الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفيق يترشح للرئاسة... مرشح ل-الفلول- في انتخابات الدم

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2017 / 11 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لا يمكن الفصل بين ما يحدث في شبه جزيرة سيناء من فوضى أمنية والمشهد السياسي المصري في عمومه، وما إعلان الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق ترشحه للرئاسة في أعقاب مجزرة قرية الروضة في سيناء إلا أحدث دليل على تلك الصلة.
وعندما أمهل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس أركانه الفريق محمد حجازي 3 أشهر لبسط الأمن في سيناء، قلت إن الأمر يبدو على صلة بحسابات الانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها في أبريل أو مايو القادميْن لكي يبدو السيسي مرشحًا مُقنعًا يستحق الفوز باعتباره البطل الذي أنقذ البلاد من خطر الإرهاب، وليس لأنه من المؤسسة العسكرية. ولكن بعد إعلان شفيق نيته الترشح للرئاسة تأكد لي أن الأمر فعلًا يتعلق بانتخابات رئاسة ربما يجد فيها السيسي نفسه يواجه ليس فقط مرشحًا من العيار الثقيل في وزن أحمد شفيق، ولكن أيضًا سوف يجد نفسه في مواجهة رجال الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذين لا تزال أصابعهم تعيث في الأرض فسادًا.
ولكن مهلًا... أليس السيسي من رجال مبارك؟! أقولها بكل وضوح؛ كلا، السيسي ليس من رجال مبارك، ولا يسعى إلى إعادة رجال مبارك إلى الواجهة، بل في واقع الأمر يمكن القول دون أدنى مبالغة إن السيسي يقف من رجال مبارك موقف العدو. وبما أن الأمر يحتاج إلى الكثير من التوضيح، فسأحاول في الأسطر التالية إلقاء الضوء على بعض النقاط المحورية في المشهد السياسي المصري بما يوضح النقطة الأساسية في هذا المقال وهي أن ما يحدث في سيناء له علاقة مباشرة بالمشهد السياسي المصري في عمومه وبالانتخابات الرئاسية المقبلة على وجه الخصوص وبالحالة المصرية ككل.

الإرهاب المحكوم
عندما وقع حادث الواحات المأساوي، قلت إن العناصر الإرهابية يتحركون في مصر وكأنهم يتحركون في بيئة صديقة بالنظر إلى أن القياديين من هؤلاء العناصر يتحركون بين سيناء وليبيا عبر الأراضي المصرية بكل أريحية، وهو ما قالته مصادر أمنية مصرية في بيانات رسمية وليس اختلاقًا مني. وهناك حادث وقع في الواحات قبل سنوات راح ضحيته عشرات العسكريين المصريين على نقطة تفتيش قيل إن مرتكبيها من بين العناصر الإرهابية النشطين في سيناء وكذلك القادمين إلى مصر عبر الأراضي الليبية. وعندما وقعت واقعة قرية الروضة في بئر العبد، أعدت التأكيد على المعنى نفسه بأن الإرهابيين كانوا يتحركون في بيئة صديقة، وتساءلت عن مدى فاعلية الكمائن الأمنية إن كانت توجد من الأصل، وكذلك عن درجة اهتمام قبائل سيناء بدحر الإرهابيين وعدم توفير ملاذ آمن لهم أو على الأقل تركهم في ملاذاتهم الآمنة.
من الواضح للغاية أن مثل هذين الحادثين الكبيرين — وغيرهما في واقع الأمر — لا يمكن تنفيذهما إلا بدعم داخلي أو على الأقل بتواطؤ من بعض الجهات الداخلية. فمثلًا، لماذا لم تنطلق الطائرات العسكرية لتقدم الدعم الجوي لأفراد الشرطة في حادثة الواحات؟! في شريط الأخبار على قناة النيل للأخبار الحكومية كان الخبر التالي على الفور بعد خبر الحادثة هو أن القوات المسلحة نجحت في إحباط محاولة تهريب أقراص مخدرة إلى داخل البلاد. الأمر بدا وكأننا نعيش في عالم معكوس؛ فمكافحة المخدرات من مسئولية وزارة الداخلية في المقام الأول بالتعاون مع القوات المسلحة بينما مكافحة العناصر الإرهابية المسلحة بالشكل المنتشر في سيناء والقادم عبر الحدود المصرية الليبية هو من صميم اختصاصات القوات المسلحة على أن تتعاون فيه مع وزارة الداخلية. ولكن الحاصل كان العكس، وهو أن القوات المسلحة تكافح مهربي المخدرات تاركةً عناصر وزارة الداخلية في مواجهة الإرهابيين المدربين والمسلحين بما يكافئ تدريب الجيوش النظامية بل تسليحها كذلك في كثير من الأحيان.
الأصابع الداخلية واضحة للغاية في هذين الحادثين المروعين. ولا ريب أن الغرض واضح وهو إظهار السيسي بمظهر العاجز عن التصدي للتحديات الداخلية؛ فالإرهاب لا يزال يضرب بكل قوة في الجيش والشرطة والمدنيين لدرجة ارتكب معها أسوأ حادث إرهابي في تاريخ مصر المعاصر وهو حادث مسجد قرية الروضة الجمعة الماضية، بينما التحديات الاقتصادية والمعيشية يعرفها القاصي والداني في العالم؛ فلا أشك في أن المرء إذا سأل أحد المواطنين الصينيين المطلعين على الشئون العالمية عن الوضع الاقتصادي في مصر، لأجاب المواطن الصيني على الفور بأنه "وضع مأزوم".
هو إذن إرهاب محكوم وأزمات اقتصادية مفتعلة إلى حين. اللعبة ذاتها التي مورست ضد الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء حكم الإخوان المسلمين من جانب رجال مبارك المعروفين باسم "الفلول" بافتعال الأزمات، وهي الاستراتيجية التي برهن الإخوان المسلمون على غباء مطلق وحماقة لا نظير لها في التعامل معها. فماذا يفعل السيسي إزاءها إذن؟! وهل السيسي ليس من
"فلول" نظام مبارك؟!

السيسي ليس من الفلول... بل هو سيساوي!!
يمكن القول بكل اطمئنان إن السيسي ليس من فلول نظام مبارك؛ فهو جاء برجال له يدينون له بالولاء، ولكنه لم يستطع التخلص من رجال مبارك؛ لأن الرئيس المخلوع ونظامه كانا قد نشرا رجالهما في كل مكان بل كل مفصل في البلد بحيث بات الخلاص منهم بضربة واحدة شبه مستحيل.
فرح "الفلول"، عندما أطاح السيسي بالإخوان المسلمين، وظنوا أن الأوان قد حان لكي يدفع لهم السيسي المقابل. ولكن الأمور اختلفت كثيرًا عن حسابات ما قبل 30 يونيو؛ فالسيسي لم يرغب في إعادة صياغة نظام مبارك ببعض التحسينات، بل فضَّل أن يأتي بنظامه الخاص، ولن لأقول لأنه ينوي الخير بالبلاد، ولكن على أسوأ الفروض؛ لأنه يريد أن يؤسس إمبراطوريته الشخصية؛ فحسَّن من علاقاته مع الشرق والغرب ومع دول الخليج وإيران وراح يلعب على كل الأحبال؛ فهو ليس رجل الشرق ولا عميل الغرب. إنه السيسي يريد بناء إمبراطورية شخصية مستلهمًا روح محمد علي وعلي بك الكبير وغيرهما من أصحاب الطموحات التوسعية الإمبراطورية.
ضاق رجال الأعمال ورجال الأمن من أنصار مبارك ذرعًا بالسيسي، بخاصة بعدما بدأ يُدخل القوات المسلحة شريكًا أساسيًّا في قطاعات اقتصادية كانت حكرًا على مجموعة ضيقة من رجال الأعمال، ومن بينها قطاع الإنشاءات مثل بناء مشروعات الإسكان الاجتماعي، وكذلك قطاع المشروعات الاستراتيجية مثل قناة السويس.
كذلك فإن استقرار مصر ولو في يد طاغية ليس من المحبب عند بعض القوى الدولية من بينها بريطانيا التي تريد مصر دومًا فريسة للاضطرابات سواءً السياسية أو الاقتصادية. استمرار السيسي في الحكم يحقق الاستقرار النسبي للبلاد كطاغية يسيطر على مقاليد الأمور. لكن السادة القابعين في مقرات المخابرات ومراكز صنع القرار في الخارج لا يريدون لمصر أن تستقر. فعلى سبيل المثال تدخل الروس لمصلحة بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، ولكنهم لم يتدخلوا لكي يجعلوه يحكم سيطرته على البلاد تماما، بل حاربوا الجماعات المتشددة، وحققوا له بعض الانتصارات التي كفلت له استعادة التوازن السياسي والعسكري في مواجهة قوات المعارضة المسلحة المدعومة خليجيًّا وأمريكيًّا. الأمر نفسه يُطبَّق مع السيسي؛ يُقدَّم له الدعم ولكن ليس بالدرجة التي تتيح له القضاء على الخصوم بحيث يظل هناك دومًا من يقلقل الاستقرار في مصر.
وهنا يأتي دور شفيق.

انتخابات الدم
يأتي هنا دور الفريق أحمد شفيق باعتباره البديل المنتظر أو الفزاعة التي يُلوَّح بها في وجه السيسي لإخافته وزعزعة استقرار نظامه المهتز أساسًا بسبب الضربات الأمنية والاقتصادية المتوالية التي سبق أن تساءلنا عن مدى احتمال جسم مؤيدي السيسي لها؛ فكل جسم له قدرة على الاحتمال، والضربة التي تصيب الجسم لا تتركه كما كان قبلها، وبالتالي تضعف قدرته بتوالي الضربات إلى أن يحين السقوط النهائي. لن يسمح أحد بسقوط مصر نهائيًّا، كما لن يسمح أحد بأن تنتصب قوية نهائيًّا؛ فسقوط مصر سوف يحدث دويًّا هائلًا سوف يتردد صداه في العالم كله ولفترات طويلة. لذلك، يسقط السيسي، ولكن لا تسقط مصر.
لهذا يكتسب أحمد شفيق أهمية؛ فهو العدو الجديد للقائم على حكم مصر؛ بحيث يحل محل الإخوان الذين أسقطهم السيسي بضربة فنية قوية في اعتصام رابعة العدوية والنهضة، وإحكام القبضة على مقاليد الأمور إلى حين؛ مما أحبط من كانوا يراهنون على الإخوان المسلمين كحليف جديد؛ حيث يحل شفيق محل الإخوان، مثلما أحل الأمريكان الإسلامَ محل الشيوعية كعدو عالمي لتبرير تدخلهم في شئون الدول وهيمنتهم على العالم. الخطة نفسها تُطبَّق، ولكن على مستوى محلي!!
يأتي شفيق ليلعب دور عنصر الاختبار؛ فإما أن ينجح السيسي في الاختبار ويتجاوزه، وإما أن يسقط ويحل محله شفيق ليلعب رجال السيسي دور فلول النظام الجديد، وتظل مصر في هذه الدوامة.
هي انتخابات يحكمها الدم إذن، وهذا هو الحال في مصر منذ ما جرى في يناير 2011؛ فلم يكن شفيق يستطيع أن يعلن ترشحه للبلاد قبل مثل تلك الأحداث الدموية. ولم يكن السيسي يستطيع أن يترشح للانتخابات لو لم تسل الدماء أنهارًا في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ولم يكن الإخوان ليصلوا إلى الحكم لو لم يستغلوا دماء من سقطوا في أحداث محمد محمود وقصر العيني.
سيظل الوضع في سيناء ملتهبًا ومتوترًا ما دام الوضع السياسي في مصر ملتهبًا ومتوترًا في صراع النفوذ والمصالح بين القوى المتنفذة أمنيًّا واقتصاديًّا في مصر، وكذلك بين النظام الحاكم والمعارضة ممثلة في الإخوان المسلمين. ولكن إذا نجح الفريق محمد حجازي في أداء تكليف السيسي له بإحلال الأمن في 3 أشهر، لن يستطيع شفيق تحقيق الانتصار في الانتخابات، بل قد يعلن انسحابه منها قبل انطلاق صافرة بدء السباق.
وإلى هذا الحين... هل على المصريين انتظار نزيف جديد؟! وإذا نجح الفريق حجازي في مهمته، ما الذي يضمن عدم تحرك الأصابع مرة أخرى؟! هل يستطيع السيسي التصدي لكل تلك الهجمات؟! هل لدى المجتمع المصري طاقة الاحتمال للتعامل مع كل عمليات الإنهاك المقصودة وغير المقصودة التي يتعرض لها؟! كلها أسئلة بعضها له إجابة والبعض الآخر لن تأتي إجابته إلا بعد سنوات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا