الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر الطب النفسى على علاج المرضى

طلعت رضوان

2017 / 11 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ورد فى بعض موسوعات الطب العالمية أنّ الحضارة المصرية، عرفتْ نوعـًـا من العلاج بالموسيقى، والجلسات الجماعية. كما اعترف سيجموند فرويد بدورالمصريين القدماء فى (الطب النفسى) وأنه كان يضع تمثالا لرمزالحكمة (بتــّـاح) على مكتبه. وعندما هرب من النازيين إلى بريطانيا قال: حرصتُ على اصطحاب أصدقائى معى: نماذج من تماثيل الحكماء المصريين.
وأعتقد أنّ الطب النفسى (بشكله العلمى) تأسس فى العصرالحديث (النصف الثانى من القرن التاسع عشر) فكانت بداية علاج البشرالمُـصابين ببعض (مظاهرالعـُـقد النفسية) بدراسة علاقاتهم بالأسرة والأصدقاء والنشأة، ومجمل العوامل الاجتماعية والثقافية..إلخ.
وقد أحسنتْ هيئة الكتاب المصرية بإصداركتاب (أيام من الهمس والجنون) تأليف د.أحمد الباسوسى- عام2017. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه: 1- شهادات حية لتجارب الطبيب مع مرضاه 2- هذه التجارب عندما كان الطبيب معارًا للعمل بدولة الكويت، فشملتْ مرضى من جنسيات مختلفة (عرب، مصريين، باكستانيين، هنود..إلخ) 3- تبيـّـن لى بعد قراءة عشرات الحالات التى عالجها الطبيب، أنّ أعراض المرض النفسى واحدة، بغض النظرعن اختلاف الجنسيات 4- أنّ د. الباسوسى اختاركتابة تجاربه باللغة القومية للمريض، مثل قول العربى (دشيت فى مشكله مع أختى) يقصد (وقعت فى مشكله- ص269) وأنّ المريض جاء العيادة (كاشخ) أى معتنيـًـا بمظهره كما يقول الكوايتة (ص288) وقال مريض مزواج ((ارتبطتْ بواحده تالته كويتيه (شيشتنى) على الأولى وخليتنى طلقتها)) (ص298) وفى الشرح فإنّ كلمة (شيشتنى) معناها بالعربى (حرّضتنى) وردّد المرضى العرب كثيرًا تعبير((الضيقه اللى فينى موش عايزه تسيبنى)) (ص300على سبيل المثال) وكلمة (فينى) عند ترجمتها من اللغة المحلية إلى العربية الكلاسيكية تعنى (داخل نفسى) أما كلمة (الضيقه) فهى نحتاية مصرية لكلمة (ضاق) العربية بمعنى (لايسعنى شىء) أو(تضايق القوم إذا لم يسعهم المكان) (مختارالصحاح- ص410) وبهذا تكون ترجمة الجملة كلها من المصرى للعربى ((الكرب واليأس داخلى لايتركنى)) ومع ملاحظة أنه فى هذه الجملة- كما فى كل (فضفضات) المرضى العرب- أداة الوصل (اللى) وأداة النفى المصرية (موش) ولفظ (ساب) مثل (سابنى من سنه) بمعنى هجرنى من سنة بالعربى. و(موش عايزه تسيبنى)..إلخ.
5- وهذا يدل على أنّ لغة شعبنا المصرى (المشهورة بالعامية) أصبحتْ لغة العرب فى حياتهم اليومية 6- الطبيب النفسى د.الباسوسى هوأديب وناقد ولذلك جاءتْ شهاداته عن تجاربه مع المرضى بأسلوب أدبى رفيع ومُـشوّق، وأقرب إلى القصص القصيرة، التى تفتح أمام جيل الشباب من المُـبدعين آفاقــًـا مُـتعـدّدة من التجارب الإنسانية.
000
ونظرًا لأنّ الكتاب يضم عشرات اللقاءات مع المرضى، فإننى سأختاربعضها وبحيث تكون مُـعبـّـرة- قدرالإمكان- عن أهم المحاور:
المحورالأول: أهمية دورالأسرة، وهذا الدوريتراوح بين مساعدة المريض النفسى وتشجيعه فيتماثل للشفاء، أوإهماله وعدم العناية به، فينتكس وتتفاقم حالته إلى الأسوأ.
المحورالثانى: أثبتتْ اللقاءات أنّ النسبة الغالبة كانت لصالح الأسرالتى ساندتْ الطبيب ونفــّـذتْ تعليماته، فتجاوزالمريض أزمته.
المحورالثالث: الطبيب النفسى يـُـواجه مشكلة حجب الأسرارالتى يخجل منها المريض، بينما المريض الذى لديه (رغبة حقيقية) فى الشفاء هوالذى يبوح بكل ما تسبـّـب فى مرضه، مثل حالات من تعرّضوا للإعتداء الجنسى فى طفولتهم، فأصيبوا بآفة (الحب المثلى) المعروف- عربيـًـا- باسم اللواط. وكان المرضى الذين أورد الطبيب تجربتهم فى الكتاب لديهم شجاعة الاعتراف، ولكنهم لم يواصلوا جلسات العلاج (من ص305- 314كمثال)
المحورالرابع: تشابه حالات المرض النفسى رغم اختلاف جنسيات المرضى، ومن أشهرهذه الحالات (مرض التوحد) أو(اضطرابات التوحد) أو(الدوران حول الذات) وذلك وفق التعريفات العلمية، وحسب مقاييس الذكاء التى أجراها بعض العلماء، تبيـّـن وجود (تدهورفى القدرة العقلية والمعرفية) والخوف من الأماكن العامة، والاختلاط مع الآخرين..إلخ. مثل المريض الذى يرفض صلاة الجماعة فى المسجد. وبعد أنْ تجاوزبعض العقبات وكاد أنْ يتماثل للشفاء، انتكس بسبب ((عدم التواصل بين الأم والأب بخصوص البرنامج السلوكى المعرفى للابن. وهذا النمط من السلبية يـُـهـدّد مسارالعلاج وفشل تجربة علاجية توشك أنْ تنجح)) (من ص314- 326)
المحورالخامس: تضحيات المُـقرّبين من المريض (أب، أم، زوج، زوجة، أخ، أخت) وهى تضحيات من النوع الذى يتطلب درجة عالية من قوة الاحتمال والاصرارعلى شفاء المريض، رغم مؤشرات اليأس. وفى الكتاب عدة نماذج منها نموذج الزوجة التى أصيب زوجها بمرض (الشلل الرعاش) بسبب إصابة عموده الفقرى، وأنّ طبيبـًـا لبنانيـًـا طلب خمسين ألف دولار، فلجأتْ الزوجة إلى مصروأخبرها الجرّاح أنّ التكاليف مائتىْ ألف جنيه مصرى، فأجرتْ بعض الاتصالات بالمعارف (وأهل الخير) حتى جمعتْ المبلغ. وبعد تحسن حالة الزوج (النسبية) والتحكم فى أعصابه مع القدرة على الحركة، تعرّضت العلاقة الزوجية لانتكاسة بسبب (ضعف شخصية الزوج أمام أقاربه وتدخلاتهم فى حياته مع زوحته. انتهتْ هذه القصة الواقعية بهروب الزوج الذى اختفى فترة ولما ظهرلم يعد لزوجته، والأكثرمأساوية رفض طلاقها.
المحورالسادس: الوسواس القهرى ومن أعراضه الشك فى كل المحيطين بالمريض، وفقدان الذاكرة والنسيان مثل نسيان عدد الركعات فى الصلاة، وبالتالى البدء من جديد ووصل الأمربمريضة أنها كانت ((تشك هل هى متزوجة أم لا؟)) وبسبب الوسواس عرض المؤلف حالة السيدة التى تــُـعيد الوضوء أكثرمن مرة، وغسل اليديْن بصورة مُـفرطة والبقاء فى الحمام مدد طويلة. والاعتقاد بأنّ زملاء العمل (نجسين) وقالت إحدى المريضات ((كل ما أقابل واحدة مسيحية تجينى نفس الوساوس)) (ص249)
المحورالسابع: (مرضى الاضطراب الضلالى) وهؤلاء بعد الاقتراب من الشفاء، تحدث الانتكاسة وخلالها يحدث أخطرعرض وهوالتلذذ والاستمتاع بالمرض، ومن بين الحالات فتاة (ماجستيرفى الهندسة من معهد نيوجيرسى بأمريكا) تعانى (من الهوس الاكتئابى) وهومرض يتسبب فى انخفاض ساعات النوم والشهية فى الطعام. وتعرّضتْ للاستغناء عنها فى أكثرمن شركة للطيران. وساعد على تفاقم حالتها أنها مرّتْ بتجربة عاطفية مع شاب أمريكى، وعندما طالبته بالزواج رفض طلبها. ومن أعراض المرض انقطاع الدورة الشهرية. ومع دوام الجلسات واستجابتها لبرنامج العلاج، خطبها شاب من جنسيتها (بنجلاديش) فقالت ((مخى مستريح ونشيط..أنا الآن طبيعية)) وقالت للطبيب ((لقد تعلمتُ منك أنْ أنتبه للانذارات التحذيرية من الانتكاسة)) وبالتالى تخلــّـصتْ من مرضها وباعتراف والديها، حيث كانا يـُـتابعان حالتها مع طبيبها، وبعد شفاء المريضة واظبتْ على الاتصال بطبيها للاطمئنان عليه.
المحورالثامن: المرض النفسى الذى ينتج عن إهانة الرئيس للمرؤوس، وهوما تعرّض له أكثرمن شخصية من شخصيات الكتاب، وهومرض يؤدى فى بعض الحالات إلى العجزالجنسى، وأحيانــًـا إلى محاولة الانتحار. وأخف أعراضه الاكتئاب. أما أخطرالأعراض رد الفعل العنيف والاعتداء على الرئيس، كما حدث مع المريض الذى كان يعمل بوزارة الدفاع، حيث تـمّ تجهيزه لدورة تدريبية بالخارج، فاستفزه رئيسه ((ولما استفزنى ضربته)) وبعد التحقيق فـُـصل من الخدمة (من ص272- 274نموذجا)
ومن النماذج النادرة (عالميـًـا) والفريدة فى الطب النفسى، البشرالذين يعيشون بدون جنسية، وكأنهم (نبات شيطانى) فهم يجدون أنفسهم فى دولة يعيشون على أرضها، ويعملون فى مرافقها، ولكنها لاتعترف بهم، وترفض منحهم (بطاقة هـُـوية) تــُـثبتْ أنهم ينتمون إلى هذه الأرض، مثلهم مثل أبناء الوطن. والحالات التى عرضها الكتاب، حالات المُـصنــُـفين فى دولة الكويت على أنهم (البدون) أى بدون جنسية. وإذا كان كثيرون يتعايشون مع الواقع (مُـرغمين) ويكتمون مشاعرهم، فإنّ البعض تظهرعليه أعراض متنوعة من المرض النفسى، مثل فقدان الثقة فى النفس، لدرجة أنْ قال المريض لطبيبه ((أشعرإنى موش طبيعى. وأحتقرنفسى)) ولذلك هويخشى الخروج إلى الشارع أوالاحتكاك بغيره من السكان، وتلازمه (شخصية الانطوائى) لدرجة أنه كلما تعرّف على فتاة بهدف الزواج، سرعان ما ينسحب ويـُـنهى العلاقة. وبعد عدة جلسات دخل على طبيبه وقال فى فرح أنه اقترب من الحصول على الجنسية الكويتية (من ص259- 271)
وعن صعوبة عمل الطبيب النفسى والسدود والأسوارالمُـنتصبة (وتمنع الدخول إلى أعماق النفس البشرية) امتلك د. الباسوسى شجاعة الاعتراف (رغم خبرته عشرات السنين) أنّ المرض النفسى لايزال لغزًا مستعصيـًـا على الحل (ص128)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل