الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستسلام غير المشروط: لماذا الغرب لا يمكن أن يغفر للجيش الأحمر احتلال برلين؟*

أمين شمس الدين

2017 / 11 / 30
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في 16 نيسان عام 1945، بدأت القوات السوفيتية بشن هجوم على عاصمة ألمانيا النازية. وقد نفذ الجيش الاحمر العملية دون مشاركة القوات الأنجلو أمريكية، الأمر الذى أثار الاستياء من جانب قيادة الحلفاء.
بعد انتهاء الحرب، سيتهم السياسيون والمؤرخون الغربيون جوزيف ستالين بالخداع، زاعمين أن الزعيم السوفياتي انتهك الالتزامات التحالفية، وعدم الكشف عن الخطط الحقيقية لاقتحام برلين. ما هو نصف الحقيقة من قبل الغرب، وما هي الأسباب التي دعت موسكو للقيام بذلك؟
من ستالين إلى آيزنهاور
تستند اتهامات الغرب إلى رد جوزيف ستالين على برقية القائد الأعلى لقوات المشاة في أوروبا، دوايت آيزنهاور، التي أرسلت في 28 آذار عام 1945 (الرمز رقم سكاف-252). والذي طلب فيها الجنرال الأمريكي من الزعيم السوفيتي توضيح المهام لهجوم آخر قادم.
في 1 نيسان عام 1945، تلقى ايزنهاور جوابا. أبدى ستالين موافقته على رأي الجنرال، الذي اقترح شَجّ القوات الألمانية، والتلاقي على خط إرفورت- لايبزيغ- درسدن (جنوب برلين، بحوالي 200 كم).
وقال ستالين: "لقد فَقَدَت برلين أهميتها الاستراتيجية السابقة، لذا، فإن القائد الأعلى السوفيتي يعتقد أن يكرس قوات ثانوية لبرلين". كما قال رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أن الجيش الأحمر يعتزم إلحاق الضربة الرئيسية بالنازيين في النصف الثاني من شهر أيار.
وفى الثاني من شهر نيسان، وقّع ستالين على توجيهات العملية الهجومية فى برلين. وتم تحديد تاريخ الهجوم في 16 نيسان. ومن أجل دحر عرين النازية، عُهِد الأمر إلى الجبهتين الأولى والثانية البيلاروسية، والجبهة الأولى الأوكرانية تحت قيادة القائد الشهير غيورغي جوكوف.
في مصلحتهم الخاصة
ويجادل المؤرخون كيف يمكن للمرء أن يميز أعمال ستالين. وأُعرِب عن آراء مفادها أن القائد الأعلى للقوات المسلحة للاتحاد السوفييتي قد ضلّل عمدا نظيره الأمريكي. في روسيا يفضلون التحدث عن المُكر العسكري، أما في الغرب يعتبر سلوك ستالين خداعا.
ولفهم ما استَرشَد به الزعيم السوفياتي، دعونا ننتقل إلى سياق الأحداث التي وقعت قبل 70 عاما. مع الاقتراب من برلين، كانت التناقضات السياسية بين الحلفاء تتصاعد. وكان للقيادة السوفياتية سببا لعدم الثقة بأيزنهاور ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل.
لم تتمكن موسكو من نسيان افتتاح الجبهة الثانية المتأخر، الذي كلف حياة الملايين من الجنود السوفييت والمواطنين العاديين. لقد ظهرت القوات الأنجلو أمريكية في أوروبا فقط في حزيران عام 1944، خلال الإنزال في نورماندي، أي بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب.
في ذلك الوقت، كانت وحدات متقدمة من الجيش الأحمر تخوض حربا بالفعل لتحرير مدن أوروبا الشرقية. أدركت واشنطن ولندن أن المزيد من التأخير كان محفوفا "بالاحتلال الشيوعي" لمعظم القارة الأوروبية.
ومنذ عام 1941، طلب اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية فتح الجبهة الثانية، ولكن لم يكن ذا جدوى للحلفاء للقيام بغزو بري في أوروبا، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا في ذروتها العسكرية، وكان بإمكانها أن ترد ردا قويا على الأنجلو ساكسون.
وركزت الولايات المتحدة وبريطانيا على محاربة النازيين في البحار المكشوفة وشمال أفريقيا، مما أقنع موسكو في نفس الوقت بأن هذه هي الجبهة الثانية الموعودة.
وكان هذا الإجراء يتوافق مع المصالح الوطنية لحلفاء الاتحاد السوفييتي. وقد حافظت واشنطن ولندن على الموارد البشرية والمادية، وقاتلتا هناك، حيث كان الألمان أضعف، وضلَّلوا بذلك الاتحاد السوفياتي بعدم الافصاح بمعلومات عن نواياهم الحقيقية.
وفي ربيع عام 1945، استجابت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على دعوة القيادة النازية لإجراء مفاوضات لإبرام سلام منفصل. وفي الوقت نفسه، كان الحلفاء يعملون على تطوير عملية أُطلق عليها اسم "لا يمكن تصوره" أو (المستحيل)، والتي تفترض مسبقا خطة عمل في حالة الحرب مع الاتحاد السوفييتي.
خططت واشنطن ولندن لِزَجّ 10 فرق ألمانية ضد الجيش الأحمر، وبالتالي لم تكن مهتمتان بهزيمة كاملة للآلة العسكرية الألمانية. وكان الغرض من عملية "لا يمكن تصوره" لمنع اختراق القوات السوفيتية إلى أوروبا الغربية، وأيضا لإجبارهم على الخروج من بولندا.
كان "الصقر" الرئيسي في الترادف الأنجلو- أمريكي هو ونستون تشرشل. وهو الذي كَلَّف بإعداد "لا يمكن تصوره". في 31 آذار عام 1945، دعا رئيس الوزراء البريطاني ايزنهاور إلى عدم تصديق ستالين، بغض النظر عن رده، وشن هجوم على برلين.
كتب تشرشل، قائلا: "أنا شخصيا لا أعتقد أن برلين قد فقدت بالفعل أهميتها العسكرية ولا سيما السياسية. ولذلك، فإنني أفضل بكثير التمسك بالخطة التي بموجبها نعبر نهر الراين، وهي تحديدا- أن الجيش الأمريكي التاسع جنبا إلى جنب مع مجموعة الجيش الـ 21 تتقدم نحو إلْبِه، ومن ثَم إلى برلين".
رأس جسر للهجوم
لقد كان لبرلين حقيقة أهمية استراتيجية وسياسية هامة. والدولة التي استولت على عاصمة النظام النازي يمكن أن تعتبر نفسها الفائز الرئيس في الحرب العالمية الثانية، التي كُلَّلت ليس فقط بإكليل الغار، ولكن أيضا دَمَّرت أكبر مجموعات العدو.
إن الاتحاد السوفيتي، الذي خسر 27 مليونا من مواطنيه، كان أكثر بكثير تصميما من الحلفاء. ففي السادس من تشرين الثاني عام 1944، تحدث ستالين بمناسبة الذكرى السنوية لثورة أكتوبر، مختتما خطابه بعبارة: "سوف نجهز على العدو، الوحش الفاشي، في مخبأه، وسنرفع راية النصر فوق برلين!".
وأعدت نقطة انطلاق للانقضاض على ألمانيا النازية نتيجة لنجاح العملية الاستراتيجية فيسلو- أودر (12 ك2 - 3 شباط 1945). وحرر الجيش الأحمر بولندا، وانتَقَل إلى الضفة اليسرى من نهر أودر، وكانت برلين على بعد أقل من 100 كم.
في عام 1964، أعرب القائد السابق لجيش الحرس الثامن (الجبهة البيلاروسية الأولى)، المارشال فاسيلي تشويكوف، على صفحات مجلة "أكتوبر" عن رأيه، قائلا: بأن القوات السوفيتية كان يمكن أن تحتل برلين بالفعل في نهاية شهر شباط عام 1945. إلاّ أن غيورغي جوكوف دحض بيان تشويكوف بشكل حاد بما فيه الكفاية.
يتفق المؤرخون الحديثون والمحللون العسكريون تماما مع رأي جوكوف. لقد قُتِل في المعارك التي جرت في بولندا 600 ألف جندي سوفيتي. وتَطَلَّب من الجيش الأحمر تعزيز الأجنحة، حتى لا تقع تحت الضربات النازيه. لذلك، في شهر آذار، شنت القوات السوفيتية هجوما في تشيكوسلوفاكيا، سيليسيا و بروسيا الشرقية.
قام الحلفاء في الشهر الأول من الربيع بعمليات ماس - رين و روهر، مما أدى إلى تدمير مجموعة كبيرة من العدو على الجبهة الغربية. وبحلول نهاية آذار، كانت قوات الأنجلو ساكسون، كما القوات السوفياتية على عشرات الكيلومترات من برلين. ربما، من أجل فهم المزيد من خطط موسكو، كان أيزنهاور قد قرر إرسال تلك البرقية السابقة الذكر إلى ستالين، سكاف-252 (SCAF-252).
لعدة اسباب، شكك ايزنهاور بشدة فى ضرورة شن هجوم ضد برلين فى شهر نيسان عام 1945. وتركزت أكثر من 200 فرقة وكتيبة في منطقة العاصمة الألمانية. كانت المدينة محصنة تماما، القتال كان يتطلب أن يكون قتالا في كل بيت.
وقد قدر الجنرال عُمَر برادلي في مذكراته الخسائر المحتملة في حال اقتحام برلين بـ 100 ألف شخص. بالنسبة للولايات المتحدة، كان هذا يعني سعرا باهظا للانتصار. وعلى مدى الحرب العالمية الثانية بأكملها، قتل ما يزيد عن 400 ألف أمريكي، من بينهم حوالي 200 ألف قتلوا في أوروبا.
واقترحت خطة آيزنهاور، المقدمة لـ ستالين، تقطيع شمال ألمانيا وجنوبها. كان الأمريكيون حذرين جدا بسبب الهجمات المضادة التي لم يقم بها النازيون خلال عملية أردنس في جنوب غرب بلجيكا (16 ك1 1944 - نهاية يناير 1945).
ويعتقد كبير باحثي الأكاديمية العسكرية للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، العقيد ميروسلاف موروزوف، أن الاستخبارت الأمريكية بالغت في تقدير قدرات النازيين. عدم الرغبة في الغوص في مفرمة اللحم، أجبر قوات الحلفاء على التفكير بعناية في خطط الهجوم.
في مطلع نيسان عام 1945، قال برادلي للصحفيين الأمريكيين إن الحرب مع ألمانيا لن تنتهي إلا في ربيع عام 1946. صحيح، من الممكن أن كلمات الجنرال كانت أيضا خدعة عسكرية من أجل تضليل القيادة السوفياتية.
تدابير مبررة
وعلى النقيض من الجنرالات الأميركيين الحذرين، توقع تشرشل تقسيم أوروبا مع انهيار البؤر الأخيرة من المقاومة النازية. في رأيه، كان من المستحيل إعطاء مثل هذه الورقة الرابحة للدعاية السوفيتية كتحرير عاصمة ألمانيا.
لم ينجح تشرشل في إقناع آيزنهاور، ولكن على الجبهة المعلوماتية لا يزال الغرب يحقق التأثير المطلوب. وفقا لاستطلاعات الرأي الحديثة، فقط 10-13٪ من سكان غرب ووسط أوروبا يعتقدون أن المساهمة الرئيسية في هزيمة النازية قام بها اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. قبل 70 عاما كان من أدلى بهذا الرأي أكثر من نصف الأوروبيين.
ويكمن غضب الغرب على "الخداع" من جانب ستالين في الادعاءات بأن الجيش الأحمر أخذ برلين بلا رحمة تجاه السكان المدنيين. وقيل على وجه الخصوص إنه أثناء إعداد المدفعية ونتيجة القصف قُضي على عدد كبير من المدنيين، وأن هذه الخسائر كان يمكن تجنبها.
نصف الحقيقة في الغرب هو أنه في عاصمة ألمانيا، بعد القصف من قبل الجيش الأحمر، لم يبق فيها حقيقة مبنى واحدا كامل البناء. ومع ذلك، اضطرت القيادة السوفياتية إلى هدم المدينة وتسويتها بالأرض.
كانت برلين كلها منطقة كبيرة محصنة. وكان كل شارع تقريبا فيه عدة نقاط اطلاق نارالعدو، معزَّزة بكتل خرسانية. وكانت المدينة مترابطة في شبكة من الاتصالات تحت الأرض، مما سمح بنقل القوات وإيواءها من القصف. واعتُبِر من الجنون دخول برلين دون إعداد مدفعية قوية جدا.
إضافة إلى ذلك، حشد جنرالات هتلر كل من يستطيع أن يحمل بندقية، بما في ذلك الأطفال وكبار السن. وكان السكان يأملون في تحقيق سلام منفصل في وقت مبكر مع الأنجلو ساكسون، ودعوا إلى أقصى قدر من المقاومة أمام الشيوعيين.
وفي الفترة من 16 إلى 24 نيسان، احاط الجيش الأحمر بالمجموعات الرئيسة للفرماخت، يستثني إمكانية اختراقها برلين. وقد تم اغلاق الدائرة حول العاصمة الالمانية يوم 25 نيسان. وقفت أمام القوات السوفيتية حامية من 200 ألف شخص. ازدادت كثافة الدفاع عن برلين كلما تقدم الجيش الأحمر نحو مركز المدينة. وهكذا، فإن القتال من أجل الرايخستاغ، الذي غُرِست فوقه راية النصر، استمر لمدة يومين.
من 16 نيسان إلى 8 أيار، قتل 78 ألف جندي سوفيتي (نُذَكّر بأن برادلي قدر الخسائر المحتملة خلال اقتحام برلين في 100 ألف شخص). فقد النازيون 395 ألف شخص. دفع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ثمنا باهظا لتحرير برلين. ومع ذلك، إذا حكمنا على نسبة الخسائر، فإن جميع التدابير التي اتخذتها القيادة السوفياتية لها ما يبررها.
-------------------------------------------------------------------------
المصدر
* أليكسي زاخواسين، كريستينا خْلُوصوفا
Алексей Заквасин, Кристина Хлусова

*Безоговорочная капитуляция: почему Запад не может простить Красной армии взятие Берлина
https://russian.rt.com/science/article/379259-sssr-vzyatie-berlina-zapad
Перевод на арабский язык/ Амин Даси
----------------------------------------------------------------------------
الترجمة عن الروسية/ د. أمين شمس الدين داسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي