الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راهنيَّةُ أفهومِ الأندلسِ في الأنْطُولوجيا الجمعيَّةِ العربيَّة ..حلقةٌ أولى

أيوب بن حكيم

2017 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تشكل الأندلسُ في المتخيل الجمعي المسلم، بل وفي المتخيل الإنساني رديفا للتحضر البشري في أبهى صوره، وللتألق السياسي والسيادي في أقوى تمثلاته، والتأنق الإنساني والفلسفي والكلامي والعلمي في أجلى وجوداته، حتى إنها توسم بكونها " الفردوسَ المفقودَ"، فهل الأندلس منطقة جغرافية أم أنها منطقة متخيلة في اللاشعور الجمعي الإسلامي تحيل على أوج الحضارة الإسلامية التي غيرت مجرى التاريخ ؟ هل الأندلس بهذه الملائكية التي نتصورها دون أي جهد في التحقق من ذلك ؟ هل هناك مفاهيمُ مرتبَطة بالأندلس تحيل علينا بوصف فهومنا إضافات وجوديةً أكثر مما تحيل على الأندلس نفسها في كونها تاريخا وليس " لاتاريخا" ...هل نؤرخ للأندلس ؟ أم لقضايانا النفسية الجمعية الواقعة تحت نير التخلف والتراجع عن الإسهام في الحضارة الإنسانية الراهنة ؟؛ بمعنى هل الآخر يقدم نفسه من خلال فتوحاته المنهجية والعلمية والفكرية والتقانية، في حين نقدم له الأندلس بوصفها فتوحات من الماضي ننقلها للحاضر من جهة، ومن جهة ثانية نلمح له أن لولا الأندلس لما تقدم العلم والفكر والفلسفة والحضارة والعمران .....إلخ ؟ علامات تعجب واستفهام سيرسمها المتلقي وهو يتلقى هذه الأسئلة الخائنة لهُويتنا في نظره، نقول له: لا تحزن ...ولا تكتف بالمسلمات التي تهدمنا، فكل مسلمة انخلقتْ لكي تنهدم، لكي لا تبقى، بدليل أنها من صنع بشري محض؛ وما هو بشري يتطور، وتاريخ تطور العلوم تاريخ اكتشافِ الأخطاء .
تهدف هذه المقالة إلى فهمَ آليات هذا التألق والتأنق والتحضر، فلسنا نتبع الكرونولوجيا فقط، فإذا اتبعنا هذا العلم فإن تاريخ الأندلس قتل بحثا سواء في موسوعات كبيرة كما نرى مع العلامة عنان، أم في تخصصات معينة كما نرى مثلا مع تحقيقات لفن التاريخ والرِّحْلات أم علم التاريخ المتخصص في مرحلة معينة أم في مجالات حضارية مخصوصة ...أم حتى في أعمال إبداعية روائية ومسرحية وشعرية...إلخ وإنما نهدف أيضا إلى تفكيك آليات جمعية، وجعل الأندلس منفصلة عما كتِب عنها، فالأندلس في نهاية المطاف مفهوم، وما كتِب عنه شي آخر، إذ الحقيقة التاريخية في نهاية المطاف مجموعة من الأوراق المكتوبة قد تكون ثالمة بالتهوين أو مبالغة بالتهويل، أو مجحفة بالتنقيص، بل إن تاريخ الأندلس حينما أعيد إنتاجه بالتحقيق تارة، وبالدراسات والموسوعات تارة أخرى، أنتج لنا صراعات إثنيةً ودينية وهُوياتية تشكل انعكاسا أمينا للتشرذم المفهومي بين المسلمين من جهة، وتشكل ارتدادا مخلصا للصراع الثقافي بيننا وبين النتاج الآخر الخارج عن هُويتنا والذي يعمل على إبراز التاريخ بشكل مغاير لما ألفناه، ونعمل نحن في دراستنا هذه على عدم التصديق أو التكذيب، فالصدق والكذب مسألتان أخلاقيتان، وإنما نستوعيهما منهجيا، فمن يرى التراثَ الإسلامي تراثا ملائكيا لا ثلم فيه ولا نقص ولا مثلبة، فعليه بمصحة تهتم بالسلامة المفهومية، أو عليه ببماريستان يصلح أحواله الذهنية.
وخلاصة هذه المقدمة، أننا نعمل على إعادة تفكيك آليات إنتاج التأريخ عند مؤرخينا التراثيين المسلمين، فليس ما يقولونه وحيا منزلا، وإعادة تفتيت المنظومة الاستشراقية المنصفة منها والمجحفة، وتبيان علل إنصافها وإجحافها، مع المرور على الدراسات الحديثة والمعاصرة التي ناوشت مفهوم "الأندلس" سواء العلمية منها، أم التي نقلت الأندلس من حيز العلم إلى حيز الحلم، من حيز تأريخ التاريخ إلى حيز تطويع التاريخ، من حيز العمق الاستقرائي إلى حيز النكوص الاستنباطي، ومن الموضوعية النسبية إلى الشوفينية المطلقة، كما تتبع الدراسة المعاركَ الدونكيشوتية بين الحركات الفكرية الراهنة، التي عملت إلى إحياء الأندلس وتقسيمها إلى "أندلسات"، حسب الأوعية الفكرانية الحاضنة لهذه المشاريع شبه العلمية، فكأن وجود الأندلس وجودات كثيرة بوعي ظاهراتي يحيل على مفهوم " الوجود لغيره "، فالكثير ممن كتبوا كتبوا بخلفيات شوفينية بكوا من خلالها على الأطلال، أو سحبوا مفهوم القومية العربية على الأندلس، فرد عليهم كتاب ينتمون إلى إثنيات أخرى عملت على مسخ مفهوم العروبة في الأندلس، وجعلها منطقة لاعربية، وسيأتي بيان هذه الدعاوى وجمعها وتحليلها وتفكيكها وتقويضها لإعادة بنائها، فالأندلس منزل آيل للسقوط، ولابد من هدمه حتى لا يتضرر المارة والجيران، ومن ثمة إعادة ترسيخ الأساسات، وانصعاد الجدران عليها، ولن يتم ذلك إلا بعلم الهندسة الذي نسميه في حالتنا هذه "الميتودولوجيا"، دون عاطفة أو انحياز للوهم الذي يساهم في غرق " سفينة البيزنطيين "، القطيعة الإبستيمولوجية هاهنا هامة، ونعني بها ما تعني عند أصحابها : قراءة التراث بموضوعية غير عاطفية، وجعل التراث موضوعا لا ذاتا
ومن خلال المفاهيم الكبرى والاستشكالات العظمى المنضوية في مفهوم الأندلس، سنعمل على الأرخنة، متوسلين بالنصوص، والنصوص المضادة، أي أن تأريخ الأندلس عندنا سيكون ضمن إطار منهجي واع : نؤرخ ونحن نفكك، نؤرخ ونحن نستقري، نؤرخ ونحن نوازن؛ أي أننا نؤرخ ليس لغاية التأريخ، فذاك عبث، وكان في وقت من الأوقات ضرورة وإنما نؤرخ لغاية تفكيك التأريخ، بنسف الإحالة، واستدعاء الغياب، وتغييب الحضور بعد تفتيته.
يتبع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان