الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصلاح الأجتماعي وقضية الأصلاح الديني

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الفكر الإسلامي عموما ولا أقصد الدين كفكرة عقلية منطقية الكثير مما يثير من علامات الإستفهام من جهة تناقضها في عمق ما تطرحه من مسلمات أو أفكار تبدو أنها واحدة من الثوابت لمن يقرأ العقل الديني التقليدي بروح نقدية فاحصة، والأمثلة كثيرة ومتشعبة أختار اليوم واحدة منها لتطرح لنا مجالا واسعا لتسليط الضوء البحثي عليها، ليس إنتقاصا من الفكر بعمومه بقدر ما تطرح تساؤلات بحاجة إلى أجوبة مقنعة أو تصحيح لهذا الوضع الشاذ، فمثلا يتفق عموم المسلمين أن هناك رواية نسبت للسول محمد ص حول إنقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فكرة وردت في حديث الفرقة الناجية، هذه الفكرة بعيدا عن مصداقية صدورها أو صحة وجودها تتناقض مع تسليم جزء واسع من الأمة أن المسلمين أستقروا على أن الفكر الإسلامي الصحيح هو ما وجد في أطار ما يسمى بالمذاهب الأربعة المشهورة.
مع تسليمنا المبدئي أو الأبتدائي بصحة الحديث وحقيقة وجود المذاهب الأربعة يدور السؤال هنا، هل هذه المذاهب الأربعة كتلة واحدة تمثل واحدة من الفرق المذكورة في الحديث أم هي من ضمن العدد أربعة من ثلاث وسبعين فرقة؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد أن نحدد أولا ويشكل قاطع حدود الجواب بأحد الخيارين، فإن كانت هذه الفرق الأربعة كلها فرقة واحدة فكيف نبرر للبعض من أن في أدبيات وأفكار هذه المذاهب من يكفر بعضها ويرى فيها خروجا عن مفهوم الفرقة الناجية وخاصة مع المذهب الحنبلي وتفرعاته تجاه المذاهب الأخرى، فهذه الفرقة أو المذهب تتشدد في وصف الفرقة الناجية وتعتبر بقية المسلمين أما كفار أو مرتدين عن الدين، وبالتالي فهي لا تؤمن بأنها كتلة واحدة ولا تسلم بالأختلافات داخل دائرة الفروه وصولاحتى المس بالأصول.
لو عدنا إلى أصل الحديث كما هو وارد في كتب الصحاح وتراث المسلمين المدون نجد أن النص يقول (تفترق أمتي على ...... فرقة)، فمع وجود الأفتراق حقيقة في النص لكن الإشارة هنا جاءت لتحدد الإطار المعنوي، إنها أمة النبي محمد تحديدا وتنصيصا على أنها الأمة المفترقة بكاملها أي أمة المسلمين عامة، وبالتالي فكل المختلفين هنا هم مسلمون قطعا ولا يمكن أن يكونوا من خارج دائرة الإسلام أو من الكفار أو المشركين أو الملحدين، والمسلمون عموما يشتركون في أساسيات الفكرة الدينية المجردة التي تجعل من الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الأخر مبدأ عام لا يمكن الخلاف عليه، فالأختلاف إذا سيكون بما عدى هذه الأصول من ما يسمى الفروع، وبالتالي فالمذاهب الأربعة هي من ضمن دائرة الأختلاف هذه وتحديدا فيما يزعم أنه لا يفسد أصل الإيمان بالإسلام كإطار جامع لها جميعا، هنا نصل لمعنى التناقض بين أن نسلم بالحديث أو نقبل بالواقع على أن المذاهب الأربعة جزء من دائرة الأختلاف.
هذا التناقض يشير بمضمونة إلى حقيقتين هما:
• أما الحديث غير صحيح ومن وضع الوضاع والمدلسين وهذا ما يعززه الكثير من نصوص الآيات والأحاديث أو أنه منقول بشكل محرف مقصودا به إحداث حالة من التميز لصالح من حرف وخدمة لمفهوم قاصر وجزئي.
• أو أن واقع الفرق الأربعة هو من ضمن واقعة الأفتراق وأصله ولا يمكن لأحد أن يجعل المتفرقين في دائرة متشاكلة متماثلة تعني وحدة في الأعتقاد وتضمينها الصحية التمثيلية للإسلام، وبالتالي لا يمكن التسليم بهذه الواقعة ونكرانها، لا سيما وأن الجميع بحسب النص مسلمون بالأصول والمبدأ الإسلامي العام.
هنا يتبادر الذهن فورا لقضية أخرى وأهم ضمن أطار الفكر الإسلامي وهي تحديد المفاهيم بدقة وتحديد وجهة الحكم فيها، مما يعني عدم محاولة الأستخدام الأعتباطي لفكرة ما وتسخيرها دون النظر إلى كونها تحمل تناقضا يخل بوحدة وموضوعية الفكر ذاته، هذا المثال واحد من عشرات المواضيع التي تنخر الفكر الإسلامي وتنخر عقائدنا تبعا لذلك، دون أن نجد من المؤسسة الدينية بتنوعاتها دورا في رفع التناقض أو توضيح للمتشابهات التناقضة،
وهذا يدلل أما على عجز وتحيز ولا إبالية هذه المؤسسات في ممارسة الوظيفية الأساسية لها في هداية الناس نحو المشتركات العقلانية التي تتبع منهج الدين الصحيح، وتشكل لهم أطارا جامعا بدل التبشير بالفرقة والتفرق والتحزب البلاء الذي حطم المجتمع الإسلامي وشرذم المسلمين أحزابا وملل وطوائف تتقاتل فيما بينها على جزئيات موهومة لا تمس أصل وجوهر الدين، أو أن ما في النص من دلالات أو أهداف ما يتوافق مع فكرة أن هذه الأمة ليست واحدة، أقصد ما في كلمة (أمتي) من حدود كانت مهيأ لها أن تنحرف طبيعيا، وبالتالي فمن أسس هذه الأمة وأدارها كان على علم يقيني أنه بأنه سيفشل في رسالته لأنه غير قادر على خلق هذه الأمة الواحدة وعليه لا مناص من إبطال دعوته للأمم الأخرى بالدخول إلى دينه ومن جذورها، لأن العامل الذي يدعو له أو الهدف السامي لم يتحقق في بنيان ما خلفه بنفسه وهو المتواصل مع الرب.
إن التسليم بأن الخلاف والتفرق بشارة ربانية وصلتنا عن طريق الرسول يتناقض أيضا مع مبدأ ديني ورد تحديدا في نص (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، فهذه الخيرية المشكوك في وجودها في مجتمع متمزق مكتوب عليه الفرقة والتفرق واقعا لا تتناسب البتة مع وحدة الدين وواحدية الديان وأيضا مع كون الإنسان واحد بالأصل بلا عناوين فرعية.
نجد أن النص القرآني يدعونا أصلا للعمل على نقضه والتبرئ منه (ولا تنازعوا فتذهب ريحكم)، التنازع والتناقض هو نتاج قراءة وممارسة للسلطة الحزبية في الفكر الإسلامي وهي من روجت له وجذرته وتفرقت على أساسه، ولم يكن بأي حال من الأحوال تحديد مصير من رب الأمة ولا في دستورها ولا في أخلاقيات الدين وقواعده العاملة، لقد كان الإنسان كما يقول القرآن (ظلوما جهولا) لأنه يسقط رؤيته وواقعه الفطري على فكرة الدين ويجرها وفقا لما يريد، والنتيجة التي يصل لها من الفشل دوما هي في عهدة الدين ومسئوليته دون أن يقر أنه هو أي المتدين من خلق هذا الواقع وصنعه وتمركز حوله.
النتيجة التي نخلص لها أن كلا من الحديث والواقع هما من تزيف الإنسان ومن صنعه وممارسته التعبدية الأعتباطية، ولا صحة لكل مزاعم الناس أن المسلمون بالنتيجة هم عبارة عن أحزاب متناقضة ومتضادة لا رابط ولا ضابط يمكن أن يجمعهم على هدف الرسالة وغائيته الكبرى، والحقيقة أن المسلمون أمة واحدة خارج الحزبيات وخارج التنازع السياسي لو قدر لنا أن نعزل علاقتنا مع الله عن تجليات الأنا المتضخمة ووضعنا هدفية الدين من الوجود ومع الحياة.
ولكن من يسعى لتشظية المجتمع ويعمل على تنمية روح الأختلاف والتناقض هو المسئول المباشر والأول عن هذا الواقع بما فيه من قباحة وبؤس، ويبقى حق مراجعة الأفكار ونقدها وتصحيح المسارات العقلية للتعامل مع قضايا الإنسان والرب، حقا مصانا ومحترما ولا قداسة لأي فكرة تتناقض مع العقل المنطقي في قراءاته وفهمه لما يدور حوله سلبا وإيجابا، وأول المعنيين في هذا الكلام هم سدنة المؤسسة الدينية ورواد ما يعرف بالأصلاح الديني داخلها في الإجابة على حقيقة التفرق ووهم الوحدة، أو حقيقة الوحدة ووهم التفرق الذي ما زالت تردده لليوم وكأنه قانون قطعي لا بد له من أن يمضي بالشكل الذي تأسس عليه.
من واجب المؤسسة الدينية والتي تدعي أنها الحريصة على دين الله ومنظومة التدين أن تتدخل في هذا الشأن المحور والمهم من أسس الإيمان، وأن تبدي رأيها بكل شجاعة ومسؤولية لأنها هي المدانة الأولى في بقاء هذه الأفكار المشوشة والمتعارضة ما بين الدين الواقعي والدين النصوصي الكامل، عليها الأرتقاء بنهجها وأن تعتمد العلمية الفكرية وتهجر موضوع الصراعات من أجل السلطة ومن أجل حسابات الأنا الذاتية، عليها أن تقف اليوم متصدية حقيقية لمسيرة الإنحراف إذا أرادت أن تستعيد ثقة المؤمنين بها وأعادتها إلى المكانة الحقيقية التي يجب أن تكون عليها أمام الله وأمام الناس وأولا أمام نفسها.
المؤسسة الدينية ولا أظن أن الكثير ممن يشتغل في أروقتها أو ينتسب لها يعرفون كامل الحقيقية ويعرفون أن هذه التناقضات ليست من الدين ولا تنتسب له، ومع ذلك يصمتون أمام مشروع الأصلاح والتجديد تحت علل وأسباب أكثرها شخصية لا علاقة لها بالمسؤولية ولا علاقة لها بأصل فكرة الدين، أن تخلي هذه المؤسسة عن واجبها المحتم سيبعدها عن الله ويبعدها عن الناس وهي ما زالت تتحول إلى مؤسسة كهنوتية صنمية تعيد وتصقل في مقولات أثبتت التجربة والواقع عقمها وعقم العقل الذي يؤمن بها، إن التغيير الأجتماعي الذي ننشده مرهون بحركة هذه المؤسسة إلى أمام، وأن بقائها على موقفها التقليدي السمج هو من يعرقل التغيير والأصلاح الفكري وبالتالي الأصلاح الواقعي للمجتمع والإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
احم علي الجندي ( 2017 / 11 / 24 - 16:03 )
شكرا على المقالة

اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي