الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرهاب والتطرف بين علم الأجتماع وعلم النفس

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التطرف والإرهاب ظاهرتان برزتا في التأريخ المعاصر بشكل واضح دون أن لغي وجودهما التأريخي واقعا، ولكونهما إشكاليات أجتماعية وفكرية أثرت كثيرا في مجريات الحدث السياسي والأقتصادي العالمي, وخاصة ما سببه التطرف من حروب عالمية وحروب إقليمية كان من الممكن تلافيها لو كانت هناك إرادات بإخماد النار التي تشتعل في البناء الأجتماعي للمجتمعات وخاصة في شقيها الديني والقومي, البعض يرى أن التطرف هو مفهوم مرادف للإرهاب أو وجه ثاني له والعكس صحيح, والحقيقة أن التطرف رؤية وقراءة حسية أكثر منها عقلية لا تختص بمجال واحد أو في حدود عالم واحد, وقبل أن تتحول لفكر وممارسة وأسلوب تعبيري يبرر الرفض ويثير المشاكل الأجتماعية ويتبنى منهج في أقصى حدود التطرف ليثبت وجود ما يؤمن به أو يفرضه على الأخر المختلف.
رؤية علم الأجتماع للظاهرتين تستند وتنبع من أصل رؤية التصرف الأجتماعي المفرز والمستحث لها ومن خلال ما تفرضه بنيوية القيم الفوقية والقوانين المسايرة وطرق بناء المجتمع وكيفية صياغة النظم التحكمية, وأيضا ما تتحكم بها علاقة الفرد الأجتماعي في الخارج الأجتماعي وما هي معطيات وصور هذه العلاقة وعلى ما تستند في صياغاتها ورسمها, التطرف في علم الأجتماع هو إفراز لظاهرتين عنف أجتماعي قاسي من أس تربوي لم يمنح الفرد حق التعبير الطبيعي عن الذات وبها, وكذلك هو ردات فعل لمنح القوى المتحكمة حرية أوسع في التحكم بالأخر الغيري، مقابل منعها عن الفرد البسيط الذي يرى في نفسه أسير روابط وعلاقات لا يمكنها تقبلها ولا يستطيع الخلاص منها أو مواجهتها بالطرق الطبيعية, لذا يلجأ إلى رفضها بالمجمل دون تحديد أي من العلاقات غير مناسب أو غير طبيعي ليقف منها موقف محدد.
قد يكون التطرف في الفكر العام أو في مجالات محددة منه, مثلا معروف عن العراقي كفرد أجتماعي تطرفه في العلاقات الحيوية التي تكتنز روحية ذاتية أو له علاقة مباشرة مع الذات كموضوع, فهو متطرف في حزنه ومتطرف في فرحه تماما, وأيضا حينما يفكر البعض في ممارسة حالة ما نجده يتطرف جدا في أستخدامها للحد الذي يخرجها من طبيعتها ومن هدفها الأساسي إلى ما هو خارج المعتاد عند الذوق العام أو الذوق الكلي, البعض ممن يتناول الخمر أو المدمنين على بعض أنواع الممارسات لم يتحول إلى الإدمان القاتل لولا تطرفه في أستخدامها ليخرج بها مما فيها من حالية دفعته لممارستها إلى نوع من الشذوذ, أذن التطرف ليس عنفا ولا إرهاب بل هو تحول في السلوكية الطبيعية نحو الإفراط اللا معقول أو اللا مقبول, وقد يكون مقدمة أيضا لتحولات أخرى .
الإرهاب مفهوم أخر وإن كانت واحد من نتائج التطرف في التعامل مع الواقع ومن خلال تعظيم فهم منحرف وتضخيم نتائجه في الواقع, الإرهاب قبل أن يكون دينيا أو عنصريا هو مشكلة أجتماعية وثقافية بحتة, أهمل المجتمع بوادر نشوءها وأكتفى بدلا من ذلك في ممارسة القمع والصد دون دراسة ومعالجة لجذورها الأساسية, من ينظر للمشكلة على أنها مجرد خلل في وجه واحد من وجوه العلاقة التي ينتمي لها الإرهاب يخطأ كثيرا في المعالجة, وقد تتحول تلك المعالجات إلى دواع تشجيعية له أو تشكل عنده ردات إنفعالية تزيد من حالة التطرف تحت مسمى الأصرار والتمسك بالحق.
مثلا الإرهاب الناشئ في الوسط الديني أو القومي هو في الحقيقة ليس دفاعا عن الدين ولا عن القومية ولا حتى حماية لها, ولكنه بالأصل نتيجة لعدم توازن وأهتزاز في العلاقات الأجتماعية الأساسية داخل المنتمي للعنوان، والتي يستغلها البعض ليقود الرأي إلى حلول جانبية تتخذ من واجهاتها أطار على أنه هو الحل, هنا يلعب التطرف دوره كراعي للإرهاب وحاضن له، لا يمكن أن نتوقع من هذا التشارك المنحرف إلا مزيدا منهما بدون حلول جذرية تتعامل بواقعية أصلاحية وليست من باب الأنتقام.
فليس كل تطرف يؤدي للإرهاب بل بعض أنواع التطرف يقود لحالة معاكسة تماما في ردة الفعل، ويخضع الإنسان فيها لعوامل الخوف والقلق والتقوقع داخلهما، فيتحول إلى إنسان مستلب الإرادة ومسالم سلبي إلى أقصى درجات العبودية للأخر, ولكن من لمؤكد أن كل أنواع الإرهاب هي تطرف مبالغ به وله قواعد محفزة ومغذيات أجتماعية، أساسها في إهمال المعالجات أو السكوت عن الظواهر الشاذة والغير طبيعية في وقتها,لذا فيكون العلاج الحقيقي لظاهرتي التطرف والإرهاب في تصحيح التوازن والأختلالات في العلاقات الأجتماعية عامة والقيم الفوقية والضبطية خاصة .
الخطوة الأهم علميا وعمليا لاحتواء الظاهرة هي فتح المجال أمام الحوار المجتمعي تحت سقف الحرية، وإشاعة مناهج السلام الأجتماعي المتمثل بثقافة التسامح وتأمين وتحصين العقل الجمعي من ظواهر الهوس العقائدي، وضبط الخطاب التصحيحي الإصلاحي الموجه نحو الفئات الأكثر تأثرا وتفاعلا مع أثار ردات الاهتزاز ونتائجها, الأحتواء العلمي الممنهج والذي تقوده نخب فكرية ومناهج علمية ووفق رؤية تحليلية ونقدية أهم وأنجع وأسلم طرق المعالجة، بدل سلوك طريق التصادم معها أو أستخدام الوسائل القمعية والقوة ولغتها أولا .
ما يمكننا من أن نعبر بالمجتمع به من حالة القلق الأجتماعي والهوس الديني والعنصري أو الفئوي المتطرف الذي نسف كل قواعد التعايش والتفاعل الأجتماعي, هي صوابية الرؤيا والتعمق في التحليلات ولو كانت ذات وقع مؤلم, لكنها بالأخر مفيدة جدا في عملية الأحتواء المزدوج لظاهرتي التطرف والعنف, إن الانتقال من حالة فقدان التوازن المجتمعي والخضوع لنتائج الهزات الأجتماعية إلى حالة التفكير السليم والحر بالمستقبل وبناء الشخصية القادرة على هضم والتفاعل مع الزمن على أنه الملجأ والمحطة التي يجب أن نشد الرحال لها,هي أول وأهم الخيارات الوجودية التي يجب أن نخطط لها ونسير في منهجها الإصلاحي وعدم التوقف عند المعالجات البائسة والتقليدية التي تركز على النتائج دون البحث في الأسس والجذور, والانحياز لثقافة التسامح والحرية في إطارها المتفاعل كطريق للتنفيس من الضغوط الأجتماعية المأزومة والمتأزمة بما في الإرث المعرفي والفكري المريض, والتي تركتها فينا سلبيات التأريخية الدينية والتاريخية العنصرية أو أي تأريخيات أخرى مزقت الهوية الوطنية والإنسانية السامية وأطاحت بفكرة السلام الأجتماعي.
السؤال هنا ما دور علم الأجتماع في معالجة الظاهرتين ومقدار النجاح المتوقع في ذلك، الجواب علم الأجتماع يمكن أن يضع الأطر العملية لفهم الظاهرة، كما ويضع من جهة أخرى أطر الحل خاصة إذا تم دراستها من منظور أخر مرتبط بجملة من العلوم والمعارف الإنسانية، كعلم النفس والأخلاق وعلم الإنسان وفهم الظاهرة الدينية من خلال البحث في النصوص الدينية عن مواطن الدعوة المتطرفة وأساسيات تفاعلها مع الواقع أو كيفية تسخيرها وتحريفها عن جذورها الأخلاقية.
هنا يأت دور علم الأجتماع لدراسة الظاهرتين بشكل أعمق وأقدر على البحث والتقدير والقياس والتنبوء في مسارات الظاهرة والتعبير عنها، عندما يبدأ الباحث الأجتماعي بالدراسة ولديه خلفية فكرية تحيط بالقضية موضوع البحث ويمارس دوره العلمي عليها لا بد أنه يكتشف ويكشف عن حقيقة المجتمع أولا الذي تنشأ فيه الظواهر ويتعرف على مصادر التشكيل فيه، كذلك يتابع ومن خلال الأستقصاء التاريخي والتطور في فكر التطرف عن عوامل نفسية قد يكون منشأها ليس مرضيا فقط، بل من المحتمل أن طرائق عمل العلاقات الأجتماعية وقوانين الواقع الأجتماعي هي المنشأ الأصلي لها، وهي بالتأكيد لها اليد الطولى عندما تتحول السلوكيات الفردية عند بعض الأفراد إلى ظاهرة وإلى ما يشبه سلوكا جمعيا تشاركيا.
هنا يستطيع وبكل نجاح أن يؤسس لمشروعه العلمي المتمثل بإصلاح الخلل الأجتماعي وأعادة التوازن العلائقي للمجتمع في جملة من المعالجات والحلول العملية، كنظرية أو حزمة من الأقتراحات التي تقدم رؤية لحل جذري متكامل ومرتبط بنظرية تعديل السلوك النفسية، هذا العمل العلمي بهذه الصورة والكيفية يمهد لما يعزز من فرص السلام الأجتماعي فيما إذا نجحنا في محاصرة حالة اللا توازن والأهتزاز في القيم التي يتخذها المتطرف والإرهابي سببا لسلوكه أو تبريرا له.
إن أي معالجة أجتماعية نفسانية ثقافية واعية وقادرة على تصحيح المسار الأجتماعي داخل الفرد وداخل المجتمع في قضيتي التطرف والأرهاب، تشكل أساسا مناسبا وحقيقيا لنشر السلام وتعزيز الرابط الأجتماعي به، ومن ثم صيانة ما يسمى اليوم بالأمن الفردي الذي هو غير الشعور بالأمان، كون الأمن الفردي قدرة ذاتية تدفع الإنسان لتحصين نفسه بنفسه من دواعي الخوف والقلق والتشكيك بالمستقبل الأمن على عكس قضية الشعور به فهو نتاج تداخلات خارجية في الأغلب لجعل الإنسان في حالة من السلام النفسي بالواقع ومع الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في