الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوائر مغلقة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الثقافة والفكر الديني كثيرا ما تتواجد ما يسمى بالدوائر المغلقة والتي تعني أن الفكرة الدينية المغلفة بحد الحرام مثلا لا يمكن المساس بها أو تحليل علية التحريم، فهي محكونة بمنطق النص وكفى، مثلا هناك فكرة تقول أن الزنا حرام لأنك تستعمل طريق غير مسموح لك به وأن هذا العمل مما يغضب الله، عليه فعلية التحريم متعلقة بغضب الله من نتيجة فعل يمكن بطريقة أخرى يمكن أن يكون محللا وحتى يكون مطلوبا للحفاظ على البشرية.
الفرق بين الزنا والزواج الطبيعي هو العقد الشرعي الذي يسمح للمرأة والرجل أن يمارسا ذات الفعل ولن تحت أطار الأباحة، أذن السر هنا يكمن في موضوعية الكتاب ووجوده، الحقيقة الكتاب ليس مطلوبا لذاته ولكن مطلوب للوظيفة التي يؤديها فمن خلال الكتاب وبه ندرك المعاني التالية:
1. الكتاب يعني أن الطرفين قد أنصرفت إرادتهما على النحو الذي يرتب حقوق وألتزامات متبادلة بينهما دون لبس أو إبهام.
2. الكتاب أيضا يرتب حقوقا لأطراف أخرى ويرتب أيضا ألتزامات تنصرف لأطراف أخرى لا علاقة مباشرة لهم لا في زمن الكتاب ولا في مكانه، مثل الأولاد والأباء والأمهات وأيضا لتحديد علاقات من هم خارجه مع المكتتبين.
3. الكتاب يكشف ليس الحلية بينهما فقط بل ينشئ سببها ولكن أيضا سيرسم حدود محرمة عليهما وعلى الغير، وينشيء علاقة مؤطرة بالأحترام البشري من الناحيتين الشرعية والأخلاقية في المجتمع، وأبتعاد الإنسان عن دائرة الحيوانية الطبيعية ويؤسس لمشروع مجتمع منظم عاقل ومدرك لأهمية العلاقة المؤطرة والمعلنة والمفتوحة على أحتمالات عدة.
4. الكتاب أو العقد الشرعي سيتحول إلى حماية وأمن لكلا الطرفين من التعدي المتقابل منهما أو من الغير، وبالتالي سيساهم بصنع صيغة الأستقرار الأجتماعي والأسري الذي يضمن سلاما شخصيا للفرد والمجتمع.
إذن الكتاب ليس مطلوبا لذاته كما قلنا ولكنه يحمل وظيفة أجتماعية تعزز من فكرة الأنتظام ولضبط وتحدد طريقة تعامل سليمة، الفكر الديني لا يناقش المسألة من هذا الجانب بقدر ما يغلقها بالتحريم الوارد في الحكم الشرعي وكفى، ومن هنا فالكثير من الأحكام ونتائجها لا تعرف ولا تقدم للإنسان المتدين مفتوحة وقابلة للإدراك العلي، فتحريم العلة هنا في قضية الزنا هو منع الإنسان من العودة للحيوانية والبهيمية لسبب بسيط جدا أن الحيوان لا يفهم ولا يعقل قيمة الزواج وإن كانت بعض العلاقات في بعض المجموعات الحيوانية لها بعض من هذه الجوانب.
إذا موضوع التحريم لا يتعلق بأمر أن الله يغضب أو يرضى مجردا من علية مرسومة وبدقة لأسبابها ومبرراتها، من هنا فغلق الأفكار بدوائر محكمة لا يراد منها في الحقيقية حماية الأمر الرباني بقدر ما يحجم العقل والإدراك والفهم من أن يتناولها بالتحليل والدراسة ليستنبط منها أصول التفكير الحكمي من الله لها ولغيرها من القضايا التي تتشارك جميعا بفكرة، أن الله لا يحرم ولا يحلل أي موضوع من دون علة بعيدة تتعلق بتكريم الإنسان والأصرار على التعامل معه وفقا لنظرية التعقل فقط.
هذا المثال البسيط عن الدوائ المغلقة يضع الكثير من النقاط التي يجب أن نضعها على مائدة النقد الفكري، وبالأخص فيما يسمى بعلل الأحكام، وهو فرع مهم من فروع الدراسات الإسلامية المتخصصة، والتي كتب فيها الكثير وبحث فيها على مدار القرون الماضية، لكن المشكلة أن كل ما قيل وما تم بحثه لا يتعدى تدوير هذه المسائل وغلقها بإحكام بوجه الإنسان المتدين البسيط الذي هو صاحب الحق في أن يفهم على الحكم الديني من خلال تجربته الدينية أو من خلال تجارب الأخرين المفتوحة على كل أحتمال.
لقد مارست المؤسسة الدينية الفكرية سلاح الغلق هذا وتدوير القضايا الفكرية على نفسها لتجعل بين الإنسان وبين الدين عالم مفتوح على كل شيء لكنه مباح لها فقط، لا يمكن قطعه أو عبوره إلا بواسطة ما يعرف بالأجتهاد الفقهي ووسائله ومسائله والفتيا المرتبطة بالأيديولوجية الخاصة بهم، وبالتالي لا بد من ربط وضبط العقل الديني بمحددات ترهيبية أو تعجيزية للحفاظ على دور هذه المؤسسة المفتعلة، ومما القدرة على التحكم والأستبداد وفقا لشروطها ووفقا للأهداف المعلنة والخفية من وجودها في المجتمع.
إن كانت الفلسفة لعبت دورا محوريا في فهم الوجود والذات وشرحت ما يمكن تقديمه عن هذه العلاقة وما يجب أن تكون عليه، فإن دائرة الفكر الإسلامي بغالبيتها المؤثرة وقفت موقف الضد والعداء والإقصاء لدورها، لأن ذلك يفتح الباب للعقل المنفتح من أن يمارس دوره الوظيفي في كل ما يتعلق بفهم الدين على ما هو عليه أصلا، لذا فكل دعوة لأستبعاد الفلسفة والمنطق وأصول التفكير المتحرر من سطوة الرأي الأخر المستبد تعني في الفكر الكهنوتي محاولة لتشويه الدين ومحاربة العقيدة كما يزعمون.
إن أفتقار الفكر الديني الإسلامي لمنهج الحرية في إدراك وفهم العلاقة بين النص كوعاء للقصد الديني ومحاولة الوصول إلى علية الأحكام من خارج دائرة الفقه، يعني مزيدا من الإنغلاق والتقوقع داخل دوائر لا يحق حتى لأصحاب التخصص الدقيق أن يمارسوا دور الكاشف والمبين لحقيقة ما في الدين كفكر، وهذه واحدة من المأخذ على عدم جدية هذا الفكر من التحرك والأنطلاق في فضاء العقل للوصول إلى العمق الروحي والقصدي من أحكام وقضايا الإيمان بالدين.
الفكر البشري أي فكر كان حينما يتحول إلى مجموعة دوائر مغلقة وحدود غير قادرة على أن تتوسع وتنفتح على ما فيها من جوهر عقلي، سيحول هذا الفكر إلى مستنقع تنمو فيه الطفيليات والطحالب ويتغير تبعا لفقدان أهم مقوماته الحركية، ليظل راكدا في القاع ويقاوم كل أشال التجديد والتحديث فيه، هذا بالتحديد ما تؤمن به وتريده المؤسسة الدينية في عموم تفرعات الفكر الديني وتسعى جاهدة فعليا لترسيخه، والزعم أن أي تجديد أو تطوير في أداء العقل المفكر سيكون إيذانا بزوال الهيمنة الأستبدادية والأستعبادية لها مستعينة بالقوة السلطوية مرة وبالأستخفاف من العقل في مرات كثيرة وتحت عنوان قداسة الفكرة وأصالة التفكير فيها منسوبا للعقل الكهنوتي فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س