الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(5)

ماجد الشمري

2017 / 11 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان فيورباخ يرى ان الصفات الالهية هي صفات الانسان في الحقيقة،تنعكس على كائن خارجي يستمد صورته من صورة الانسان لنفسه ورفعها بتجريد مثالي.فاذا كان الامر كذلك-وهو كذلك على الارجح-فالذات الالهية المخترعة،هي انسانية بالضرورة.ولو كان الله موضوعا لعبادة عصفور،فانه لن يكون الا على صورته-صورة العصفور-بجناحين يرفرفان!.فالعصفور لايدرك وجودا ممكنا اواصدق من الوجود(المجنح)!.وكذلك الامر بالنسبة للانسان الذي خلق الله على صورته البشرية.والصفة الالهية هي حقيقة الذات الانسانية،والذات صفة مشخصة.فالانسان المسيحي-والامر يسري على الدين بشكل عام-يجعل من الحب صفه لله لانه يحب.ويعتقد بوجود الله لانه موجود،ويتصور الله حكيما وخيرا لانه يؤمن بأن الحكمة والخير هما اسمى مافيه.ويقين الانسان بوجود الله نابع من يقينه بوجوده،بوجود ذاته.وليس يقينه بصفات الله الجدلية في"جوهر المسيحية"هي بين الجوهر الحقيقي للانسان-اي انثروبولوجيا الدين-وبين الجوهر الزائف المتوهم-اي ثيولوجيا الدين-.والاغتراب الديني يتمثل في ثيولوجيا الدين،متجسدا في وثن سايكولوجي مشخص ومتعالي خارج وفوق الانسان فيغربه عن ذاته-كما سنجده مسقبلا بعد عقود لدى فرويد وخاصة في كتابه"مستقبل وهم"-.ففيورباخ لم يعتبر الاغتراب اللاهوتي نوعامن الفصام الصوفي كما في الاساطير والمعتقدات الدينية،وايضا ليس انطولوجيا كما في الفسفة التأملية لهيجل،بل عده شكلا من المرض النفسي،هلوسة واضطراب،ووهم وخداع ذاتي متخيل.وهنا من الممكن القول ان فيورباخ هو السلف او الممهد لعلم النفس-الديني.ففيورباخ قارب التحليل النفسي قبل فرويد بعقود،وانتهى لسحب الدين بعيدا عن الاغتراب الى الموقف الانساني الصحيح،وانزل ملكوت السماء الى ملكوت-ناسوت الارض،والاقتراب او العودة الى انسانية الانسان في طبيعته الاصلية الاولى ككائن طبيعي..قي حين ان انثروبولوجيا الدين هي الموقف الصحيح والمطابق للانسان النوعي-حسب فيورباخ-حيث يعود لذاته الانسانية ما استلب منها باللاهوت التجريدي.فالاغتراب الديني هو الوعي الوهمي الزائف،والتحرر من الاغتراب يتم بألغاء الدين،والعودة للوجود الجوهري،عودة الانسان الحقيقي المتعين ونوعه لطبيعته الاصلية الحقة،والتي استلبها الدين بتغريب الانسان عن ذاته.-ولاننا لانريد التوسع والتشعب في عرض كامل فلسفة فيورباخ في الاغتراب الديني ،آس كل الاغترابات،نكتفي بالقول المختصر:ان الدين بالنسبة لفيورباخ هو في جوهره وحقيقته ليس الا انثروبولوجيا،اي وصف للانسان الطبيعي قبل وقوعه فريسة للثيولوجيا والاغتراب اللاهوتي المترتب عليه،بأستلابه لذاته خارج ذاته.ففيورباخ -كمانرى-يحدد موقفه من الدين بنقده الايجابي وليس السلبي،فهو ليس هادما للتصور الديني،بل بناء له،ولكن على اسس مادية انثروبولوجية صحيحة وموضوعية بعيدا عن الاسطرة والتخريف والطوبى المثالية.بناء للدين كدين تربوي انساني-اخلاقي طبيعي..فالدين هو الشعور الاول للانسان بذاته،لانه شعور الانسان بذاته،حبه لذاته.لذلك كانت العلاقات هي اخلاقية قبل كل شيء.فعلاقات الاخلاق بالانسان هي نفسها علاقات الدين به.فكل مايخلقه الانسان من قيم-اخلاقية او دينينة- تتمركز حوله،حاجاته،رغباته،مصيره.لذا لايوجد دين خارج الاخلاق الوضعية السابقة عليه.فالدين يؤسس على الاخلاق لاالعكس،الاخلاق على الدين.
واخيرا..يؤكد فيورباخ ان من اجل تدمير الاغتراب الديني يجب تحويل الثيولوجيا الى انثروبولوجيا،وتحويل اللوغوس الالهي الى الماهية الانسانية،الجوهر النوعي للانسان-الذي لاوجود لغيره-ليتحرر الانسان من اغترابه الديني الذي هو اصل كل اغتراب.ولكن..وهنا نطرح سؤالا:هل يكفي تحرر الانسان من اغترابه الديني حتى يتحرر من كل اغتراباته الاجتماعية والنفسية والوجودية والثقافية،الخ؟!.لانعتقد ذلك!.فألغاء الدين وزواله-على فرض زواله،نشك بذلك ايضا!.لانه مستبعد،فالدين سيبقى قرين للانسان وواحدا من عوامل اغترابه العصية على الفك-لايحرر الانسان كفرد او جماعات.فالاغتراب الديني ليس هو الاغتراب الوحيد الذي يمسك يتلابيب انسانية الانسان،وماهية وعيه.فاغترابات اخرى تقبض على وعي ووجدان وذاتية الفرد وسايكولوجيته غير الاغتراب اللاهوتي.فمن اجل ملء حفرةالاغتراب الديني يجب هدم جدار الدين،ولكن من يملأ فجوة اغترابات اخرى عديدة ومختلفة عن الاغتراب الديني؟!.فالمؤمن بالدين والمتماهي مع اعتقاده هو في أسر اغترابه الديني،واللامؤمن او المنسلخ من الاعتقاد والملحد واللاديني هم ايضا مكبلين بأغترابات نوعية اخرى ارضية لاسماوية،مادية لاخيالية!.اغتراب العمل كما لدى ماركس مثلا،واغتراب الفرد عن الحضارة كما لدى فرويد،وغيرها من اغترابات تعتقل الفرد الانساني بزنازين اجتماعية،وسياسية،وافتصادية،ونفسية،وانطولوجية،وثقافية، وتكنولوجية،الخ..في كتابه"اصل الدين"يقول فيورباخ:"تحويل الدين الى لاهوت جامد يعني تحول بصر الانسان عن الارض الى السماء حيث عالم (الماوراء)بحيث يصبح عاملا من عوامل اغتراب الانسان وشقائه".فماذا نقول عن من ينظر الى الارض فقط،واهمل السماء كليا،ولازال يجد نفسه رازحا تحت ثقل اغتراب لاديني ينخر كينونته ويقلق وعيه،ويسلب ذاته؟!.اذا ليس كافيا زوال الاغتراب الديني،فلن يعود الانسان الى جوهره الانساني البدئي الطبيعي بتحرره من الدين فقط.فلازال امامه وفي داخله ركام هائل من الاغترابات المركبة،القديمة والجديدة والتي تتضاعف بتطور الحياة البشرية المادية والبيئة والانظمة السلطوية والتقنيات التكنولوجية الدقيقة وغيرها من علل تعمق الهوة بين الانسان ونفسه والاخر والطبيعة والاشياء المحيطة به ويزداد اغترابا عنها الى درجة العدائية وابتلاعه!.فتغلق عليه منافذ حريته وكرامته وتحقيق ذاته بلا قيود او تخكم كفرد او مجتمع.لنغادر محطة فيورباخ واغترابه الديني بعد ان سلطنا ضوءا على جانب منه،منتقلين الى محطة ماركس في اغترابه الاجتماعي،والعمل المغترب....
....................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جوهر الانسان
محمد عبدالجبار ( 2017 / 11 / 29 - 10:42 )
كنت قد قرأت كتاب جوهر المسيحية ل-لودفيغ فيورباخ ولم ستوعب جميع فقراته ،وكنت اتمنى ان يتم توضيح موضوع الاغتراب لدى فيورباخ من احد كتاب الحوار المتمدن ، لكن هذه المواضيع النوعية ومع الاسف لا يتم التطرق اليها الا نادراً فشكراً للاستاذ ماجد الشمري على هذا المقال الرصين الذي وضح وبسط فيه الاغتراب لدى فيورباخ و نظرته للدين و الانسان و العلاقةبينهما. في اطروحته السادسة حول فيورباخ يقول ماركس - يحل فيورباخ الجوهر الديني في الجوهر البشري، لكن جوهر الانسان ليس تجريداً متأصلاً في كل فرد مفرد- . بناء على العبارة الاخيرة يمكن ان نقول كما ذكر الاستاذ ماجد انه لا يمكن ان يتخلص الانسان من الاغتراب و ان يتحرر منه فهو مرتبط بعلاقات تكاملية - اجتماعية ، نفسية ، اقتصادية ، سياسية ، معقدة و مركبة نعم ، كما ان الاشارة الى العامل المهم - التكنلوجي - من قبل الاستاذ ماجد غاية في الاهمية لان هذا العامل ساهم و يساهم بشكل كبير في اغتراب الانسان عن ذاته و عن محيطه . جوهر الانسان كما يصفه فيورباخ هو العقل و الارادة و القلب .

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة