الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....الجزء الأول

محمد الحنفي

2017 / 11 / 29
الصحافة والاعلام


الإهداء:

ـ إلى كل مواطن أمسك عن ممارسة الفساد في إطار الإدارة الجماعية.

ـ إلى كل موظف جماعي امتنع عن إفساد العلاقة مع الموطن العادي في الإدارة الجماعية؟

ـ إلى كل عضو جماعي أخلص لمبادئه، ولضميره فامتنع عن أن يصير وسيلة لتكريس الفساد الإداري.

محمد الحنفي

مقدمة:

يعتبر الإعلام، والتواصل في إطار الجماعات المحلية، وسيلة أساسية، لجعل المواطن المغربي يرتبط ارتباطا عضويا بجماعته، ويساهم في تنميتها، وتطوير أدائها الجماعي، وصولا إلى جعلها تلعب دورا أساسيا في المجالات التنموية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل تحقيق مرحلة الرفاه لجميع أفراد المجتمع، المنتمين إلى الجماعة.

فما هو المقصود بالإعلام؟

وما المراد بالإعلام الجماعي؟

وما المقصود بالتواصل؟

وما المراد بالتواصل الجماعي؟

وهل يوجد إعلام جماعي؟

وهل يوجد تواصل جماعي؟

وإذا وجد هناك إعلام، وتواصل جماعيان:

فما هو واقع هذا الإعلام؟

وما هو واقع هذا التواصل؟

وما هي انعكاسات الإعلام، والتواصل، في حالة وجودهما على سكان الجماعة؟

وهل هذه الانعكاسات سلبية، أو إيجابية؟

وفي حالة انعدامهما:

كيف تصير العلاقة بين المواطن، وبين المسؤولين عن جماعته؟

وما هي آفاق وجود إعلام جماعي هادف؟

وما هي آفاق قيام تواصل محسوب؟


مفهوم الإعلام:

إن المقصود بالإعلام بصفة عامة، هو كل ما يؤدي إلى إشاعة الخبر بين الناس، حتى يتمكنوا من العلم به، وتتبع نتائج إشاعته بين الناس، والحكم على تلك النتائج، والعمل على استثمارها لصالح المجتمع، سعيا إلى ترسيخ وعي إعلامي معين.

ونظرا لأن الناس لا يهتمون بما يجري على المستوى الإعلامي، فإن اهتمامهم بالخبر، وبنتائجه غير وارد.

ولذلك، فإن القيام بعملية تحسيسية بأهمية التتبع الإعلامي، تبقى مهمة إعلامية بامتياز، لجعل الناس يهتمون بما يجري على المستوى الإعلامي: الدولي، والقومي، والوطني، والمحلي، حتى يتمكنوا من امتلاك رؤيا واضحة حول ما يجري، وحتى تصير تلك الرؤيا أساسا لبناء موقف معين، يمكن اعتماده للمساهمة في الشأن العام: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

والتتبع الإعلامي هو الذي يدفع في اتجاه امتلاك أشكال الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، التي تعد حاملها إلى الوعي الطبقي، الدافع في اتجاه تحديد الانتماء السياسي لهذه الجهة، أو تلك، أو حتى ممارسة الانتهازية في ذلك الانتماء، مما يجعله ينتقل، وبالسهولة الكاملة، من حزب، إلى آخر، سعيا إلى تحقيق تطلعاته الانتهازية، التي تتميز بها البورجوازية الصغرى بالخصوص.

ولذلك، نجد أن الإعلام كمفهوم، وكممارسة، يبقى ضروريا للحياة العامة، وللحياة الخاصة في نفس الوقت، نظرا لدوره الأساسي في تحقيق الوحدة المجتمعية، وفي تمكين الناس من المعلومة الأساسية، والضرورية على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص.

مفهوم الإعلام الجماعي:

وبالنسبة للإعلام الجماعي، الذي يهم جماعة معينة، في مكان معين، وفي زمن معين، فإنه يعتبر بمثابة الموجه، والموحد لأعضاء الجماعة على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وهو، بذلك، يجعل عضو جماعة معينة، يعيش في قلب الحدث الجماعي، سواء تعلق الأمر بما يجري في الحياة العادية، أو تعلق بما يقوم به مجلس الجماعة.

والإعلام الجماعي، هو الذي يعد أفراد الجماعة لامتلاك وعي جماعي معين، يدفع بهم في اتجاه اختيار من يمثلهم في المجلس الجماعي في المحطات الانتخابية، التي تجري في مراحل محددة. وهذا الوعي الجماعي، إما أن يكون قائما على أسس علمية دقيقة، وإما أن يكون انتهازيا.

فالوعي الجماعي القائم على أسس علمية دقيقة، يعد أفراد الجماعة إلى دراسة الخريطة السياسية القائمة، انطلاقا من معرفة الطبقات القائمة في الجماعة، وما تتميز به كل طبقة على حدة.

وما هي الطبقة التي تسعى إلى تحقيق تنمية حقيقية؟

وما هي الطبقة التي لا ترعى إلا مصالحها الطبقية؟

وما هي الطبقة المريضة بالانتهازية؟

وتبعا لذلك، فالوعي الجماعي يمكن الأفراد الجماعيين من معرفة ألأحزاب المختلفة القائمة في الواقع.

وهل هي أحزاب إقطاعية؟

أو بورجوازية؟

أو بورجوازية صغرى؟

أو يسارية؟

أو متياسرة؟

وما هي برامج كل حزب على حدة؟

وما هي الأسس التي قام عليها كل برنامج؟

ومن هو المستهدف بكل برنامج على حدة؟

هل المستهدف هو المصلحة العامة؟

هل المستهدف هو نهب الثروات الجماعية؟

هل المستهدف هو تحقيق التطلعات الطبقية؟

هل المستهدف هو تسخير الموارد الجماعية لخدمة جهات معينة؟

هل المستهدف هو إيجاد البنيات التحتية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؟

والغاية من انتشار وعي كهذا، في واقع جماعي معين، هي تمكين الأفراد من التمتع بالاختيار الحر، والنزيه للأعضاء الجماعيين، الذين يتحملون مسؤولية تسيير الشأن العام على مستوى الجماعة، التي ينتمي إليها أولئك الأفراد، انطلاقا من البرامج الجماعية التي يتقدمون بها إلى المواطنين على مستوى جماعتهم، حتى يستطيعوا محاسبتهم جماعيا، وجماهيريا، إذاهم لم يلتزموا بما وعدوا به كأفراد، أو كأحزاب.

أما عندما يكون الوعي انتهازيا، فإن أفراد الجماعة لا يعرفون إلا الجهة التي يمكن أن تساهم في تحقيق انتهازيتهم، التي تتخذ لها أبعادا اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية. وهذه الجهة المنتهز فيها، لا يمكن أن تكون إلا الأحزاب التي عرف عنها أنها تساهم في إفساد الحياة السياسية، والتي تتجسد، بالخصوص، في الأشخاص الذين يملكون ثروات هائلة، تمكنهم من شراء ضمائر الناخبين، وعلى مستوى واسع، كما تمكنهم من كراء / شراء من يساهم في الحملة الانتخابية المضللة للجماهير، من أجل الوصول إلى المؤسسات المنتخبة، حتى يتمكنوا من نهب موارد الجماعة، وتنمية ثرواتهم بدون حدود، على حساب المصلحة العامة للجماعة، وعلى حساب المضللين من الناخبين، الذين يبيعون ضمائرهم، ويقبرون بذلك طموحات سكان الجماعة.

فالانتهازيون من أفراد الجماعة، هم الذين يقفون وراء الكثير من المآسي، التي تعرفها الجماعات المحلية، التي تعرف التنمية فيها تعثرا ملحوظا، بسبب الممارسات التي يقوم بها الانتهازيون في مختلف المحطات الانتخابية.

ولذلك، كان الحرص على إيجاد إعلام جماعي جاد، ومسؤول، لتوجيه الرأي العام الجماعي، لامتلاك وعي متقدم، ومتطور، يحصن أفراد الجماعة من الاتصاف بالممارسة الانتهازية، مهما كان مصدرها، ويجعلهم يتحلون بالممارسة الديمقراطية، حتى يكونوا في مستوى القدرة على الاختيار الحر، والنزيه، وتجنب السقوط في مهوى التخلف الانتهازي، الذي لا ينتج إلا الأفراد الذين لا ضمير لهم، والذين يعتبرون بمثابة فيروسات تنخر كيان المجتمع في إطار الجماعات المحلية.

فالإعلام الجماعي الجاد، والمسؤول، يعد الأفراد الجماعيين إلى امتلاك وعي متطور، يدفع بهم في اتجاه التصدي إلى:

1) التحلي بالممارسة الانتهازية الخبيثة، نظرا لانعكاساتها السلبية.

2) مواجهة كافة أشكال الفساد الإداري في الإدارة الجماعة.

3) التصدي لاستغلال النفوذ الجماعي، سواء من الأعضاء الجماعيين، أومن قبل الموظفين الجماعيين.

4) إخضاع ممارسات الأعضاء الجماعيين إلى النقاش الوسع، من أجل تقييم أدائهم، عن طريق إبراز الإيجابيات، والسلبيات.

5) فضح كل الممارسات المنحرفة، والتي لا تتوخى إلا نهب الموارد الجماعية، عن طريق خلق المشاريع الوهمية.

6) العمل على أن تكون المشاريع الجماعية واضحة، أمام الرأي العام المحلي، والوطني، من أجل أن تكون تلك المشاريع في خدمة التنمية الجماعية.

7) الحرص على أن تكون المساطر المتبعة في التوظيف الجماعي محترمة لشعور المتبارين من سكان الجماعة.

8) إخضاع القانون المنظم للعمل الجماعي، ومن خلال الإطارات الجماهيرية، التي ينتمي إليها أفراد الجماعة، إلى النقاش الواسع، والعمل على التشهير بالبنود التي تمكن الأعضاء الجماعيين من نهب الموارد الجماعية.

9) العمل على إيجاد جمعيات لتتبع العمل الجماعي في مستوياته التنموية، والاجتماعية، والثقافية، وتقييم مستوى كل عمل على حدة، واستنتاج ما يجب، والقيام بما يجب تجاه ذلك العمل الجماعي، انطلاقا من طبيعته.

10) عقد لقاءات جماهيرية واسعة، لمناقشة الأداء الجماعي، بإجابياته، وسلبياته، حتى يتمكن جميع السكان من معرفة ما يجري في جماعتهم، سواء كان إيجابيا، أو سلبيا.
11) القيام بفضح الراشين، والمرتشين في العلاقة بين سكان الجماعة، وبين الإدارة الجماعية، حتى يعلم جميع السكان بعمليات الإرشاء، والارتشاء، التي تجري في جماعتهم.

12) العمل على تنظيم حملات للاحتجاج ضد الممارسات التحريفية، والانتهازية القائمة في العلاقة بين الإدارة الجماعية، وبين المتعاملين معها.

13) اللجوء إلى القضاء، من أجل مقاضاة القائمين بالفساد الجماعي، سعيا إلى جعل القضاء شريكا في محاربة الفساد الجماعي، سعيا إلى تطهير الجماعات المحلية منه، وأملا في جعل القضاء يتحمل مسؤوليته في حماية العملية الديمقراطية، إن كانت هناك ديمقراطية أصلا.

14) اللجوء إلى الجهات الوصية على الجماعات المحلية، في مستوياتها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، من أجل تحميلها مسؤولية ما يجري في دهاليز الجماعات المحلية، مما لا يؤدي ثمنه إلا المواطنون البسطاء من سكان الجماعات المحلية.

وهذا التمييز بين مفهوم الإعلام على المستوى العام، ومفهوم الإعلام على المستوى الجماعي، لا يلغي وجود العلاقة القائمة بين الخاص، والعام، أو بين العام والخاص.

فمفهوم الإعلام على المستوى العام، إذا كان بمضمون متقدم، ومتطور، أو العكس، لا بد أن يؤثر على مفهوم الإعلام على المستوى الخاص.

ومفهوم الإعلام على المستوى الخاص، إذا كان بمضمون متقدم، ومتطور، أو العكس، لا بد أن يؤثر على مفهوم الإعلام على المستوى العام.

ولذلك، فالعلاقة القائمة بين المفهومين، هي علاقة جدلية.

وبناء على هذه العلاقة، فالإعلام الجماعي بمضامينه المختلفة، لا بد أن يؤثر إيجابا، أو سلبا، على الإعلام العام. والإعلام العام بمضامينه المختلفة، لا بد أن يؤثر إيجابا، أو سلبا، على الإعلام الجماعي.

فهل يحرص المسؤولون على وجود إعلام جماعي متميز؟

وهل يسعون إلى أن يصير ذلك الإعلام وسيلة لنسج علاقات الاحترام بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة؟

وهل يصير الإعلام الجماعي، إن وجد، وسيلة لفضح مختلف الأمراض المفشية في دهاليز الإدارة الجماعية؟

مفهوم التواصل:

أما المقصود بالتواصل، فهو عملية تبادل المعلومة حول موضوع معين، أو حول مجموعة من المواضيع المطروحة بين جهتين، أو مجموعة من الجهات، بغاية الوصول إلى خلاصة مشتركة، تصير موضوعا للعمل المشترك.

والتواصل، بهذا المعنى، يجري بين جهة عليا، وجهة دنيا، تقوم بينهما علاقة معينة، تفرض قيام تواصل معين، من أجل المحافظة على سلامة العلاقة بين الجهتين المختلفتين، سواء كانت هذه العلاقة سلطوية، أو تنظيمية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو مدنية، أو سياسية.

والتواصل القائم بين الجهتين المختلفتين، أو الجهات المختلفة، يقوم بمجموعة من الوظائف المتمثلة في:

1) المحافظة على سلامة العلاقة بين الجهات المتواصلة، حتى لا تتعرض إلى ما يجعلها تعرف تفككا معينا، يجعل التوصل غير قائم في الواقع، فيتأثر بنيان السلط،ة أو التنظيم، أو البنيان المجتمعي ككل.

2) المساهمة في تطور، وتطوير العلاقة بين الجهات المتواصلة، حتى يصير أداؤها، كذلك، متطورا نحو الأفضل، لينعكس ذلك الأداء على المجتمع ككل.

3) جعل المعلومة العامة، والخاصة، في متناول الجميع، ورهن إشارتهم، مما يساهم في اندماجهم في الواقع العيني العام، أو الخاص، مما يزيد في قدرتهم على العطاء أكثر.

4) تسهيل مأمورية تداول المعرفة في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يجعلها غير محتكرة لصالح هذه الجهة، أو تلك، ومن أجل أن لا يتحول الاحتكار غلى الإثراء اللا مشروع.

5) تدليل الصعوبات التي تقف في وجه تطور، وتطوير المعرفة في مستوياتها المختلفة، من أجل جعل توليد المعرفة، باستمرار، من بنيات الواقع القائم.

6) تطوير أدوات التواصل المختلفة، سعيا إلى الزيادة في سرعة التوصل على المستوى المكتوب، والسمعي، والسمعي / البصري: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، وقوميا، ودوليا. وهذا التطور في أدوات التواصل، يقابله التطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة.

7) المساهمة في رفع معاناة إنجاز مجموعة من المهام، التي لها علاقة بتطور، وتطوير أدوات التواصل، التي يمكن أن تنجز، عن بعد، كما يحصل في العديد من المجالات: كالتعليم، والصحة، وغيرهما.

8) المساهمة في تطور، وتطوير العلاقات الاجتماعية العامة، والخاصة، في اتجاه العمل على استثمار الوقت استثمارا إيجابيا، في الاتجاه الصحيح، مما يمكن من إحداث ثورة معرفية منتجة للثورة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بسبب التحول العميق الذي تعرفه المجتمعات البشرية.

وهذه الوظائف مجتمعة، تصير وسيلة لإذابة الفوارق المعرفية، والإنسانية بين البشر، إلى درجة صيرورة المعلومة في متناول الجميع، ودون حدود تذكر.

مفهوم التواصل الجماعي:

أما التواصل الجماعي، فإنه عبارة عن قيام منظومة من العلاقات بين إدارة الجماعة المحلية، وبين سكان الجماعة، تتحول مع مرور الأيام إلى منظومة من القنوات التي تمر منها المعلومة، من وإلى الإدارة الجماعية، حتى تصير الإدارة الجماعية على علم بما يجري في دائرة تراب الجماعة، ويصير السكان على علم بما يجري في إدارة الجماعة.

وهذه القنوات التي تسهل عملية مرور المعلومة بين إدارة الجماعة، وبين سكان الجماعة، تلعب دورا أساسيا في تحقيق الوحدة العضوية للجماعة، التي تقف وراء إنجاح عملية التنمية الجماعية، في مستوياتها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وتواصل جماعي من هذا النوع، لا يمكن أن يتم إلا في إطار جماعة منتخبة انتخابا حرا، ونزيها، في مجتمع تسود فيه الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ لأن جماعة من هذا النوع هي التي تحرص على أن يكون هناك تواصل بين إدارة الجماعة، وبين السكان.

أما إذا كانت الجماعة لا تعرف انتخابات حرة، ونزيهة، فإن قيام تواصل بينها، وبين سكان الجماعة، يعتبر من باب المستحيلات، لأن من يصل إلى الإدارة الجماعية، بطريقة غير ديمقراطية، لا يمكن أن يسعى إلى قيام تواصل ديمقراطي شفاف بين إدارة الجماعة، وبين سكان الجماعة. وإذا كان هناك تواصل معين، فإنه يكون مشروطا بإرادة الإدارة الجماعية. وما دام الأمر كذلك، فإن التواصل الديمقراطي سيصير منعدما؛ لأن التواصل المشروط لا يمكن أن يكون شفافا، ولا يمكن أن يجعل المواطن، من سكان الجماعة، يكون على بينة مما يجري في الإدارة الجماعية. وما تعرفه الإدارة الجماعية عن تراب الجماعة، يبقى عن طريق أجهزتها، وليس عن طريق المواطنين.

والتواصل الجماعي، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية لدى إدارة الجماعة، تجعل المواطن في قلب الجماعة، وتدفع به إلى المساهمة، من موقعه كمواطن ينتمي إلى الجماعة، في عملية التسيير، والتدبير الجماعيين.

فوجود الإرادة السياسية يعتبر ضروريا للارتباط العضوي بين الإدارة الجماعية، وبين المواطنين.

وهذا الارتباط العضوي، هو الذي يقف وراء محاربة الفساد الإداري، بأشكاله المختلفة في أقسام الإدارة الجماعية، وفي علاقة الإدارة الجماعية بالمواطنين، إلى درجة الاختفاء الكلي للفساد الإداري.

وفي نفس الوقت، فإن الإرادة السياسية، تعتبر وسيلة ناجعة لإعادة تربية المواطن، حتى يتحصن ضد التفكير، في ممارسة كافة أشكال الفساد الممارسة في أقسام الإدارة الجماعية.

ويلعب التواصل الجماعي بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة، دورا أساسيا في إعداد المواطن للالتزام بالحق، والقانون، حتى تصير الجماعة جماعة للحق والقانون، لأنه لا مجال لذلك مادام المواطن لا يلتزم بالحق، والقانون.

ونظرا لكون سيادة التواصل على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، لا بد أن تقوم بينهما علاقة جدلية، فإن هذه العلاقة تقف وراء تطور، وتطوير كل منهما، عن طريق تطور، وتطوير الأدوات المعتمدة في كل منهما. وأي تطور، أو تطوير للتواصل على المستوى العام، أو الخاص، لا بد أن ينعكس على تطور، وتطوير المجتمع في جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما ينقل المجتمع من وضعية متخلفة، إلى وضعية متقدمة.

ولأن التواصل على المستوى العام، لا بد أن تكون له علاقة بالتواصل على المستوى الجماعي. وهذه العلاقة لا بد أن تتخذ لها طابع الجدلية، فإن أي تطور يحصل في إطار التواصل على المستوى العام سيؤثر، ولا شك، على التواصل على المستوى الجماعي؛ لأنه لا بد أن يؤثر على رفع مستوى وعي المواطنين من سكان الجماعة، إذا توفرت لهم إمكانية التواصل في مستوياتها المختلفة، وإذا كانوا يتفاعلون مع أدوات التواصل المختلفة.

وإذا ارتفع مستوى وعي المواطنين بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، فإن ذلك لا بد أن ينعكس إيجابا، على مستوى التواصل مع الإدارة الجماعية، لأن المواطن سيذهب إلى تلك الإدارة، وهو يعرف:

ما هي حقوقه؟

وما هي واجباته؟

ويعي في نفس الوقت بتلك الحقوق، مما يجعله يمسك عن المساهمة في تكريس الفساد الإداري، بأشكاله المختلفة، الأمر الذي يجعل المواطن يساهم في إعادة تربية العاملين في الإدارة الجماعية، عن طري القيام بالواجبات، والتمسك بالحقوق، ورفض اللجوء إلى ممارسة أي شكل من أشكال الفساد، حتى وإن كان بسيطا.

وفي نفس السياق فإن الإرادة السياسية لإدارة الجماعة، إذا قضت بنبذ كافة أشكال الفساد، في مختلف أقسامها، فإن ذلك لا بد أن يعمل على إعادة تربية سكان الجماعة على الإمساك عن ممارسة الفساد الإداري، مما يؤثر على الحياة العامة داخل تراب الجماعة.

وللوصول إلى هذا المستوى من التواصل الإيجابي بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة لا بد من:

1) قيام المجلس الجماعي بإجراء دورات تكوينية للعاملين في الإدارة الجماعية، حتى يتمكنوا من استيعاب القوانين، والآليات التي تضبط العمل الجماعي، وكيفية التواصل مع المواطنين على جميع المستويات.

2) تنظيم حملات توعوية في صفوف سكان الجماعة، من أجل أن يتمكنوا من معرفة حقوقهم، وواجباتهم تجاه جماعتهم، حتى يتمكنوا من امتلاك آليات التواصل الإيجابي مع الإدارة الجماعية، في الزمن المناسب، والمكان المناسب.

3) الإعلان، بالملصقات، وبواسطة الجرائد، والإذاعات، عن الرسوم الجبائية الواجبة للجماعة، وعن الوثائق التي يجب أن يدلي بها كل مواطن لأي مصلحة، أو قسم من أقسام الجماعة، من اجل الحصول على وثيقة معينة.

4) الإعلان عن العقوبات الزجرية، التي تتخذ في حق كل موظف جماعي، يثبت أنه ينتهك حقوق المواطنين، ويمارس الفساد الإداري.

5) اتخاذ خطوات زجرية في حق كل من ثبت في حقه أنه بساهم في الفساد الإداري الجماعي ،بما في ذلك إحالته على القضاء إذا ضبط متلبسا.

6) اتخاذ الخطوات الضرورية لتوقيف أي عضو في المجلس الجماعي، إذا ضبط متلبسا بالوقوف وراء نشر الفساد الإداري بين المواطنين، في علاقتهم بالإدارة الجماعية.

7) قيام مكتب المجلس الجماعي بفضح كل أشكال الفساد، التي تنخر كيان الجماعة، عن طريق الإعلانات، وعلى صفحات الجرائد، من أجل إبراء الذمة من القبول بممارسة الفساد الإداري.

8) تكوين لجنة محلية من ممثلي الأحزاب السياسية، والجمعيات الحقوقية، بالإضافة إلى ممثل المجلس الجماعي، تكون مهمتها مراقبة السير العادي للإدارة الجماعية، في علاقتها بسكان الجماعة.

9) إحالة المخالفات، التي تضبطها اللجنة المذكورة، على الجهات الوصية، من أجل التقرير بما تقتضيه كل حالة على حدة، سعيا إلى استئصال كافة أشكال الفساد الإداري من الإدارة الجماعية.

10) الإعلان عن حالات التلبس، التي تضبطها اللجنة أمام السكان، وبواسطة الملصقات، وعلى صفحات الجرائد، من أجل أن يصير الرأي العام المحلي، والوطني على علم بمختلف الحالات المساهمة في إفساد الإدارة الجماعية.

فهذه الخطوات، التي أتينا على ذكرها، تعتبر أساسية، وضرورية، لقيام تواصل إيجابي بين سكان الجماعة، وبين الإدارة الجماعية، التي تعتبر المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وهذا التواصل، ومن هذا النوع، هو الذي يقف وراء تكريس الاحترام بين السكان، وبين الإدارة الجماعية من جهة، ووراء تسييد الثقة في المؤسسات المنتخبة، وتعيد للمواطن الثقة في نفسه، وتجعل الممارسة السياسية، مستقبلا، قائمة على أساس الثقة في المؤسسات، وفي الأحزاب القائمة، التي تلتزم أمام الشعب، وأمام نفسها، بنبذ كافة أشكال الفساد السياسي، التي تقف وراء استفحال الفساد الإداري في الجماعات المحلية.

فهل تقبل الجماعات المحلية على إقامة تواصل بينها، وبين المواطنين من سكان ترابها؟

وهل تحرص على أن يكون ذلك التواصل إيجابيا؟

وهل تسعى إلى أن يصير التواصل الإيجابي وسيلة لاستئصال الفساد الإداري من أقسام، ومصالح الجماعة المحلية؟

هل تعمل على توفير الشروط الموضوعية لقيام تواصل إيجابي بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة؟

هل تتخذ العقوبات الزجرية في حق كل من يثبت في حقه ممارسة الفساد الإداري؟

إننا ونحن نطرح هذه الأسئلة، لا نروم إلا أن تكون جماعاتنا المحلية مثالا للعطاء، والتضحية، من أجل مغرب متقدم، ومتطور باستمرار.

فهل ترقى جماعاتنا إلى مستوى الرفع من قيمة المغرب، والمغاربة؟

هل يوجد إعلام جماعي؟

إننا عندما نتكلم عن الإعلام الجماعي في المغرب، إنما نتكلم عن الخيال اللا مرئي، واللا مسموع، واللا مقروء، وخيال من هذا النوع، لا يمكن أن نستنتج منه إلا غياب الإعلام الجماعي، أو انعدامه. وإذا وجد، فلأجل أن يجسد ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة؛ أي أنه لا يتجاوز أن يلمع صورة المجلس الجماعي، الذي لا يعجبه إلا أن تقول الجماهير الشعبية الكادحة "العام زين".

فلماذا لا يوجد إعلام جماعي / جماهيري، وبالشكل المطلوب؟

إن غياب إعلام جماعي / جماهيري، كما يجب، ناتج عن غياب الديمقراطية الحقيقية، كما يجب، وسيادة ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي تعتمد لتكريس كافة أشكال التزوير، التي تقف وراء سيطرة التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف على المؤسسات المعروفة ب"المنتخبة"، حتى يستغلها ذلك التحالف لنهب الثروات الجماعية، والوطنية، ولحماية مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وممارسة ديمقراطية الواجهة يقتضيها:

1) قيام دستور غير ديمقراطي، لا يكرس إلا السيادة المخزنية، ولا يقف إلا وراء وجود تشريعات لا تحمي إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وعلى جميع المستويات.

2) غياب قوانين انتخابية، تبعا لغياب دستور ديمقراطي، تكون مهمتها القطع مع كافة أشكال التزوير، التي تجري في المحطات الانتخابية، وعلى جميع المستويات، بما في ذلك الزجر الاستعجالي، الذي تقتضيه حالات التزوير بأشكاله المختلفة، التي يتم ضبطها عن طريق لجان المراقبة الخاصة، أو الإدارية، وإحالتها على القضاء الاستعجالي، الذي يتشكل لهذه الغاية.

3) انعدام الشروط الموضوعية لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، نظرا ل:

ا ـ تفاقم حدة الفوارق الطبقية، بسبب السيطرة الطبقية على الموارد الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من أجل تسخيرها لتكريس حرمان الكادحين من الاستفادة من تلك الموارد، مما يجعل غالبية المواطنين، غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة الضرورية، نظرا لاندحارهم إلى ما تحت عتبة الفقر، التي تقدرها الدوائر الرسمية بسبعة ملايين نسمة.

ب ـ استمرار تكريس انتشار الأمية الأبجدية، وتسييد باقي أشكال الأمية الأخرى، مما يجعل غالبية الشعب المغربي يسقط في القبول بالخطاب السائد، الذي يعد الجماهير الشعبية الكادحة للانخراط في ممارسة ديمقراطية الواجهة، والقبول بكافة أشكال التزوير، التي صارت بادية للعيان.

ج ـ توظيف الأموال الطائلة الآتية من الاتجار في المخدرات، وتهريب البضائع، ونهب الثروات الجماعية، والوطنية، وحرمان نسبة كبيرة من العمال، وباقي الأجراء من حقوق الشغل، التي تذهب إلى جيوب المشغلين، واحتكار البضائع، من أجل الرفع المهول للأسعار، وغير ذلك من الأمور التي تمكن التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المتخلف مما يسعى إليه.

د ـ حرمان الجماهير الشعبية الكادحة من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يجعل هذه الجماهير تيأس من القيام بأي تغيير في المستقبل، فتبتعد عن المجال السياسي، أو تقبل بتكريس الواقع القائم، كما هو، فتنخرط في تكريس ديمقراطية الواجهة، من منطلق أنها هي الديمقراطية الحقيقية، فتساهم في إعادة إنتاج كافة أشكال التزوير.

ه ـ انعدام أشكال الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، مما يجعلها لا تتعاطى مع ما يجري في الساحة الجماهيرية، والسياسية، مما ينعكس سلبا على حياتها، ولا تعمل على مقاومة ذلك الانعكاس السلبي، ولا تسعى إلى تجاوز وضعيتها المتردية عن طريق الانخراط الواسع في النضالات الجماهيرية، التي تكرس الضغط على التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني، من أجل انتزاع مكاسب معينة، والعمل على جعل تلك المكاسب أساسا للنهوض الجماهيري الكاسح.

و ـ استمرار دور المؤسسة الدينية / المخزنية، في تكريس كافة أشكال التخلف، في صفوف أفراد الشعب المغربي المتدينين، الذين يرجئون الخلاص من معاناتهم إلى يوم القيامة، ولا يحركون ساكنا، ليسقطوا بذلك في تكريس الخطط الدينية / المخزنية، الهادفة إلى خلق شروط إخماد الصراع، وإلى الأبد، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، واعتبار كل ما يجري في الواقع قدرا من عند الله، ليتم بذلك اعتماد الفعل البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وكأنه قدر من عند الله، الذي يجب القبول به، وإلا فإن أفراد الشعب المسلم / المالكي، لن ينالوا الجزاء الأوفى من عند الله يوم القيامة، لتظهر بذلك مقاومة ما يجري، وكأنها كفر. والمغاربة يرفضون أن يوصفوا بالكفر، والإلحاد. وحتى لا يحصل ذلك، يقبلون بكون ما يقوم به التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، قدرا من عند الله، ولا داعي لمقاومته.

ز ـ السماح بشرعنة الأحزاب الدينية، أو التي تعتمد الدين في برامجها، لتكريس تضليل الشعب، وجعله يعتبر أن ما تقوم به تلك الأحزاب الدينية، هو عين الدين الإسلامي، وهو عين الشريعة الإسلامية، مما يجعل هذه الأحزاب تلقى إقبالا واسعا من المتدينين، الذين انقلب وعيهم إلى الماضي، وأخذوا يحلمون باستعادة تطبيق الشريعة الإسلامية، التي لا يتكرس تطبيقها إلا بقطع الأيدي، والأرجل، والرؤوس، كما كان يحصل، وكما يحصل في العديد من البلدان التي تدعي أنها تطبق الشريعة الإسلامية.

والسماح بشرعنة الأحزاب المسماة إسلامية، ما هو إلا اعتراف بأحقية السطو على ما هو ملك للشعب المغربي، والعمل على خوصصته، كم تخوصص الدولة الممتلكات العامة للشعب المغربي، الأمر الذي يجعل الأحزاب المسماة الإسلامية، أو بما يفيد أنها كذلك، تتمادى في احتكار الدين الإسلامي، عن طريق أدلجته، واعتبار تلك الأدلجة هي عين الدين الإسلامي. ومن قبل بها فهو مسلم، ومن زاغ عنها فهو كافر، وملحد، يجب الاقتصاص منه بالقتل، كما حصل عدة مرات في المغرب، وفي كل الدول التي تدعي أنها تطبق الشريعة الإسلامية.

ونظرا لأن الأحزاب الإسلامية المشرعنة، ترهب المسلمين بالدرجة الأولى، ولأن المسلمين لا يحملون وعيا بخطورة ما يسمى بالأحزاب المسماة إسلامية على مستقبلهم، فإن هذه الأحزاب تصير، كذلك، بمثابة قدر من عند الله، فكأن القائمين بها نزلوا من السماء، وكأنهم بلغوا سدرة المنتهى، وكأنهم معصومون من الوقوع في الأخطاء، وكان ما يجري عليهم، لا يجري على البشر، وكأنهم لا ينهبون ثروات الشعب المغربي، من خلال المؤسسات التي يصلون إليها، في إطار عملية التزوير التي يعرفها المغرب في مختلف المحطات الانتخابية المزورة، وكأنهم أبرياء من الاستفادة من ترويج المخدرات... إلخ.

ح ـ جعل البرامج الدراسية وسيلة لتسييد التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، حتى تصير وسيلة لنشر، وتثبيت الأيديولوجية المخزنية، وأدلجة الدين الإسلامي، وكل الفكر الخرافي الآتي من عمق التاريخ الإسلامي المتخلف، من أجل أن تصير تلك البرامج وسيلة، ومنطلقا لإعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، المنسجمة مع سيطرة التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، ومع شرعنة الأحزاب الدينية، التي لا تخدم، في العمق، إلا مصالح البورجوازية الصغرى، ومصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني / المتخلف في نفس الوقت، ولا وجود لشيء اسمه مصالح الكادحين.

ط ـ جعل وسائل الإعلام السمعية / البصرية / المقروءة، والمسموعة، والمرئية، في خدمة أيديولوجية التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وفي خدمة مصالحه، وتقديم هذا التحالف، وكأنه هو الذي وقف وراء وجود الشعب المغربي، وصاحب الفضل عليه: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، الأمر الذي يترتب عنه القبول باختياراته اللا ديمقراطية، واللا شعبية، واللا وطنية، باعتبارها قدرا من عند الله، والقبول بشرعنة الأحزاب السياسية، وكأنها من عند الله، والقبول باستعداء الشعب المغربي ضد الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، باعتبارها تسعى إلى تكريس الكفر، والإلحاد، في صفوف أفراد الشعب المغربي.

وحتى يتمكن الشعب المغربي من فرض إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، فإن عليه أن يعمل، ومن خلال منظماته الجماهيرية، وأحزابه الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، على تغيير الشروط الموضوعية القائمة، من أجل قيام ديمقراطية حقيقية من الشعب، وإلى الشعب. وبدون تغيير تلك الشروط، سيبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين، وسيبقى التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، متسلطا بأيديولوجيته، وباختياراته، وبشرعنته للأحزاب الدينية، إلى أن يستعيد الشعب المغربي وعيه المستلب.

4) وقوع الدولة المغربية تحت تأثير التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، الذي يفرض شروطه، التي تخدم مصالحه في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويفرض القبول بقيام الدولة المغربية ببيع القطاع العام، إلى القطاع الخاص، المتمثل، بالخصوص، في الشركات العابرة للقارات، التي تنهب الخيرات المادية، والبشرية، وتستنزف مختلف القدرات، والكفاءات لصالح تنمية ثرواتها الهائلة، ويفرض العمل بتعليمات مؤسساته المالية الدولية، في القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل العلاقة بين الدولة المغربية، وبين النظام الرأسمالي العالمي، علاقة غير متكافئة، تعرف اختلالا واضحا لصالح النظام الرأسمالي العالمي، ولصالح المؤسسات المالية الدولية، ولصالح الشركات العابرة للقارات، ولا بأس أن تصير لصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني، باعتباره وسيطا بين الرأسمال المحلى، والرأسمال العالمي.

وتبعية من هذا النوع، لا يمكن أن تدخل الشعب المغربي إلا في المزيد من المعاناة، والفقر، إلى درجة السقوط تحت العتبة لقطاعات عريضة من كادحي الشعب المغربي.

وبناء عليه، فإن إعادة الاعتبار إلى الاهتمام بمصالح الشعب المغربي: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لا يتأتى إلا بقطع دابر التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، وبناء اقتصاد وطني متحرر، في إطار قيام دولة الحق، والقانون، القائمة على أساس دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، وتقديم الخدمات الاجتماعية، كالتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغيرها من الخدمات، في مستوى طموحات الشعب المغربي.

5) حرمان الشعب المغربي من التمتع بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بسبب اعتماد قوانين غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وغير ناتجة عن مؤسسات تشريعية منتخبة انتخابا حرا، ونزيها، مما يجعل تلك القوانين لا تخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد. وهو ما يكرس الحرمان المضاعف من مختلف الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وهذا الحرمان، هو الذي يقتضي قيام المنظمات الحقوقية بدورها في فضح الخروقات المرتكبة في حق الشعب المغربي، سواء كانت ذات طابع اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو مدني، أو سياسي، ومن أجل فرض إعادة النظر في الاختيارات القائمة، من أجل انتزاع مكاسب معينة لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

فديمقراطية الواجهة المتبعة حتى الآن، ومنذ استقلال المغرب، لم تنتج لنا إلا مؤسسات مزورة. والمؤسسات المزورة، لا يمكن أن تنتج إعلاما جماعيا جادا، ولا يمكن أن تجعل إعلامها منفتحا على الجماهير الشعبية الكادحة، التي يتم التوجه إليها، من أجل شراء ضمائرها، كلما كانت هناك محطة انتخابية، من أجل المرور إلى المجالس المختلفة.

وإذا كان هناك إعلام جماعي، فإن هذا الإعلام لا يتجاوز البهرجة، من أجل التضليل، ومن أجل الوصول إلى تحويل ذلك التضليل إلى حقيقة قائمة في الواقع الجماعي، الذي يجعل السكان يعرفون أشياء غير حقيقية، وغير منطقية، وتخالف ما يقوم به المسؤولون عن الجماعة، حتى لا ينتبه الناس إلى توظيف موارد الجماعة لخدمة مصالح المسؤولين عنها.

ومجمل القول، فإن الإعلام الجماعي غير موجود، وإذا وجد، فلتكريس التضليل للتغطية على ما يقوم به المسؤولون عن الجماعة، الذين ينمون ثرواتهم المادية، والمعنوية، استعدادا للمحطات الانتخابية المقبلة.

فهل تتم مراجعة ممارسة المسؤولين عن الجماعات المحلية؟

وهل يسعى المسؤولون الجماعيون إلى إيجاد إعلام جاد، ومسؤول؟

وهل يقف الإعلام الجماعي الجاد، والمسؤول، إن وجد، وراء توعية سكان كل جماعة على حدة، بمصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟

وهل يتمكن سكان كل جماعة من المساهمة الفعالة في تنمية جماعتهم، بما ينسجم مع طموحاتهم، في تحويل جماعاتهم إلى بؤر للتطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي؟

وهل يقف ذلك التطور وراء جعل الوحدة الجماعية وحدة نموذجية على مستوى التنمية، في شموليتها، وعلى مستوى التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟

وهل ينبثق عن وحدة، من هذا النوع، وعي متقدم بضرورة اعتبار مسؤولية التنمية الجماعية، هي مسؤولية سكان الجماعة، الذين يتحملون مسؤوليتهم في محاسبة الأعضاء الجماعيين، الذين يتلاعبون بمصالح الجماعات المحلية.

ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، ونلح على طرحها جماهيريا، فلأننا نريد إعلاما جماعيا جادا، ومسؤولا، وجماهيريا، يساهم في توعية كل سكان الجماعة، بأوضاع جماعتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبدورهم في تدليل الصعوبات التي تقف وراء قيام تنمية جماعية حقيقية، سواء كانت تلك الصعوبات مادية، أو معنوية، من أجل قطع الطريق أمام الذين يعتبرون تواجدهم في المسؤولية الجماعية، وسيلة لنهب الثروات الجماعية.

فهل يقوم إعلام جماعي فاعل، ومتفاعل مع الأوضاع المختلفة للجماعة، ومع سكان الجماعة؟

أم أن الوضع سيستمر على ما هو عليه إلى حين؟

*********

وهل يوجد تواصل جماعي؟

إن التواصل الجماعي ،باعتباره وسيلة من وسائل الارتباط بالمواطنين، أخذا، وعطاء، يقتضي منا أن نعتبره من مستلزمات وجود الجماعة المحلية، وإلا فلا داعي للقول بوجودها.

وبما أن الجماعات المحلية قامت على أساس قيام ديمقراطية الواجهة، فإن وجود الجماعات المحلية يعتبر وجودا غير ديمقراطي. والوجود غير الديمقراطي، هو مبرر انعدام التواصل الجماعي؛ لأن الأعضاء لا يدور في خلدهم أن المواطنين هم الذين أوصلوه إلى المسؤولية الجماعية، بقدر ما يجزمون بأن ذلك الوصول ناتج عن:

1) شرائهم لضمائر الناخبين الذين يعتقدون أن ما يملكونه هي ضمائرهم، التي يبيعونها بأبخس الأثمان، وبمناسبة الحملة الانتخابية، التي تنتهي بالتصويت لصالح المشتري. وهو ما يعني أن البائع لا يحق له أن يتواصل مع المشتري، كما لا يحق له أن يحاسبه عما فعله بما صار ملكا له.

ولذلك فالأعضاء الجماعيون، من هذا النوع، لا يتواصلون مع المواطنين، ولا يسعون إلى قيام تواصل معهم.

2) قيام السلطات الوصية بتزوير نتائج الانتخابات لصالحهم. وهو ما يترتب عنه أيضا أن مسؤولية الأعضاء الجماعيين، لا تكون أمام المواطنين، بقدر ما تصير باتجاه السلطة الوصية، التي يرجع لها الفضل في وصول الأعضاء إلى المجالس الجماعية.

وبناء على ذلك، فتواصل المجالس الجماعية مع المواطنين لا يتم، بقدر ما يتم مع السلطة الوصية، أي أن المجالس الجماعية لا تتواصل مع المواطنين؛ لأنها غير ملزمة قانونيا، وأخلاقيا باتواصل معهم.

فما هي معيقات قيام تواصل بين الجماعات المحلية، وبين المواطنين؟

إننا عندما نتكلم عن جماعات قامت على أساس تزوير الانتخابات، باللجوء إلى كافة أشكال التزوير المختلفة، ننطلق من أن هذه الجماعات، لا يمكن التواصل معها للاعتبارات الآتية:

الاعتبار الأول: غياب دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، وقيام دستور ممنوح قائم بشروط الجهة المانحة.

والاعتبار الثاني: غياب قوانين انتخابية رادعة لكافة أشكال التزوير، وقيام قوانين انتخابية تسمح بممارسة كافة أشكال التزوير.

والاعتبار الثالث: عدم الفصل بين السلطات في الدستور القائم؛ لأن الفصل بين السلطات، يعتبر من الضمانات الأساسية لقيام ديمقراطية حقيقية من الشعب، وإليه، الأمر الذي يترتب عنه مركزة كل السلطات التشريعية، والتنفيذية والقضائية، في يد شخص واحد، كما هو قائم في الدستور الحالي.

ونظرا للتداخل القائم بين السلطات المختلفة، فإن قيام تواصل بين الجماعات المحلية، وبين المواطنين، يعتبر من باب المستحيلات.

والاعتبار الرابع: عدم احترام الحقوق الإنسانية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادق عليها المغرب. وهذا الاحترام لا يتم إلا عن طريق ملاءمة القوانين المحلية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وما دامت هذه الملاءمة غير واردة، أو تتم بشكل محتشم، فإن احترام حق المواطنين بالتواصل مع جماعتهم، سيصير غير وارد أيضا.

وانطلاقا من هذه الاعتبارات التي طرحناها، فإنه يمكن القول بأن المعيقات التي تقف دون قيام تواصل بين الجماعات المحلة، وبين المواطنين من سكان كل جماعة على حدة، تتمثل في:

1) غياب ثقافة حقوقية، بسبب غياب التربية على حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، نظرا لكون البرامج الدراسية، والطرق التربوية المتبعة حتى الآن، لا تأخذ بعين الاعتبار إيلاء الاهتمام للتربية على حقوق الإنسان، معرفة، وممارسة. ولأن القوانين المعمول بها غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن المسلكية العامة للمجتمع، لا تستحضر احترام حقوق الإنسان في الممارسة اليومية، نظرا لكون العادات، والتقاليد المتحكمة في مسلكية المواطنين، لا زالت متخلفة إلى أقصى الحدود، خاصة وأن تلك العادات، والتقاليد، متشبعة بأدلجة الدين الإسلامي، التي تعتبر وعاء للأشكال الخرافية، التي تضرب في عمق التاريخ، والتي توجه الناس إلى اعتبار حقوق الإنسان دخيلة على المجتمع المغربي.

وغياب الثقافة الحقوقية، يشكل أكبر عائق أمام إمكانية قيام سكان الجماعة بالمطالبة بقيام تواصل حقيقي بينهم، وبين المجلس الجماعي، والإدارة الجماعية، بسبب غياب التربية على حقوق الإنسان، وبسبب كون البرامج الدراسية خالية من التمرس على هذه التربية، ونظرا للجهل العام بحقوق الإنسان، انطلاقا من الجهل العام بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بسبب عدم ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

وحتى تحضر حقوق الإنسان كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادق عليها المغرب، كان يجب العمل على:

ا ـ إدراجها ضمن البرامج الدراسية، وفي جميع المستويات الدراسية، وفي مختلف شعب التعليم، بما في ذلك شعب التعليم الثانوي، والجامعي، حتى يتخرج الإنسان المغربي من المدرسة، أو الجامعة، وهو ملم بالحد الأدنى، على الأقل، من الوعي بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ب ـ اشتراطها كمادة للتباري، لشغل المناصب المختلفة للدولة المغربية، حتى تبقى حاضرة في فكر، وفي ممارسة المغاربة بعد التخرج.

ج ـ ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير حقوق الإنسان حاضرة في ممارسة المشرفين على تطبيق القوانين، وفي ممارسة المواطنين في نفس الوقت.

د ـ تجريم جميع الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان، ومضاعفة عقوبات المنتهكين لها، سواء كانوا من موظفي الدولة، أو من موظفي الجماعات المحلية.

ه ـ اعتبار جميع المواثيق الدولية، من المراجع المعتمدة من قبل المسؤولين، في مختلف المستويات، بمن في ذلك المسؤولون الجماعيون.

و ـ التعامل مع المواطن على أنه ملم بمضامين المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يتحمل مسؤوليته تجاه نفسه، وتجاه المواطنين، وتجاه الشعب.

2) غياب الوعي بخطورة تكريس انتهاكات حقوق الإنسان، من خلال أجرأة القوانين المحلية، التي تعطاها تأويلات تتناقض تناقضا مطلقا، حتى مع القوانين نفسها، من أجل إعطاء الشرعية القانونية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وغياب هذا الوعي هو الذي يقف وراء تفشي الممارسات الوصولية، والانتهازية، والمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء في الإدارة المغربية، والجماعية في نفس الوقت. وهو ما يقف وراء انفراز ما يمكن تسميته بأثرياء الفساد الإداري، الذين يشوهون العلاقة بالإدارة المغربية، والإدارة الجماعية، ووراء انفراز مظاهر التربية على القبول بالفساد الإداري في الإدارة المغربية، والجماعية، كم يدل على ذلك إقبال المواطنين من سكان الجماعات المحلية، على إرشاء موظفي إدارة الدولة، وموظفي الإدارة الجماعية.

3) التعود على ممارسة كافة أشكال الفساد في العلاقة مع الإدارة الجماعية، ودون حرج يذكر، وكأن المواطن هو الذي يفرض فساد الإدارة الجماعية. وهو ما يتنافى مع الرغبة في التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، لصلح هذا المواطن، حتى يعيش حياة كريمة، وكأنه يرفض أن يعيش حياة كريمة، وكأن الذل والهوان ملازمين له في علاقته بجميع الأجهزة الإدارية.

ولتجاوز هذا التعود المشؤوم، الذي لا ينتج لنا إلا تكريس الفساد عل جميع المستويات الإدارية، لا بد من:

ا ـ القضاء على التوظيف غير المشروع في الإدارة الجماعية، الذي يقوم على أساس الإرشاء، والارتشاء.

ب ـ التوظيف عن طريق التباري النزيه، حتى يتأتى شغل الوظائف بعيدا عن المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وانطلاقا من التوفر على الكفاءة اللازمة للقيام بوظيفة معينة.

ج ـ ضرورة الوضوح في العلاقة، التي تجمع المواطنين من سكان الجماعة بالإدارة الجماعية، حتى يتأتى لهم قضاء مآربهم، دون حواجز تذكر.

د ـ تكوين لجنة المراقبة التي يجب أن تتكون من ممثل عن الإدارة الوصية، ومن منتدب عن المحكمة التي توجد الجماعة في ترابها، ومن منتدب عن كل حزب له تواجد في تراب الجماعة، ومنتدب عن كل جمعية حقوقية لها تواجد في المنطقة، تكون مهمتها رصد الخروقات، التي يمارسها موظفو الجماعة في حق سكان الجماعة، انطلاقا من مكتب خاص موجود في الإدارة الجماعية، وإحالة تلك الخروقات على الجهات المسؤولة، وعلى المحكمة.

ه ـ القيام بحملات للتوعية في صفوف سكان الجماعة، من أجل معرفة:

ـ كيف يجب أن تكون العلاقة بالإدارة الجماعية؟

ـ ما هي مظاهر الفساد الإداري الجماعي؟

ـ ما العمل من أجل وضع حد للفساد الإداري؟

ـ ما هو دور سكان الجماعة في عملية محاربة الفساد الإداري؟

4) استفحال أمر ظاهرة الوسطاء، في العلاقة مع الإدارة الجماعية، ومع باقي الإدارات الأخرى. وهو ما يقف وراء استفحال مختلف مظاهر الفساد الإداري، التي يمكن التخلص منها إذا حضرت الإرادة السياسية في الممارسة الجماعية، أما إذا لم تحضر، فإن الأمر سيبقى على ما هو عليه إلى حين.

5) وجود موظفين يعتبرون عملهم في الجماعة وسيلة لتنمية ثرواتهم، حتى وإن كانت تلك التنمية بطرق غير مشروعة، كما هو الشأن بالنسبة للمرتشين منهم. فهؤلاء الموظفون، ومن هذا النوع، لا يمكن أن يسعوا إلا إلى انعدام التواصل بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة، حتى لا يعرف المواطنون ماذا يجري في أقسام الجماعة، ومصالحها، وحتى لا يتطاول المواطن العادي على العاملين في الإدارة الجماعية، ومن أجل أن يستمر هؤلاء الموظفون الجماعيون في استنزاف جيوب المواطنين. ومما يؤكد ما قلناه: المستوى المادي المرتفع الذي يصل إليه بعض المسؤولين عن أقسام الجماعة، أي جماعة، وكون معظم العاملين في مختلف الجماعات لا ينتظمون في إطار النقابة التي تدافع عن مصالحهم: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وكون من ينتظم منهم يتعرض لقمع مسؤولي الأقسام التي يعملون في إطارها، أو من قبل الرؤساء الجماعيين.

وبناء على ما رأينا أعلاه، فإن قيام تواصل بين الإدارة الجماعية، وبين المواطنين، يعتبر مسألة غير واردة، وسعي المجلس الجماعي إلى قيام ذلك التواصل، يعتبر أيضا غير واردة، والمطالبة بقيام ذلك التواصل غير واردة في عرف، وفي ممارسة سكان الجماعة، لأنهم تعودوا على غياب ذلك التواصل. وهو ما يؤدي إلى استمرار العلاقات غير النظيفة بين السكان، وبين الإدارة الجماعية.

ولذلك، فالحكم بانعدام التواصل بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة، تقتضيه الشروط الموضوعية القائمة في العلاقة بين السكان، والمجلس الجماعي من جهة، وبين السكان، والإدارة الجماعية من جهة أخرى، بناء على:

1) كون المجلس الجماعي لم يأت نتيجة لقيام ديمقراطية حقيقية من الشعب، وإلى الشعب.

2) كون عقلية المجلس الجماعي عقلية مخزنية، بالدرجة الأولى.

3) كون التسيير الجماعي تسييرا فرديا بالدرجة الأولى، كما هو منصوص عليه في الميثاق الجماعي.

4) كون الموظفين الجماعيين من النوع الذي لا يصلون إلى الوظائف الجماعية، بناء على تكافؤ الفرص، بقدر ما يصلون إليها بمقابل مادي، قد يعد بالملايين أو لأنه من المقربين من رئيس المجلس الجماعي، أو انطلاقا من تعليمات معينة، من جهات وصية على الجماعات المحلية.

5) كون سكان الجماعة لا يعيرون أي اهتمام لما يقوم به المجلس الجماعي، ولا لما يجري في إطار الإدارة الجماعية، لأنهم يكتوون بنار المجلس الجماعي، وبممارسة العاملين في الإدارة الجماعية.

وعلى أساس الحكم بانعدام التواصل الجماعي، نجد أنفسنا أمام طرح السؤال:

من المسؤول، بالدرجة الأولى، عن غياب التواصل بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة؟

إن المسؤولية عن غياب التواصل، ترجع حسب الترتيب، إلى:

1) غياب دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، حتى يستطيع تقرير مصيره السياسي على المستوى العام، وعلى مستوى كل جماعة على جدة.

2) غياب قوانين انتخابية، تضمن حرية الانتخابات الجماعية، ونزاهتها.

3) مضامين الميثاق الجماعي، الذي يمركز كل شيء بيد الرئيس.

4) كون المنتخبين الجماعيين يقتنعون بأن المواطن لم يوصلهم إلى عضوية الجماعة.

5) كون الموظفين الجماعيين يقتنعون أنهم لم يصلوا إلى مناصبهم بناء على كفاءتهم، وعلى أساس تكافؤ الفرص، بقدر ما وصلوا بناء على ما دفعوه إلى الرؤساء الجماعيين، أو عن طريق المحسوبية، والزبونية، وإعطاء التعليمات.

6) كون سكان الجماعة لا يهتمون لا بالشأن العام بصفة عامة، ولا بالشأن الجماعي بصفة خاصة، مما يجعلهم مستلبين تجاه وطنهم، وتجاه جماعتهم في نفس الوقت.

7) كون سكان الجماعة يعتبرون عملية الإرشاء، والارتشاء، من المسلمات في العلاقة مع الإدارة الجماعية.

وهذه المسؤولية المشتركة بين هذه الجهات جميعا، تحتاج إلى عمل مضن من أجل:

1) توضيحها لسكان الجماعة، من أجل امتلاك الوعي بها.

2) العمل على تغيير الشروط التي أفرزتها.

3) إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية توعية سكان الجماعة بحقهم في قيام تواصل إيجابي مع الإدارة الجماعية.

5) المطالبة بإعادة النظر في الدستور المغربي، من أجل أن يضمن سيادة الشعب على نفسه.

6) المطالبة بإعادة النظر في القوانين الانتخابية، حتى تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها.

7) المطالبة بإعادة النظر في الميثاق الجماعي، الذي يجب أن يتضمن اعتماد آليات التواصل اليومي مع سكان الجماعة.

8) إخضاع موظفي الجماعة إلى المراقبة اليومية، من قبل هيأة يتم التنصيص عليها في الميثاق الجماعي.

وهكذا نجد أن الإقرار بانعدام التواصل الجماعي، يجب أن يكون منطلقا للقيام بحملة إعلامية محلية، ووطنية، من أجل فرض قيام تواصل بين سكان الجماعة، وبين الإدارة الجماعية، وفي إطار ربط المؤسسات العمومية بمحيطها، كما يدعي المسؤولون أنهم يسعون إلى تحقيق هذا الربط.

فهل يقوم تواصل جماعي بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة؟

هل يسعى المسؤولون عن الجماعة المحلية إلى قيام هذا التواصل؟

هل يعتمدون آليات علمية دقيقة لأجرأة التواصل الجماعي؟

هل ينجزون دورات تكوينية للعاملين في الجماعة من أجل استيعاب التواصل الجماعي، واستيعاب آلياته؟

هل يسعون إلى جعل التواصل مدخلا لأجرأة احترام كرامة سكان الجماعة؟

هل ينظمون حملات توعوية لجعل المواطن يدرك أهمية قيام تواصل جماعي؟

إننا عندما نطرح هذه الأسئلة، لا نطرحها من أجل الطرح فقط، وإنما نطرحها من أجل أن تستفز الفكر، الذي يتدفق في نفس الاتجاه، لإيجاد حركة فكرية تدعم السعي إلى قيام تواصل بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة؟

وإذا وجد هناك إعلام، وتواصل جماعيان: فما هو واقع هذا الإعلام؟ وما هو واقع هذا التواصل؟.....1

وكوننا عملنا، من خلال مناقشتنا للإعلام، والتواصل الجماعيين، في الحلقات السابقة، على أنه غير قائم في الجماعات المحلية، وفي علاقة الإدارة الجماعية مع سكان الجماعة، وعلى الجزم بغياب الإعلام، وغياب التواصل الجماعيين في هذه العلاقة، فإن ذلك لا يمنع من وجود إعلام، وتواصل معينين في بعض الأحيان.

وإذا تم الإقرار بوجود الإعلام، والتواصل الجماعيين:

فما هو مستوى هذا الإعلام الجماعي القائم؟

وما هو مستوى هذا التواصل الجماعي القائم؟

وما هي السمات التي يتميز بها الإعلام الجماعي القائم؟

وما هي السمات التي يتميز بها التواصل الجماعي القائم؟

وما موقع سكان الجماعة من الإعلام الجماعي القائم؟

وما موقع سكان الجماعة من التواصل الجماعي القائم؟

وهل يمكن تطوير الإعلام، والتواصل الجماعيين، القائمين، في اتجاه الإشراك الفعلي لسكان الجماعة في العمل الجماعي؟

هل يمكن أن ينقل الإعلام، والتواصل الجماعيان، القائمان، سكان الجماعة إلى مستوى أرقى من الوعي بالأوضاع الجماعية، وبما يجري في الإدارة الجماعية؟

هل يمكن توظيف ذلك الوعي في اتجاه قيام مؤسسات جماعية ديمقراطية حقيقة، من منطلق قيام جماعات الحق، والقانون؟

إن الإعلام الجماعي المفترض الوجود، والقيام في الواقع الجماعي، يتناسب مع طبيعة الجماعات القائمة، وطبيعة الوظائف الموكولة إلى الإعلام الجماعي المفترض قيامه، حتى يخدم مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني، حسب درجة التبعية، التي تقع فيها الدولة المغربية، وحسب كون الجماعة المحلية تقع في محيط معين، وحسب الانتماء الحزبي لأعضاء المجلس الجماعي، وحسب طبيعة السلطة الوصية على المستوى المحلي، وحسب كون الرئيس يرغب في وجود إعلام جماعي محلي، مع تحديد الجهة، أو الجهات التي يستهدفها الإعلام الجماعي المحلي، والغاية المتوخاة من ذلك الإعلام.

وبناء على ما ذكرنا، فإن كل جماعة لا بد لها من إعلام معين، حتى تستطيع أن تقوم بإشعاع معين، ومن أجل أن يصير ذلك الإشعاع في خدمة المسؤولين عن الجماعة، من أجل استعدادهم للمحطات الانتخابية القادمة، التي توصلهم إلى البرلمان، أو تعيد وصولهم إلى الجماعة المحلية.

غير أن الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، هو إعلام لا علاقة له بمصالح سكان الجماعة، إلا من خلال جعلهم ينخدعون بالأوهام، التي سرعان ما تنكشف، تبعا للوعود التي سرعان ما تتبخر.

وتبعا لمستوى الإعلام المفترض قيامه، فإن التواصل المفترض قيامه يسير في نفس الاتجاه، لخدمة نفس الجهات، ولتحقيق نفس الغاية.

فالتواصل المفترض قيامه، هو تواصل يحدث بين الإدارة الجماعية، والسلطة الوصية، وبين الإدارة الجماعية، والجهات التي تخدم مصالحها، بمن في ذلك الأفراد الذين ينتمون إلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وإلى السلطة الوصية، وإلى الرأسمالية العالمية.

أما التواصل المفترض بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة، فغير وارد، لأنه ليس من مصلحة الممارسين للفساد الإداري، قيام تواصل بين الإدارة الجماعية، وبين السكان، كما أنه ليس من مصلحة الأعضاء الجماعيين، الذين أوصلهم الفساد السياسي إلى عضوية الجماعة، قيام تواصل بين الأعضاء الجماعيين، وبين سكان الجماعة.

ولذلك فنحن عندما نتكلم عن قيام تواصل جماعي مفترض، فإن هذا التواصل يتحدد مستواه، والغاية منه، حتى يؤدي الخدمة المتوخاة منه، كما هو الشأن بالنسبة للإعلام.

والإعلام الجماعي المفترض، لا بد أن يتميز بالسمات التي تميزه عن الإعلام الجماعي الحقيقي، الذي يقوم بين الإدارة الجماعية، وبين سكان الجماعة.

والسمات التي تميز الإعلام الجماعي المفترض، تتمثل في:

1) أن هذا الإعلام الجماعي المفترض، هو إعلام ضحل، وتقني بالدرجة الأولى، مما يجعله خاليا من الحمولة التي تجعل سكان الجماعة يعرفون حقيقة ما يجري في جماعتهم، ويمتلكون وعيا معينا بالأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية للجماعة، وبطبيعة تلك الأوضاع، وبكونها لا تخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. وهو ما يفرض طرح السؤال:

ما العمل من أجل جعل الإعلام الجماعي الحقيقي، يصير في خدمة مصالح جميع سكان الجماعة؟

إن المفروض في الإعلام الجماعي، أن يصير في خدمة مصالح سكان الجماعة، على مستوى الخدمات التي تقدمها الجماعة إلى السكان، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم، ومهما كانت الجهة التي وفدوا منها، ومهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها، حتى يتحول الإعلام الجماعي من إعلام ضحل، إلى إعلام يزخر بالمعطيات، التي تجعل سكان الجماعة ينخرطون في مناقشتها، سعيا إلى إغنائها بالأفكار التي تجعل تلك المعطيات تتطور، في اتجاه جعل سكان الجماعة ينخرطون في عملية البناء الجماعي، من موقعهم، كسكان، فيمتنعون عن ممارسة الوصولية، والمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، وفضح ممارسات الفساد السياسي، والإداري، الذي يمارسه الأعضاء الجماعيون، عن طريق اللجوء إلى وسائل الإعلام المختلفة، وإلى الجهات الوصية على الجماعات المحلية، وإلى القضاء، سعيا إلى تطهير الجماعات المحلية من الممارسين للفساد السياسي، والفساد الإداري، في محيط كل جماعة على حدة.

2) أن هذا الإعلام فقير على مستوى المعلومة، التي تصير مجرد رموز لا يفهمها إلا من يتم استهدافه بالإعلام الجماعي المفترض، لجعله يعمل على الاستفادة من العمل الجماعي بالطرق المعروفة، التي لا ترقى إلى مستوى احترام كرامة الإنسان. وإعلام فقير من هذا النوع، يجعل سكان الجماعة جاهلين، جهلا تاما، بما يجري في الإدارة الجماعية، حتى ولو حضروا اجتماعات المجلس الجماعي.

وهذا الجهل المسلط على سكان الجماعة، يعتبر هدفا في حد ذاته، سعيا إلى إبقائهم مجرد احتياط انتخابوي، معروض في السوق الانتخابية، لمن يدفع أكثر، نظرا للشروط الموضوعية التي صارت تعرف بها ديمقراطية الواجهة.

ولذلك ففقر الإعلام الجماعي على مستوى المعلومة، يحقق غايتين أساسيتين:

الغاية الأولى: حرمان سكان الجماعة من المعلومة التي قد يترتب عنها ارتفاع وعيهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وهو ما يبقي هؤلاء السكان فاقدين لأي شكل من أشكال الوعي، مما يؤهلهم للمساهمة، مستقبلا، في إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تعتبر شروطا موضوعية، لإعادة انتخاب نفس الأشخاص، المعروفين بالاتجار في ضمائر الناخبين.

والغاية الثانية: إبقاء الوضع على ما هو عليه، طبقا لما تريده السلطة الوصية، وعلى جمع المستويات الجماعية: مجلسا، ومكتبا، وإدارة جماعية، حتى تستمر نفس السياسة التي لا تخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، ومصالح الأعضاء الجماعيين، ومصالح النافذين في الإدارة الجماعية، ومصالح النافذين في إدارة السلطة الوصية، لتبقى مصالح سكان الجماعة الأساسية، والضرورية، معرضة للضياع. وهو ما يبقي سكان الجماعة عاجزين عن تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وهذا العجز، هو الذي يعيد تأهيلهم لعرض ضمائرهم للبيع في المحطات الانتخابية المقبلة، إلى نفس الأشخاص، الذين يسيطرون على الجماعة، وينهبون مواردها.

ومعلوم ما للمعلومة من دور، في جعل سكان الجماعة يهتمون بالشأن الجماعي، ويساهمون في تطويره، بعد امتلاك الوعي الضروري لذلك، وخاصة إذا كان هذا الوعي متقدما، ومتطورا، ومحركا للواقع في مستوياته المختلفة، وخاصة في مستواه السياسي.

3) وبالإضافة إلى اعتبار الإعلام الجماعي المفترض قيامه ضحلا، وفقيرا على مستوى المعلومة، فإن هذا الإعلام، كذلك، يعتبر مضللا؛ لأنه يقدم إلى سكان الجماعة معلومات مضللة، بهدف إبراز الجماعة، وكأنها نموذجية على مستوى التنمية، وعلى مستوى التسيير الجماعي، وعلى مستوى الإدارة الجماعية، وعلى مستوى العلاقة مع سكان الجماعة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي شيء من ذلك، إلا في الإعلام المضلل، الذي يكس إعلام: "العام زين".

والتضليل الإعلامي ليس غاية في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لجعل المواطن لا يرقى إلى مستوى الوعي بحقيقة ما يجري في واقع الجماعة ككل: سكانا، ومجلسا جماعيا، وإدارة جماعية.

وما إقامة المواسم، والاحتفاء بالمناسبات المختلفة، وبالمشاريع التي غالبا ما تكون وهمية، على مستوى اهتمام الإعلام الجماعي المفترض قيامه، إلا وسيلة لتكريس التضليل الإعلامي، الذي يغيب الشيء الآخر الذي يهم الكادحين بالدرجة الأولى.

فالتضليل إذا، يعتبر مسألة أساسية في الإعلام الجماعي المفترض قيامه، فهو، إن وجد، لا يكون إلا مضللا، ومكرسا للتضليل، وعلى جميع المستويات، لتكريس:

ا ـ غباء سكان الجماعة، وخاصة، إذا كانت هذه الجماعة خالية من الأحزاب التي تؤطر المواطنين، وتعمل على توعيتهم بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل إعدادهم للعب دور معين، يقود إلى فرض سيادتهم على جماعتهم، من أجل فرض الاختيار الحر، والنزيه للأعضاء الجماعيين، بعيدا عن كل أشكال الفساد الجماعي / السياسي.

ب ـ الأمية السياسية، التي تفرض انسحاب سكان الجماعة من الممارسة السياسية. هذه الأمية التي تفرض بواسطة مجموعة من الممارسات / الوسائل التي نجد منها:

ـ إفساد العملية الانتخابية، بتحويلها من عملية سياسية بامتياز، إلى مجرد سوق للنخاسة، تباع فيه ضمائر الناخبين، كما يباع الحمير في السوق، وبالمزايدة، عندما كان للحمير شأن يذكر.

ـ تحويل الحملات الانتخابية إلى مجرد مناسبة للولائم، التي تقام ليل / نهار، من أجل إشباع الجوعى من الناخبين، الذين لا يأكلون لحم البقر المتقدم في السن، إلا مرة في بضع سنوات، مقابل التصويت على المرشح المقيم للولائم.

ـ تقديم برامج وهمية، ومغرية في نفس الوقت، ولا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، لكون مقدم تلك البرامج، لا يرقى أبدا إلى مستوى الالتزام بأجرأة البرامج الانتخابية، التي تقدم بها إلى سكان الجماعة.

ـ اعتبار الانتخابات مجرد وسيلة لتمرير الأشخاص، الذين تحرص السلطة الوصية على وصولهم إلى المسؤولية الجماعية، وبعد ذلك، فليكن ما تريده السلطات الوصية، وما يرده الأعضاء الجماعيون، وما يريده المكتب الجماعي، وما يريده الرئيس، حسب الترتيب، وانطلاقا من الميثاق الجماعي.

ـ اعتبار الإدارة الجماعية شبه مفصولة عن المجلس الجماعي، وكأنها جزء لا يتجزأ من السلطات الوصية، مما يجعل هذه الإدارة ممخزنة، أكثر من المخزن نفسه. وهو ما يرهب سكان الجماعة، ويجعلهم يقبلون بممارسة الوصولية، والانتهازية، والمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وكل الممارسات المهينة لكرامتهم، مقابل تلقي الخدمات الجماعية.

ـ اعتبار التواجد في المجالس الجماعية، مناسبة للإعداد المادي، والمعنوي، عن طريق نهب الثروات الهائلة من أموال الجماعة، لشراء ضمائر الناخبين من سكان الجماعة، من أجل العودة إلى عضوية المجلس.

ج ـ تكريس تفقير سكان الجماعة، حتى لا يسعوا إلى حفظ كرامتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل أن يصير ذلك التفقير وسيلة لقبول الإذلال، والمهانة، التي يمارسها الأعضاء الجماعيون، والإدارة الجماعية، والسلطات الوصية على سكان الجماعة.

وعملية تفقير سكان الجماعة، تأتي من خلال نهب الثروات الجماعية، ومن خلال الاهتمام بالمشاريع التي لا يستفيد منها إلا التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي يعتبر الأعضاء الجماعيون جزءا لا يتجزأ منه، إما على مستوى الانتماء الطبقي، أو على مستوى العمالة الطبقية. أما المشاريع التي تساهم في تنمية اقتصادية / جماعية، تقود إلى تشغيل العاطلين، والمعطلين، وإلى إحداث حركة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية لفائدة سكان الجماعة، فغير واردة مطلقا، نظرا ل:

ـ كون الأعضاء الجماعيين، غير مؤهلين للقيام بدور تنموي معين.

ـ كون هؤلاء الأعضاء، لا يرقون أبدا إلى مستوى التفكير في أي تنمية تخدم مصالح الجماعة، بقدر ما يحرصون على نهب الثروات الجماعية لصالحهم، ولصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف.

ـ كونهم يعرفون الفساد الجماعي القائم في الإدارة الجماعية، فلا يعملون على وضع حد له، لتجنيب سكان الجماعة استمرار الإيذاء بسبب ذلك الفساد؛ بل يوظفون ذلك الفساد، لإضعاف قدرات السكان على المواجهة، والقبول بالذل، والهوان، من ممارسات الإدارة الجماعية.

ـ كونهم يخلصون في خدمة السلطة الوصية، التي أشرفت على الانتخابات المزورة، التي أوصلتهم إلى العضوية الجماعية، فيحضر في اهتمامهم الحرص على خدمة ما تريده السلطة الوصية، حتى تضع في اهتمامها كونهم يصلحون للاستمرار في خدمة مصالحها مستقبلا.

ـ خدمة مصالح الوافدين من خارج تراب الجماعة من البورجوازيين، والإقطاعيين، ممن تستفيد الجماعة من مداخيل مشاريعهم، التي ينجزونها في تراب الجماعة، حتى يتأتى لهم نهب تلك المداخيل.

ـ خدمة مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، النافذ في تراب الجماعة، حتى يقف مستقبلا وراء إعادة انتخاب نفس الأعضاء الجماعيين، الذين يخلصون في خدمتهم.

فتفقير سكان الجماعة، يعتبر مسالة استراتيجية، بالنسبة للمجلس الجماعي، وللإدارة الجماعية، مما يجعل التضليل الإعلامي ضروريا، للتغطية على ذلك التفقير، ومصدره، وحتى يعتقد سكان الجماعة أن التفقير الممارس عليهم يعتبر قدرا من عند الله، وأن الأعضاء الجماعيين، والنافذين من الإدارة الجماعية، لا يد لهم في ذلك. مع العلم أن هؤلاء الأعضاء الجماعيين، والنافذين في الإدارة الجماعية، كانوا لا يملكون شيئا، مما صاروا يملكونه من ثروات هائلة، قبل تقرير عضويتهم في الجماعة، وقبل توظيفهم في الإدارة الجماعية.

ولذلك، فالتضليل الإعلامي الجماعي يعتبر مسألة أساسية بالنسبة للإعلام الجماعي المفترض، نظرا لوظيفة ذلك التضليل، ولدوره في جعل سكان الجماعة لا يعيرون أي اهتمام لما يجري في جماعتهم، مهما كانت الشروط الموضوعية مجحفة، ومهما كان الوعي البديل للوعي المقلوب الذي يحملونه متقدما، ومتطورا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم