السيميائية، مثل: مجَلّتا (عَلَامات)، و(دراسات أدبية لسانية وسيميائية) المغربيتان، ومجلة (عالم الفكر) الكويتية، ومجلة (فصول المصرية)، غير أنّ أكثر الإسهام والاهتمام في السيمياء كان من مفكري المغرب العربي.
أما تطبيق السميوطيقا على مستوى الدراسات الدينية -بحسب أركون- فلا يزال الخوض فيه خجولًا؛ لأنّ الباحثين المسلمين يخشون بلدانهم من الخوض بمثل هذه القراءات، ولم يتجرأ على دراستها إلّا عدد قليل منهم، ويعدّ نصر حامد أبو زيد «أوّل باحث مسلم يكتب مباشرة بالعربية ويدرِّس في جامعة القاهرة ويتجرّأ على انتهاك المحرّمات العديدة التي تمنع تطبيق مكتسبات الألسنيات الحديثة الأكثر إيجابية على القرآن»( ). وعلى الرغم من أنّ أبحاث أبي زيد، سيما في كتابه (فهم النص القرآني)، لم تكن ثورية أو انقلابية -في رأي أركون- إلى الحد الذي وصل إليه الإنتاج العلمي للسنوات العشرين الأخيرة، إلّا أنّ رد الفعل عليه كان عنيفًا مدويًّا من قبل المحافظين والتقليديين( ).
ويبدو -والله العالِم- أنّ أبا زيدٍ -لهذا السبب- بذل وسعه في البحث عن جذور السميوطيقا في التراث الإسلامي كمحاولة للتخفيف من حدة معارضة تطبيقها على النصوص الدينية، فمتى ما كان للسميوطيقا وجود في تراث الفكر الإسلامي، وكان لها أثر قيّم في الدراسات التي قدمها مفكرو الإسلام المتقدمين، فلا حراجة إذن من تفعيلها ثانية وتطويرها بما يخدم الدراسات الدينية في الوقت المعاصر. مع تأكيده على أنّ رأيه هذا لا يعني «القول بأسبقية العقل العربي في ذلك للعقل الأوروبي، بل شأن العقل العربي في ذلك شأن الفكر اليوناني الذي تعامل مع الدلالة اللغوية بوصفها مدخلًا للمنطق الذي هو ميزان التفكير العقلي والاستلال الذي يؤدي إلى المعرفة»( ). إذ كل الجهود التي بذلها علماء المسلمين المتقدمين في صياغة مفهوم اللغة ودلالتها كانت جهودًا جدلية كلامية تستدعي في أغلب الأحيان مناقشة بعض المشكلات اللغوية( ). أي أنهم لم يدرسوا اللغة لذاتها، ولم تكن لهم منهجية يمكن من خلالها تأسيس نظرية ذات موضوع محدد له أدواته واصطلاحاته الدقيقة التي يقوم عليها، كما فعل سوسير وغيره.

وقد استقرأ أبو زيد في دراسته الموسومة بـ (العَلَامات في التراث-دراسة استكشافية)() ما جاء من أبحاث وكلمات مبعثرة هنا وهناك في مؤلفات المتكلمين والمفكرين المسلمين بشأن مفهوم (اللغة) وعلاقتها بالأنظمة الدلالية الأخرى، ابتداءً من الجاحظ مرورًا بالباقلاني، والقاضي عبد الجبار، إلى عبد القاهر الجرجاني، وانتهاءً برأس المتصوفة ابن عربي( ).. الذين أمْلَت عليهم عقيدتهم الدينية أن ينظروا في الأدلة الطبيعية الحسية الموصلة إلى معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته، ثم الانتقال إلى مستويات معرفية عقلية أعقد عن طريق القياس والنظر؛ بهدف ترسيخ العقيدة على أساس علمي في نفوس المسلمين. ولا ريب أنّ هذه المعرفة لا يمكن نقلها إلى الآخرين إلّا عن طريق اللغة، ولكون المعرفة متعددة ومتنوعة طبقًا لتنوع البشر وحاجاتهم( )، فإنّ الله تعالى –بحسب الجاحظ(ت: 255هـ)- «لم يرضَ للبشر من البيان بصنف واحد... وجعل آلة البيان التي بها يتعارفون معانيهم، والترجمان الذي إليه يرجعون عند اختلافهم في أربعة أشياء... هي: اللفظ، والخط، والإشارة، والعقد()»( ). وهذه الرابطة التي يجعلها الجاحظ بين (المعرفة العقلية) وبين (وظيفة اللغة)، يراها نصر أبو زيد أنها كانت «مقدمة أتاحت لمن جاءوا بعد الجاحظ أن ينظروا لهذا الترابط بمزيد من العمق، وأن يحددوا للغة وظيفة خاصة في إطار نظرية المعرفة، وفي إطار تصورهم لوضعية الإنسان في الوجود»( ).
ومن رأي الجاحظ، ينتقل أبو زيد إلى رأي الباقلاني (ت: 403هـ) ليجد أنّ معنى الاستدلال عنده عبارة عن: «نظر القلب المطلوب به علمُ ما غاب عن الضرورة والحس»( )، والدليل عبارة عن: «معرفة ما لا يُعلم باضطرار، وهو على ثلاثة أضرب: عقلي له تعلق بمدلوله نحو دلالة الفعل على فاعله وما يجب كونه عليه من صفاته، نحو حياته وعلمه وقدرته وإرادته، وسمعي شرعي دالّ من طريق النطق بعد المواضعة ومن جهة معنى مستخرج من النطق، ولغوي دالّ من جهة المواطأة والمواضعة على معاني الكلام ودلالات الأسماء والصفات وسائر الألفاظ»( ). وهنا يستظهر أبو زيد علاقة الدالّ بالمدلول في كلمات الباقلاني، سيما في الأدلة السمعية والشرعية وفي الأدلة اللغوية، فإنّ الرابطة بينهما هي علاقة وضعية اصطلاحية متفق عليها، ولكن مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ مصدر المواطأة اللغوية في الأساس الأول، أو المواضعة الأولى، على المبنى الأشعري الذي ينتمي إليه الباقلاني، هو (الله) عز وجل( ).
وبانتقاله إلى رأي القاضي عبد الجبار المعتزلي (ت: 415هـ)، يتبين أبو زيد اختلاف ترتيب الأدلة عنده عن ترتيب سابقه، وهي على مبناه الاعتزالي «منها ما يدل على الصحة والوجوب، ومنها ما يدل في الدواعي والاختيار، ومنها ما يدل بالمواضعة والقصد»( ). وقد أوضح القاضي السبب الذي دعاه إلى هذا الترتيب بقوله: «ورتّبنا كل واحد من هذه الوجوه بأن بيّنا: أنّ المقدَّم على ما يدل من حيث الصحة، وهو الذي يُتطرق به إلى معرفة التوحيد، ثم يتلوه ما يدل بالدواعي، وهو الذي يُعرَف به العدل، ثم يتلوه ما يدل بالمواضعة وتُعرَف به النبوات والشرائع»( ). بما يظهر أنّ أدلة التوحيد والعدل أدلة عقلية قائمة على نوع من الارتباط بين الدال والمدلول (الفعل والفاعل)، أما أدلة النوع الثالث، وهو الدلالة اللغوية التي توسل بها الوحي والشرع، فإنها تدل من جهة المواضعة والقصد ولا تدل لذاتها، مع الإشارة إلى أنّ مصطلح (المواضعة) عند القاضي عبد الجبار يشير إلى العلاقة بين الدال والمدلول على مستوى المفردات اللغوية أو الألفاظ، وهي دلالة إشارية وضعية بشرية بحتة، أما مصطلح (القصد) فيشير به إلى العلاقة بين الدال والمدلول على مستوى التركيب اللغوي، العبارة أو الجملة، وهي دلالة لا تقع إلّا بالقصد( )؛ «لوقوعه على وجه له تعلّق باختيار فاعله... لأنّ الخبر إنما يدل على المخبَر عنه من حيث قُصِد به الإخبار عمّا هو خبرٌ عنه، ومن حيث كان فاعله على صفة»( ).
فلا يمكن معرفة دلالة الكلام إلّا بمعرفة صفة المتكلم، من هو؟ وما صفاته؟. وما شرطُ القاضي عبد الجبار هذا إلّا ليُثبت مبناه الاعتزالي بسبق المعرفة العقلية في مسألتي التوحيد والعدل على المعرفة الشرعية، خلافًا لرأي الأشاعرة، وهذا ما يتضح في قوله: «إنّ المتعلّق بمثل ذلك لا يخلو من أن يزعم أنّ القرآن دلالة على التوحيد والعدل، أو يقول: لا نعلم صحة دلالته إلّا بعد العلم بالتوحيد والعدل، وبيّنا فساد القول الأول بأن قلنا: إنّ من لا يعرف المتكلم، ولا يعلم أنه ممن يتكلم إلّا بحق لا يصح أن يستدل بكلامه»( ).
وتتوضح دلالة القصد أكثر عندما يؤول الأمر إلى عبد القاهر الجرجاني (ت: 471هـ)، من حيث أنه خاض في بحر اللغة ودلالتها بحكم مدخله البلاغي وقدرته على تحليل النصوص.
كان عبد القاهر الجرجاني مشغولًا بالبحث عن العلّة الكامنة وراء إعجاز القرآن أساسًا، وكان عليه من أجل الوصول إلى هذه العلّة أن يحدد الخصائص الفارقة بين كلامٍ وكلام. إذ لم يقتنع الرجل بما سبقه من آراء تتحدث عن الجزالة والرصانة وجودة السبك وما شابه ذلك من أوصاف، وأنّ هناك من الكلام (ما تحيط به الصفة ولا تدركه العبارة)، بل ردّ الخصائص الفارقة بين كلامٍ وكلامٍ إلى قانون لغوي أطلق عليه اسم (النظم)( )، ولكي يؤصِّل لهذا القانون ذهب إلى أنّ الألفاظ «تجري مجرى العَلَامات والسِّمات، ولا معنى للعَلَامة والسِّمة حتى يحتمل الشيء ما جُعِلت العَلَامة دليلًا عليه وخلافه»( ). وهي محاولة منه لنفي ما استقر في أذهان معاصريه من أنّ للألفاظ صفات ذاتية قد تستقبح وقد تستحسن، ولترسيخ مفهوم أسبقية المعاني الذهنية على الدلالات الصوتية. فالمعاني تُعرَف أولًا، أو تُدرَك أولًا، ثم يتواضع أهل اللغة على الأصوات للدلالة عليها( ). وكأنّ قول الجرجاني هنا، تأصيل لما قاله سوسير في القرن العشرين، من أنّ الرابطة أو العلاقة التي تربط بين الدال والمدلول هي علاقة اعتباطية اصطلاحية.
ومن هذا الاستقراء، وهذه المقارنة، يرمي أبو زيد إلى توضيح دور اللغة في كلمات مفكري الإسلام المتقدمين، من جهة أنها ألفاظ تتصف بالعَلَامات( ). فعلى الرغم من اختلاف علماء المسلمين بطرائق الاستدلال، إلّا أنّهم جميعًا ينظرون إلى اللغة –التي هي أساس التكليف الشرعي- كنظامٍ دالٍّ في النسق المعرفي يرتبط بغيره من أنظمة الدلالة ولا ينفصل عنها. وعلى هذا الأساس خلص إلى أنّ مفهوم الدلالة في تراث الفكر الإسلامي، يقابل مفهوم العَلَامة في السميوطيقا المعاصرة( ).
ويشير أبو زيد إلى أنّ علماء المسلمين كانوا ملتفتين أيضًا إلى ما يُعرَف -حديثًا- بـ(التحول الدلالي) في أنماط المجاز المختلفة -وإن كانت مصطلحاتهم تختلف عن المصطلحات الحديثة، وإن كانوا قد ناقشوها من خلال منظورهم الديني- من حيث أنّ العَلَامات اللغوية، أي الكلمات، لها القابلية للدخول في علاقات مع بعضها مكوِّنة جملًا، ثم قابليتها بعد ذلك للتنامي بالجمل وتكوين نص له بعده السيمانطيقي (المعنوي) الذي يتحول به إلى مدلول آخر لا يحدث في العلامة اللغوية في حال إفرادها. وهذا التحول الدلالي -أيضًا- هو الذي ينقل النّصّ اللغوي من وظيفة (الإنباء) الاجتماعية ويجعله يحقق وظائف أخرى (أدبية)( ).
ومن ذلك قول الجرجاني: «إنّ الألفاظ المفردة، التي هي أوضاع اللغة، لم توضع لتُعرَف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يُضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف وأصل عظيم»( ). وهو ما يسمّيه بـ(النظم)، الذي تميّز به عن غيره من اللغويين والبلاغيين، لأنه نظر من خلاله لدلالة التركيب لا بوصفه حاصل جمع العَلَامات اللغوية المتضمنة فيه، بل بوصفه حاصل تفاعل دلالات العَلَامات ودلالات التركيب معًا، وعلى هذا الأساس مثّل واضع الكلام بمَن يأخذ قطعًا من الذهب أو الفضة فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة( ).

يقول الجرجاني: «وذلك أنك إذا قلت: (ضرب زيدٌ عمرًا يوم الجمعة ضربًا شديدًا تأديبًا له) فإنك تحصل من مجموع هذه الكَلِم على مفهومٍ، هو معنى واحدٌ لا عدّة معانٍ، كما يتوهَّمه الناس، وذلك لأنك لم تأتِ بهذه الكَلِم لتُفيده أنفُسَ معانيها، وإنما جئتَ بها لتفيده وجوه التعلق التي بين الفعل، الذي هو (ضرب)، وبين ما عمل فيه، والأحكام التي هي محصول التعلّق. وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي لنا أن ننظر في المفعولية من (عمرو)، وكون (يوم الجمعة) زمانًا للضرب، وكون (الضرب) ضربًا شديدًا، وكون (التأديب) علّة للضرب، أيُتَصوَّر فيها أن تُفرَدَ عن المعنى الأوّل الذي هو أصلُ الفائدة، وهو إسناد (ضربَ) إلى (زيد)، وإثبات (الضرب) به له، حتى يُعقل كون (عمرو) مفعولًا به، وكون (يوم الجمعة) مفعولًا فيه، وكون (ضربًا شديدًا) مصدرًا، وكون (التأديب) مفعولًا له من غير أن يخطر ببالك كون (زيد) فاعلًا للضرب؟.. وإذا نظرنا وجدنا ذلك لا يُتصوَّر، لأنّ (عمرًا) مفعول لضربٍ وقع من (زيد)، و(يوم الجمعة) زمان لضربٍ وقع من زيد، و(ضربًا شديدًا) بيان لذلك الضرب كيف هو وما صفته، و(التأديب) علة له وبيان أنه كان الغرض من. وإذا كان كذلك، بانَ منه وثبت، أن المفهوم من مجموع الكلِم معنًى واحدٍ لا عدة معانٍ، وهو إثباتك زيدًا فاعلًا ضربًا لعمرو في وقتِ كذا وعلى صفة كذا. ولهذا المعنى تقول إنه كلامٌ واحدٌ»( ).
يصوّر أبو زيد إطناب الجرجاني هذا في توضيح المعنى المراد من النص السابق، بمخطط يكشف أنّ معنى العلامة الأولى (ضرب) لا يتضح إلّا بالعلامة الأخيرة في الجملة( ).

الشيء الآخر الذي يشير إليه أبو زيد، هو تفريق الجرجاني بين (الغرض) و(المعنى)، إذ المعنى عنده هو حاصل تفاعل علاقات السياق. كما في قوله: «إنّ قولنا (المعنى) في مثل هذا، يراد به الغرض، والذي أراد المتكلم أن يثبته أو ينفيه، نحو أن تقصد تشبيه الرجل بالأسد فتقول: (زيد كالأسد)،ثم ترد هذا المعنى بعينه، فتقول: (كأنّ زيدًا الأسد)، فتفيد تشبيهه أيضًا بالأسد، إلّا أنك تزيد في معنى تشبيهه به بزيادة لم تكن في الأول، وهي أن تجعله من فرط شجاعته وقوة قلبه، وأنه لا يروعه شيء بحيث لا يتميز عن الأسد، ولا يقصر عنه، حتى يُتوهَهم أنه أسدٌ في صورة آدميّ.. وإذا كان هذا كذلك، فانظر هل كانت هذه الزيادة وهذا الفرق إلّا بما تُوخِّيَ في نظم اللفظ وترتيبه، حيث قُدِّم (الكاف) إلى صدر الكلام ورُكّبت مع (أن)؟ وإذا لم يكن إلى الشك سبيلٌ أنّ ذلك كان بالنظم، فاجعله العبرة في الكلام كله، ورُضْ نفسك على تفهم ذلك وتتبعه»( ).
فالفارق إذن بين قولنا (زيد كالأسد) وقولنا (كأن زيد الأسد)، هو فارق في المعنى وإنْ كان (الغرض) واحدًا، وهو تشبيه زيدٍ بالأسد.
ويرى أبو زيد، أنّ عبد القاهر الجرجاني قد أدرك خصوصية الدلالة اللغوية عن غيرها من الدلالات، فهي قابلة للدخول في علاقات نحوية يمكن من خلالها إنتاج دلالة العلامات اللغوية، إنّ الفرق بين (نظم) و(نظم) أو بين كلامٍ وكلام، فارق يعود إلى مقدرة (المتكلم) ومهارته وكفاءته الخاصة في استعمال القوانين التي يتيحها (نحو) اللغة العربية( ). يقول الجرجاني: «ولا يغرّنك قول الناس: (قد أتى بالمعنى بعينه، وأخذ معنى كلامه فأدّاه على وجهه)، فإنه تسامح منهم، والمراد أنه أدّى الغرض، فأمّا أن يؤدي المعنى بعينه على الوجه الذي يكون عليه في كلام الأول، حتى لا تعقل ههنا إلّا ما عقلته هناك... ففي غاية الإحالة، وظن يُفضي بصاحبه إلى جهالة عظيمة، وهي أن تكون الألفاظ مختلفة المعاني إذا فُرّقت، ومتَّفِقَتها إذا جُمعت وأُلِّف منها كلام. وذلك أن ليس كلامنا فيما يُفهَم من لفظتين مفردتين نحو (قعد) و(جلس)، ولكن فيما فُهِم من مجموع كلامٍ ومجموع كلامٍ آخر، نحو أن تنظر في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ...( )، وقول الناس: (قتلُ البعضِ إحياءٌ للجميع)، فإنه وإن كان قد جرت عادة الناس بأن يقولوا في مثل هذا: (إنهما عبارتان مُعَبّرهُما واحد)، فليس هذا القول قولًا يمكن الأخذ بظاهره أو يقع لعاقل شكٌّ أن ليس المفهوم من أحد الكلامين المفهومَ من الآخر»( ).

