الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار - العدد 10

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2017 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية





المسار- العدد (10)- تشرين ثاني/نوفمبر2017

الافتتاحية:
آفاق التسوية السورية
بعد مضي ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في درعا خرج النظام بتصور ان المعركة طويلة وستمتد لسنوات ووضع خططا مرحلية سياسية واعلامية وشعبية وحتى عسكرية بعضها فشل وبعضها حقق نجاحات متفاوتة الا انه من بين الاطراف المتصارعة لم تغب عن رؤيته استطالة الازمة مما ساعده في الحد من خسائره بمعونة اقليمية ودولية،كان التدخل الروسي ابتدأ من 30ايلول 2015 الرافعة والمقود الذي ادار الاحداث فماذا تبدو الافاق في نهاية 2017؟
يبدو مسار استانا قد وصل الى مراحله الاخيرة، بلا شك سيظل ينعقد دوريا وستكون على اجندته بنود مهمة مثل المعتقلين والسجناء وايصال المساعدات الانسانية ولكن مهمته الاساسية رسمت حدودها وآتت أكلها وتثمير هذه الانجازات على الصعيد السياسي والميداني يجري تحقيقه واظهاره تباعا بما يخدم البلدان الضامنة وخصوصا روسيا التي بعد ان كانت سندا للنظام فقط تحاول ان تجذب الفصائل المسلحة تباعا تحت مظلتها بموافقة تركية وتصبح بمرور الوقت مرجعية النظام والمسلحين وذات إثر جيد على الكرد لتكمل اضلاع القوة الميدانية.
وبما يخص الدول ان انضمام السعودية الى الجهود الروسية في عقلنة خطاب المعارضة وعبر الضغط لتشكيل هيئة جديدة وتحجيم المتشددين سياسيا بما يشبه تعبيد الطريق لاستعادة الحل السياسي في جنيف تكون الامور للمرة الأولى قد نضجت لإطلاق حل تفاوضي حقيقي قد يكون توقيته هذا الشتاء أو الربيع ليكون الصيف تنفيذا لما يتفق عليه.
ما حاول الروس قوله منذ 2011وأوضحوه بتدخلهم العسكري انهم لن يسمحوا بسقوط دمشق بأيدي الاسلاميين وان هذا المشروع يجب ان يتوقف عند حدود دمشق وانهم يتفهمون مصالح الدول الاقليمية في سوريا، هذا الذي فهمته اسرائيل وعملت على التنسيق مباشرة مع روسيا وكذلك الولايات المتحدة عبر الاتفاقات العسكرية حول مناطق الطيران، هذه النقطة تأخرت كثيرا تركيا في فهمها فبعد اسقاط الطائرة الروسية والعقوبات الروسية وتقليم الاظافر التركية في سوريا توصل البلدان لاتفاقات اهمها حول سوريا تضمن المصالح التركية.
ان تحييد قطر عن موازيين القوة في الشأن السوري أضعف الاخوان المسلمين اجمالا كما ان هزائمهم الميدانية وأخرها هزيمة احرار الشام أحد الوجوه العسكرية للإخوان امام(هيئة تحرير الشام - جبهة النصرة وحلفائها) اوضح هزالة وضعها العسكري والميداني ويضاف الى قائمة اخفاقاتها السياسية وما سببته من كوارث للحراك في سوريا ودفعه للعسكرة والاصطدام بالحائط. ان الائتلاف وهو الواجهة الشرعية للإخوان وشركاه فشل في العمل السياسي فضلا عن الميداني وان اجترار أي طريقة مشابهة للفترة المقبلة سيكون نتيجته القضاء على أي امل ديموقراطي في سوريا.
هنا لابد من القول ان الائتلاف والمسلحين قد فشلوا في الاقتراب من اهدافهم ولم يبقى امامهم سوى الحل السياسي وهذا هو مشروع هيئة التنسيق الوحيد (يجب عليها قيادة التشكيل الجديد بدون مخاوف).إن بدء أي هيئة جديدة للحل يجب ان يحظى بخطة واضحة وكادر مفاوض كفء للحد من خسائر المعارضة.
من المفيد الاشارة الى انه حاليا لا يوجد خلاف استراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا وهذا ما عبر عنه بوتينفي سوتشي: إن بلاده "تحافظ على تعاون راسخ" مع الولايات المتحدة في سوريا، على الرغم من الخلافات بين الجانبَين، مضيفاً أن هناك "عناصر إيجابية أكثر منه سلبية" في هذا التعاون. كما أن حديث تيلرسون امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عن امكانية اضافة منطقة خفض تصعيد جديدة في سوريا يشير الى وقوف الولايات المتحدة كعنصر ضمني في اتفاقات استانا.
روسيا وعلى خلاف جميع الدول المتصارعة لم تكتف بالعمل العسكري بل عملت استراتيجيا على اقامة شبكة تحتية من الاتفاقات من استانا الى المصالحات المناطقية الى توزيع المساعدات وربطها بالحلول الجزئية مع ضمان تأثيرها على المعارضة السياسية , وتشكيل منتديات ومؤتمرات كما في سوتشي، كل ذلك يدفع لواقع جديد لا بد أخذه في الاعتبار في جنيف وايضا بلورة هذا الواقع في حال فشل جنيف لتقع المعارضة في نفس سوء الفهم الذي وقعت به تركيا عند بدء التدخل الروسي أي ان جنيف المقبل فرصة لتشكيل سوريا جديدة بمشاركة المعارضة وفي حال فشل الهيئة الجديدة او في حال عدم واقعيتها وتشددها سيمضي المشهد السوري لواقع جديد لا تأثير مهم للمعارضة فيه.


تفكيك الدول
محمد سيد رصاص
جريدة "الحياة"-30تشرين أول2017
في العصر الحديث كانت الحالات الأساسية لتفكيك الدول تتم بشكل رضائي: الهند عام1947لماوافق جواهر لال نهرو زعيم "حزب المؤتمر "، وأبوالكلامآزاد زعيم "الرابطة الاسلامية لعموم الهند "المضادة للرابطة الاسلامية بزعامة محمد علي جناح المطالبة بالانفصال وانشاء دولة باكستان، على خطة انتقال السلطة البريطانية على الهند التي وضعها في حزيران/يونيو1947نائب الملك اللورد مونتباتن، وهوما قاد إلى اعلان دولتي باكستان والهند في يومين متتابعين بمنتصف آب/أغسطس اللاحق. الاتحاد السوفياتي الذي أعلن تفككه رسمياً في يوم26كانون أول/ديسمبر1991عبر اتفاق رضائي بين اثني عشر من الجمهوريات السوفياتية ،بعد أن وافق المركز السوفياتي بموسكو في أيلول/سبتمبر1991على استقلال جمهوريات البلطيق الثلاث.في1كانون ثاني/يناير1993تم تفكيك جمهورية تشيكوسلوفاكية رضائياً لتتولد عنها جمهوريتي تشيكيا وسلوفاكيا.في9كانون الثاني/يناير2005تم توقيع (اتفاقية نيفاشا ) بين الحكومة السودانية في الخرطوم و"الحركة الشعبية لتحرير ما قاد رضائياً وفقاً لبنود تلك الاتفاقية إلى فترة انتقالية بدأت في 9تموز/يوليو2005تضمنت حكماً ذاتياً لجنوب السودان مع مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة المركزية ثم حصل انفصال الجنوب رضائياً عبر استفتاء لتقرير المصير للجنوبيين قاد إلى انشاء الدولة الجنوبية بيوم9تموز/يوليو2011.
هناك حالات أتى فيها الرضا والإقرارالاعترافي بالانفصال عبر واقع ارغامي:بعد هزيمة الجيش الباكستاني في حرب الأسبوعين بالشهر الأخير من عام1971في باكستان الشرقية ،التي طالب سكانها البنغال بالانفصال عبر تشكيل حكومة مؤقتة وحرب عصابات لثمانية أشهر قبل أن يتدخل الجيش الهندي لمساندتهم قام رئيس الوزراء الباكستاني ذوالفقار علي بوتو في اتفاقية سيملا(2حزيران/يونيو1972)مع رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي بالاعتراف بجمهورية بنغلادش في النطاق الجغرافي لباكستان الشرقية وهوما سمح بأن تأخذ الجمهورية الجديدة مقعدها في منظمة الأمم المتحدة. كان أحد بنود الاتفاقية هو الافراج عن 93ألف جندي باكستاني وقعوا أسرى عند الهنود بمافيهم قائد القوات في باكستان الشرقية الجنرال نيازي. بدأ تفكك يوغسلافيا كدولة في يوم25حزيران/يونيو 1991مع اعلان جمهوريتي كرواتيا وسلوفينيا الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي الذي كان يسمى (جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية) وكانت تضم ست جمهوريات واقليمين للحكم الذاتي ضمن نطاق جمهورية صربية:(كوسوفو) ذو الغالبية الألبانية، و(فولفودينا) ذو الغالبية المجرية. نشأ تصادم مسلح في الجمهوريتين مع الجيش اليوغسلافي الذي يغلب عليه الصرب. في أيلول/سبتمبر أعلنت جمهورية مقدونيا الاستقلال. في 29شباط/فب راير1992تم تنظيم استفتاء في جمهورية البوسنة والهرسك حول الاستقلال قاطعه الصرب بتلك الجمهورية وهم يشكلون ثلث السكان. بين نيسان1992-وحتى توقيع اتفاقية دايتون بالشهر الأخير من عام 1995اندلعت الحرب البوسنية بين الثالوث: المسلم-الصربي-الكرواتي بالتوازي مع الحرب في اقليم كرايينا بين الكروات والصرب داخل أراضي جمهورية كرواتيا عند الساحل الأدرياتيكي. في عام1999حصلت حرب كوسوفو التي قادت عبر التمرد الألباني على الصرب إلى حرب بين حلف الأطلسي وجمهورية صربيا التي ظلت تحتفظ باتحادها الثنائي مع جمهورية الجبل الأسود بالاسم القديم للجمهورية اليوغسلافية. لم يحصل الاتفاق الرضائي على تفكيك الدولة اليوغسلافية إلا بعد تسع سنوات من جريان أنهار من الدماء وليأتي هذا بعد السقوط الانتخابي للزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في 24أيلول/سبتمبر2000بأربعين يوماً عندما احتلت (يوغسلافية الفيدرالية بجمهوريتيها الاثنتين) مقعدها في الأمم المتحدة ثم تبعتها الجمهوريات اليوغسلافية الأربع الأخرى في حزيران/يونيو2001، وقد قدمت خرائط العضوية للأمم المتحدة حسب خرائط الجمهوريات القديمة اليوغسلافية السابقة. في حزيران/يونيو2006انفصلت جمهورية الجبل الأسود رضائياً عن اتحادها مع جمهورية صربيا.
لم تقد الحروب اليوغسلافية إلى الدماء فقط بل قادت إلى طرح مشكلات ومعضلات أمام القانون الدولي: أمام طلب الوسيط لشؤون يوغسلافيا اللوردكارينغتون تم تشكيل لجنة تحكيم بدءاً من تاريخ27آب/أغسطس1991ولمدة عامين تاليين من قبل وزراء المجموعة الاقتصادية الأوروبية عرفت باسم (لجنة بادينتور) نسبة لرئيسها الفرنسي وكانت خماسية العضوية مع ألماني واسباني وايطالي وبلجيكي. قدمت هذه اللجنة عشرة افتاءات تحكيمية للمؤتمر حول يوغسلافيا. كان من تلك الفتاوي القانونية التحكيمية:(هناك حالة من وراثة دولة ناتجة عن حل جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية- لا يمكن تغيير الحدود بين الجمهوريات الست من دون اتفاقيات رضائية بينها- الصرب والكروات في جمهورية البوسنة والهرسك ليس لهم حق تقرير المصير بل فقط حقوق الأقليات والمجموعات الإثنية- لا يمكن لأي من جمهوريات يوغسلافيا السابقة أن ترث مقعدها في المنظمات الدولية بل تأخذ كل منها كرسي جديد في تلك المنظمات).بناء على التوجهات التي أرسلتها (لجنة بادينتور)صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 777في19أيلول/سبتمبر1992والذي اعتبر "جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية في حالة توقف عن الوجود ".
ثبتت (لجنة بادينتور) الحالة الرضائية لتفكيك الدول ولوأن هذا في الحالة اليوغسلافية قد حصل على ايقاع الدم. كان لفتاوي تلك اللجنة أبعاداً أكبر عندما حددت (حق تقرير المصير حصرياً ضمن حدود الجمهوريات الست اليوغسلافية السابقة).لم يقد هذا فقط إلى الرفض الدولي لجمهورية صرب البوسنة المعلنة من طرف واحد وإنما تم الاستناد عليه لصالح جمهورية صربيا والصرب عندما أعلن اقليم كوسوفو عام 2008الاستقلال عن بلغراد بعد استفتاء وكان رأي (لجنة بادينتور)هو الحائل ،مادامت الحالة الكوسوفية انفصالاً غير رضائي وبالتالي فهو (حق تقرير مصير غير رضائي ولايقوم على الرضا المتبادل مع المركز بل يجري لتقسيم جغرافية معترف بها دولياً)،أمام قبول جمهورية كوسوفو في الأمم المتحدة رغم اعتراف ماينوف عن مئة دولة بها ومنها الولايات المتحدة الأميركية. كانت حالة كوسوفو مثل حالة جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة منذ عام1983،من حيث أنهما يمثلان خرقاً للحدود المعترف بها دولياً من قبل أعضاء هيئة الأمم المتحدة عندما يتم ليس فقط القبول والاعتراف بالدولة في ذلك المبنى بنيويورك ككيان سياسي- معنوي وإنما أيضاً ككيان جغرافي محدد الحدود(أو موضع نزاع حدودي في نقطة جغرافية كمافي حالة لواء إسكندريون بين سورية وتركية في الخريطة التي قدمتها الدولة السورية عام1945عند قبول عضويتها في هيئة الأمم المتحدة )،وهو لا يمكن تجاوزه إلا عبر الرضا المتبادل بين أطراف الجغرافية المتفككة،كمافي الأمثلة السوفياتية والسودانية.
أثار المثال اليوغسلافي قضايا عدة: أولها أن ليس هناك من (دولة وريثة) للدولةالقديمة وهوما رأيناه في المثال العثماني أيضاً عندما لم تؤدي معاهدة لوزان عام1923مع مصطفى كمال أتاتورك من قبل الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى إلى أن تكون (أنقرة)وريثة (اسطنبول)عاصمة الدولة العثمانية بل عاصمة دولة جديدة هي الجمهورية التركية. في حالة الدولة الهندية المعلنة بيوم15آب /أغسطس1947كان هناك وراثة ل (الهند البريطانية) التي تم فصل بورما عنها عام1937، فيما لم تكن باكستان في تلك الحالة للدولة الوارثة أوالتي تمثل استمرارية. كانتباك ستان1972وريثةلباكستان14آب1947ول يستبنغلادش. في عملية التفكيك الرضائي للاتحاد السوفياتي اتفقت الجمهوريات الاثنا عشر السوفياتية السابقة على أن يرث (الاتحاد الروسي) مقعد الاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن وأسلحته النووية وديونه والتزاماته. اعتبرت جمهوريات البلطيق الثلاث: ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا أنها استمرار لوضعياتها الثلاث كجمهوريات مستقلة قام ستالين بدمجها بالقوة عام1940في نطاق الاتحاد السوفياتي إثر المعاهدة الألمانية-السوفياتية وأنها ليست استمراراً للحالة السوفياتية السابقة.
ليست(أربيل)و(برشلونة) خارج السياقات السابقة....
______________________________________________________

نشأة الدول وزوالها

تعريف الدولة: الدولة هي مؤسسة سياسية وقانونية، تقوم حين يقطن مجموعة من الناس بصفة دائمة في إقليم معين، ويخضعون لسلطة عليا تمارس سيادتها عليهم.
يمكن ان نستنتج من هذا التعريف أن مقومات قيام الدولة هي التالية: 1ـ العنصر البشري ـ2ـالعنصر المادي ـ 3ـ العنصر التنظيمي
أولا"ـ العنصر البشري أو الشعب: هو مجموعة من الأفراد من كلا الجنسين يعيشون معا"، بصرف النظر عن العرق أو الأصلأوالدين أو اللغة، وهذا ما يميز الشعب بالمعنى القانوني، عن المعنى الاجتماعي أو القومي. في المعنى القانوني يشترط لوجود شعب "ما "وحدة أفراده في العرق والتاريخ واللغة والدين والأماني والآلام، وهذا النوع من المعنى الاجتماعي للشعب أقدم تاريخيا"، وكان له تأثير كبير جدا" في تطور الدول في العصر الحديث. واعتبر الفقيه الإيطالي " مانشيني": أنه من الواجب أن تعطى كل أمة حق تكوين دولة وأن تقسيم العالم يجب ان يستند إلى القوميات. "وكان هدفه من ذلك تحقيق الوحدة الإيطالية.
كان لمبدأ القوميات الأثر الإيجابي الكبير في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث أدى الاخذ به إلى تحرر الكثير من الشعوب من الاستعمار الأجنبي {رومانياـ بلغارياـ تشيكوسلوفاكيا ـ ....}. ويعتبر مبدأ القوميات من أهم أصول حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي أخذ الصفة القانونية في ميثاق الأمم المتحدة، أما في العلاقات الدولية فلا يشترط وجود تطابق مفهوم الشعب القانوني مع مفهوم الشعب القومي، فليس ذلك شرط أساسي لقيام الدولة، فهناك دول تضم شعوبا "بالمعنى القومي { سوريا ـ لبنان ـ اقطار عربية أخرى } وهناك دول تضم أكثر من شعب واحد بالمعنى نفسه {الاتحاد السوفييتي السابق } ، وسوا ء وجدت الرابطة القومية أم لم توجد فإن جميع أفراد الشعب في الدولة الذين يرتبطون معها برابط سياسي وقانونييتمتعون بجنسية هذه الدولة ويترتب على ذلك التزامات متقابلة بين الفرد والدولة.
فالجنسية هي المعيار للتفريق بين الأجنبي والوطني، ولا يشترط القانون الدولي حدا" أ دنى لعدد افراد شعب الدولة فهناك دولا "لا يزيد عدد أ فراد شعبها على بضعة ألاف {الفاتيكان ـ موناكو}
وهناك دولا "يتجاوزعدد سكانها مئات الملايين {الصين ـ الهند}
ثانيا"ـ العنصر المادي ا الإقليم: لابد لوجود الدولة من أن يكون لها إقليم محدد يقطن عليه شعبها بصورة دائمة، والمقصود بالإقليم هو البقعة المحددة من الأرض التي تمارس عليها السلطة في الدولة سيادتها، ويضاف اليها أيضا" الرقعة من الماء التي تحاذي سواحلها الى مدى يقره القانون الدولي وتسمى المياه الإقليمية، وفضاء" وجوا"يعلوالأرضوالماء {الفضاء الجوي الإقليمي}. لا يهتم القانون الدولي لسعة الأرض التي تشكل إقليم الدولة، وإنما يهتم القانون الدولي بتحديد هذا الإقليم أي بكونه محصورا "ضمن حدود معينة من الجهة الحقوقية، ولا تكفي اتفاقيات الهدنة مثلا "لتحديد إقليم دولة، بل ينبغي أن تكون الحدود مرسومة بموجب معاهدات، أو وثائق دولية، ولا يهم أن يكون إقليم الدولة مؤلفا "من أقسام متباعدة، ما دامت حدود هذه الأقسام محددة بشكل صحيح قانونا"وترتبط ببعضها بسلطة سياسية واحدة.
اكتساب الإقليم في القا نون الدولي: يتم اكتساب الإقليم في القانون الدولي بعدة طرق:
1ـ الاستيلاء: هو إدخال الدولة في حيازتها المادية إقليما "غير مملوك لدولة ما بقصد فرض سيادتها عليه، وهذا الطريق بكسب الإقليم غير موجود الآن، وكان هذا السلوبمتبعا "منذ القديم لعدم فرض السيطرة على كل الأرض من قبل الدول.
2ـ الإضافة: ويكون عندما تضيف الدولة مساحات جديدة إلى إقليمها الأصلي بفعل عوامل طبيعية أو بفعل الإنسان {الحواجز البحرية مما يؤدي إلى ازدياد إقليم الدولة لأن مياهها الإقليمية تقاس هنا من نهاية الحواجز}، أو إضافات طبيعية كنشوء جزر جديدة في المياه الإقليمية
3ـ التنازل: هو تخلي دولة لدولة أخرى عن سيادتها على إقليم معين بمقتضى اتفاق بينهما، وهو قد يكون بمقابل بالمبادلة او البيع { كتنازل بريطانيا لفرنسا عنالسافوادينس عام 1860مقابل أن تتنازل فرنسا لها عن مقاطعة لومبارديا، وكتنازل رومانيا لروسيا بموجب معاهدة برلين 1878عن إقليم بسا ربيا مقابل تنازل روسيا عن جزر دلتا الدانوب وإقليم دوبرها} أما التنازل بالبيع فمثاله{ تنازل نابليون عام 1803 عن مقاطعة لويزانا للولايات المتحدة مقابل ستين مليون فرنك، وتنازل روسيا لها عن إقليم ألاسكا عام 1867 مقابل سبعة ملايين دولار}
4ـ الفتح: هو إخضاع دولة لإقليم دولة أخرى كلا" أو بعضا "بواسطة القوات المسلحة للدولة الفاتحة وضمه إلى إقليمها، وقد أصبح هذا السلوب غير مشروع في عهد هيئة الأمم المتحدة
وتأكد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة <م2/4>.
5ـ التقادم: وهو وضع اليد لمدة طويلة على إقليم يخضع بالفعل لسيادة دولة أخرى، واختلف فقهاء القانون الدلي حول هذا الأمر، غير ان غالبية الفقه يميل إلى تقرير وجود نظام التقادم في القانون الدولي ويتبر الفقيه " اوبنهايم"أن التقادم المكسب يجب أن يكون باكتسابالسيادة على إقليم ما عن طريق ممارسة السيادة الفعلية عليه، على نحو مستمر وغير متنازع عليه ولفترة من الزمن تكفي لتخلق الشعور العام بأن الوضع القائم هو الوضع الذي يتفق مع القانون الدولي.
تستمر الدولة في الوجود ولو فقدت حكومتها السلطة على إقليمها مؤقتا "لظروف خارجة عن إرادتها، كما لو احتل اقليمها بواسطة عدو مهما كانت مدة الاحتلال فالدولة تبقى ما دام تنظيمها السياسي لا يزال متماسكا "ويمارساختصاصاته على رعاياه الموجودين خارج الإقليم، وهذا ما حصل في حرب 1914بالنسبة لبلجيكا، وما حصل بعد الحرب العالمية الثانية بالنسبة للنروج وما حصل في عام 1967 مع<إسرائيل> بالنسبة لمصر وسوريا والأردن.
ثالثا"ـ العنصر التنظيمي أو السيادة: يشترط أيضا "لوجود الدولة قيام هيئات حاكمة منظمة تتولى ممارسة السيادة على رعاياها، والهيئة الحاكمة هي التي تؤكد وحدة الدولة وتظهرها في مواجهة الدول الأخرى، والسيادة هي حالة كون الحكومة في الدولة السلطة العليا المستقلة عن أي سلطة أخرى، سواء في تصرفاتها داخل الدولة أم خارجها دونما قيد على هذه السلطات، إلاَما يمليه القانون الدولي.
أشكال الدول
للدول عدة أشكال منها:
أولا"ـ الدول البسيطة: تكون الدول بسيطة عندما تكون موحدة سياسيا" ولو كانت مقسمة إداريا"{سوريا}، وقد تكون مؤلفة من أقاليم متباعدة {باكستان كانت دولة بسيطة رغم تكوينها من شطرين لا اتصال بينهما} {الجمهورية العربية المتحدة}
ثانيا ـ الدول المركبة{الاتحادية}: هي التي تتألف من أكثر من دولة واحدة تتصل ببعضها بطريقة تأخذ معها في المجتمع الدولي شكل الشخص ا لدولي الواحد، وهناك عدة أشكال من الاتحادات كما عرفَها فقه القانون الدولي.
1 ـ الاتحاد الشخصي: هو اتحاد بين دولتين فأكثر ويكون على رأسها جميعها ملك واحد مع احتفاظ كل منها بسيادتها الكاملة وتنظيمها الداخلي المستقل، فلا يكون الاتحاد الشخصي دولة واحدة لأن الدول الداخلة فيه تحتفظ بشخصيتها القانونية كاملة وبكل إ اختصاصات الدول الخارجية والداخلية، وهذه الاتحادات جاءت نتيجة لقواعد الوراثة الملكية وذلك باجتماع حق وراثة العرش لدولتين في أسرة ملكية واحدة،وهذا النوع من الاتحاد لم يعد موجودا" الأن{الاتحاد الذي كان بين اسكتلندة وانكلترة عام 1603ـ1707} و {الاتحاد بين هولانداواللكسمبورغ 1815ـ 1890} و{ اتحاد بلجيكا والكونغو الحرة عام 1885 ـ1908}
2 ـ الاتحاد الحقيقي: الاتحاد الحقيقي ليس بحد ذاته دولة، ولكنه كاتحاد بين دولتين يتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، لأنه يمارس نيابة عن الدول الداخلة فيه سائر الاختصاصات الخارجية كإعلان الحرب وعقد المعاهدات والتمثيل الدبلوماسي {اتحاد النمسا والمجر 1867ـ1918} و{اتحاد السويد والنرويج 1815ـ 1905} و{اتحاد الدانمارك وآيسلاندا 1918ـ 1942} وهذا النوع من الاتحاد لم يعد موجودا" الأن.
3 ـ الاجتماع الدولي : أو الدول المتحدة أو الاتحاد الكونفدرالي وهو عبارة عن مجموعة دول كاملة السيادة تقطع فيما بينها عهدا "دوليا" ينص على التزام الأعضاء بالعمل على تحقيق أهداف معينة واحترام بعض المبادي، كما ينشىْ العهد هيئات مشتركة تكون لها بعض السلطات على الدول الأعضاء، في حين تحتفظ كل دولة باستقلالها الداخلي وسيادتها على مواطنيها، وهناك أمثلة عن هذا النوع من الاجتماع{الولايات المتحدة الأمريكية كانت باجتماع دولي بين عام 1778 وعام 11787، الدويلات الألمانية شكلت بين عامي 1816وعام 1866 ما عرف بالاجتماع الدولي الجرماني} وهذا النوع من الاتحادات لم يعد قائما" الأن.
4 ـ الاتحادالفدرالي{الدولةالاتحادية}: الاتحاد الفدرالي يتكون من مجموعة ولايات بموجب دستور الاتحادلحكومة عليا واحدة، تباشرفي حدود اختصاصاتها سلطاتها على الولايات الأعضاء، وللدولة الاتحادية عدة خصائص من وجهة نظر القانون الداخلي ومن وجهة نظر القانون الدولي.
من ناحية القانون الدا خلي: الولايات الأعضاء في الاتحاد الفدرالي تتنازل عن جانب من سيادتها للدولة الاتحادية، التي تضم جميع الولايات المتحدة، والتي تعتبر أعلى منها جميعا"، وللدولة الاتحاديةحكومة يطلق عليها اسم الحكومة الاتحادية، ولها سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، دون أن تتجرد الولايات الأعضاء من حقها في حكومات محلية ويتولى الدستور الاتحادي توزيع الاختصاصات بين الحكومات المحاية والسلطة المركزية.
من ناحية القانون الدولي: الدولة الاتحادية تعتبر دون الدول الأعضاء المشكلة لها، شخصا" من أشخاص القانون الدولي، وتتولى إدارة العلاقات الخارجية سواء من حيث التمثيل الدبلوماسي أو عقد الصلح أو الحرب أو عقد المعاهدات أو تحمل المسؤولية الدولية. وهناك بعض الدساتير الاتحادية تنص على حق الولايات الأعضاء في عقد بعض أنواع المعاهدات بشروط معينة، وهناك بعض الدساتير الاتحادية قد تنص على تخويل الدول الأعضاء ممارسة التمثيل الدبلوماسي بصورة مستقلة عن التمثيل الاتحادي.
من أمثلة الدول الاتحادية{الولايات المتحدة الأمريكية ـ الاتحاد السوفيتي السابق}
الفقه والاجتهاد يجمعان على أن المسؤولية الدولية في الدول الاتحادية تقع على الحكومة المركزية، سواء بالنسبة للتصرفات الصادرة عن تلك السلطة أو بالنسبة لتلك الصادرة عن الدول الأعضاء، وهذه القاعدة هي أهم معيار لاعتبار كيان دولي دولة اتحادية.
5ـ الأنظمة الدولية ذات النسيج الخاص:
أ ـ الكومنولث البريطاني: يضم الكومنولث البريطاني بريطانيا والممتلكات البريطانية السا بقة، التي حصلت على استقلالها، ويضم بعض بالمستعمرات التي تتمتع بشيء من الاستقلالالذاتي، وأهم الصلاحيات التي تربط بين أعضاء الكومنولث هي: ـ وحدة الرمز ـ تبادل المعلومات ـ التشاور في المسائل الهامة ـ الصلات الاقتصادية ـ التقارب التشريعي.
ب ـ اتحاد الجمهوريات السوفيتية: يعتبر فقهاء القانون الدولي ان الاتحاد السوفييتي كان له نسيج خاص قائم بذاته بناء على دستور عام 1936 والمعدل في عام 1944، حيث أعطى هذا الدستور الجمهوريات الأعضاء حق التمثيل الخارجي، وأعطى بعضها الحق في الانفراد بتصريف أمورها الخارجية ومنحها اختصاصات عسكرية {أوكرانيا وروسيا البيضاء أعلنتا انفصالهما عن النظام الفدرالي مع بقائهما في الاتحاد السوفييتي، وتقدمتا بصفة مستقلة لعضوية الأمم المتحدة} مما جعل البعض يعطي هذا النوع النظام صفة خاصة، وهو ما بين الاتحاد الدولي والدولة الاتحادية.
الاعتراف بالدول: الاعتراف قد يكون علنيا "أوضمنيا"
1 ـ الاعتراف العلني: وهو اعتراف قانوني يتم استنادا"إلى طلب والإجابة الصريحة عليه، فالسكوت هنا لا يعتبراعترافا"
2 ـ الاعتراف الضمني: هو اعتراف فعلي يتم عن طريق التعامل مع الدولة الجديدة كأنها دولة تم الاعتراف بها صراحة، فتعقد الدول الأخرى معها معاهدات غير سياسية، أوتبادل التمثيل القنصلي دون أن يسبق هذه التصرفات اعتراف بها، مثال ذلك اعتراف الهند ب<إسرائيل>واعتراف إيران أيام الشاه ب<إسرائيل>.
أنواعالاعتراف:
1 ـ الاعتراف بالثائرين: وهو يحصل إذا ما نشبت ثورة داخل الدولة لم تصل إلى حد الحرب الأهلية مما يترتب عليه عدم معاملة الثوار كخونة، أما إذا صدر الاعتراف بالثائرين من دولة أجنبية فلا يترتب عليه إعطاء الثوار الحقوق المقررة في القانون الدولي للمحاربين، كحق زيارة وتفتيش السفن التابعة للدول، كمالا ينتج عنه التزام الدولة المعترفة بإتباع واجبات الحياد أهمها الامتناععن مساعدة دول الأصل، وتعتبر نظرية الاعتراف بالثائرين أمريكية الأصل وقد طبقت في التشيلي {ثورة 1891} وكوبا 1892
2 ـ الاعترافبالمحاربين: إذا ما اتخذت الثورة شكل الحرب الأهلية، وأصبح الثوار حكومة منظمة تباشر سلطاتها على إقليم معين وجيش يتبع قواعد الحرب يترتب على ذلك اعتبار حالة الحرب قائمة بما ينجم عن ذلك من آثار وتعتبر هذه النظرية أيضا "أمريكية الأصل عندما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بشعوب أمريكا الجنوبية الثائرة كمحاربين عام 1817ثم كدول عام 1822، وهناك أمثلة أخرى من هذا النوع من الاعتراف في الحرب الأهلية التي قامت في نيجيريا بين الحكومةالاتحادية وحكومة الإقليم الذي أعلن انفصاله عنها عام 1967 باسم {بيافرا} فاعترفت به مجموعة من الدول الأوروبية والإفريقية قبل ان تفشل هذه الحركة في مطلع 1970، كذلك عندما اعترفت بعض الدول بجبهة التحرير الفيتنامية كممثلة للمحاربين الفيتناميين ضد حكومة سايغونقبلانتهاء الحرب الفيتنامية وتوحد شطري فيتنام.
3 ـ الاعتراف بالحكومة الفعلية: إن الاعتراف بالدولة يتضمن الاعتراف بكل حكومة شرعية تقوم بها ولكن قد تأتي حكومة بفعل ثورة أو انقلاب عسكري وتسمى هذه الحكومة بالحكومات الفعلية، التعامل الدولي في هذه الحالات يقوم على اعتبارات سياسية.
4 ـ الاعترافبالأمة: ظهر هذا النوع من الاعتراف أثناء الحرب العالمية الثانية واحتلال أقاليم من الدول المنهزمة من قبل السلطات النازية، عندما انسحب زعماء الأقاليم المحتلة إلى البلدان الحليفة وشكلوا فيها لجانا" قومية اعترفت بها الدول الأخرى على انها حكومات في المنفى تمثل الأمم المهزومة { سمحت فرنسا للجنة التشيكية واليوغسلافية أن تشكل في أراضيها جيشا" قوميا" ومجلسا" عسكريا "يصدر قرارته باسم الأمة وبعدئذ اعترفت بعض الدول بالأمتين} وأيضا" الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل الدول العربية ودول أخرى، وتعزز هذا الاعتراف بقبول الأمم المتحدة لممثلي المنظمة كممثلين للشعب الفلسطيني يتمتعون بصفة عضو مراقب ثم تطور الأمربالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.
5 ـ الاعتراف بالأوضاع الناشئة بطريقة غير مشروعة< نظرية ستيمسون>:وفقا" لهذه النظرية فإنه لا يجوز الاعتراف بالدول الجديدة، إذا كان إنشاؤها مخالفاللالتزامات الدولية، وقد تأيدذلك بقرار صادر عن عصبة الأمم المتحدة عام 1933مفاده<إن أعضاء الأمم المتحدة يلتزمون بعدم الاعتراف بأي حالة أو معاهدةأواتفاق ناجم عن استخدام وسائل مخالفة لعهد عصبة الأمم أو لميثاق بريان كيلوغ الخاص بمنع الالتجاء إلى الحروب، أما في ظل الأمم المتحدة فقد حرم الميثاق استعمال القوة ضد سلامة الأراضي او الاستقلال السياسي لأية دولة أوعلى وجه آخر، لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة< م2فقرة4>
زوال الدول: تزول الدول إذا زال أ حد العناصر المكونة للدولة من الوجود، فقد تزول الدولة بشكل اختياري كاندماج إقليم دولة ما في إقليم دولة أخرى بفعل الوحدة السياسية { الاندماج أو الالتحاق أو الاتحاد} وبعضها الآخر اجباري كانقسام إقليم دولة ما الى أقاليم متعددة يشكل بعضها دولا" جديدة، ويلتحق بعضها بأقاليم دولة أخرى بفعل الاتحاد الجبري{ الالزاسواللورين عند اندماجهما تارة بفرنسا وتارة بألمانيا}او الاستيلاء{ كاندماج الجزائر بفرنسا في القرن التاسع عشر} وزوال تام {كزوال دولتي صربيا والجبل لأسود وصهرهما في الاتحاد اليوغسلافي عام 1918} وقد تتفكك الدول الاتحادية إلى الدول الأصلية المشكلة لها { تفكك يوغسلافيا اـ وتفكك الاتحاد السوفييتي }.
حق تقرير المصير والانفصال: لصلة موضوع الانفصال وحق تقرير المصير بموضوع تكون الدول وزوالها لابد من استعراض رأي القانون الدولي حوله، من المؤكد أن حق تقرير المصير حق قانوني، وقاعدة من قواعد القانون الدولي، وحق تقرير المصير له شكلان
الشكل الأول ـ تحرير الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية:إن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الذي صدر في 14ديسمبر1960بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514<الدورة 15> قد أسس على حق تقرير المصير، حيث كفلت الفقرة الثانية من الإعلان لجميع الشعوب التي تخضع للحكم الأجنبي، الحق في تقرير مصيرها، غير أن هذا الحق يخضع لقيود و ضوابط يتعين مراعاتها، فهو يطبق في حدود النطاق الإقليمي للمستعمرة أو البلد المعني، كما أنه يعود < أي الحق> لجميع شعب الإقليم بكافة مكوناته العرقية والدينية والثقافية، إذ لا تملك أي مجموعة مهما كانت ، حرية اختيار مركزها كما تشاء، فكما يكفل القانون الدولي للشعوب حق تقرير المصير، فإن من مبادئه الملزمة احترام السلامة الإقليمية للدول، وتعتبر الفقرة السادسة من الإعلان أن كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأي بلد متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وقد أكمل قرار لاحق للجمعية العامة هو القرار رقم< 1541 الدورة 15> بعض جوانب القرار 1514، فقد جاء في المبدأ السادس منه : أن ممارسة حق تقرير المصير من قبل إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي قد تؤدي إلى أن يصبح الإقليم دولة مستقلة ذات سيادة، أو أن يدخل في ارتباط حر مع دولة مستقلة أو أن يندمج معها. وجاء في المبدأ السابع: أن الدخول الحر في رابطة يجب أن يكون نتيجة اختيار حرّ إرادي يعرب عنه سكان الإقليم المعني بوسائل ديمقراطية معروفة. ويرد حق تقرير المصير الخارجي على حالة ثانية ،ذكرت في إعلان مبادىْ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا "لميثاق الأمم المتحدة، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 اكتوبر1970< القرار 2625الدورة25> تتعلق هذه الحالة بالشعوب التي تخضع لاستعباد أجنبي و سيطرته واستغلاله { احتلال "إسرائيل" للأراضي العربية عام 1967، احتلالإندونيسيا لتيمور الشرقية، غزو العراق للكويت 1990}، وهنالك حالة نادرة الحصول ، حيث أن حق تقرير المصير الخارجي قد ينشأ باتفاق بين الدولة الأم وأحد أجزائها كحل لوضع أو مسألة معينة، ومثال على ذلك هو اتفاق السلام الذي وقع في نيفاشا في 9 يناير 2005بين حكومة السودان والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان .
الشكل الثاني ـ حق تقرير المصير الداخلي: يقصد بحق تقرير المصير الداخلي بأنه حق الشعوب في اختيار مركزها السياسي داخل دولة، أو بمعنى آخر حق المشاركة السياسية على نحو مجد، وهذا الحق ثابت بمقتضى المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، فد نصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه: لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي يقتضى هذا الحق حرَة في تقرير مركزها السياسي، وحرَة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بموجب ذلك رفضت مفوضية التحكيم التابعة لمؤتمر يوغسلافياالاعتراف للأقلية الصربية بحق تقرير مصير خارجي، وذلك عندما سئلت فيما إذا يحق للسكان الصرب في البوسنة والهرسك وكرواتيا حق تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة، بل اعترفت لهم بحق تقرير مصير داخلي، وقالت: أن على جمهوريتي البوسنة والهرسك منح الأقليات والمجموعات الدينية كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في القانون الدولي .
بكل الأحوال لا يسمح القانون الدولي ولا الممارسة الدولية للكيانات داخل الدول بحق الانفصال الداخلي، بل سمح بحق تقرير المصير الخارجي في حالات المستعمرات السابقة، والاحتلال العسكري الأجنبين أو عندما يحال بين مجموعة محددة وحقها في الوصول إلى الحكم على نحو مجد للسعي نحو النموالسياسيوالاقتصاديوالاجتماعي والثقافي. وليس القانون وحده من يحمي الوضع الراهن للدول،بل القا نون الأوروبي أيضا"، حيث جاء نص المادة <4> من معاهدة الاتحاد الأوروبي على: أنه يجب على الدول أن تحترم هوياتها الوطنية التي تم التعبير عنها في هياكلها السياسية والدستورية الأساسية، بما في ذلك الحكم الذاتي الإقليمي والمحلي، فضلا "عن وحدة أراضيها. فالقانون الدولي لا يقر الانفصال مالم يتفق عليه الطرفان، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الحالات التي نشدها الأن في العالم {كردستان العراق ـ كاتلونيا الإسبانية}.
_________________________________________________

الروبوتات والثورة الرقمية: هل تختفي معظم المهن؟
رافق دخول الروبوتات والأتمتة، بشكل متزايد، إلى سوق العمل في الدول المتقدمة صناعياً، قلق وتخبط بين صناع القرار والسياسيين، وانتشار كبير للدراسات والكتب والأفلام الوثائقية وروايات الخيال العلمي التي تتناول مدى تأثير هذه التغيرات والتحولات الهائلة على حاضر ومستقبل هذه الدول الصناعية وأمنها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
إن دخول الآلات إلى سوق العمل وتغييرها للمجتمع ليس بالأمر الجديد، فالثورة الصناعية في بريطانيا التي بدأت منذ حوالي عام ١٧٦٠ واستمرت بالنضوج والتبلور حتى عام ١٨٤٠، حملت معها نظاماً اقتصادياً رأسمالياً تسبب بتقسيم المجتمع إلى طبقة مالكة (برجوازية) وأخرى تبيع قوة عملها لكي تعيش (بروليتاريا)، رافق هذا التحول حروب وثورات وظهور أيديولوجيات وأفكار، منها الاشتراكية التي اقترحت استبدال نظام التنافس والملكية الخاصة بالتعاون والمشاركة والملكية العامة.
تسببت الثورة الصناعية باختفاء مهن وظهور أخرى، وتغير أسماء مهن ومهام موجودة، والأمر ذاته يتكرر الآن مع دخولنا عصر التكنولوجيا الرقمية والبيانات الهائلة والروبوتات، لكن بشكل أكثر اتساعاً وشمولاً من سابقتها، وستحمل معها بالتأكيد تغيرات جديدة وثورات وحروب وأيديولوجيات، وطبقة نخبوية وأخرى من المسحوقين والمظلومين.
يتوقع باحثون في جامعة أوكسفورد أن ما يقارب نصف الوظائف في الولايات المتحدة معرضة للخطر خلال العقود القادمة، وستكون مترافقة بوظائف منخفضة الأجور بين أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع، أي المهاجرين وقليلي التعليم وذوي الاحتياجات الخاصة.
المهن المهددة بالأتمتة
مصرف إنكلترا يتوقع أن ١٥ مليون وظيفة، أي نصف الوظائف في بريطانيا، معظمها في مجال الخدمات، قد تصبح مؤتمتة، ما سيزيد من معدلات البطالة، وسيوسع من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وذات الأمر يهدد ٨٠ مليون وظيفة في الولايات المتحدة.
في دراسات أخرى وجدت أن ما يقارب ٥٪ من الوظائف في ٤٦ بلداً، في الوقت الحالي، يمكن أن تحل محلها الروبوتات باستخدام التكنولوجيا الحالية.
في الولايات المتحدة، مثلاً، هناك العديد من المهن والمهام التي قد تختفي نهائياً، ووفق دراسة للشركة الاستشاريةMcKinsey&Companyفإن ما يقارب ٣٠٪ من المهام في ٦٠٪ من المهن ستنفذها الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر.
سابقاً، كانت تركز الدراسات الاقتصادية حول تضرر القطاعات المنتجة للسلع مثل التعدين والصلب والسيارات جراء دخول الروبوتات والتقدم التكنولوجي والمنافسة العالمية، وخاصة في الولايات المتحدة، إلا أن التوقعات الاقتصادية الجديدة تشير إلى خسائر أكبر ستصيب قطاع الخدمات الأمريكي، حيث شهد ثلاثة أرباع الخسائر في الوظائف عام ٢٠١٦.
وبحسب الأرقام فإن المتاجر في الولايات المتحدة توظف عمالاً أكثر بـ ٢٥ مرة من شركات استخراج الفحم، وبالتالي فإن دخول الروبوتات إلى مجال الخدمات سيتسبب بأزمة كبيرة في سوق العمل.
وفي نفس السياق، توصل بحث لجامعة أوكسفورد في ٧٠٢ مهنة شائعة إلى أن أكثر الوظائف المعرضة للخطر هي الروتينية والمكررة والقابلة للتوقع والتنبؤ، مثل:
● التسويق عبر الهاتف.
● الجباية الضريبية.
● تقديم القروض والمحاسبة.
● مهن الاستشارة القانونية.
● قيادة سيارات الأجرة والحافلات.
● طبخ الوجبات السريعة.
● الزراعة.
● فرز وتوزيع البريد.
● تشغيل آلات الخياطة والضغط والأقمشة والمقاسم.
● تشغيل أنظمة ضخ البترول والمصافي.
● إدخال البيانات ومعالجة الكلمات والطباعة.
● بيع الصحف والمجلات.
● مسؤولية الخدمات الغذائية.
● تجميع التجهيزات الكهربائية.
● الأعمال الأرشيفية.
● المساعدة المكتبية.
● تنسيق الزهور.
وبحسب تقرير لشركة الاستشاراتDeloitteفإن مهنة المساعدة القانونية تواجه احتمال ٩٤٪ بأن يتولاها الكمبيوتر، وبالتالي فإن أكثر من ١٠٠ ألف وظيفة قانونية ستختفي خلال العشرين سنة القادمة. فيما يواجه طباخو الوجبات السريعة احتمال أتمتة بـ ٨١٪، حيث تمت تجربة استبدالهم بروبوت يعد الهمبرغر في سلسلة مطاعمCaliBurger.
المهن "الآمنة" في المستقبل
في الوقت ذاته، تشير نفس الدراسات إلى أن الروبوتات يمكنها تنفيذ مهام محددة فقط، دون أن تقوم بكامل العمل، ما يعني أنها قد تخلق وظائف بدل أن تنسفها، أي أنها ستنتج وظائف جديدة في مجال صناعة وتركيب وإدارة وصيانة الروبوتات/الكمبيوترات نفسها، إلى جانب وظائف أخرى تتمحور حولها.
ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد أن المهن المعروفة الآن لن تختفي نهائياً، وإنما سيتم إعادة تموضع وتعريف العديد منها وتبدل أدوار الموظفين والعمال، وسط حاجة متزايدة لتدريبهم وتعليمهم على المهارات الجديدة المطلوبة من أجل ممارسة المهن المستقبلية، كما تشير صحيفة الغارديان البريطانية.
ووفقاً للصحيفة فإن موضوع "موت المهن" جرى تضخيمه دائماً، مؤكدة أن التكنولوجيا خلقت وظائف أكثر من التي أزالتها، وأن الستين عاماً الأخيرة أزاحت مهنة واحدة فقط وهي: موظف تشغيل المصاعد.
وترتبط المهن غير القابلة للأتمتة، في المدى المنظور، بالإبداع وعدم تنفيذ المهام المتكررة مثل:
● المهن الفنية (غناء، رقص، رسم، تمثيل، تأليف، إخراج، تصميم. إلخ).
● المهن الرياضية والتحكيمية.
● المهن العلمية والبحثية.
● مهن الإدارة والتخطيط الاستراتيجي.
● المهن التي تتطلب بناء علاقات معقدة مع الناس (تمريض، طب، علاج فيزيائي، علاقات عامة، عمل اجتماعي).
● مهن تشغيل الآلات والروبوتات وتركيب المعدات والكهرباء.
● مهن الصيانة والطوارئ (إسعاف، شرطة، إطفاء.. إلخ).
● المهن الدينية.
ورغم ذلك فإنه لا يمكن توقع ما قد يحدث بعد عشرين عاماً مثلاً في ظل التطور التقني المتسارع، لأن الأعمال التي تنفذها الآلات اليوم لم يكن متوقعاً في السابق أنها ستحل محل الإنسان.
هناك بالفعل روبوتات قامت بتأليف موسيقى، وهزمت لاعبين محترفين بحركات مبدعة في ألعاب تحتاج إلى تشغيل ذهني مثل الشطرنج. كما تمت برمجة روبوت يعمل كرجل دين، يقوم الشخص بالاعتراف له ثم يحصل على نصائح إلى جانب قوائم تتبع الخطايا!
في عام ٢٠٠٤ استبعد اثنين من خبراء الاقتصاد البارزين في أمريكا (فرانك ليفي وريتشارد مورنان في كتابهماThe New Division of Labor) إمكانية وجود سيارات تعمل لوحدها تماماً بدون سائق، بسبب تداخل عوامل كثيرة. لكن بعد ست سنوات، وبحسب الغارديان، أثبتت شركة غوغل أنه يمكن صناعة سيارات يمكنها السير بشكل مستقل تماماً.
سبعة مهن بدل واحدة
يشير متخصصون إلى أمور أخرى تؤثر في سوق العمل، إلى جانب الأتمتة، منها التغير المناخي، وصعود الطبقة الوسطى في العديد من الأسواق الناشئة، والشيخوخة السكانية في أوروبا وآسيا، والمساواة بين الرجل والمرأة في سوق العمل.
وينصح خبراء الاقتصاد بأن يستثمر الشخص بعدة مجالات، لدى التخطيط للمستقبل، بدل أن يركز على مجال واحد، لأن سوق العمل سيكون أكثر مرونة، وإنسان المستقبل قد يكون لديه سبعة أو ثمانية مهن أو تخصصات في عدة شركات، بدل أن يعمل في مهنة معينة ضمن شركة واحدة.
معظم التقارير حول مستقبل المهن تحذر من أن هذا التطور لن يؤدي إلا إلى أزمة اجتماعية قد تتسبب بتغيرات كبيرة، وحراكات صغيرة، لكن من الصعب التكهن أين وكيف ومتى.
رأسمالية متوحشة واستهلاك جنوني
النخب الحاكمة في الدول المتقدمة ومعهم السياسيين والاقتصاديين والأكاديميين، المتمسكين بمواقعهم ومصالحهم، يقتصر تركيزهم على إيجاد حلول ترقيعية لهذه الأزمات التي يتسبب بها النظام الرأسمالي، المليء بالتناقضات، والسائر نحو انهياره، وهو ما توقعه كارل ماركس منذ أكثر من ١٥٠ عاماً.
كما تبذل هذه النخب جهوداً مكثفة للالتفاف حول لب المشكلة المتمثلة بنظام الأزمات الرأسمالي المُطعَّم بالليبرالية المتوحشة، والاستهلاك الجنوني والمدمر للبيئة، مع تجاهل أي احتمال لتغييرات فيه، والنظر بازدراء إلى كل من يتحدث عن أساس هذه الفوضى والدمار الاجتماعي والتفاوت الاقتصادي الذي تتسببه الرأسمالية والذي أدى إلى تجمع ثروة خيالية بيد ثمانية أشخاص فقط تساوي ثروة ٣,٥ مليار شخص من النصف الأفقر في العالم.
تتجاهل النخب أيضاً حتى احتمال الاستفادة من التكنولوجيا لخفض ساعات العمل، وبالتالي التخفيف من معاناة العمال والموظفين النفسية وسط ازدياد حالات الضغط النفسي الذي يليه أمراض جسدية ونفسية وارتفاع هائل في نسبة الإجازات المرضية وما يرافقها من تكاليف على الحكومات، فيما أقصى ما تفعله أحزاب اليسار الأوروبي في حملاتها الانتخابية هو الحديث عن خفض ساعات العمل في اليوم من ثمانية إلى ستة، في محاولات أخرى لإيجاد حلول وسطية ترقيعية، بدل تحدي النظام برمته.
فيما تحاول بعض الدول، مثل فنلندا، تجربة دفع راتب يدعى بـ "راتب المواطن" لآلاف الأشخاص، لاختبار إمكانية ضمانها لحد متوسط للعيش تحضيراً لحالات البطالة التي تتنظرها مجتمعاتهم، وسط معارضة وتأييد للفكرة.
يبقى مثيراً أيضاً معرفة مدى تأثر دولنا ومجتمعاتنا العربية، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهذه التغييرات، رغم بعدنا الفعلي عنها، ووسط حالة من الفوضى والحروب والبطالة والقمع السياسي والاجتماعي، تؤكد الحاجة إلى توحد القوى اليسارية والثورية والديمقراطية في تجمعات تعمل على التفاعل مع الناس، من الأسفل، وتحقيق تغييرات منشودة تساهم في تخفيف آثار الأزمات الاقتصادية الكبيرة القادمة لا محالة.
____________________________________________________

حول العلمانية
تعتبر العلمانية في تصورها الأولي أمر جوهري بالنسبة للإنسان فهي تدخل في صميم تفكيره، في علاقته مع الوجود إن لم تكن هي الحالة العادية لديه في وجوده العلائقي مع الطبيعة ومع سواه من البشر،وترتبط العلمانية بصورة عميقة بمستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي الذي بلغه الانسان في مسيرة وجوده وبمدى معرفته العميقة بالآليات الناظمة للوجود وقدرته على النظرية (لخبرته).
ومن هنا نرى إننا إذا انطلقنا من أي المعنيين للعلمانية سواء من العلم، أو من العالم (الذي يعني أن كل عمليات الوجود من أسباب ونتائج تتم داخل العالم)فإننا نلاحظ أن الأنسان في أدارة حياته وبمستوى خبرته وعلى أي صعيد حياتي يعتمد منهجية علمانية نسبية.
ترتبط العلمانية كإشكالية اجتماعية، وأيديولوجية بالتاريخ الأوربي والفرنسي منه بشكل مخصوص بعد الثورات المتعددة والانتصار الحاسم للبرجوازية كان لابد من إزاحة كل ما يعيق التطور البرجوازي، وكانت هذه الحالة متبلورة في فرنسا. حيث أن الصراع لم يكن فقط بسبب العلاقة الوطيدة بين الأقطاع والكنيسة ولا فقط بالسلطة الاجتماعية الطبقية للكنيسة وإنما لأجل اشاعة الروح البرجوازية المتمثلة في إشاعة الملكية الخاصة وتكريس الروح الفردية وإزاحة كل ما يعيق التطور البرجوازي من فئات وطبقات اجتماعية ومنظومات قيمة. وهذا هو الأساس الموضوعي في كون العلمانية اشكالية. لذلك انتصرت البرجوازية على الأقطاع والكنيسة وقمعت الثورات العمالية وفرضت نمطها الخاص في كون العلمانية إشكاليه. لابد من التعرف على العلمانية في سياق تطورها التاريخي في مكان تبلورها التاريخي وكيف كان التعاطي معها.
إن مفهوم العلمانية من منظور أوربي يوصف بالضيق (والواسع) في آن معاً. فهو واسع لأنه يعني في تحليل أولي الأنظمة التي تحترم حرية الضمير أي تلك التي تفترض أن الدولة ليست "ملكاً" لفئة من الناس وإنما هي للجميع، للشعب (laosباليونانية) دونأدنى تمييز بين الأفراد بسبب توجهاتهم في الحياة، وهو ضيق إذا كان هذا التعبير والمعركة الكهنوتية الدينية التي تحيل إليها يتضمن كما في التجربة الفرنسية تأكيد الحرية الدينية، مبدأ فصل الدين عن الدولة ،الأمر الذي مازال مجهولا في عدد كبير من الدول الأخرى التي تلتزم باحترام حرية الضمير ومبدأ عدم التمييز التزاماً صارما.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولعدم معرفتها بهذا المصطلح، فقد قامت في وقت مبكر بوضع الأمور موضع التطبيق العملي من خلال علمنة الدولة الاتحادية بجعلها مستقلة عن العقائد الدينية سابقة العديد من الدول الأوربية ومنها فرنسا، إذ كفل التعديل الأول على الدستور الأمريكي عام 1791 الفصل بين الكنائس والدول الاتحادية، وأكد أن الوجود لأي دين رسمي ذو امتياز سياسي كما كفل الحرية الدينية المطلقة، وهذا هو فحوى نظرية الرئيس توماس جيفرسون التي تقترح إقامة جدار رمزي بين الكنيسة والدولة (نظرية الجدار)
كما سبق ونص إعلان فرجينيا (1776) ما يلي:
الدين أو العبادة المتوجبان تجاه الخالق، وطريقة القيام بالتزامهما، لا يجوز أن تتوجه إلا عن طريق العقل والاقتناع، وليس بالقوة أو العنف على الأطلاق ،وبناءً عليه فكل انسان يجب أن يتمتع بحرية الضمير التامة، والحرية نفسها يجب أن(تعتمد) أيضاً لتشمل أسلوب العبادة الذي يمليه عليه ضميره
كما استبعد الدستور الأمريكي عام 1787 في المادة السادسة المعيار الديني، أي التمييز الديني في الوظائف العامة
(على الرغم من أنه يؤسس ويرعى أنظمة قائمة على الترويكا الطائفية كما في العراق،ولبنان، وربما دول أخرى مقبلة):
"لن يطلب أبداً أي تصريح ديني خاص كشرط أهلية لشغل الوظائف والمناصب العامة في ظل سيادة الولايات المتحدة "
أما حميد مجيد موسى المسؤول الشيوعي في العراق فيجب أن يدخل العملية السياسية فقط عن طريق طائفته "الطائفة الشيعية" وفي ظل سيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
إذاً يجب عدم التقيد بالكلمات فقط، وبتقليد فرنسي خاص للتحرر تم فيه الفصل بين الدولة والدين ضمن الكاثوليكية السائدة.
بصورة أولية يحيل مفهوم العلمانية إلى مفهوم سياسي فالدولة العلمانية (بالمعنى الأكثر شمولاً للتعبير) لا تمنح امتياز لأي ملة، وبشكل أعم لأي تصور مجرد للحياة الصالحة في الوقت الذي تكفل فيه حرية التعبير لكل منها ضمن حدود معينة.
فيما يتعلق بالضمير يمكن للسلطة أن تضطلع بصورة اجمالية بوظيفتين مختلفتين تماما فهي من جهة قادرة على تبني رؤية العالم ومفهومها للخير "فهي في هذه الحالة تلعب دور سلطةأي سلطة فعالة في العالم" لكي تفرض تلك الرؤية على أولئك الذين قد لايعتنقوها من تلقاء أنفسهم بصدق ويجب الإقرار إن الدول قد لعبت في السابق هذا الدور ولا زالت إلى اليوم فقد ظلت السياسة لفترة طويلة خاضعة وبشكل شبه تام لدين سائد ولكن دون أن يخلوا الأمر من صراعات، وكان هذا الدين المتجدد في التعالي والسمو يفرض نفسه على انظمة بشرية محضة.
"ففي العقل المؤمن بالخلق وبوجدانية الخالق خصوصا تتعلق بوحدانية الخالق على القوانين البشرية، ويرجح الحق الإلهي على حق البشر وقد علمنا القرن العشرين أن وجود دين غالب ليس شرطاً ضرورياً لإقامة سلطة سياسية كأسلوب يعكس تطور العالم فالشيوعية بشكلها الستاليني قدمت نموذجا لألحاد رسمي فرض نفسه على المتمردين عليه بطريقة أكثر فعالية من الأديان التقليدية بما لا يقاس.
إن تلك الأديان التي كانت تستند إلى اساس اسطوري شكلت بطريقة ما عقبة في سبيل تحديث المجتمع.
وعندما جاء ماكس فيبر بفكرة نزع الشر عن العالم, وما كان من أزمة الأديان و انحسارها في العالم الجزئي، ترابطت مثل هذه الظواهر مع تطور كبير للعلم التقني, وخاصةً في بعده المتعلق بالسيطرة الاجتماعية وهذا ما جعل القرن العشرين ينتج أنظمة شمولية تهدف إلى السيطرة التامة على المجتمع أكثر فعالية من الأنظمة ذات الأساس الديني في خنق الحريات وهذا ما يقودنا إلى القول :إن العلم الحديث قد غزا الفكر النقدي وساعد على التقويض التدريجي للهيمنة السياسية للدين و في الآن ذاته قد مكن من التحكم الجذري بالمجتمع أي أنه حول الناس إلى أدوات تعمل لصالح سلطة ذات ميل للهيمنة.
من أجل الإحاطة الشاملة في العلمانية يجب التعرف على التجربة التاريخية في أماكن نشأتها، حيث اصبحت خياراً له الأولوية في التأسيس للدولة الحديثة ومقارنة ذلك في تداعياتها الكونية، ولنبدأ بالحالة الفرنسية حيث أخذت العلمانية نموذجها الفريد والمتميز عن سواها
العلمانية الفرنسية
تقود العلمانية إلى الفصل بين الحق والخير، أي بين المجال السياسي الذي هو في خدمة الشعب كله من جهة، ومجمل التصورات الوجودية الخاضعة لضمير الفرد، والتي لا يمكن فرضها على الأخرين من جهة أخرى.
أن المكان الطبيعي للأديان هو مجال الخير، أي أن مجمل التصورات التي تمنح الأخلاق بموجبها أساس سامِ ويتجسد ذلك في كيان يتعالى وجودياً على الناس العادين يخرجها من حيث المبدأ من دائرة حكم الناس
إن الدين الكاثوليكي الروماني يفوض الكنيسة سلطة دنيوية وفي النتيجة البابا بمهمة تفسير وتأويل النصوص المقدسة بحيث توجه حياة المؤمنين, إن مجمل الأديان هي أو كانت (سياسية) بمعنى أنها سعت باسم حقيقة مقدسة وكلية إلى الاستئثار بسلطة مدنية من أجل استئصال الشر, ولكن الديانة الكاثوليكية سياسية بصورة مضاعفة فهي قد فرضت سلطتها في أوربا لوقت طويل فارضة قانون الإيمان الخاص بها عن طريق الإكراه خاصة أثناء فترة محاكم التفتيش, كذلك الأمر لتنظيمها نفسه سمات سياسية للغاية فالبابا هو رئيس دولة كان يجسد أكثر من أية مؤسسة دنيوية الدور السياسي لرجل الدين قبل أن تتقلص دولته منذ توحيد إيطاليا, والاستيلاء على روما (1870)
إن الكنيسة مثلها مثل بقية الأديان كانت تعتمد على الدول وكانت تأمل دائماً الفوز بولاء الأمراء كذلك كان هؤلاء يدعون أنهم يجسدون الإرادة الإلهية على الأرض، إن هذا الأمر يفترض دوما أن نزاعاً سينشب بين الادعاءات الكنسية الخلاصية والملوك المسيحيين.
إن وضعاً كهذا يجب أن يظل ماثلاً في الذهن لنتمكن من فهم تاريخ العلمانية في فرنسا.
انفصلت فرنسا جزئيا عن الكرسي الرسولي في عهد الملك فيليب (الجميل) الذي حكم من
(1285 حتى 1314) إذ تصدى بحزم للتدخل البابوي في الشؤون الفرنسية وذلك خلال نزاعه مع البابا يونيفاس الثامن مدشناً عهدا لسياسة مستقلة عن روما من حيث نشأت فكرة (الفالكانية) أي الفكرة التي تقول إن ملك فرنسا لم يعترف بأي سلطة عليا على هذه الأرض.
تجلت الفالكانية بمرسوم "بورج" (1438) الذي أصدره شارل السابع والتي هي عبارة عن تسوية بين السلطة الزمنية والكرسي الرسولي تهدف للحد من سلطة البابا حيث بلغت الفالكانية أوجها في عهد لويس الرابع عشر(1642-1715) بدعم من كتابات بوسوية (1682) إذ كتب إعلان (أكليروس) فرنسا الذي يشير إلى أنه ليس للبابا من سلطة سوى على الأمور الروحية والتي تتعلق بالخلاص الأبدي، ولا علاقة لها بالأمور المدنية والزمنية على الأطلاق ولايخضع الملوك بالنسبة للأمور الزمنية إلى أية سلطة كنسية بأمر من الله.
لقد كرس إعلان حقوق الأنسان والمواطن إثر الثورة الفرنسية الذي صدر في 26 آب/أغسطس /1789/ الحرية الدينية (لا ينبغي لأحد أن يتعرض للإزعاج بسبب آرائه حتى الدينية منها، شريطة ألا تخل المجاهرة بها بالنظام العام الذي أقره القانون)
كما ذكر مرسوم 24 كانون الأول/ديسمبر/ 1789/ انه سيكون لغير الكاثوليك الحق في الانتخاب، أو الترشح للانتخابات ضمن شروط محددة، وأنهم أهل للقيام بكافة الوظائف المدنية والعسكرية كبقية المواطنين الآخرين رغم أن هذا المرسوم لم يكن ذو قيمة إلا بالنسبة للبروتستانت إذ أستبعد منه اليهود بصورة صريحة، ولم يتحرر هؤلاء في الواقع إلا بعد معركة طويلة في نهاية فترة الجمعية التأسيسية عبر مرسوم حدد في 27 أيلول/سبتمبر /1791/.
إن منهج العلمنة الفرنسي تحديداً قد بدا بالتجسد في الخطاب الشهير الذي القاه كليرمون – تونير المدافع البارز عن تحرر اليهود عندما قال ينبغي رفض جميع الحقوق المتعلقة باليهود كأمة، والقبول بجميع ما يتعلق بهم كأفراد عليهم ألا يشكلوا داخل الدولة هيئة سياسية، أو نظاماً، يجب أن يكونوا مواطنين بصورة إفرادية.
كما ساهم عامل أخر في خسارة الكنيسة لموقعها داخل الدولة (وكانت تحتلها باسم الخدمات العاملة والتي كانت تتكفل بتأديتها () عن علمنة الأحوال المدنية التي قررها دستور (1791):
لا يعتبر الزواج بنظر القانون سوى عقد مدني وسوف تحدد السلطة التشريعية للسكان جميعهم دونما تمييز: كيفية الولادات، وعقود الزواج، والوفيات وتعيين مأمورين رسميين يقومون بذلك ويحتفظون لديهم بقيود.
أقرت حكومة المديرين بفصل أولي بين الكنيسة والدولة وفق المادة /354/ من دستور السنة الثالثة /1795/ الذي وضعه المؤتمر الوطنيالترميدوري:
لا يجوز منع أحد من أن يمارس بما يتوافق مع القوانين، العبادة التي اختارها، ولا يمكن إجبار أحد على المساهمة في نفقات العبادة كما لم تدفع الجمهورية أجر لأي منهما.
هذا الفصل المتشدد نوعاً ما وخصوصاً إزاء العبادة الخارجية قد استبدل في العام (1801) بنظام سمي وئامياً حكم العلاقات بين الدولة والكنيسة خلال ما ينوف على المئة عام واستمر حتى (1905) وما زال معمولاً به في بعض المناطق لأسباب تاريخية كالألزاسواللورين التي اصبحت المانية بين (1871-1918)
كان النظام الوئامي في فرنسا يتعلق بالدرجة الأولى بالديانة الكاثوليكية ولكن شمل الديانتين البروتستانية واليهودية وذلك من خلال المعاهدة التي أبرمها نابليون (1801) مع البابا ثم استكملت بمواد أساسية عام (1802) حيث كانت الدولة تقدم الدعم للكنيسة، وتسمي الأساقفة الذين يقسمون يمين الولاء للحكومة ثم بمنحهم البابا الشرعية الكنسية لسلطاتهم الروحية، وكانت الدولة تدفع مرتبات للأساقفة، وسمحت لهم بوقف الأموال لصالح الكنيسة بمقابل تنازل هذه الأخيرة عن أملاكها.
كانت الكنيسة تحظى باعتراف رسمي من قبل الدولة وبالمقابل كانت الدولة تتحكم بشكل صارم بتنظيمها ونشاطها.
سيشكل الصراع في فرنسا خلال القرن التاسع عشر ضد احتلال الكاثوليكية لموقع ذي امتياز (خصوصاً في حقل التعليم) رغم نظام حرية الضمير والمساواة الرسمية بين العبادات المعترف بها سيشكل المحرك الدافع لحركة العلمنة، فالدولة ليست بعد دولة الشعب كله ما دام هناك ملة تحوز دستورياً على موقع مهيمن.
وضع قانون 1905 القاضي بفصل الكنائس عن الدولة نهاية النظام (الوئامي). بموجب هذا القانون تم فصل الدين عن السلطة المدنية وذلك بإلغاء الوضع العام للكنائس (النظام المسمى بنظام العبادات المعترف بها لا تعترف بأية عبادة، ولا تدفع لها أجر، أو تقدم مساعدة مالية، ولم يعد رئيس الجمهورية يسمى الأساقفة).
كفل القانون حرية العبادة غير أنه ألغى المؤسسات العامة للعبادة واستبدلها بجمعيات عبادة.
رفضت الكنيسة أنشاء جمعيات العبادة، وسرعان ما اتخذت إجراءات تلائمها وفق قانون صدر في 2 كانون الثاني/يناير/1907/
في العام /1921/ تم إيجاد تسوية بصورة جمعيات أبرشية تحترم النظام التراتبي للكنيسة، وقد أعلن مجلس الدولة تأييده لها في العام 1923.
الكثير من العلمانيين اعتبروا أن إذعان الدولة لمراعاة التركيبة اللاديمقراطية للديانة الكاثوليكية هو أضعاف غير مقبول لمبدأ الفصل، غير أن هذه التسوية كذلك كانت نوعاً من تهدئه الخواطر وسمحت بتعزيز انضواء الكاثوليكية تحت راية الجمهورية رغم أن فترة عهد فيشي قد طرحت على بساط البحث مدى متانة هذا الولاء حيث أيد الكثير من رؤساء الكنائس الكاثوليكية حكومة فيشي المتعاونة مع الاحتلال النازي(1940-1944) ورئيسها المارشالبيتان، حيث كانت تلك الحكومة قد أعادت للكنيسة بعض مواقعها وامتيازاتها.
لم تعد الجمهورية بعد ذلك تعترف بأية عبادة، وعلى هذا أصبحت الكنائس كيانات خاصة وحرية العبادة مكفولة غير أن مظاهرها العلنية قد عُلمنت.
دسترة العلمنة
يؤكد دستور 1946 مبدأ الحياد والعلمانية الذي كان قد وضع للتطبيق. فيما يخص العلمانية تنص المادة/2/ من دستور 1958 على أن فرنسا جمهورية علمانية. إنها تكفل المساواة أمام القانون لكافة المواطنين بدون أي تمييز فيما يتعلق بالأصل، أو العرق، أو الدين وهي تحترم جميع المعتقدات.
يؤكد العرض السابق على أن الصراع بين العلمانية والكنيسة لم يكن ذو طابع اجتثاثي ولم تكن المعركة تستدعي محاربة الدين وإنما كان صراعاً ذو طابع تقدمي يجري بسلاسة ولو أنه ليس بشكل دائم، وعلى الرغم من أن التعارض بين الخصوم القدامى لم ينته ولكنه أصبح طبيعي الحدوث في مجتمع ديمقراطي من جهة، وهي من جهة أخرى تظهر على أساس فضاء مشترك وقواعد لعبة تم قبولها بحرية مطلقة على أساس القبول بدولة تكون في خدمة الجميع لا في خدمة اعتقاد معين (كما يقول دستور 1958).
تبدو التجربة الفرنسية هي الأكثر تطرفاً في الدول المتقدمة حيث لم يتم تحديث البلدان الأوربية، ولاسيما في مجال العلاقات بين الكنائس والدولة بطريقة واحدة، حيث تم التمييز فيما يتعلق بصلات المجتمع بالدين بين منهجين العلمنة والدنيوية، ينجم الأول عن معركة القوى الاجتماعية "الليبرالية" ضد كنيسة تعتبر بالأجمال محافظة وتحاول التمسك بمواقعها داخل الدولة، بينما يقوم الثاني على العكس، على تلازم تحرير المجتمع والكنيسة.
لابد من ملاحظة أخيرة حول العلمانية في فرنسا مفادها أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تمارس سيطرة شبه مطلقة مادية - روحية مما دفع بالطبقة البرجوازية الصاعدة للعمل على إزالة ليس العوائق المادية وحسب وإنما المنظومة الفكرية والتي كانت تعتمدها الكنيسة لتثبيت مصالحها والتي من خلالها تستحوذ البرجوازية الصاعدة على كل شيء وتوطد أركانها.
كان لنهوض الغرب وتوطد الدول القومية أثره السلبي على الواقع العربي ففي أثناء التوسع الغربي باتجاه الوطن العربي في ظل الخلافة العثمانية تمت أول عملية احتكاك من خلال الغزو التجاري وإعطاء الدولة العثمانية التراخيص التجارية، والتي كانت الأساس في تحطيم الدولة العثمانية وتدمير البنى الاقتصادية والصناعية التقليدية بالدرجة الأولى بسبب التفوق الغربي واغراق الأسواق العربية بالبضائع الغربية.
سقطت الدولة العثمانية تحت الضربات المتتالية للغرب وعبر تحريض الشعوب العربية بالوعود الكاذبة.بعدها تم الغزو المباشر واستعمار الدول العربية والتأسيس( للكولونيالية ) التي ربطت الدول العربية بعد سايكس- بيكو بالغرب من خلال كونها منطقة خدمات وتم تكريس النظم الاستبدادية المكلفة برعاية مصالح الغرب, حيث تم تأسيس دول تخدم النظم الاستبدادية الحاكمة بأدواتها و مؤسساتها لدرجة سميت هذه الأنظمة بأنها "حراس لحظائر بشرية " مهمتها الأساسية تعطيل التقدم الاجتماعي, وأصبح الانقسام الطبيعي في العالم العربي عبارة عن طبقتين اجتماعيتين فقراء ولصوص, وكان الاثراء (عبر) الدولة هو السبيل الوحيد لتكريس الثروة وتدمير كل ما يعوق ذلك.
على هذه الأرضية تلقفت النخب العربية كل ما أنتجه الغرب من أفكار أنتجها في سياق تطوره التاريخي ومن ضمنها كانت العلمانية.
كان لفسق الأنظمة العربية وفجورها الأثر الكبير في جعل الشعوب تحتمي من هذا الطوفان بإرثها التقليدي أي بأهم ما انتجته في سياقها التاريخي، والذي جعل منها في يوم "ما" أمة ذات كيان وحضور عالمي وبكل ما أنتجته من علم ومعرفة وسواه من ضرورات البناء الحضاري.
اعتمد الغرب في غزوه للمنطقة العربية على أبناء الأقليات بالدرجة الأولى سواء في الجيش (جيش الشرق)، او النخب الثقافية والفكرية والتي كانت تنظر إلى الأكثرية من أبناء جلدتها بأنها العائق في انتشار الأفكار العصرية، ومن ثم جرى الخلط بين الأفكار وحامليها لنصل إلى النتيجة المحتمة-يجب إزالة الأفكار وحامليها- ليتبين فيما بعد أن هؤلاء يضيقون ذرعاً بالأكثرية وأن دعوتهم للعلمانية هي دعوة طائفية مبطنة ضد الأكثرية ودينها ولنجدهم في نهاية الأمر أنصاراًللاستبداد، ومقاتلين في صفوفه.
في الإسلام باعتباره المستهدف الأول "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" أي أن يمتلك الخبرة اللازمة، والمعرفة بأمور الدنيا، والعمل هو السبيل إلى الله، وفي الإسلام "قل سيروا في الأرض وانظروا كيف بدأ الخلق" دعوة للعلم والمعرفة وليست للجهل والظلامية،وماالثنائيات المطروحة من قديم وحديث وشباب وكهول، وماض وحاضر إلا ضرب من الضلال والعجز عن استيعاب الواقع ودفعه للأمام.
إننا نعيش في ظل نمط الانتاج الرأسمالي المعمم وهناك الكثير من الأفكار التي لا يمكن إدارة الظهر لها، ولكن لا يمكن الاستفادة منها إلا في ظل صراع اجتماعي ينحو منحى تقدمي في ظل عملية سياسية يموت فيها ما يموت ويستمر ماله قدرة على الاستمرار.


آثار التَّوظيف العسكري الأمريكي وأولويات الإنفاق المحلّي.
Robert Pollin
Heidi Garrett-Peltier
ترجمة هيئة التحرير
أنفقت الحكومة الأمريكية ما يُقدَّر بحوالي 270 مليار دولار على الجيش في عام 2007. ويرقى هذا المبلغ إلى حوالي 1800 دولار لكل مقيم في البلاد. ارتفع مستوى الإنفاق العسكري بشكل كبير منذ عام 2001، وبدأ هذا الارتفاع حتى قبل أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. وفي المجموع بالدولار (بعد السيطرة على التَّضخم)، فقد ارتفع الإنفاق العسكري بمعدل 10% بين الأعوام 2000-2006، السنوات الكاملة لرئاسة بوش. نما الاقتصاد الأمريكي على النَّقيض من ذلك بمعدل سنوي متوسط قدره 2,7%. ارتفعت الميزانية العسكرية من 0,3 إلى 4,4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال رئاسة بوش الابن. في الحجم الحالي للاقتصاد، الفرق بين الميزانية العسكرية عند 4,4 بدلاً من 0,3% من الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 134 مليار دولار.
ارتبطت أكبر الزيادات في الميزانية العسكرية خلال فترة رئاسة بوش الابن مع أفغانستان، وخصوصاً حرَبيّ العراق. تكلِّف الحرب الأمريكية في العراق لوحدها ما معدَّله 360 مليون دولار في اليوم (وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرسthe Congressional Research Service) أو 138 مليار دولار خلال السنة المالية 2007. وهكذا فإن مبلغ ال 138 مليار دولار التي صُرِفَت على العراق في العام 2007 كانت بشكل أساسي تساوي الزيادة الإجمالية في الإنفاق العسكري النَّاتج عن تحريك الميزانية العسكرية من 0,3 إلى 4,4% من النَّاتج المحلي الإجمالي.
بقي جانب واحد من المستوى المحلي الحالي للإنفاق العسكري من قبل حكومة الولايات المتحدة مهملاً إلى حدٍ كبير وسط المناقشات بشأن الأسس الموضوعية والسياسية للحرب على العراق، وهو تأثير هذا الإنفاق على الاقتصاد الأمريكي. إن 600 مليار دولار هو مبلغ كبير وهو أكبر من الناتج المحلي للسويد وتايلاند وثمانية أضعاف الإنفاق الفيدرالي الأمريكي على التَّعليم. ومن الطبيعي هنا أن يسأل دافع الضرائب الذي شارك بتأمين مبلغ ال 600 مليار دولار، كيف تذهب للجيش بدلاً من تكريسه لأغراض بديلة محلية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة. كثيراً ما تم الإعراب عن رأي مفاده أن الميزانية العسكرية الأمريكية هي حجر الزاوية في الاقتصاد الأمريكي. ويُقال أيضاً أن وزارة الدفاع هي الضّامن الرَّئيسي والمُحفِّز للابتكارات التّقنية الهامّة، وكثيراً ما يتم الاستشهاد بها على أنها رب العمل الرئيسي، وهي على الغالب توفر فرص العمل الجيدة ذات الرواتب المستقرة للملايين من الأمريكيين.
يمكن القول إن تلك الادعاءات لا يمكن أن تقدم المساعدة ولكنها صحيحة في إحدى المستويات. إذا كانت الحكومة الأمريكية تنفق ما يزيد عن 600 مليار دولار على صيانة وتعزيز الجيش، كيف يمكنها تأمين للنفقات اللازمة لبناء أسلحة متطورة من الناحية التكنولوجية بالتوازي مع أنظمة النقل والاتصالات، وتفشل في تشجيع الابتكارات والتي ترتبط بطريقة أو بأخرى بوسائل الحرب؟ صحيح أن الاستثمارات في التّكنولوجية العسكرية قد أفادت في أغراض مدنية مثل شبكة الانترنت التي تُعتبر المثال الأوضح على ذلك. ولكن في الوقت نفسه، من شأن توجيه مبلغ ال 600 مليار دولار نحو مجالات مثل الطاقة المتجددة والنقل الجماعيوالرعاية الصحية أن يخلق بيئة مُساعِدة لدعم التكنولوجيا الجديدة. تنشأ اعتبارات متوازية في تقييم أثر الميزانية العسكرية على العمالة في الولايات المتحدة. تخلق الميزانية العسكرية البالغة 600 مليار دولار ما يقرب من خمسة ملايين فرصة عمل، سواء داخل الجيش نفسه أو في الوظائف المدنية المتّصلة به. وبسبب ارتفاع الطلب على المعدات المتطورة من الناحية التكنولوجية للجيش، ستكون نسبة جيدة من الوظائف التي ستخلقها الميزانية العسكرية ذات رواتب جيدة وستكون تحدياً مهنياً. ولكن مرة أخرى، سيكون هذا الأمر صحيحاً أيضاً لو تمَّ إنفاق هذه الأموال في المجالات الأخرى التي تنطوي على استخدام وتطوير تقنيات جديدة في مجال الرعاية الصحية والحفاظ على الطاقة أو الطاقة المتجددة.
وهكذا، إذا كنا نريد أن نقدم حساب متوازن لأثر الإنفاق العسكري على الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك وضع العمالة، فالطريقة الوحيدة المناسبة للقيام بذلك، هو دراسة ما هو تأثير إنفاق مبلغ معين من المال على الجيش، مقابل إنفاق المبلغ نفسه على مزيج من بعض البدائل غير العسكرية.
تركّز هذه الدراسة على آثار توظيف الإنفاق العسكري على الاقتصاد الأمريكي مقابل توجيه جزء كبير من الميزانية العسكرية نحو أغراض بديلة. نبدأ من خلال إدخال تقنية نمذجة المدخلات والمخرجات الأساسية للنظر في مثل هذه القضايا بطريقة منهجية. ونستعرض أيضاً الجهود السابقة لمقارنة آثار توظيف الإنفاق العسكري مقابل أولويات الإنفاق الحكومية البديلة.
بعد ذلك قدَّمنا بعض سيناريوهات الإنفاق البديلة، أي تكريس مليار دولار للجيش، مقابل نفس المبلغ من المال يتم إنفاقه على خمس بدائل: التَّخفيضات الضريبية التي تسبب زيادة في مستويات الاستهلاك الشّخصي، الرعاية الصّحية والتّعليم والنّقل الجماعيوبناءالبيوتوإصلاح البنية التّحتية. قمنا بتضمين الاقتطاعات الضريبية في هذه القائمة لأنها هي الإنفاق البديل المباشر تستخدم الأموال المحررة من تخفيض الإنفاق العسكري والذي يعود بشكل مباشر لدافعي الضرائب ليستخدموه بالشكل الذي يروه مناسباً. قمنا أيضاً وعلى مضض باستبعاد فئة استثمارات الطاقة المتجددة. هذا فقط بسبب البيانات المتاحة الآن للاستخدام ليست كافية لعمل تقديرات موثوق بها لتأثير الاستثمارات في مجال مشاريع الطاقة المتجددة كبديل مؤقّت. يمكن للمر أن ينظر لفئات النقل الجماعي وفي مجال بناء البيوت كتشكيل استثمارات في مجال حماية الطاقة. كم عدد الوظائف التي تمَّ إنشاؤها من خلال تلك البدائل، وما هي نوعية تلك الأعمال؟ استنتاجنا الأول في تقييم تأثير العمالة النسبية واضح ومباشر: مليار دولار تُنفَق على الاستهلاك الشّخصي والرعاية الصحيةوالتعليم والنقل الجماعيوبناءالمنازلوالبنى التّحتية ستخلق كلها فرص عمل أكثر في الاقتصاد الأمريكي من استثمارها في المجال العسكري.
ولكن يثير هذا الاستنتاج سؤالاً واضحاً: هل نحن نخلق أعمال أكثر من خلال تلك البدائل غير العسكرية، عن طريق استبدال الوظائف ذات المرتبات المجزية بالمجال العسكري بوظائف سيئة الأجر بالوظائف البديلة؟ في الواقع، الإنفاق على الاستهلاك الشّخصي ينتج غالبية الوظائف سيئة الأجر، بحيث أن مجموعة التعويضات التي ستعطى للعمال ستكون أقل في حال ذهبت تلك المليار دولار للأغراض العسكرية. ومع ذلك، فالعكس هو الصحيح في حال كان البديل للإنفاق هو في المجال التعليمي. هنا، فإن إجمالي عدد كلا فرص العمل المستحدثة بالإضافة لمعدل الأجور هو أعلى مما هي عليه في الجيش. ولكن سيكون متوسط أجر العاملين بالرعاية الصحية والنقل الجماعي أو في مجال البنى التَّحتية أقل مما هي عليه في المجال العسكري. بعد عرض هذه النتائج، قمنا بتفحصها في سياق أوسع.
استنتجنا من الدراسة سلسلة قصيرة من الملاحظات العاجلة.
الدراسات السابقة لتأثيرات أولويات النفقات البديلة. الأدوات الأساسية لتقدير صافي آثار العمل الشاملة لأولويات الإنفاق الحكومي البديلة هي نموذج من المدخلات والمخرجات للاقتصاد الأمريكي، التي يتم إنتاجها مرة كل خمس سنوات ويتم تحديثها سنوياً من قِبل وزارة التجارة. تم وضع إطار تحليلي للمدخلات والمخرجات لأول مرة في ثلاثينات القرن العشرين من قِبَل الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد فاسيليليونتيف، مع العديد من التحسينات اللاحقة. يتتبع نموذج المدخلات والمخرجات من خلال كل العوامل أي بمعنى المدخلات التي تدخل في إنتاج ناتج معيّن. على سبيل المثال، يمكننا أن نلاحظ من خلال نموذج المدخلات والمخرجات للاقتصاد الأمريكي عدد وأنواع العمال، وكم هي وما أنواع المعدات ومقدار الطاقة (جميع المدخلات) اللازمة لإنتاج طائرة عسكرية مقاتلة، أو دبابة أو سفينة حربية (المخرجات). يمكننا أيضاً أن نلاحظ ما هي المتطلبات المكافئة للاحتفاظ بمدرسة ابتدائية موجودة أو مشفى بالخدمة أو لبناء مدرسة أو مشفى جديد.
علينا لتقدير تأثيرات العمالة الإجمالية لأي إنفاق معيَّن، مثل طائرة حربية أو مدرسة، علينا أن ننظر في ثلاث عوامل بشكل عام لنموذج المدخلات والمخرجات:
1-الآثار المباشِرة لفرص العمل التي تخلقها إنتاج طائرة حربية أو بناء مدرسة.
2-الآثار غير المباشرة للوظائف المرتبطة بالصناعات التي تقوم بتوريد السلع الوسيطة لإنتاج طائرة حربية أو بناء مدرسة أو أي إنفاق مباشَر، مثل الحديد والزجاج والإطارات والصناعات الإلكترونية التي تدخل في صناعة الطائرة، والخرسانة الإسمنتيةوالزجاج والنقل بالشاحنات في حالة بناء مدرسة.
3-التأثيراتالمستحدثَّة-توسيع فرص العمل التي تنتج عندما يدفع الأشخاص لبناء طائرة حربية أو مدرسة، حيث ينفقون المال الذي حصلوا عليه على المنتجات الأخرى في الاقتصاد.
ولكن معدل الراتب الذي يُدفَع لعامل الرعاية الصحية أو لأولئك الذين يعملون في البناء أو في وسائل النقل الجماعي سيكون أقل مما عليه في الجيش. سنقوم بعد تقديم هذه النتائج بفحصهم في سياق أوسع، بمعنى آخر: تقييم تأثيرات الرفاهية العامة لنتائج التوظيف البديلة.
تستنج الدراسة سلسلة قصيرة من الملاحظات العاجلة.
الدراسات السّابقة لتأثيرات عمل أولويات الإنفاق البديلة
لتمكين نموذج المدخلات والمخرجات من أجل معالجة مسائل معينة من حيث كمية الوظائف التي أنشئت وتصنيفها حسب النَّوع ومستويات التعويض التي ترتبط بتلك الوظيفة، علينا أن ندمج البيانات من استطلاعات قوة العمل الأمريكية في إطار المدخلات والمخرجات. يتطلب تشغيل هذا النوع من النّموذج الاقتصادي تتطلب معالجات وحسابات تقنية كبيرة. في نفس الوقت، يتضمن الاقتصاد الأمريكي البالغ 13 ترليون دولار ملايين التفاعلات والعمليات اليومية، ويبقى المهم معرفة التأثيرات النسبية للإنفاق العسكري مقابل الإنفاق غير العسكري.
في العام 1961 قام البروفيسورليونتيف نفسه باستخدام نموذج المدخلات والمخرجات لدراسة تأثيرات نزع السلاح على الاقتصاد. وفي مقالته المعنونة باسم "التَّأثيرات الاقتصادية لنزع السلاح" استنتج ليونتيف أن التَّوظيف والنَّاتج العام سوف يتغيران كنتيجة للتَّغيير في الإنفاق من الصناعة التي ترتبط بالدفاع إلى التي لا ترتبط بها. وأظهرَ أنه بينما الإنفاق العسكري الحاد يزيل ويلغي عدد كبير من الوظائف، في حين ستكون الوظائف التي يخلقها توسيع الإنفاق على الأغراض المحلية البديلة هي الضّعف.
قام أيضاً الاقتصادي والمهندس الصناعي البروفيسور "سيمور ميلمان" بفحص آثار الإنتاج والتَّوظيف العسكري مقابل بدائل الإنفاق غير العسكري عبر سلسلة من المشاريع البحثية من الستينات وحتى ثمانينات القرن العشرين، أظهر من خلالها "ميلمان" مراراً وتكراراً أن التأثيرات الصافية لزيادة الحصّة النّسبية من الإنفاق غير العسكري سيكون مفيداً من حيث فرص العمل والنَّاتج الإجمالي. كما أكَّد أن الاستثمارات في الصِّناعات غير الدفاعية من شأنه أن يوفِّر فوائد كثيرة من حيث تشجيع التكنولوجيات الجديدة ورفع متوسِّط مستوى المعيشة في الولايات المتحدة.
تمَّ نشر دراستين منفصلتين في التّسعينات واستُخدِم فيهما تحليل المدخلات والمخرجات وتقنيات النمذجة التَّكميلية لتقدير الآثار المترتِّبة على التَّحويل بين الإنفاق العسكري ونقيضه المدني.
صدرت الدراسة الأولى العام 1993 للبروفيسور "جيمس ميدوفJamesMedoff" تحت عنوان "التَّحفيز الذَّكي: وظائف جيدة أكثر." وصدرت الدراسة الثانية عام 1990 من قِبَل "ماريون أندرسون Marion Anderson" وغريغبيسشاكGregBischak" و "ميشيل أودن Michael Oden" تحت عنوان "تحويل الاقتصاد الأمريكي."
استخدم "ميدوف" نموذج 1987 المدخلات والمخرجات في الاقتصاد الأمريكي لتقدير العلاقة بين النماذج المختلفة للإنفاق، على سبيل المثال، الإنفاق العسكري والخاص والإنفاق الحكوميوالاستثمار-على فرص العمل، أي التركيز على نفس الأسئلة التي نتناولها هنا. خلق "ميدوف" عدد من المؤشِّرات ليوضِّح كمية فرص العمل وتأثيرات نوعيّة فرص العمل للنماذج البديلة لأهداف الإنفاق، ومتوسط التعويض المرتبط بالأنواع المختلفة للوظائف التي أنشِئَتْ. وجدَ "ميدوف" أن إنفاق الاستهلاك الشّخصي احتوى التأثير الإيجابي الأخفض على مؤشِّره الذي دمجَ كل من عدد فرص العمل التي أنشِئَتْ والأجور وفوائد فرص العمل. جاء إنفاق الدفاع بالمرتبة الأخيرة بكمية فرص العمل وتأثيرات نوعيّة فرص العمل.
وجدَ "ميدوف" أن نفقات الاستهلاك الشَّخصي كان لها أدنى تأثير إيجابي على مؤشره الذي ضم كل فرص العمل التي أنشِئَتْ والأجور والفوائد من فرص العمل، وجد "ميدوف" أن الإنفاق على التعليم والرعاية الصحيةوالبنيةالتحتيةوالنقلالمشتركوالبناء أفضل من أداء الإنفاق العسكري.
استخدم "أندرسون وزملائه تقنيات مختلفة إلى حدٍ ما عما استخدمه "ميدوف"، حيث اعتمدوا على النَّموذج الذي وضعه مركز (REMI) الذي يجمع بين نموذج المدخلات والمخرجات مع تقنيات إحصائية أخرى لتقدير التأثير النسبي للعمالة في القطاع العسكري مقابل الإنفاق على بدائل محلية. أنجِزَتْ هذه الدراسة في العام 1990. وتفيد تقديرات مفصّلة لتأثيرات العمل الصافية بالوظائف، سواء داخل القطاعات العسكرية والمدنية، وأيضاً داخل فروع القوات المسلحة وقطاعات الاقتصاد المدني. فعلى سبيل المثال، وجدوا أن تأثير الانخفاض التَّدريجي في الإنفاق العسكري ابتداءً من 35 مليار دولار في عام 1990 بعد وصوله إلى 105 مليار دولار في العام 1994، من شأنه أن ينتج ربحاً صافياً 477 ألف وظيفة في الاقتصاد الأمريكي.
________________________________________________

حقوق الانسان والوضع العربي

بعد حوالي سبعين عاماً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس عام 1948، مازال سكان البلاد العربية التي نالت استقلالها تباعاً، خلال تلك الحقبة، يفرون من ديارهم بالملايين هرباً من أوطانهم التي تحكمها سلطات وصاية راسخة بالقوة، لا تقيم وزناً للقوانين والدساتير الناظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ،حيث قامت هذه السلطات بتجاوز كل الاعراف والحقوق والدساتير التي عُلق العمل بها لتفرض على السكان قوانين طوارئ دائمة وأحكاماً عرفية لا تقيم وزناً للمحاكم المدنية ولا لدور القضاء المستقل في تطبيق القوانين، حتى أصبح الانسان العربي لا يملك من أمره شيئاً، فيما يخص مجمل حقوقه وعلى رأسها وأهمها حقوق السياسة وحقه في الكلام والتفكير الحر وابداء الرأي وتقرير مصيره في وطنه إلى حقه في تشكيل الاحزاب والعمل السياسي، تلك الحقوق التي لا تنفصل بل تتكامل مع بقية حقوقه في الحياة والعمل وتأمين وسائل عيشه الكريم، كما نصت المادة الأولى والثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
لكن الواقع الأليم الذي ينطق بما آلت إليه عمليات الانتهاك المتواصلة لأبسط الحقوق التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان ستؤول دون مبالغة في القول الى أكثر مما نراه من تشرذم وانقسام يهدد وجود أُمتنا ودولها، التي نشهد دعوات التقسيم تعلو على أي ترابط بين قوى مجتمعاتنا التي لا تجد خلاصاً لها من العبودية غير الهروب الى المجهول، بدءاً من دعوات الانفصال المتلاحقة من هنا وهناك وبوعود براقة من الأطراف الدولية التي تعمل عل تقسيم منطقتنا ثانيةً.
من هنا نعود لطرح المخاطر الجسيمة على الغياب الصارخ لأبسط الحقوق، وما الهجرة والفرار لجموع قطاعات وفئات المجتمع إلا دليلاً واضحاً على رفض العبودية الفكرية والعسف ولو كان بالطيران في الفراغ والمجهول.
____________________________________________________

أوراق تاريخية
قامت دولة "إسرائيل على جملة من الأساطير. يبحث الكاتب الأمريكي Jeremy R. Hammond "جيريمي ر. هاموند في كتابه "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" وبقنِّد هذه الأساطير الذي لا يوجد لها أي سند على أرض الواقع
الأسطورة الأولى:
اليهود والعرب كانوا على الدوام في حالة نزاع في المنطقة
على الرغم من أن العرب كانوا أغلبية قبل خلق دولة إسرائيل، إلا أنه كان يوجد سكان يهود أيضاً. انسجم معظم اليهود الفلسطينيين مع جيرانهم العرب. بدأ هذا الأمر بالتَّغيير مع بداية الحركة الصهيونية، لأن الصهاينة رفضوا حق تقرير المصير للفلسطينيين وأرادوا فلسطين لهم، لخلق "دولة يهودية" في المنطقة، حيث كان العرب هم الأغلبية ويمتلكون معظم الأرض. على سبيل المثال، بعد سلسلة من أعمال الشَّغَب في يافا في عام 1920 والتي أدَّتْ لوفاة 47 يهوديَّاً و48 فلسطينياً، شكَّلَ الاحتلال البريطاني لجنة تحقيق التي أفادت "ليس هناك حالة عداء متأصِّل، سواء عنصرية أو دينية ضد السَّاميِّة في البلد." بل بالأحرى، الهجمات العربية على المجتمعات اليهودية كانت نتيجة مخاوف عربية بشأن الهدف المُعلَن من الصَّهاينة للاستيلاء على الأرض.
بعد اندلاع أعمال عنف كبيرة مرة أخرى في عام 1922، أشار تقرير لجنة التَّحقيق البريطانية إلى أنَّه "تمَّ خلال أقل من عشر سنوات تنفيذ ثلاث هجمات خطيرة من العرب على اليهود. لم يتم تسجيل أي حوادث مماثِلة، لمدّة ثمانين عاماً قبل الهجوم الأول من تلك الهجمات." وقد شهِدَ ممثِّلون من جميع أطراف النِّزاع النَّاشئ للجنة التَّحقيق، أن "اليهود والعرب عاشا جنباً إلى جنب" قبل الحرب العالمية الأولى، "إن لم يكن في حالة صداقة، فعلى الأقل مع التَّسامُح، وما يحدث اليوم، أمراً غير معروف تقريباً في فلسطين." المشكلة هي أن "الشعب العربي الفلسطيني اليوم موحَّداً في مطلبه بحكومة تمثّله." ولكن تمَّ حرمانهم من هذا الحق من قِبَل الصهاينة، ومن قِبَل المتبرِّع البريطاني. وأشار تقرير السير البريطاني هوب سيمبسون Hope-Simpson الذي صدر بالعام 1930بمثل ذلك، أن "السكان اليهود الذين لا ينتمون للصهيونية في فلسطين، تمتَّعوا بالصداقة مع جيرانهم العرب." ولاحظَ التَّقرير "إنه مشهد شائع تماماً أن ترى عربياً يجلس في شرفة منزل يهودي." ولكن "الموقف مختلف تماماً في المستعمرات الصّهيونية."
تواريخ سورية:الانقلابات العسكرية في سورية
-----------------------------------
-انقلاب حسني الزعيم:30آذار1949
- سامي الحناوي:14آب1949
- انقلاب أديب الشيشكلي الأول:19كانون أول1949
- انقلاب الشيشكلي الثاني: ليلة28-29تشرين ثاني1951
- الانقلاب على الشيشكلي:25شباط1954(تسليم الحكم للمدنيين بعد الانقلاب واجراء انتخابات للمجلس النيابي،وهومااستمر حتى الوحدة السورية- المصرية التي جرت في 22شباط1958)
- الانفصال :28أيلول1961
- 8آذار1963
- 23شباط 1966
- 16تشرين ثاني1970.
-------------------------------------------------------------------------------









زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833-/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص