الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحضور الأنطولوجي للعلم إشكالية المشروع الإسلامي

احسان طالب

2017 / 11 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



نتحدث كثيرا عن نهاية تمزق أو انهيار المشروع الثقافي الغربي وعدم اكتمال التنوير، مستعينين بثورة نيتشة العدمية واستبصار هيدغر لواقع أزمة الغرب الأخلاقية ، وأمل فوكو بإيجاد بديل أو عالم آخر يكون أفضل مما عاصرته أوروبا فلسفيا وفكريا ، ما حذا بالأخير لشطط ما دعاه " السياسة الروحية " افتنانا بالخميني وثورته ، التي ما لبثت أن تحولت لأكلريوس حقيقي ومثيولوجيا دينية ميتافيزيقية بحتة ما أحبط تطلعاته وأخذ به نحو "ثورة الجنسانية :والبحث عن المتعة المهلكة.
الاعتبار المحوري هنا يعود بتقديري لنظر ذاتي جواني ، أي لتبصر في المشروع الثقافي العربي الإسلامي ـ واقترانهما ليس محل جدل طويل ـ
هل سألنا أنفسنا ولو لمرة واحدة أن مشروعنا قد انتهى أو أنه شارف على النهاية منذ زمن تليد ،
انقلب نيتشه على الأخلاق السائدة ، وقوض هيدغر الميتافيزيقيا بمعنى الشائع والسائد ونهض فوكو بالفكر لما بعد الحداثة وقوض البنيوية، وهي كلها محاولات جادة ورصينة من أجل النهضة الإنسانوية وتمكين الأخلاق بعيدا عن الوصاية التكنولوجية والاستهلاك الشره ، أيضا سعيا للتخلص من وصاية النص الفلسفي والثيولوجي وحتى المثدولوجي.
ألتفت عن " هم " نحو " نحن" هل استطعنا على الأقل اكمال مشروع الجابري وأركون بنقد العقل العربي والإسلامي
أو انجاز المشروع المقاصدي الشاطبي القديم ، بما يواءم مع القيم الإنسانية وأخلاقيات المعرفة ـ بعيدا عن فقه قاصر لا يرى سوى الحلال والحرام ـ
إن إنجاز مشروع تجديدي حقيقي يستند لمنهج دقيق مازال بعيد المنال ، وما فتئت المحاولات المعاصرة تراوح بين استنطاق نص ذاته لاستخراج ما حفل به من درر تمتلك القدرة على مناكفة المشروع الثقافي الغربي وإعادة إنتاجه ـ بأدواته ذاتها ـ بحلة إسلامية ـ طه عبد الرحمن ، وبين معالجة النص ـ ذاته ـ وإعادة إنتاجه ثانية بحلة جديدة معاصرة حتى ليبدو غريبا ومصطنعا من الأول ـ محمد شحرور ـ مع قناعتي بالأهمية القصوى لمنهج شحرور ، لكنه مازال قيد الإنجاز غير واضح الملامح .
لننظر في مرآة الواقع بصدق وحيادية قدر الإمكان لنتبين إلى أي مدى تتخبط خلاله رؤيتنا وافتقارنا لمشروع معرفي بل وحتى لمنهج نتلمس من خلاله دروب البحث والتدقيق.
لقد بات ملزما لنا الخروج من تلك الأزمة المعرفية التي تفيد بقدرتنا إحياء المشروع الثقافي المعرفي العربي الإسلامي القديم ، ومن ثمة ترك التشبث بقدرته الإعجازية على إحياء " الأمة " البشر الناس المجتمعات ، فتكرار التجربة بذات المعطيات والشروط لن يكرر النتائج ذاتها طالما حدث تغيير حقيقي في بنية عناصر التجربة ، وأقصد بوضوح تغير طبيعة الشرط الوجودي للإنسان وتغيير كلي للبيئة المعرفية التكنولوجية والرقمية .
إنني أدرك بوضوح بالغ الفرق بين الاستفادة من تاريخ المعرفة ومنجزات الحضارات البشرية الفكرية مهما رجع بها الزمن للوراء ، وبين التقوقع داخل ذلك التاريخ والانحياز لسرد محدد والانتصار له بكل الظروف والأحوال .
ليست أزمة العرب والمسلمين الحالية دينية بحتة أو تقع على عاتق المفكرين الإسلاميين بالذات ووحدهم، بل على العكس يتحمل التيار القومي والعلماني والليبرالي قسطا وافرا بل لعله الأوفر من الأزمة ، باعتباره كان أشد تقوقعا وربما تخلفا عن ركب الحداثة والعلمنة الحقيقة بعيدا عن الانتماءات الدينية والعرقية والمذهبية ، فهو أشد عجزا عن إنتاج منظومة فكرية جامعة متطورة تلم شتات المعرفة المترنحة بين العودة للدين أو العرق وبين السقوط المهين في أحضان الأنظمة السياسية . والحرص الغريب على منظومة الحريات الشخصية بعيدا عن مفهوم الحرية كقيمة إنسانية تنظيمية للأفراد والمجتمعات ، وقريبا من مفهوم الحرية اللامسؤولة واللا منضبطة والمرتبط أساسا بالمنهج النفعي ، المصلحة الذاتية ،
لم يتمكن دعاة اليسار والعلمانية والقوميون من إحراز أي تقدم يذكر بل وقفوا جبهة عريضة في مواجهة التيارات الشعبية دون قدرة على استيعابها أو طرح بدائل فكرية ومعرفية وعلمية لأطروحات الإسلاميين ولا قدموا بديلا عن الميثولوجيا الشعبية .
قد يكون من المثير للاستغراب الحديث عن مشروع ثقافي معرفي عربي ؛ لأنه ببساطة ليكن هناك بالأساس صورة أومشهد بارز أوضح له ، فهو بالكاد أسم بلا وجود أو مشهد بلا نص أو سيناريو، لقد غلب الحضور الفكري الإسلامي على ما يمكن تسميته بمشروع ، ذلك الحضور عجز عن فك أسر التشبث بالمناهج وحتى الأدوات البحثية والعلمية التي ورثها عن الأقدمين ، فلا يملكون مشروعا أو منهاجا متطورا لعلم الأصول ، ولا يوجد محددات دقيقة لعلم التأويل ، ولا نعرف منهجا تجديديا متكاملا بل جل ما في الأمر اجتهادات متناقضة أحيانا وناقصة في كل الأحيان ، لم يتمكن الأصوليون من فك عقدة " لا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ولم يستطيعوا إنجاز علوم حديث أشد مصداقية لمعرفة النص حتى على صعيد تفنيد الأسانيد حسب معارف علة الحديث القديمة ، فلا حل ولا جواب كامل لقضية العنعنة والأنأنة ، والاكتفاء بكتب التراجم السير وطبقات الرجال ، وبالرغم من الدقة التي تحراها علماء الحديث بحيث أنهم مثلا قسموا بعض الرواة لفترتين زمنيتين يقبل في إحداهما حديث الراوي ولا يقبل في فترة أخرى اعتمادا على تغيير أحواله كتعرضه للنسيان في أواخر عمره ، إلا أن مسألة تحديد عدالة الراوي ارتبطت إلى حد بعيد بمواقفة السياسية والمذهبية ، كذلك وتعارض النصوص وإشكالية الناسخ والمنسوخ ، وموافقة بعض الأحاديث بل مطابقتها لوضع سياسي قائم بذاته ، كحديث (أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، ) أو حديث (أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدبَبِ؟! تَخْرُجُ فَتَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ). أعرف تماما أن علماء الحديث القدامى تكلموا في مشكل الحديث وغريبه ووضعوا قاعدة أو اثنتين لمعالجة العنعنة والأنأنة ، لكن ذلك غير كاف ولا قادر على حل الإشكالية ولا تفنيد معضلة العدالة ـ عدل ضابط ـ بين المذاهب الإسلامية المختلفة ، ولعل من دواعي ذلك القصور جاء من يطالب بإلغاء السرد التاريخي لنصوص الحديث والإبقاء على النص القرآني فقط ، وهذا بتقديري محض هراء. والحل في إعادة النظر في علوم الحديث وتطويرها .
إذا كان التغريب ليس حلا فالسلفية ليست حلا أيضا ، وهي السبيل الأسهل والدرب الأقصر لرفع المسؤولية وانكار حقيقة القصور والعجز ، من هنا لا يمكنني اعتبار تفكيك التغريب وتفنيد الفكر الغربي بداية منهجية لصياغة استراتيجية حضارية عربية إسلامية حديثة ومعاصرة .
نحن نواجه عصراو مختلفا تماما عما سادت خلاله الحقبة العربية الإسلامية ، لقد باتت التكنولوجيا الرقمية وثورة الاتصالات اليوم محددات أولية لقيم وأفكار ورؤى الأجيال المعاصرة والقادمة ، وكل محاولات الانفكاك عن ذلك الحضور الأنطولوجي للعلم ومنتجاته ما هي إلا محاولة يائسة لتبرير التخلف والعجز عن اللحاق بركب السيرورة العلمية المتسارعة .
إن العلوم الإنسانية مازالت غير قادرة على مواكبة التطور المتصاعد للعلوم الأساسية ، إلا أن حضورها يتزايد ويتطور مع تطور قدراتها العلمية ، ما يعني تلقائيا قدرتها في المستقبل المنظور على الحلول محل السلطة الميتافيزيقية التي ما فتئت تهيمن على العقل العربي وآليات تفكيره وتحليله.
أمام تلك المشاهد المبهرة للعلوم الأساسية والإنسانية ـ بما فيها الفلسفة وعلم الأخلاق ـ بات ملزما قدرتها على الحلول مكان التصورات الغيبية وإبداء الرأي في أعقد مسائل الميتافيزيقيا ، فنحن أمام اتجاهين متعاكسين الأول التأسيس العلمي الدقيق للحياة بما فيها العلوم الإنسانية ، والتدقيق اللاهوتي لمنهج التحليل والتدقيق واستخراج الحلول ، وما لم تتحقق المواءمة والمصالحة بين التوجهين في عالمنا العربي المسلم وعلى أسس علمية ، بحيث تتحول العلوم الشرعية لمناهج علمية حقيقية ،وليس ( استثنائية )، أي أن تخضع لمنهج النقد والخطأ والصواب وعلوم التاريخ واللغات ، والفلسفة ، فإن الاضطراب والتيه سيكونان السمة الطاغية لحال الأجيال المعاصرة والقادمة ، نتيجة للتناقض بين الوجدان والعقل ، ما يدفع النخب والرموز لقهر العقل وزيادة طغيان السلطة الغيبية والتاريخية ، ما يستوجب الكف عن إلصاق كل منجز علمي بكلمة أو قاعدة أو جملة مجتزأة من نص شامل ، ونسب الفضل تاليا لكل النص على قاعدة ، كل ما جاء به الصادق فهو صدق ، وما ذلك الفعل إلا دليل ساطع على القصور والعجز وعدم القدرة على تحقيق اختراقات حقيقية ومؤثرة خارج عربة الجمود والتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س