المطلب الثالث: تطبيق السيموطيقا عند (أبو زيد)
بعد إسهاب (أبو زيد) في قراءة فكر الجرجاني ونظريته (النظم)، يؤكِّد على مدى وعي الجرجاني بخصوصية الأداء اللغوي، ومدى الجهد الذي بذله في التعريف بالدلالة اللغوية، ولكنه في الوقت نفسه لم يسلم من نقده، لأنّ الجرجاني -في رأي أبي زيد- انطلق من منطلق ديني، وكان مدخله في دراساته كلها هو البحث عن (عِلّة) لإعجاز القرآن؛ ولهذا السبب كان حريصًا على إظهار دور المتكلّم، محاولة منه لربط (الاعجاز) بمفارقة المتكلّم -الله  مفارقة تامة لسواه من المتكلمين( ). كما أنّ انتماءه الأشعري اضطره للقول بسبق (المعاني النفسية)() على النظم في الكلام، وهذا الأمر كان حائلًا بين الجرجاني وبين القول بتعدد المعنى في فهم النص الواحد( ).
رأي أبو زيد هذا، تجده نفسه عند محمد أركون، فهو يخالف المسلمين الذين يفتخرون بما قدّمه (الجرجاني، والباقلاني، وفخر الدين الرازي، والسكاكي) من جهود في مجال التفسير المجازي، لأنّ كل تلك الجهود -في رأيه- تدخل في باب الأدبيات التبجيلية التي كُتِبت عن الإعجاز( ). بل «إنّ نظرية الإعجاز وكل تلك الأدبيات التبجيلية الغزيرة التي كتبت حولها لا تزال تضغط على المفكرين المسلمين حتى اليوم»( ). ولهذا السبب كان ينوي كتابة مؤلَّف يكرّسه لمسألة (المجاز في القرآن) كي يسدّ «نقصًا فظيعًا وغير محتمل على الإطلاق فيما يخص هذه النقطة»( ) حسب تعبيره. ولا يريد أركون من هذه الدراسة أن تكون كما كانت في السابق دراسة تبجيلية للنص القرآني وعظمة إعجازه، وإنما يريدها متحررة من «الضغط المستمر الذي تمارسه المسلّمات اللاهوتية على كل مقاربة ألسُنية أو سيميائية دلالية أو أدبية للنصِّ المقدس»( )، أي أن تكون دراسة علمية تطبّق على النصِّ القرآني كما تطبّق على أي نصٍّ أدبي آخر، لأنّ القرآن -عنده- مثله مثل غيره من النصوص المكتوبة بلغة البشر( ).
وكذلك هو عند أبي زيد، فإنه -أي النص القرآني، أو النص الحديثي- من حيث كونه نصًّا لغويًا، في بنائه وتركيبه ودلالته وعلاقته بالنصوص الأخرى، لا يمكن دراسته إلّا في مجال (الدراسات الأدبية) في الوعي المعاصر( )، نعم، «قد يقال أنّ النص القرآني نصٌّ خاصٌّ، وخصوصيته نابعة من قداسة وأُلوهية مصدره، لكنه رغم ذلك يظل نصًّا لغويًّا ينتمي لثقافة خاصة»( ). ومن الممكن -بحسب رأيه- أن نطبّق عليه مناهج تحليل النصوص اللغوية والأدبية. أما الاعتراض على هذه المنهجية، أو القول بعدم جواز تطبيق مفاهيم البشر ومناهجهم على نص غير بشري من حيث أصله ومصدره، فهو قول غير تام عنده، لأنّ الله تعالى شاء أن تكون رسالته إلى البشر بلغتهم. يقول: «وإذا كان أصحاب هذا المنهج يتفقون معنا في أنّ الله سبحانه وتعالى ليس موضوعًا للتحليل أو الدرس، وإذا كانوا يتفقون معنا كذلك في أنه سبحانه شاء أنْ يكون كلامه الى البشر بلغتهم، أي من خلال نظامهم الثقافي المركزي، فإنّ المتاح الوحيد أمام الدرس العلمي هو درس (الكلام) الإلهي من خلال تحليل معطياته في إطار النظام الثقافي الذي تجلى من خلاله، ولذلك يكون منهج التحليل اللغوي هو المنهج الوحيد الإنساني الممكن لفهم الرسالة، ولفهم الإسلام من ثمّ»( ).
نعم، من الممكن قبول المنهج اللغوي في تحليل النص القرآني، سيما في تحليل القصص القرآني والحوادث التاريخية، والأمور الخبرية، وحتى في فهم الآيات العقدية، ولكن أنْ تجعله المنهج الوحيد لفهم الرسالة والإسلام، فهذا إنكار صريح لدور النبي (صلى الله عليه وآله) من حيث أنه الشارح لما أُبهم من آيات القرآن، والمبيِّن، والمفصِّل، والمقيِّد، والمخصِّص لأحكامه.

وعندما أراد أبو زيد تطبيق هذه المنهجية -التحليل اللغوي- في قراءة وتحليل الآيات السبع الأولى من سورة المدثر، يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ، وصل إلى نتائج تختلف عمّا قرأه المفسرون السابقون. إذ خالف القدماء في مفعولَي (أنذر) المحذوفان، لأنهم استدلوا من هذا الحذف على أن المقصود من الآية هو (فافعل الإنذار من غير تخصيص)() لعدم تعلق الغرض بهما وتعلقه بأصل الإنذار( ). في حين يرى أبو زيد أنّ الحذف هنا يحقق غايتين مغايرتين لما قالوه، «أولهما، أن يحافظ النص على فاصلته (الراء) وهي حرف مكرر يحدث رنينًا يتجاوب مع أمر القيام لذلك المتدثر الذي يخلد الى النوم والراحة من جهة، ويتجاوب مع دلالة (الإنذار) من جهة أخرى. أما الغاية الثانية التي يحققها الحذف، فهي غاية تجاوب النص مع المتلقي الأول ذاته، من حيث أنه يعلم مَن يُنذر ويعلم أسباب الانذار. إنّ النص هنا يتجنب (الاطناب) في موقف لا يستدعيه ولا يحتاجه»( ).
وخالف المفسرين أيضًا في المقصود من الأفعال: (فَأَنْذِرْ، فَكَبِّرْ، فَطَهِّرْ، فَاهْجُرْ، تَسْتَكْثِرُ، فَاصْبِرْ)، حيث تشير الفاء إلى توالي الأوامر تواليًا سريعًا بالتكليف والقيام بالعمل، بعد أن لم يُكلّف النبي في النص السابق -يقصد سورة العلق- إلّا بالقراءة. إنّ الأمر بالإنذار والأمر بتكبير الربّ، الذي سبق أن كشف عن نفسه في سورة العلق، يمثلان محورًا واحدًا، على حين يمثل المحور الثاني تقابل الأمر بتطهير الثياب -النظافة الشكلية- مع الأمر بهجر الرجز -وهي النظافة المعنوية- هجر كل ما عليه قومه من عادات وأعراف وعبادات. فيلتقي المحوران على النحو الآتي( ):



ومن هذه الرؤية، خلص أبو زيد إلى القول: «من هنا يصعب أن نتقبل إجماع المفسرين على أنّ المقصود بتطهير الثياب، (تطهير النفس مما يُستقذر من الأفعال ويُستهجن من العادات)، ذلك إنّ هذا التأويل المجازي يجعل من الأمر بهجر الرجز نوعًا من التكرار و(الإطناب) وهي ظاهرة لا يستدعيها الموقف كما سبقت الإشارة. إنّ الأمر بتطهير الثياب أمر حقيقي في مجتمع صحراوي يعاني من ندرة الماء، وتعد نظافة الثياب فيه من علامات النبل وحسن المظهر الذي يجعل الشخص مقبولًا في أعين القوم»( ).
والحق أنّ المفسرين لم يجمعوا على ما رماهم به أبو زيد، وإنما قال بعضهم بذلك من ضمن أقوال عدة، منها: أنّ معنى التطهير هو (التقصير)، أي: قصّر ثيابك، فإنّ الثوب إذا طال انجر على الأرض فيصيبه ما ينجسه. ومنها: بمعنى (الغسل)، أي اغسل ثيابك من النجاسات( ). فضلًا عن ذلك، فإنّ أغلب الفقهاء -إن لم نقل أجمعهم- يذهبون إلى المعنى الحقيقي للتطهير، وهو إزالة النجاسة الخبثية من الثياب، وبهذه الآية استدلوا على وجوب التطهّر للصلاة( ).
ثم يمضي أبو زيد في تبيين المراد من الأوامر اللّاحقة بالطريقة نفسها، فيخرج بنتيجة أنّ المفسرين قد أخطأوا أيضًا حين فهموا (المَنّ) من جملة (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) معنى العطاء. إذ يرى أنّ المعنى المراد من النهي هنا، «نهي عن الضعف والتخاذل والاستكثار، استكثارًا للأوامر واستثقالًا لها، وهذا النهي يجاوبه الأمر بالصبر (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)، ولا يكون الصبر إلّا مع الشدّة»( )، الصبر هنا صبرٌ لأوامر الرَّبّ الذي طال حنين (محمد) لمعرفته، لا كما ذهب إليه المفسرون من أنه صبر على عناد قومه، مستدلًا على ذلك بسياق النص، من حيث أنه النص الأول في إعلان الرسالة، أي لم يكن هناك مَن يعانده بعد( ).
وهكذا يخرج نصر حامد أبو زيد منتصرًا بقراءته الجديدة على كل القراءات التي سبقته، لأنه يعتقد في نفسه أنه استطاع فك شفرة النص من خلال استحضار الواقع الذي أثّر في تكوينه..!

الخاتمة والنتائج
بعد مسيرة البحث هذه، رشحت للباحثة النتائج الأتية:
1- عَصرَنة التراث شيء محمود ومطلوب إذا ما صُبّت في تنقية التراث من التفسيرات والتأويلات البعيدة عن العقلانية، لاسيما وأنّ تراثنا الإسلامي مليء بالموضوعات وخرافات الإسرائيليات. ولكن الذي يدعو إليه الحداثويون هو عَصرَنة معنى (النَّص القرآني) بإخضاعه للدراسات اللغوية الحديثة، التي تعتمد على قراءة النَّص مجردًا عمّا يحفُّ به من قرائن تبيينية، أللهم إلّا التاريخية منها.. ليس هناك إلّا النَّص والقارئ، والقارئُ هو وما يحملً من ثقافة مسبقة. ولا ريب أنّ هذا المنهج من الصعب تطبيقه في استنباط الأحكام الفقهية، بل هو غير منتجٍ أصلًا فيها، لأنّ علم اللغة لوحده غير كافٍ في استنباط الحكم الشرعي ما لم يتكامل بالعلوم الشرعية الأخرى.
2- إنّ آثار النتائج التي وصلت إليها الدراسات اللغوية الحديثة، لا تخلو من الجَنبتَين الإيجابية والسلبية، والجنبة الإيجابية يمكن -على فرض التطبيق- قبولها، من حيث أنّ فهم الحقيقة لم يعد حِكرًا على قارئ من دون آخر، وبالتالي لم يعد بإمكانه تصدير قراءته أو فَهْمه للآخرين على أنه عين ما أراده مبدع النَّص من نصِّه، ولا أنْ يتعسّف في مصادرة أفهام الآخرين في الوقت نفسه. والجنبة السلبية، التي لا يمكن قبولها، لا سيما في فهم النَّص الديني؛ هي الإجحاف في مصادرة حق مبدع النَّص وإلغاء دوره تمامًا، إذ من غير المنطقي أن يُقدَّم فَهْم القارئ على أنه مرادٌ للمتكلِّم، أو أحد مراداته، لأنه يُفضي إلى تقويله ما لم يقل، وإلى تحميله تبعات مالم يقصد! وهذا ما لا يرتضيه أيُّ متكلم منّا قط، فضلًا عن أن يكون المتكلّم هو الله تعالى.
3- القول بالمعاني المتعددة لنَصٍّ واحدٍ يفضي إلى القول باجتماع معنى الشيء وضده في مورد واحد، وهذا محال عقلًا، إذ لا يمكن لعاقل أن يصدق أنّ مبدع النَّص عندما تكلم به، أو كتبه، أراد منه معانٍ متعددة إلى حد التضاد، وهذا الأمر وجداني يحس به كل واحدٍ منّا، فإذا ما أراد التكلم عن شيء، لا شك أنه يريد حقيقة واحدة له، إلّا إذا لم يُجِد التعبير أو أنه انتقى ألفاظًا لا تعطي المعنى المطلوب، وهذا ما لا يمكن تصوره في كلام الله تعالى أو كلام المعصوم. نعم، قد يتعدد المعنى لبعض النصوص القرآنية أو الحديثية بالنسبة لفهم المخاطَبين، سيما إنْ ضاعت عليهم القرائن الحالية، وهنا فقط يمكن عدُّ ثمرة القراءات الحديثة ثمرة ناضجة، ومأتيّة الأُكُل إلى حين، إذا ما تم التصالح عليها بين فِرَق ومذاهب المسلمين في الوقت المعاصر، أو في زمن غيبة الإمام المعصوم على المبنى الإمامي، وبإمكان كل منهم أنْ يحتفظ بعقيدته لنفسه من دون أنْ يرتب الأثر على خطأ عقائد الآخرين، ولكن هذا لا يعني أنّ جميع القراءات صحيحة، وقطعًا ستسقط هذه الثمرة ويصيبها الذبول تمامًا حين يُظهِر الله تعالى دينه على يد وليِّه، وحينئذ تكون هناك قراءة واحدة للنَّص الديني وهي القراءة الحقّة التي ستلغي أو ستذوب كل القراءات فيها. وهذا الأمر لا ينطبق على النص الديني فقط، وإنما حتى على النصوص القانونية والدستورية، فحينما يكون هناك أفهام متعددة لتفسير نص قانوني أو دستوريٍ مّا ويطغى الخلاف بينها، ليس هناك من حلٍّ للنـزاع إلّا بالتصالح على تفسير متفق، أو الرجوع فيه إلى جهة أعلى وأعلم تحكم الجميع.

المصادر والمراجع
القرآن الكريم.. خير ما يبتدئ به
خطب الإمام علي (ع)/نهج البلاغة (وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي)، تحقيق: صبحي الصالح، بيروت، ط1، 1967م.
1- الآلوسي: أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله البغدادي (ت: 1270هـ)/روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، المطبعة المنيرية-مصر.
2- أمبرتو إيكو/السيميائية وفلسفة اللغة، ترجمة: أحمد الصمعي، المنظمة العربية للترجمة-بيروت، ط1، 2005م.
3- تفيزتان تودوروف/مفاهيم سردية، ترجمة: عبد الرحمن مزيان، منشورات الاختلاف، ط1، 2005م.
4- الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر (ت: 255هـ)/كتاب الحيوان، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط2، 1965م.
5- جميل حمداوي/مدخل إلى المنهج السيميائي، موقع ندوة العرب الإلكتروني http://www.arabicnadwah.com.
6- الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي (ت: 393هـ)/الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم–بيروت، ط4، 1987م.
7- (الحسين) أبو الحسين البصري: محمد بن علي الطيب المعتزلي (ت: 436هـ)/المعتمد في أصول الفقه، دار الكتب العلمية-بيروت.
8- خليل أحمد خليل/معجم المصطلحات العربية، دار الفكر اللبناني-بيروت، ط1، 1995م.
9- رشيد عمران/نحو لسانيات نصّية عربية، مجلة فكر ونقد، موقع الجابري http://www.aljabriabed.net، ع92، 2007م.
10- الزركشي: بدر الدين محمد بن بهادر(ت:794هـ)/البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتب العلمية-بيروت، ط1، 2000هـ.
11- (سلام) ابن سلام: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي/غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي-بيروت، مجلس دائرة المعارف العثمانية-حيدر آباد، ط1، 1384هـ.
12- الطوسي (ت: 460هـ)/العدّة في أصول الفقه، تحقيق: محمد رضا الأنصاري القمي، مط ستارة-قم، ط1، 1417ه.
13- عباس أمير/المعنى القرآني بين التفسير والتأويل، دار الانتشار العربي-بيروت، ط1، 2008م.
14- عبد القاهر الجرجاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد النحوي (ت: 471، أو 474هـ)/دلائل الإعجاز، تعليق: محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي-القاهرة، 1984م.
15- عبد الملك مرتاض/نظرية النص الأدبي، منشورات دار هومة-الجزائر، 2007م.
16- عدنان بن ذريل/النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق، اتحاد الكتاب العرب، نسخة إلكترونية، 2000م.
17- (عربي) ابن عربي: محي الدين أبي عبد الله محمد بن علي/الفتوحات المكيّة، دار صادر-بيروت.
18- علي المشكيني/اصطلاحات الأصول، دفتر نشر الهادي-قم، ط5، 1413هـ.
19- علي حرب/النص والحقيقة-نقد النص، المركز الثقافي العربي-بيروت، ط1، 1993م.
20- الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505هـ)/المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر-دمشق، ط3، 1419هـ.
21- فردينان دي سوسّير/علم اللغة العام، ترجمة: يوئيل يوسف، دار آفاق عربية-بغداد، 1985م.
22- مجلّة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-الكويت، ع3، مج24، يناير/مارس1996م، مقال: محمد إقبال عروي/السيميائية وتحليلها لظاهرة الترادف. ومقال: عادل فاخوري/حول إشكالية السيمولوجيا.
23- محمد أركون/ الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، ط1، 1999م.
24- محمد عابد الجابري/التراث والحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت، ط1، 1991م.
25- مصباح سرور/نصوص القرآن الكريم بين المعنى الحقيقي والمعنى المفهومي-دراسة سيميوطيقية، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة مالانج-كلية العلوم الإنسانية-اندنوسيا، 2007م.
26- (منظور) ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت:711هـ)/لسان العرب، نشر أدب الحوزة– قم، 1405هـ.
27- مولاي علي بوخاتم/مصطلحات النقد العربي السيماءوي، منشورات اتحاد الكتاب العرب-دمشق، 2005م.
28- نصر حامد أبو زيد/إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط7، 2005م.
29- ...........نقد الخطاب الديني، سينا للنشر-القاهرة، ط2، 1994م.
30- ..........مفهوم النص-دراسة في علوم القرآن، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا