الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مصطلح الأمركة .. فلسفة أم مؤامرة -من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - الحلقة السابعة عشر من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 12 / 3
مقابلات و حوارات


"مصطلح الأمركة .. فلسفة أم مؤامرة "من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " الحلقة السابعة عشر من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"


ـــ الصراع على مناطق النفوذ والهيمنة على الموارد هو أساس العلاقات بين الدول، وبين كل من الدولة والفرد، وبين الأفراد مع بعضهم.. نجد أن رؤية ماكيافيلي وهوبز للإنسان " الأنسان ذئب لأخيه الانسان " وهذه الرؤية هي التي سيطرت على العلاقات الدولية والإنسانية على المستوى العالمي والمحلي.

17 - هل أن مصطلح الأمركة ، حسب ماكيافيلي وهوبز هي نوع من الفلسفة أم مؤامرة أم مخطط هدام يسعى لاقتسام العالم وتحويله الى مناطق نفوذ لتفرض رؤيتها على العالم؟

خديجة زتيلـي:
إنّ الغاية تبرّر الوسيلة كما اعترف بذلك نيكولا ماكيافيلي (1527-1469) في كتابه ((الأمير))، فبغرض وصول الحاكم إلى أهدافه السياسيّة والمحافظة على قوّة دولته وجب عليه الفصل بين الأخلاق والسياسة، ولا غضاضة في استخدام الوسائل غير الأخلاقيّة كالقتل والكذب والنفاق والسلب والنهب للحفاظ على إمارته وإحكامِ قبضته عليها، فكلّ الطرق تلك تعتبر مشروعة من أجل الوصول إلى المبتغى. لقد منح ماكيافيلي كلّ الصلاحيّات للحاكم في أن يفعل كلّ ما يراه مناسبا لتسيير أمور الدولة، متحجّجا في ذلك بضمان وحدة إيطاليا وتخليصها من الفساد المستشري فيها. ولعلّ هذه النظريّة وغيرها من النظريّات التي تدور في فلكها، لا يزال صداها اليوم يتردّد في الكثير من الأنظمة المعاصرة التي تستلهم تلك الأفكار وتتّفق معها وتُفعّلها في منظوماتها السياسيّة، ولا شكّ أنّ كتاب ((الأمير)) كان من بين أهمّ الخلفيّات الفكريّة لمشروع الأمركة فضلا عن مضامين كتاب ((التنين)) للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز الذي كرسّ فيه فكرة كون " الإنسان ذئب لأخيه الانسان ". وبكل تأكيد فإنّ التأثيرات الفكريّة التي طالت الأنظمة السياسيّة الحديثة والمعاصرة لم تتوقّف، بطبيعة الحال، عند هذين المصدرين وحسب.

يُتيح لنا هذا الاستهْلال الانتقال للتحدّث عن الأمركة ، جوابا عن سؤالكِ أستاذة فاطمة، وكيف يمكن اعتبارها أو توصيفها: فــهل هي فلسفة قائمة بذاتها؟ أم مؤامرة؟ أم هي مخطّط هدّام لانقسام العالم وتحويله إلى مناطق نفوذ لفرض رؤيتها عليه لاحقاً؟ سيلامس هذا المقال هذه الأسئلة في محاولة للإجابة عنها، وهو لا يدّعي الإحاطة بها بشكل مستفيض وعميق، لأنّ ذلك من الصعوبة بمكان في هذه العجالة، وقد يتطلّب الأمر كتابة مقال آخر في الموضوع يغوص في إشكاليّات عديدة تطرحها الكثير من المفاهيم ذات الصلة بالأسئلة المطروحة. غير أنّ عزائي الوحيد في هذا المقام هو استدعاء القاعدة القائلة: ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه .

أميل إلى الاعتقاد أنّ استحضار السياقات التاريخيّة للفلسفة الأمريكيّة أو لغيرها من الفلسفات الأخرى لا مناصّ منه، فالمفاهيم تتشكّل وفقاً لمنظومات فكريّة سائدة، ولذا وجبَ ربط الفلسفة الأمريكيّة المعاصرة بسياقاتها التاريخيّة والفكريّة، كالليبرالية والليبراليّة الجديدة، غير أنّ التركيز في هذا السياق سيقع على البراغماتيّة، فقد ارتبطتْ هذه الفلسفة بالفرد الأمريكي التوّاق إلى الربح المادّي وتحقيق الذات عبر المشاريع الاقتصاديّة. والبراغماتيّة أو الذرائعيّة كما جاء تعريفها في قاموس المعجم الوسيط هي اسم مشتق من اللفظ اليوناني: - براغما: - ومعناه العمل، وهي مذهب فلسفي - سياسي يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة ، وقد ترسّختْ البراغماتيّة في أمريكا ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، وهي لا تهتمّ إلاّ بالتجربة وبالنتائج العمليّة للفكر غير مكترثة بالمبادئ والمقولات وأنساق الفلسفة التقليديّة. ويعدّ الفيلسوف تشارلز ساندرس بيرس (1839- 1914) مؤسّسها، ومن أقطابها لاحقاً جون ديوي ووليم جيمس وغيرهما. وفي تصوّري فإنّ خطاب الأمركة باشر مساره بالاستفادة من التيّارات الفكريّة الجديدة ومن البراغماتيّة بشكل كبير بوصفها حاضنة فكريّة مهمّة لمشروع الأمركة الذي تمظهر في كل أنحاء العالم.

وتتجلّى امبرياليّة الإمبراطوريّة الأمريكيّة راهنا في اكتساحها للعالم بأسره، متغنيّة بمبدأ نشر الديمقراطيّة، التي تستخدمها، في حقيقة الأمر، كغطاء لحماية مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة، ولا يجد مشروع الأمركة وفقا لذلك أيّ حرج في التدخّل العسكري في الدوّل. ويؤدّي هذا التضليل الإيديولوجي إلى المقارنة بين مبادئ السياسة الداخليّة لأمريكا والخارجيّة لها، والانتهاء إلى توصيفها بالمتناقضة لأنّها تتميّز بازدواجيّة الخطاب والمعايير. لقد روّجتْ الحرب الوقائيّة أو الاستباقيّة لفكرة الانتصار على الإرهاب العالمي، لكن الناس استفاقوا على وعود كاذبة ومستقبل غامض وعلى كوارث سياسيّة وحروب أهلكت الأخضر واليابس، عدا ما خلفته تلك الحروب من يتامى وأرامل ومعطوبين ومجانين تعمّقت وتراكمت بدواخلهم الآلام البليغة وارتسمتْ على أجسادهم فظاعات الحروب الناجمة عن المغامرات الطائشة للأمركة المتوحّشة، وجرّاء ذلك لم يعد باستطاعة ورقة التوت إخفاء كذب أمريكا وتوحّشها. لقد كان للاستخدام المفرط للقوّة في العراق وفي غيرها من الدوّل التي غزتها الامبراطوريّة نتائجه السلبيّة على سمعة أمريكا فتنامت نزعة الحقد والعداء لها، فـ «احترام السيادات القوميّة هو الذي يخدم أمن البلاد أفضل من الحرب الوقائيّة» المزعومة كما جاء على لسان المفكر البلغاري الفرنسي تزفتان تودوروف في كتابه: ((اللانظام العالمي الجديد: تأمُّلات مُواطن أوروبي))، تر: محمد ميلاد، ص 78. وسوف لن تعبّر تلك النتائج الكارثيّة للسياسات الأمريكيّة المقيتة، إلاّ عن جشع متنامي لتحصيل مزيد من مناطق النفوذ في العالم، وعن تبرير غير عقلاني لمزاعم الحرب الوقائيّة.

في حوار أجراه معه ديفيد برساميان في 22 مارس 2003 ردّ الفيلسوف واللغويّ الأمريكي نعوم تشومسكي على سؤال ما هي النتائج الإقليميّة للغزو الأمريكي للعراق واحتلاله؟ بقوله: «لا أعتقد أنّ المنطقة فحسب بل العالم على العموم يدرك بشكل صحيح أنّ الغزو الأمريكي هو بمثابة حالة اختبار، أو مسعى للتأسيس لمعيار جديد لاستخدام القوّة العسكريّة. وأفصح البيت الأبيض عن هذا المعيار الجديد بعبارات عموميّة في أيلول/ سبتمبر 2002 عندما أعلن عن استراتيجيّة الأمن القومي الأمريكيّة الجديدة. فقد اقترح التقرير مذهبا جديدا إلى حدّ ما وشديد التطرّف لاستخدام القوّة في العالم، وليس من قبيل المفارقة أن يتزامن قرع طبول الحرب مع إصدار هذا التقرير. لم يكن المذهب الجديد يقوم على الحرب الاستباقيّة.. بل مذهبا ليس له أيّ أساس في القانون الدولّي.. أي إنّ الولايات المتّحدة ستحكم العالم بالقوّة، وإذا ما ظهر أيّ تحدّ لهيمنتها.. فإنّه يحقّ للولايات المتّحدة تدمير ذلك التحدّي قبل أن يصبح تهديداً» ((طموحات امبرياليّة))، تر: عمر الأيوبي، ص 9. وهذا يعني أنّ التبريرات الأمريكيّة لحروبها في العالم لم تعد تقنع الناس وبخاصّة الضمائر الحيّة، التي كتبتْ وأسالتْ الكثير من المداد في نقدها اللاذع لسياسات الهيمنة والتعدّي على أمن الناس وطمأنينتهم.

أمّا في تصديره لكتابه الموسوم ((الدولة الفاشلة: إساءة استعمال القوّة والتعدّي على الديمقراطيّة))، والذي يستعرض فيه تشومسكي خطر الدمار المتزايد بفعل قوّة الدولة الأمريكيّة وجبروتها في انتهاكها للقانون الدولي، فيقول: «لعلّ أصعب مهمّة تنتظر أيّا منّا، ولعلّها الأخطر طرّا، هي أن ننظر في المرآة بمنتهى الصدق. فإذا ما فعلنا ذلك، فلن نجد كبير صعوبة في العثور على خصائص وصفات الدولة الفاشلة في عقر دارنا». ويعود تشومسكي إلى فضح جشع الليبراليّة الجديدة والنظام العولمي وسيطرتهما على العالم والهيمنة على مقدّرات الشعوب، في كتابه ((الربح فوق الشعب)) فيتوقّف فيه مليّا عند مآلات العولمة من فقر وتخلّف وتبعيّة وعدم استقرار، وينبّه إلى مخاطرها الجسيمة إذا لم يتمّ الالتفات إلى الانسان وإلى قضيّة الحريّة والعدالة بشكل جدّي وعاجل. وفي السياق عينه لا يساور تودوروف أدنى شكّ بأنّ الليبيرالية المطلقة تعرّض الديمقراطيّة للخطر، ففي كتابه ((أعداء الديمقراطيّة الحميميّون)) يتحدّث عن انحرافات الديمقراطيّة ويدعو إلى ضرورة تجاوز أمراضها الحاليّة. وفي الحوار الذي أجراه معه دانيل سالفاتور شيفر يفصح تودوروف عن الأخطار المحدقة بها ويرى أنّها لم تعد مهدّدة من النزعات الشموليّة، بل من طرف قوى تفرزها الديمقراطيّة من الداخل، وهذا مقطع مختصر من الحوار:

-»دانيل سالفاتور شيفر: لكي نتابع -بشكل منطقي-محاكمتك للديمقراطيّة، ما الخطر الذي أفرزته - في الغالب - الديمقراطيّة من نفسها، ومن غير علم منها؟
-تزيفتان تودوروف: ينشأ الخطر وبشكل متناقض أيضا، من أحد أهمّ مظاهر الديمقراطيّة ومكتسباتها الهامّة. وخصوصا الديمقراطيّة الليبراليّة التي تدافع عن الحريّة الفرديّة، ذلك أنّ الديمقراطيّة لا تنافح، فحسب، عن سيادة الشعب، وإنّما تنبري، أيضا، لحماية حريّة الفرد، حتّى من شطط تدخّل الشعب نفسه. وبهذا تختلف الديمقراطيّة الليبراليّة عمّا كنّا نسميه، في الماضي، تحت الأنظمة الستالينيّة الديمقراطيات الشعبيّة التي كانت تحرم الفرد من الاستقلاليّة. لكن المشكل في ديمقراطيتنا الليبرالية يكمن في أنّ الاقتصاد الذي هو ثمرة المشاريع الحرّة لدى الأفراد، قد أزاح السياسة، وأصبح خاضعا لهاجس الربح، وهو ما يشكّل أحد النتائج المنحرفة للمبادرة الفرديّة التي تنفلت من كلّ مراقبة وضبط، الشيء الذي أدّى بشكل حتمي إلى هيمنة الأكثر غنى على الأكثر فقراً». في تزيفتان تودوروف، ((تأمّلات في الحضارة، والديمقراطيّة، والغيريّة))، تر: محمد الجرطي، وهذه القاعدة ستنسحب على الدوّل وبشكل دقيق على أمريكا، التي تنتهك في كلّ مرّة حرمة الدول وأراضيها من أجل مراتع جديدة للربح.

إنّ أخطار الأمركة تتعاظم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وخاصّة منذ تولّي دونالد ترامب رئاسة أمريكا، وهاهو اليوم يقلب العالم رأسا على عقب بسياساته المتهوّرة ولم يمض الكثير من الوقت على جلوسه على كرسي الرئاسة. ولعلّ ما يجري اليوم في منطقتنا العربيّة من حروب ومآسي إنسانيّة واضطرابات سياسيّة وضعف في التنميّة يُغْني عن الشرح والاستطراد، صحيح أنّه لا يمكن تحميل الامبراطوريّة الأمريكيّة ومعها الغرب عموماً نتيجة ما آلت إليه حالنا من هزائم وويلات إنسانيّة، ولكنّه في ذات الوقت لا يمكن استبعادها منها أيضا، خاصّة وأنّ التاريخ يُعلّمنا دوما أنّ تلك القوى لا تتحرّج ولا يرفّ لها جفن وهي تستغلّ مآسي الناس وضعفهم وانقساماتهم لتمرير مشاريعها، والأمركة إحدى تلك المشاريع.


انتظروا الحلقة الثامنة عشر من بؤرة ضوء وحوارنا مع استاذة الفلسفة خديجة زتيلي في "دهشة فعل التفلسف كعقلنة "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن