الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدنية الأجتماعية ودور النخبة في أرساء مفاهيم التغيير الأجتماعي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المدنية الأجتماعية ودور النخبة في أرساء مفاهيم التغيير الأجتماعي


لعل مفهوم المدنية الأجتماعية أسبق في الحضور معرفيا من المدنية السياسية كفكر أنتشر في العصر الحديث ليميز أنماط من التعامل مع أسس النظم السياسية وكيفية إدرتها، والسبب يعود إلى أن المفهوم الأجتماعي للمدنية متأت من فكرة طبيعية تلمسها الإنسان عبر إيمانه الخاص بأنه كائن أجتماعي أولا، ومن هنا لا بد من تأطير هذا المفهوم خاصة ودراسته بشكل منفصل عن مفهوم المدنية السياسية كي لا تتداخل المفاهيم مع بعضها وتسبب نوعا من الخلط الماهوي بينها.
المدنية الأجتماعية أسلوب تفصيلي ويومي يكشف عن طبيعة التعامل البشري المباشر مع الواقع وما حوله عبر شبكة العلاقات الرابطة، أو من خلال مجمل السلوكيات التي تؤكد العلاقة الطبيعية المباشرة بين الإنسان ومحيطه، فهي تمثل العنصر التلقائي والمتطور مع مسيرة الإنسان دون أن تفرض عليه هذه العلاقة من خلال أفكار أو قوى قاهرة، حتى الدين إذا تم تطبيقه خارج هذه العلاقة فأنه سيجر الإنسان والمجتمع إلى الأنحراف عن طبيعية الوجود ويخرب شبكة العلاقات المدنية، لأن القهر وأستخدام القوة الجبرية لا يمكنها أن تلبي شروط مدنية الإنسان الحر والطبيعي.
فهي تمثل في وجه من وجوهها إدارة الإنسان لواقعه والبحث عن أفضل ما يمكن أن يكون عليه الواقع، فهي تملك دوافعها الذاتية من ضروريتها الحتمية وطبيعيتها التكوينية، ومرة تمثل شروط البيئة والواقع الطبيعي خارج تدخلات القوى والمحركات الضاغطة على الإنسان، لتقوده للمخالفة أو التضاد أو حتى التخلي عما هو أصيل وطبيعي في الوجود، فهي موضوعية في علاقتها معه وتتفاعل مع الجانب الذاتي فيه في وحدة نسق ينتج لنا سلوكيات سوية وغير منحرفة ولا سالبة في ما تكسبه أو تتعامل به خارجيا وحتى داخليا مضمرا أو في حالات اللا وعي المستتر.
إذا المدنية الأجتماعية كمفهوم نشأ وأرتبط بتبلور الوعي الإنساني وتماهى معه وأسس عليه معطياته وواقعه الخاص، فليس من المعقول أن نحول هذا الترابط بين الوعي الطبيعي الأصيل والوجود المنظم بقواعد وأسس ومرتبط بأهداف ونتائج، إلى وجهة أخرى فيها خروج وتعدي وأحيانا تعارض كامل مع وعي الإنسان اللازم بضرورة الأجتماع والتعارف، لنرسخ لمفهوم أخر ولنؤسس لفكرة أخرى سواء أكانت ترتبط بعالمنا المعلوم أو ربطه بأحتمالات غيبية أو أفتراضية، هذا إذا فهمنا أن المدنية هي قيمة سلوكية حياتية وطرائق تفكير وتنفيذ لهذه القيم، وليست أفكار أو مبادئ يمكن الأتفاق عليها أو تعديلها أو تطويرها نجو وجهة ما.
عليه يمكن توصيف المدنية الأجتماعية أستنادا لما قدمنا على أنها النموذج الحي والحقيقي للإنسان طالما أنه يعي وجوده كجزء من منظومة كونية منضبطة ومتفاعلة ومتخادمة، هنا نستنتج من هذا الفهم قضيتين مهمتين هما:
• أن كل ما هو غير طبيعي لا يمكن أن يستمر خلاف المنطق الأصيل، وهو طارئ على كال حال بزوال المؤثر سيزول ويعود ما هو تكويني وجودي لأشغال مكانه بما هو مصمم عليه أصلا.
• لا يمكن الجمع بين المدنية الأجتماعية وبين أفكار ونظريات ورؤى تعيد الإنسان إلى مجتمعات القطيع، أو الأعتياد على مظاهر الخضوع للقوة أو نتائجها، لأن المدنية لوحدها تستحوذ على الوجود وكل مزاحمة لها يعني تضييق الواقع عليها لصالح ما هو غير طبيعي وغير تكويني قياسي.
من كل ذلك نصل إلى حقيقة قد لا يتفق البعض معي في نتائجها أو منطقها وهي، أن البدء الحقيقي لكل عملية أصلاح أجتماعي أو تحولات جذرية في بنية أي مجتمع لا بد أن تمر من خلال أصلاح منظومة المدنية الأجتماعية، ومحاولة أعادة توطين مفاهيمها وسلوكياتها وتجذيرها في واقع المجتمع، حتى في القضايا التي تبعد بمسافة ما عن الأصلاح المجتمعي والتحول الأجتماعي لا بد لها أن تراع هذا الجانب المهم وبالأخص الأصلاح الأقتصادي بعمومه والأصلاح الفكري والمعرفي في كل جوانبه وصوره.
أصلاح وبسط وأشاعة مفاهيم المدنية الأجتماعية الطبيعية هي الخطوة الأولى والأساسية لكل عمليات التحول والتغيير والتحديث في واقع المجتمع والإنسان، وهذا الحال يتطلب من أصحاب مشاريع التغيير ومن المصلحين الأجتماعيين ومن النخب الفكرية والمثقفين والمعرفيين عموما، إدراك البعد الحقيقي لهذه العملية وفهمها وتسويقها على أنها من أسس المقدمات الحتمية لعمليات التحول الكبرى والأصلاح الأجتماعي، والأهتمام بالجانب السلوكي المدني وطرح النموذج الواقعي للشخصية المدنية بكل مجالات الفعل العقلي والفكري والفني والأدبي، وأن مسألة أعادة الواقع للمدنية الأجتماعية ليست عملية تطوير له، بل هي عملية تصحيح لمسارات خاطئة تقدم لتصحيح أتجاهات الإنسان الساعي للتحرر من مظاهر العبثية واللا أنضباطية الفوضية أو الأسر الأستبدادي الأيديولوجي أو الفكري بما فيه الأستبداد والأستعباد الديني.
النخبة الفكرية ومن ورائها رؤية أجتماعية مدنية يمكنها أن تصنع واقعا مطلوبا لذاته قادر على أن يعيد التوازن المفقود داخل المجتمعات التي تسعى للتحرر من هيمنة الأفكار الشاذة والمتطرفة، وأن تعيد للإنسان إنسانيته التي سلبتها الأفكار الشمولية وسلخت منه الهوية الطبيعية، إن تمسكت بما هو أصيل في الوجود وعملت على أستحضار الدرس التأريخي من وجود الإنسان على هذا الكوكب، ولا بد لهذه النخبة من أن تدرك أن أي عملية تحول ناجحة يجب أن تتماهى مع قانون الطبيعة الفطرية التكوينية للوجود.
إن قضايا التخلف والجهل والأستبداد والظلم لم تنشأ من فراغ أو نتيجة نظريات أخترعها الإنسان، أو نسج خيطوها بمعزل عن وعيه بقدر ما هي تخلي هذا الكائن عن مدنيته وعن أجتماعيته، التي وجد نفسه محاطا بواقع رضخ للقوة وأنصاع لمفاهيم غيرت مسارات وهدف الوجود تحت مبررات وعناوين غيبية أو غبية، فرضها ميل الذات الفردية الأعتباطية للخوف والقلق الناشيء عن سوء التقدير لها أو سوء إدارة الذات نفسها مما ولد أشكالا من العبودية للواقع المحرف والمزيف، وهنا يصبح التحرر من تلك العوامل والسلوكيات الهدف الأول والأساسي لعمل النخبة ومنهجها الحضاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة