الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا وافق ضباط يوليوعلى تصويرفيلم ضد مصر؟

طلعت رضوان

2017 / 11 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا وافق ضباط يوليوعلى تصويرفيلم ضد مصر؟
طلعت رضوان
فى عام 1999عرضتْ بعض دورالسينما المصرية فيلم ( أميرمصر) إخراج المخرج ستيفن سبيلبيرج (أمريكى الجنسية صهيونى الهوى) الذى سبق أنْ أخرج فيلم (قائمة شندلر) الذى روّج فيه لمبالغات الصهيونية الدينية عن أفران الغاز النازية. ورغم أنّ جرائم النازية ضد الشعب اليهودى حقيقة لايكن للعقل الحرأنْ ينكرها، إلاّ أنّ الفيلم تعمّد (بأسلوب فنى مُبهر) أنْ يجعل المـُشاهد يتعاطف مع اليهود الذين هاجروا من ألمانيا ومن كل أوروبا وساهموا فى احتلال فلسطين. مع الايحاء (الفنى) بأنّ حرائق هتلرضد اليهود تعطى إسرائيل المُبررلاستنزاف موارد الشعب الألمانى فى شكل منح تكفيرًا عن جريمة لم يرتكبها أحفاد هتلر. ولكن أخطرما فى الفيلم هوأنْ ينسى المُشاهد مأساة الشعب الفلسطينى.
أما فيلم (أميرمصر) فهو مُعالجة سينمائية (كرتون مُبهرللأطفال وللكبار) لأكذوبة روّج لها بعض الكــُـتاب الصهاينة تقول إنّ ((النبى موسى تربى مع رمسيس الثانى على أنهما شقيقان)) وعندما يكبران يعلم موسى أنه ليس ابن (فرعون) وإنما هوواحد من أبناء العبرانيين الذين يعملون فى بناء الأهرام والمعابد تحت سياط المصريين المُتوحشين. وركـّزالفيلم على أنّ موسى هوالمُصمم العبقرى لكل ما أبدعته الحضارة المصرية. ويضع فى إصبعه خاتم كبيرمهندسى الدولة. مع تكرارلقصة خروج بنى إسرائيل من مصركما وردت فى العهد القديم. وينتهى الفيلم بانتصارالخير(موسى ومن معه) على الشر(فرعون والمصريين) وبعد خروج اليهود من مصر، والتأكيد على أنهم بناة الحضارة المصرية، فإنّ الفيلم ركــّزعلى ما جاء فى التوراة عن العقاب الذى أنزله ربهم على المصريين، والمتمثل فى تحويل أرض مصرونيلها إلى دم وبعوض إلخ وبالتالى تكون رسالة الفيلم أنه: إذا كان اليهود هم الذين شيّدوا الحضارة المصرية، فإنّ مصرملكٌ لهم خاصة وأنّ إلههم دمّرمصروقتل كل المصريين ( لمزيد من التفاصيل عن هذا الفيلم راجع مقالات أ.عادل حموده– صحيفة الأهرام 6، 27فبراير، 6مارس 99)
ورغم أنّ الثقافة المصرية السائدة لم تهتم بالرد على تلك الفكرة الخبيثة التى حاول سبيلبيرج ترويجها فإنّ (طالبًا جامعيًا) اسمه (حسام فتح الله) أرسل رسالة إلى بريد الأهرام بعد مشاهدته الفيلم، تنم عن وعى قومى يفتقده كثيرون من (كبار) الكتاب (المصريين) والرسالة طويلة أقتبس منها ((إذا ربطنا بين فكرة الفيلم وبين الادعاءات المتكررة بأنّ اليهود هم الذين بنوا الأهرام، بل وبنوا حضارة مصرلوجدنا أنّ هناك يدًا خفية تغزل بمهارة شديدة خيوط مؤامرة لتهويد حضارة مصر، وإرجاع مجدنا وحضارتنا إلى اليهود. ومن خــُـبث من هم وراء هذا الفيلم أنه فيلم كرتون. فإذا كنتُ أنا الشاب 21عامًا قد انبهرتُ به، فماذا يفعل هذا الفيلم بالأطفال فى أنحاء العالم؟ بالقطع سينبهرالأطفال ويصدّقون ما ورد به على أنه حقيقة. ونجد أنفسنا بعد جيل أوإثنين قد أخذنا هذه الادعاءات على أنها مُسلمات لاتحتاج لجدال)) (بريد الأهرام 25/1/99)
000
إنّ سبيلبيرج فى عام 99كان يُـكمل نفس المُخطط عندما أخرج الأمريكى الصهيونى (سيسل دى ميل) فيلم (الوصايا العشر) عام54 وهو تكرارلمزاعم اليهود عن الاضطهاد فى مصر. وهذا الفيلم (بالذات) يضع المزيد من الملح على جرح الوطن، فقد تم تصويره فى مصرعام 54(أى بعد سيطرة ضباط يوليوعلى حكم مصربعاميْن) وأنّ ((مجاميع الكومبارس كانت من جنود الجيش المصرى)) (الناقد السينمائى مصطفى درويش- فى كتابه أربعون سنة سينما- صندوق التنمية الثقافية- عام 2003- ص 101) والدرس هنا أنّ ضباط يوليوتصرّفوا مع الشركة المُنتجة لفيلم (الوصايا العشر) بأحد إحتمالين لاثالث لهما: الأول تكليف أحد المُختصين بقراءة ومراجعة سيناريوالفيلم ومتابعة تصويرالمَشاهد ومراحل التنفيذ، وبالتالى وافقوا عليه، وإما أنّ الضباط لم يهتموا (سواء بقراءة السيناريوأوحتى الاطلاع على مضمون الفيلم) مع أنّ هذا حق أصيل لمصر بمراعاة أنّ التصويرتم على أرضها. ومع ذلك سمح ضباط يوليوباستخدام جنود الجيش المصرى فى فيلم معادى لشعبنا. وأيًا كان أحد الاحتماليْن، فإنّ المسئولين فى تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر، شاركوا فى ارتكاب جريمة انتاج فيلم تعمّد صانعوه تشويه الوجه الحضارى لمصر.
000
وإذا كان بعض المخرجين الأمريكان لهم ميول صهيونية، ويحرصون على إعادة انتاج ما جاء بالديانة العبرية (اليهودية والمسيحية والإسلام) عن (اضطهاد اليهود) فى مصر، ثم مزاعم الصهيونية الدينية التى ذهبتْ فى مغالاتها بأنّ اليهود هم بناة الحضارة المصرية، فلماذا فعل مثلهم مخرج (مصرى) وصفته الثقافة المصرية السائدة البائسة والمُنحطة ب (المخرج العبقرى)؟ ذلك أنّ يوسف شاهين أخرج فيلمًا بعنوان (المُهاجر) وكتب على تتر النسخة العربية أنه لاعلاقة له بالتوراة، بينما كتب على تترالنسخة الفرنسية أنه عن قصة (النبى يوسف) فى مصر. ولكنه وقع فى فخ (خيانة الذكاء) فقد تصوّرأنه الوحيد الذى يُجيد اللغة الفرنسية فى مصر كلها. والأخطرفداحة أنه لم يكتف بأنْ مشى وراء سيسل دى ميل وقلــّده حرفيًا، إنما زايد عليه.
إنّ (رام) بطل (المهاجر) يُمثل شخصية يوسف التراثى. والفيلم تكرارلمزاعم اليهود كما وردتْ فى الديانة العبرية ضد مصر، فالمصريون فى الفيلم وحوش، تــُـعبّروجوههم عن القسوة وفى أيديهم السياط، و(الفرعون) أبله. والفنان المصرى مصاب بداء اللواط (وهى عادة عبرية ولم تعرفها الحضارة المصرية باعتراف علماء علم المصريات (من بينهم– على سبيل المثال– العالم أدولف إرمان فى كتابه " ديانة مصرالقديمة- ص 95 " ومارسها العبريون باعتراف الديانة العبرية) وفى المقابل فإنّ رام (= النبى يوسف) هوالذى علــّم جدودنا الزراعة. وركــّـز الفيلم على قطعة أرض عجزالمصريون عن زراعتها. فإذا ب (رام) هوالذى يقود فريق العمل. وفى نهاية الفيلم تنجح خطته (العبقرية) وتتحول الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء، فى اسقاط واضح على ما فعله الإسرائيليون فى سيناء بعد احتلالها عقب كارثة بؤونة / يونيو67. وبالتالى فإنّ رسالة الفيلم هى: أنه لامفرمن الاستعانة بالخبرة الإسرائيلية ولابأس بالعمالة المصرية.
إنّ يوسف شاهين زايد على ما جاء فى التوراة وعلى ما جاء فى القرآن. إذْ لايوجد أى ذكر فيهما على أنّ (النبى يوسف) علــّـم المصريين الزراعة. وإنما كان دوره فى هذيْن المصدريْن هو تخزين الغلال فقط لمواجهة سنوات القحط . ففى القرآن ((قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم)) (يوسف/55) وفى شرحه لهذه الآية ذكرالطبرى ((فى قوله (أى يوسف) اجعلنى على خزائن الأرض. قال على حفظ الطعام. إنى حفيظ عليم. فولاه الملك ذلك)) (تاريخ الطبرى المعروف بتاريخ الأمم والملوك- مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت- لبنان- ط 4- عام 83- ج1- ص 243) وهوذات المعنى الذى ورد فى التوارة (تكوين : 41- 33- 36) وإذا كان (النبى يوسف) باعتراف الديانة العبرية (راعى غنم) (تكوين :37- كمثال) فإنّ السؤال هو : كيف يمكن مخاطبة العقل البشرى وإقناعه بالتزوير(وهو تزويرضد النصوص التى اعتمد عليها المخرج وضد وقائع التاريخ وضد المنهج العلمى) بأنّ راعى الغنم علــّم الزرّاع الزراعة؟
إنّ التوجه الأيديولوجى يختلف عن لغة العلم: فكتب أ. شفيق مقارأنّ ((سجلات التاريخ توقفنا على أنّ المصريين لم يعرفوا نظام تخزين الغلال من أقدم العصورفحسب، بل عرفوا أيضًا نظام تخزين المياه، والمثال الحى على ذلك فرعون الأسرة الثانية عشرأمنحتب الثالث وخزان المياه العظيم فى منخفض الفيوم. أما الحبوب- كالذرة والشعير- لا القمح وحده- فهذا ما كان المصريون يفعلونه منذ عهد المملكة القديمة)) (قراءة سياسية للتوراة- رياض الريس للنشر عام 91ص89)
أما عالم المصريات الكبيرأدولف إرمان فكتب ((فى نهاية الحصاد، كان مستخدمان من مستخدمى المزرعة هما (كاتب الصوامع) و(كيّال الغلال) يأتيان وبعد أنْ يؤدى كل منهما عمله، فيُكيّل الكيّال أكوام الغلال، ويقوم كاتب الصوامع بتسجيل ذلك، وكانت الغلال تؤخذ إلى الصوامع، وكانت الصوامع– على مرالعصور- تـُبنى على نفس النسق)) وأضاف إرمان أنّ ((المصريين كانوا يزرعون الخضر. وقد ذكرالعهد القديم على ألسنة الخارجين (من اليهود) من مصرعندما جاعوا فى القفروافتقدوا قدوراللحم والسمك وغيره مما كانوا يأكلونه من أرض مصر مجانــًا وأنّ المصريين زرعوا مختلف الخضروات والقثاء والبصل والثوم والبطيخ)) وكان تعقيب أ. مقار((فالمصريون كما ترى لم يكونوا فى حاجة إلى عبد عبرانى من البدوالرحل الرعاة كيوسف ليعلمهم (حكمة) تخزين الغلال فى سنين الوفرة ليكون لهم احتياطى فى سنين الشح، وهم الذين أعطوا العالم أول حضارة عرفها التاريخ عندما تعاملوا فى وطن مستقرمع النيل، وعرفوا أهمية السياسة الزراعية وسياسات أخرى)) (المصدرالسابق– ص 89)
وإذا كان يوسف شاهين قلــّـد سيسل دى ميل فى فيلم (الوصايا العشر) ومشى وراءه وزايد عليه، فإنّ عالمة المصريات الفرنسية نوبلكورفى كتابها عن (رمسيس الثانى) الذى طـُبع منه مليون نسخة بعد صدوره بأسابيع فى فرنسا وحدها كتبتْ ((عندما أرى أفلامًا مثل (الوصايا العشر) تـُصوّرالمصريين وهم يدوسون فوق رقاب العبيد الساميين، أشعربالغضب، فهذا كذب وافتراء))
وإذا كانت الثقافة المصرية السائدة هللتْ لفيلم (المهاجر) وكتب كثيرون مقالات (= قصائد مديح ليس لها علاقة بلغة النقد السينمائى) عن المخرج (العبقرى) فإنّ بعض النقاد الذين يحترمون لغة العلم، كتبوا نقدًا يتسم بالموضوعية، ضد تخريجات يوسف شاهين، ومزايدته (باسقاط فنى) على أنّ (راعى الغنم) علــّم الزراع الزراعة، وعلى (الطغيان الفرعونى) الذى ينفيه علم المصريات إلخ وكان من بين هؤلاء أ. أحمد يوسف الناقد السينمائى الذى اختلف مع لغة التمجيد السائدة التى لم يهتزضميرها ولم يتوقف عقلها أمام معاداة الفيلم للحضارة المصرية. ولا للتزويرفى التاريخ. والدراسة منشورة فى مجلة اليسارفى العدديْن نوفمبروديسمبر94.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ضباط يوليو !!
عمرو إمام عمر ( 2017 / 11 / 30 - 19:16 )

ما هى العلاقة بين النظام الموجود حاليا و الذى يعتبر أمتداد للكلب السادات و ثورة يوليو … !!!

اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي