الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكرامة

مهند طلال الاخرس

2017 / 12 / 4
حقوق الانسان


الكرامة هي عاصمة الانسان، وهي قبلة الروح، بدونها يهوي الانسان في مهاوي الردى. والكرامة أعز ما يملك الإنسان من صفات وقيم وأغلى ما تسعى إليه الشعوب وأفضل ما تتميز به الأمم.
بفقدان الكرامة؛ ينهار بنيان الانسان ويفقد معنى وسر وجوده، ويصبح جسدا بلا روح، كصحراء قاحلة، لا تصلح لشيء، إلا لوأد ما تبقى من الروح، كما قال بدر شاكر السياب «إن فقد الإنسان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟»

لا قيمة للإنسان بدون كرامتة ولا عزاء لأمة فقدتها ولا خيرآ يرجى من شعب باعها ولا خير في وطن فقد مواطنوه كرامتهم. إذ أن الكرامة تؤسس لفكرة الحرية ومفرداتها الجميلة؛ فكل ما يأتي بعد الكرامة جميل بجمالها، ومن أحرفها تشتق سائر المفردات، هذا إن أدركنا جوهرها ومعناها واستحققناها، فالكرامة كما يقول أرسطو:" ليست امتلاك المفاخر، بل استحقاقها".

ان فقدان الكرامة او جرحها يمهد الظروف لدى الشعوب الحية للقيام بالثورة، وان مهمة الثورة، أي ثورة تنبع من حاجة الشعب الى الكرامة (الكرامة الجمعية والوطنية) والتي بإستعادتها واستحقاقها، يكون العام قد قام بواجبه تجاه الخاص، والذي بدوره يكون قد هيأ الظروف للعام كي ينتصر لكرامة الخاص الفردية والتي هي كرامة العام الجمعية.

وعلى النقيض من ذلك تماما، حينما يفقد المواطن الإحساس بالكرامة (الكبرياء واحترام الذات) فإنه يقيم علاقة شاذّة بمن حوله، قائمة على عدم التكافؤ وانعدام المساواة في القيمة. لذلك يُرغم المواطن على إيجاد آليّات جديدة، ملائمة، لتنظيم علاقته بنفسه وبالسلطة والمجتمع، وبالتالي يقوم بإعادة تصنيع ذاته على أسس تتيح له فرصاً للتلاؤم والتأقلم والبقاء، لا تكون قائمة على الخوف والضعة وحدهما، بل على المداهنة والنفاق والاحتيال، أو العزلة السلبية، أو النقمة أيضاً. وهذه جميعها وسائل دفاعية تستخدم في مواجهة قانون سلب الكرامة.

يعطي الماغوط صورة تلخص هذا الواقع عبر رائعته كاسك ياوطن في أكثر من مكان عبر نصه الجميل، وفي حواره على لسان بطل مسرحيته "غوار الطوشة"، وبعد سلوكه وافعاله المشينة مع زوجته وجيرانه وأصدقائه وبيعه لأبناءه، ومع السلطة الحاكمة والمستبدة ومعاقرة الخمر، يحدث ان يستفيق الضمير من بعيد، ذلك الضمير المتمثل بكرامة الشهداء وعظمة القضايا التي ناضلوا لاجلها، في تلك المحاورة الشهيرة بين الاب الشهيد والابن الفاقد لعقله والمتخم بجراحه والمترنح من سكره، يحدث بعد سيل الاكاذيب والصورة الوردية التي رواها الابن للاب عن اوضاع الانسان والاوطان، يحدث أن يسأل الاب إبنه، "إذا لا ينقصكم شيء أبدا، فيجب أن تأتوا لعندنا؟! فيجيب الابن، الله وكيلك يا أبي مو ناقصنا غير شوية كرامة".
فيفهم الاب من تلك الكلمة(الكرامة)سريعا أن كل ما تحدث به الابن كان كذبا، لعلمه وهو صاحب الحكمة، أن الكرامة هي البنيان الاساس الذي يقوم عليه الانسان وتبنى عليه الاوطان.

إذا أردنا المضي أبعد مما ذكر الماغوط نقول؛ إن الكرامة هي قيمة الإنسان، كغاية قائمة في ذاتها. وهي بافتراضها تعبيراً شخصياً عن الذات وعن سبل إحساس الأنا بنفسها في مواجهة الآخر، ليست قضية أخلاقية فحسب، بل قضية وجودية تتعلق بقدرة الانسان على الحفاظ على آدميته. أي أنها صورة لطبيعة ارتباط الخاص بالعام والفرد بالمجتمع والمواطن بوطنه وبدونها تنهار كل المعاني.

فالكرامة الإنسانية هي قيمة الإنسان، وهي رحمه واساس تكوينه وهدف وجوده، بذهابها يموت الانسان داخل الانسان ويدخل مرحلة الاستعباد وتنهار الاوطان وتدخل مرحلة الاستبداد، ومن هذا الرحم جائت صرخة "الموت ولا المذلة" صرخة لخصت نضال الإنسان طوال التاريخ في بحثه عن الحرية وعن الكرامة الإنسانية.

والكرامة مبدأ كوني بغض النظر عن ديانة الأشخاص أو لونهم أو جنسيتهم، وهي مرتبطة بمبادئ حقوقية كالديمقراطية والتسامح والتكافل والحرية والعدالة والمساواة...وقد أوصت كل الديانات السماوية باحترام كرامة بني البشر باعتبارها حق لكل إنسان، كما أن جل المواثيق الدولية وضعت كرامة الإنسان من بين أهم المواد الحقوقية العالمية باعتبارها تشكل مرتكز منظومة حقوق الإنسان.

وبحسب ما ذُكر في الموسوعة الحرة"ويكيبيديا"نقرأ أن أول من أدخل مفهوم الكرامة الإنسانية في دستورهم هم الأيرلنديون في دستور 1937، أما الألمان (وبعد ويلات الحرب العالمية الثانية) فقد ربطوا دستورهم بالكرامة التي وُضعت كأعلى مبدأ دستوري وكسقف تمر من تحته كل القوانين، وكل مادة قانونية تعارض هذه المادة الدستورية تصبح باطلة.

أما عن مفهوم الكرامة الإنسانية في الإسلام، فإن الإنسان يعد في المفهوم الإسلامي من أكرم الكائنات وأشرفها، ومن أجله سخر الله ما في السموات وما في الأرض، ومنحه نعمة العقل والتفكير والتدبير، فهي تستند في الإسلام إلى نظرية متكاملة، وهذا ما يميزها عن المفهوم الغربي، وهذا التكريم الإلهي عام لكل الناس، بغض النظر عن العرق واللون والجنس والوضع الاجتماعي، إذ يقول سبحانه وتعالى:"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطبيات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً".

في جوهرها تبقى الكرامة الانسانية صفة لصيقة ومتلازمة للإنسان، منتقلة إليه حسب قوانين الطبيعة الإلهية وحسب سنة الله في خلقه، وحسب ما يرافقها من تجارب عبر العصور تصنع منها التراكمات التي تنجب مصطلحات أبدية مثل الكرامة. هذه الهبة الالهية المخضبة بكم من التجارب عبر العصور تدخل طبيعة الانسان وتسقر فيها وتصبح غير قابلة للانفصال عنها. فهي خاصية إن نزعت عنه يستوي عندها مع غيره من الكائنات غير البشرية ويدخل مرحلة التمسحة والبلادة والتي تقوده حتما الى حظيرة الحيونة.

تعتبر الكرامة جوهر إنسانية الإنسان وأصل وجوده، لذا وجب علينا صونها وأن نستلهم من تراثنا الوطني والانساني كل ما يرفدها ويحث عليها، وان حدث وجرحت كرامتنا او غفلنا عنها، جائتنا كطيور خضر واستبرق في سرب تتسيده على باقي الطيور والصفات، تقض مضاجعنا لتوقظ فينا من جديد معنى الكرامة، وكيف ان الانسان فينا ممكن أن يمرض، لكنه حتما لا يموت.
في بعض الأحيان ولاسباب عدة، يحدث أن تتراجع و تخسر المعركة، لكن إن إقترنت بالكرامة حتما ستنتصر في الحرب،
كلمات سمعتها من جدي وبقيت أبد الدهر تجري على لسان أبي مضيفا إليها:" ممكن الوطنية الصادقة ما بطعمي خبز؛ لكنها أكيد بتشبع كرامة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل