الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وضربوهم وهم يصلون... في بئر العبد

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2017 / 11 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


في فترة أكثر جمالًا من فترتنا هذه، أنتج في مصر فيلم سينمائي بعنوان "وا إسلاماه" كان يتناول قصة حياة الأمير سيف الدين قطز ونجاحه في صد هجوم المغول على مصر بما قضى على أسطورة "الجيش الذهبي" المغولي. من بين أحداث الفيلم يبرز ذلك المشهد الذي بدأ انتهز فيه المغول فرصة أداء الجيش المسلم للصلاة لكي يبدأ الهجوم، فيعلق أحد قادة الصليبيين الذين كانوا يتابعون المعركة طمعًا في مغنم من المغول بالقول: "حيضربوهم وهما بيصلو".
انتشرت هذه المقولة على الألسن وباتت تقال لتدل على الخيانة وانتهاز الفرص بكل خسة ونذالة لتحقيق المكاسب الدنيئة. بعد أكثر من نصف قرن من إنتاج الفيلم، يعاد تداول العبارة على الألسن في توصيف للمشهد نفسه وإن كان بصياغة حديثة. مجموعة من المغول والتتار الجدد يعصفون بأحد المساجد أثناء أداء المسلمين الصلاة. لكن النسخة الحديثة أفدح؛ فإذا كان قائد صليبي مسيحي يتآمر ضد المسلمين شعر بقسوة الفعل الذي ينتوي المغول الوثنيون الإقدام عليه بقتل المسلمين أثناء أدائهم للصلاة في مخالفة لشرف القتال، فالنسخة الحديثة فيها يقتل المسلم المصلين المسلمين في قلب أحد المساجد وبداعي التقرب إلى الله تعالى بهذا الفعل الدنس.
الصورة الحديثة أكثر فداحة وقتامة مما تخيله مخرج الفيلم؛ فالمخرج سعى إلى إبراز مدى حقارة المغول ليقدموا على قتل المصلين دون مراعاة لأية تقاليد وقواعد عسكرية، أما ما جرى في مسجد الروضة في بئر العبد يوم الجمعة فقد فاق في قذارته كل خيال. فهؤلاء المصلون لم يكونوا حتى طرفًا في معركة مع أولئك الإرهابيين.
حقًّا، الصورة الحديثة أكثر قتامة بكثير مما تخيله مخرج الفيلم؛ فهناك أيضًا شرذمة تؤيد هذا الفعل الإرهابي.
لكن الأسئلة التي يثيرها العمل الإرهابي كثيرة؛ فكيف انحدرت النفوس وتردت العقول لمثل هذه المستنقعات الأخلاقية؟! كيف هوت الضمائر إلى مثل هذا الجحيم أسود القرار ليؤيد البعض هذا الإجرام ليعتبروه وسيلة لنيل رضا الله تعالى الرحمن الرحيم؟! وهناك كذلك السؤال الكبير: كيف تسلل هؤلاء إلى بئر العبد؟!

بيئة صديقة؟!
لو كان هؤلاء المسلحون يتحركون في بيئة صديقة، لما تحركوا بهذه الجرأة والصفاقة؛ فبيان النيابة العامة المصرية يقول إن مرتكبي الجريمة عدد يتراوح بين 25 إلى 35 إرهابيًّا كانوا يرفعون علم تنظيم الدولة الإسلامية. كيف تحرك هذا الرتل المسلح بأسلحة خفيفة على الطريق الدولي في تلك القرية التي تعتبر محورية واستراتيجية في موقعها بالنسبة للشريط الساحلي في سيناء؟! لماذا لم يبلغ الأهالي ممن رأوا هذا الرتل المسلح يتحرك؟! هل التنظيمات الإرهابية على هذه الدرجة من التنفذ والسيطرة في سيناء إلى حد يخشى من رأوهم الإبلاغ؟! هل لهم عيون ترصد من يتحرك للإبلاغ عنهم؛ فيتحركون هم ضده للانتقام؟! أية سيطرة هذه؟! أم أن هناك بيئة حاضنة لهم تستفيد من التوازنات القبلية القائمة في سيناء؟! لنخرج من تلك الدائرة القبلية إلى دائرة أكثر ضيقًا وأشد إحكامًا وهي الدائرة الأمنية. لماذا لم ترصدهم عيون الاستخبارات العسكرية؟! لماذا لم ترصدهم الكمائن؟! هل هناك كمائن من الأساس؟! كل هذه الأسئلة تدفع المرء ليكرر التعجب: لو كان هؤلاء المسلحون يتحركون في بيئة صديقة، لما تحركوا بهذه الجرأة والصفاقة.
هو العمل الإرهابي الأسوأ والأكثر دموية في تاريخ مصر حسب معلوماتي؛ فلم يسبق أن أسقط عمل إرهابي مثل هذا العدد على الإطلاق حتى في المواجهات الدموية في التسعينيات من القرن العشرين. بالقياس إلى عدد سكان القرى يمكن القول إن عدد سكان بئر العبد يتراوح ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف نسمة؛ فإذا ما قسمنا هذا العدد بين النساء والرجال لوجدنا أن عدد الرجال يتراوح ما بين 1500 إلى 2500 نسمة. فإذا أخذنا عدد الرجال، وحاولنا أن نخمن عدد من هم في سن التكليف والتمييز لأداء الصلاة لوجدنا أنه نصف العدد تقريبًا؛ أي ما يتراوح ما بين 750 إلى 1250 رجل. فإذا افترضنا أن كل سكان القرية من المسلمين، وهو أمر محتمل، وكذلك إذا نظرنا إلى أن عدد الضحايا في المسجد وفق التقديرات الحكومية هو 305 شخصًا إلى جانب حوالي 130 مصابًا، لوجدنا أن العملية الإرهابية أطاحت بحوالي نصف القدرة الراشدة لقرية بئر العبد تقريبًا.
ماذا ينتظر القبائل بعد ذلك لكي يتعاونوا مع القوات المسلحة، ويتوقفوا عن توفير بيئة حاضنة للإرهابيين؟! وماذا تفعل القوات المسلحة في سيناء، عندما تنفذ عملية بهذا الحجم الهائل من الرجال والتسليح والصفاقة بحيث يستمر إطلاق النار حتى بعد علم السلطات بالحادث؛ حيث تعرضت سيارات الإسعاف لإطلاق نار؟!

من عبد المنعم رياض إلى صفوت حجازي
كيف تردى الحال بالمصريين من مستوى عبد المنعم رياض إلى مستوى صفوت حجازي؟! كيف هوى المصريون إلى ذلك الدرك الأسفل من المنظومة القيمية؟! من التمثل بقائد يكافح لتحرير الأرض، ويلقى وجه ربه تعالى وهو على خطوط القتال إلى التمثل بشخص يبيع الوهم على قارعة الطريق، ويترك الأنصار ليهرب متخفيًّا بعد أن وقعت الواقعة عليه وعلى أنصاره في اعتصام ميدان رابعة العدوية؟!
لا ريب أن هناك لحظة مفصلية بدأ عندها التراجع الحاد في المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع المصري؛ لحظة راح يحل فيها صفوت حجازي وأمثاله محل عبد المنعم رياض بالتدريج إلى أن بات أنصاف البشر هم قادة الرأي في المجتمع المصري، وبات تغييب العقول باستغلال الفتاوى الضيقة والمال السياسي هو التجارة الرائجة في أوساط التيارات السياسية المختلفة وعلى رأسها تيار الإسلام السياسي بما له من ظهير مالي عريض يتمثل في الدولار الأمريكي المستخرج من براميل النفط الخليجي.
لكن ليس التيار الإسلامي وحده الملوم، ولا الأمريكيون بكل تآمرهم على مصر، ولا ممولي الإرهابيين من مشايخ الخليج، ولكن الملوم هو المواطن المصري الذي ترك كل هؤلاء يبعثون ببيته حتى وصل عبثهم الدموي الأسود إلى بيت الله تعالى في جريمة لا سابق لها في مصر من كافة الجوانب.
على المصريين أن يحاربوا الإرهاب، ولكن لكي يحاربوه، عليهم أن ينقوا منظومتهم القيمية من الفساد والمحسوبية والرشاوى والتسلط والديكتاتورية. إن كان المصريون جادين في محاربة الإرهاب، عليهم أن ينقوا عقولهم من أي غبار وأفكار مهلهلة ويرتبوا ما في تلك العقول لكي لا تصبح وسطًا آمنًا للأفكار التي تختبئ في الظلام؛ فتخرج لنا في نهاية المطاف من يقتلون المصلين قربى إلى الله تعالى.
لكي يحارب المصريون الإرهاب، عليهم أولًا أن يعودوا مصريين. كيف؟! لا شك لديَّ في أن كل مصري يعرف في قرارة نفسه كيف يعود مصريًّا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر