الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كامب ديفيد، صانع الإرهاب في سيناء

سفيان بنحسن

2017 / 11 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


مع الرصاصة الأخيرة في حرب العبور سنة 1973 كانت سيناء تحتضن ثمانين ألفا من الجنود المصريين ونحو ألف دبابة أو يزيد قبل أن يأمر السادات بسحب كل هذا العدد والعتاد تمهيدا للركض خلف سراب السلام مع العدو، وتمخضت المساعي التي رعاها البيت الأبيض على قرارات وإتفاقيات أولها قرار مجلس الأمن رقم 338 الداعي لوقف إطلاق النار ثم تلته بعد أشهر قليلة إتفاقية فك الإشتباك الأولى التي تم توقيعها في جينيف ونصت على إعادة إنتشار القوات المصرية المتمركزة في شبه الجزيرة وعلى سحب المتسللين من قوات الكيان الصهيوني إلى غرب القناة ولو أن الواقع العسكري كان يشير إلى أن تلك القوات كانت بين فكي كماشة الجيش والمتطوعين العرب في أطراف الإسماعلية وأن سحب الجنود الصهاينة كان مطلبا صهيونا غربيا بعد أن نجح اللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثاني في إستدراج قوات شارون إلى حرب عصابات كان التفوق فيها للجندي العربي. بعد عام ونصف العام من إتفاقية فك الإشتباك الأولى وافقت مصر على السماح بمرور البضائع والسفن الصهيونية مقابل مزيد من التراجع للقوات الصهيونية نحو الشرق ومقابل توسع قوات الأمم المتحدة في شبه الجزيرة المصرية.
توج السادات تقهقره السياسي بإتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 و معاهدة السلام سنة 1979 التي تنص على تقسيم شبه الجزيرة إلى ثلاث مناطق يتم في كل واحدة منها تحديد العدد الأقصى للقوات المصرية المسموح بها لتكون المنطقة الحدودية التي عرّفتها الإتفاقية بالمنطقة "ج" شبه منزوعة السلاح محرمة على الجيش المصري تتولى فيها الشرطة المصرية ضبط الأمن بأسلحتها الخفيفة، فكانت هذه المنطقة بيئة ملائمة لإنتشار الجريمة والمخدرات والتطرف في ظل غياب الدولة، ولا نحسب أن تقييد عدد القوات المصرية المرابطة في سيناء وإبعادها عن حدود فلسطين كان الهدف من ورائه تجنب الإشتباك مع العدو بل يتجاوزه إلى اهداف أخرى يمكن تلخيصها في نقطتين:
• الأولى إيجاد بيئة ملائمة للجماعات المناوئة للأنظمة الحاكمة لتتحرك عسكريا دون أن تطالها يد الدولة المكبلة بإتفاقيات السادات والتمهيد لإغراق مصر في مستنقع حروب العصابات
• الثانية تهيئة سيناء لتكون في مرحلة أولى عبئا على الدولة المصرية وفي مرحلة ثانية وطنا بديلا ووحيدا للفلسطينيين لإقامة دولتهم والتخلي عن فلسطين التاريخية للقادمين من وراء البحار ولبقايا إمبراطورية الخزر الغابرة
بعد عقود من الإتفاقية المشؤومة بات جليا أن القيادة المصرية لم تتسم بالنضج الكافي آنذاك ومكنت الصهاينة من تحقيق ما عجزوا عنه إبان نكسة 67، ففي حين حافظ عبد الناصر على ثقافة الصراع ونجح ديبلوماسيا في الثأثر من الهزيمة العسكرية ثم في خوض معارك الإستنزاف بإقتدار وفي تهيئة الشارع لحرب وجودية طويلة المدى فإن خليفته قد حول نصر الجندي المصري إلى أكبر نكبة سياسية في التاريخ الحديث لا تزال الأمة تعاني من ويلاتها إلى اليوم، ولعل الإرهاب الذي يفتك ببقايا الجيش في سيناء وبالمدنيين الأبرياء هو النتيجة الأكثر تجليا لمعاهدة كامب ديفيد التي حولت شرق السويس إلى أرض بلا سيادة ولا دولة يسهل على العصابات الإجرامية أو التكفيرية أو تجار المخدرات السيطرة عليها وتحويلها إلى مناطق حاضنة لهم.
نفهم أن تنتشر التنظيمات الإرهابية في ليبيا التي غابت فيها الدولة مع غزو الناتو ونفهم أن تغيب السلطة المركزية في معظم أراضي العراق الذي عانى من ويلات الإحتلال واذنابه ونفهم يقينا سبب إنتشار العصابات في الصومال الذي أنهت القوات الأمريكية وجوده كدولة قابلة للحياة لكن أن تتمكن العصابات الخارجة عن القانون من توجيه ضرباتها النوعية والمستمرة نحو القوات المصرية وهي العظيمة بعددها وعتادها فهذا لا يبرره إلا شروط إتفاقية السلام التي تفرض على الجانب المصري الإلتزام بأعداد ضئيلة من القوات في هذه المساحة الشاسعة، ونعتقد أن عودة سيناء إلى حضن الوطن وإلغاء أو مراجعة إتفاقية السلام سيكون كفيلا بإعادة الأمن إليها، وفي غياب الدولة فإن إلقاء اللوم على البدو وإتهامهم بالتعامل مع المتمردين سيكون كفيلا بدق إسفين بين المصري غرب قناة السويس والمصري شرقها وسيدفع نحو قيام قومية سيناوية لا تعترف بالوطن الأم ولا يعترف هو بها وهو ما من شأنه أن يخدم المشروع الصهيوني الداعي إلى توطين الفلسطينيين في شبه الجزيرة أو ما وصفه الجنرال الصهيوني المتقاعد "غيورا آلاند" في مبادرته المنشورة بمركز بيجين-السادات سنة 2010 بتوسعة قطاع غزة على حساب مناطق من سيناء معللا ذلك بعدم قدرة القطاع على تحمل الزيادة المطردة لسكانه، فلتدفع مصر وفق المبادرة الصهيونية ثمن الإنفجار السكاني عوض أن يدفعه الإحتلال.
الإرهاب في سيناء ليس وليد اليوم ولا هو وليد مرحلة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، هو قديم قدم الوجود الصهيوني في فلسطين، مكنته إتفاقية السلام من تثبيت أركانه في شبه الجزيرة بإلغاء وجود الدولة المصرية، والغارات الجوية التي ينفذها الطيران المصري بعد كل عملية إرهابية تقتصر جدواها على التسويق المحلي ليوهم الحاكم شعبه بصلابة قبضته الحديدية على البلاد، لكن واقع الأمر أن العمليات الإرهابية ستستمر وقد تتحول إلى حرب إستنزاف طويلة وأن الحل يكون فقط بالدفع بالقوات المصرية إلى تكثيف الإنتشار في سيناء والضرب عرض الحائط بالتقسيمات التي فرضتها كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي لم تحرر شبه الجزيرة من الإحتلال الصهيوني وإنما مكنت المحتل من إلتقاط أنفاسه وتغيير صبغته ليتحول إلى ما يشبه الطاعون الذي يخفى وهو يستشري.

[email protected]
سفيان بنحسن
تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن