الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبار يكذبون أولا

حسين عجيب

2017 / 11 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الكبار يكذبون أولا
المفارقة الإنسانية المشتركة والمتكررة_ والمحزنة...أن الغالبية العظمى من الأفراد (نساء ورجالا) يعيشون حياتهم بمجملها, وفق الحد الأدنى من الطاقة ، والمهارات التي يملكونها بالفعل, وبحالة شبه غيبوبة عن الشعور والوعي...حالة من العزلة والخدر وانشغال البال؟!
وذلك يمكن ملاحظته مع بعض الانتباه , أيضا من خلال السؤال المباشر عن درجة ومستوى الرضا عن العيش المتكامل في الآن _ هنا...مقابل حنين إلى ماضي وهمي سحري ، متخيل .....هو شكل من الحل التخديري _ الادماني لمشكلة الوجود ، ولمشكلة العيش أحيانا .
....
لا أدعي أنني أعرف تفسير ذلك بشكل دقيق وتجريبي , لكن اهتمامي المتكامل ، من خلال مراجعتي _ المتكررة والمستمرة _ لأنماط عديدة من أنواع التفسير(ديني , وفلسفي , وعلمي), لمصادر الشقاء الإنساني مع أسبابه المباشرة والشخصية _ ربما يسمح ذلك بعرض بعض الخلاصات أو النقاط المشتركة, وقد اعتمدت بشكل أساسي في هذا النص على أعمال غاستون باشلار واريك فروم خصوصا, وعلى غيرهم أيضا ممن ذكرت أسماؤهم من قبل.
بتعبير أوضح, يعيش الفرد الإنساني في معظم أحواله وعلاقاته, وعلى اختلاف العصور والثقافات , بمستوى معرفي وأخلاقي أدنى وأقل من مما اكتسبه عبر حياته المتكاملة وأدنى بدرجات من معايير وقيم مجتمعه الخاص....العشائري أو العالمي المعاصر. وهذه الظاهرة , المشتركة, ما تزال نوعا من اللغز الذي يتعذر فهمه....لماذا يعيش الفرد الانساني (امرأة أو رجل) حياته في الشقاء والبؤس بمعظمها ، ويفضل البلادة والكسل على النشاط والابداع ؟!
والكذبة التي سأحاول تحليلها وإضاءتها عبر هذا النص " الحقيقة هناك , وعندما تكبرون وتنضجون , ستفهمون كل شيء وتجدون السعادة الحقيقية في طريقكم".
لماذا يشترك (يتواطأ) الآباء والمربون والحكام ورجال الدين والسياسة والقانون , ....وغيره على مستوى العالم , في صياغة الكذبة وترويجها وصيانتها ونقلها بين الثقافات والأجيال!
.....
أسباب الكذبة, وكل ظاهرة إنسانية أو سلوك , سلاسل متنوعة ومتشابكة ,....مع ذلك_ يمكن تجميعها عبر حزم ثلاث رئيسية 1_ الدوافع , مصدرها داخل الفرد وجسده 2_ الحوافز , مصدرها العالم الخارجي والبيئة 3_ القوى المجهولة المتفرقة , كالمصادفات والتغيرات التي ما زالت مجهولة الأسباب والمصادر. مجموعات القوى الثلاثة منفصلة عن الوعي والإرادة وتعمل بشكل مستقل عن الشعور أيضا. وتتحكم بحياة الانسان ومصيره _ بالمشاركة مع أفعال الإرادة والوعي وبقية القرارات الشخصية المتنوعة.
.....
لماذا يكذب الفرد؟
السبب الأول الخوف. السبب الثاني الطمع . وغالبا يتوقف الاهتمام بعد هذا الحد.
لكن الكبار والزعماء يكذبون مثل بقية الناس بسبب الجهل أكثر من الخوف والطمع .
ذلك ما أعاد كشفه التحليل النفسي , والتقى بالفعل مع طرق التعليم والتنوير الروحي القديمة في الشرق, وبوذية الزن على وجه الخصوص.
ويبقى العنصر الجديد والنوعي الذي اكتشفه التحليل النفسي , ولم يكن معروفا قبل ذلك , سوى بشكل حدسي وغامض عند بعض الشعراء والفلاسفة "الكبت" . تلك الآلية النفسية التي تعمل بشكل منفصل ومستقل عن الوعي والشعور . بدوره سلوك الكذب , أو الصدق , نشاط اجتماعي وثقافي بالدرجة الأساسية , والدور الفردي _ الواعي والشعوري _ ثانوي واستثنائي في معظم حالاته.
.....
أعتقد أن الاضافة الجوهرية للقرن العشرين ، تتمثل في إعادة فهم المعنى والحقيقة بصورة عامة . بدلا من ثنائيات الصدق _ الكذب ، الحقيقة _ الوهم ، الصح _ الخطأ ، الذات _الموضوع ... وبقية صيغ التفكير الثنائي ، الجدلي خصوصا ... والذي سيطر على التفكير الكلاسيكي والحداثي معا لعشرات القرون وما يزال يسيطر على الحياة العاطفية للإنسان وعالمه الداخلي بالعموم .
بدلا من اليقينيات بمختلف مستوياتها وأشكالها ، ظهرت النسبية وطرق التفكير الاحتمالي وإدراك طبيعة الحدود المخادعة _ حتى في ما كان يعتقد سابقا انه من الحقائق الثابتة وخارج دائرة الشك وإعادة الفهم والاختبار كالثبات والفردية ...وغيرها من أخطاء الحدس المشترك . وربما في تعريف باشلار للعلم أنه " تاريخ الأخطاء المصححة " ما يغني عن الكلام الكثير .
انتقل فهم المعنى خصوصا _ من الأحادية وفرضية وجوده المسبق في النص أو الحدث أو في قلب الشاعر (المؤلف) ، إلى المعنى المتدفق عبر الزمن ، مع تغير التصور بشكل جذري أيضا ....إلى مصادر المعنى الأساسية ، والأهم تغير موقع الكاتب _ أو المتكلم أو المشهد _ من مرتبة أولى في إنتاج ... (بدل خلق) المعنى ، ليحل القارئ والمتلقي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية في تشكل المعنى ، ويليه السياق والمناخ الموضوعي _ الخارجي ، وفي المرتبة الثالثة وقبل الكاتب ، النص أو الرسالة كما هي عليه ، وأخيرا دور الكاتب أو المتكلم أو المشهد والحدث كما يظهر في السياق ، وهو دور تكميلي أو تمثيلي وتعبيري .... دور متواضع في صياغة المعنى _ بعبارة أكثر وضوحا .
ويتزامن كل ذلك مع التغير النوعي في فهم الزمن ، طبيعته مع اشكاله المتعاقبة : من الحاضر ، إلى الغد ، إلى الأمس ....البداية المستمرة من الحاضر ، كما أنه ( الحاضر) هو المصير أيضا . ويترافق ذلك أيضا مع الاهتمام الفعلي بالماضي ، غير الشخصي ، بدلا من تركيز الاهتمام على الماضي الوهمي ، السحري _ من خلال تقديسه وتحويله إلى هلوسة ذهنية اجتماعية وثقافية مشتركة .
الكبار يكذبون أولا ، لأسباب عديدة ومتنوعة بعضها موضوعي ، كالخوف والجهل وبعضها ذاتي كالجشع والانحرافات العقلية _ الفردية أو المشتركة . ( وهذا الموضوع أيضا عالجته من خلال نصوص سابقة ).
......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