الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولاية كيرلا..قصة الفكرة العلمانية الناجحة في جنوب الهند

محمد سخاوت حسين البشري

2017 / 12 / 7
المجتمع المدني


نحن بوصفنا الهنود،-بمختلف الديانات والمعتقدات والأفكار-لانحتاج كثيراً،رحلة البلدان الاُخرى للإطلاع على الثقافات،والحضارات،والتقاليد،وتعلم طرق العيش فيما بين الديانات،-كما هو حالة معظم الشعوب على هذه الُكرة الأرضية-نجد داخل وطننا الغالي(الهند) عوالم حضارية،ثقافية سياحية بالإضافة إلى مراكزاسلامية وجامعات هندوسية سيخية بوذية جينية وكليات رسمية تهتم بقضية حوارالأديان،وتعقد الموتمرات والندوات الدولية حول قضايا ساخنة،ندرس في مادتناالدراسية حول تبادل الحضارات،وثقافة التعايش السلمي،وكيفية التناغم مع ألحان المجتمعات الاُخرى قلبًاوقالباً،بل أكثرمن ذلك،كل ولاية في الهند تقدم مثلاً رائعاً لكيان ثقافي عالمي وذلك من خلال طقوسها الدينية الخاصة،وتقاليدها العريقة،وثقافتها.وبمجرد الرحلة إليها تظن انك في عالم آخر يختلف عالمك وتكسب معلومات جمة عن ما تقصد إليه من المعالم الحضارية ،والثقافية،والتُراث الإنساني وذكريات الملوك الماضيين من المسلمين والهندوس،وذلك برصيد أقل ممايُكلفك زيارة البلدان الأخرى من اُوروبا.
وعلى أي حال!ليست هذه المرة الاُولى،وكنت أزور أرض "مليبار"-كيرلا(أرض الأعلام، والقداسة، والفن، والحب، والسياسة الناجحة) ولكن قدسبقهاالكثير من قبل،ففي عام 2006 من الميلاد،قصدت إليها وذلك إثرالتخرج في معهد التخصص في اللغة العربية وآدابها بنيودلهي فوراً،وبعد ما كنت لا أعرف "كيرلا" الكثيرحجزت تذكرة طيران لمدينة "تروفيندرام" عاصمة كيرلا- الهند.وقضيت عشرة أيام فيها في فندق لا بأس به،وكان الأسف ينتابني حيث ما تمكنت آنذك من زيارة مدنيها ولا لقاء شعوبيها لأسباب طارئة بعد ما كنت طامحاًإليهاأكثرفأكثر ورحلت لأجلها..
في شهراكتوبرالماضي تلقيت دعوةً من جامعة كاليكوت كيرلا- الهند للمشاركة في الندوة العالمية تخص"عالم على أحمد باكثير الأدبي"وبعد ما شاركتها وكان لدى أيام فارغة لكن بسبب أو بأخرما استطعت التجوال في المدينة وإكتفيت بزيارة بحيرة كاليكوت فقط.مما عرقل في سبيل إعداد مقال وجيزحول "أرض مليبار" العظيمة،وسادني القلق مرة ثانية طوال الوقت،والألم كان يعتصر قلبي لأنني فشلت في تحقيق الهدف.غادرت كيرلا وكدت أن أقتل آمالى للأبد حيث لا يمكن الرحلة إليها مرات.فاذا كنت بحيدراباد في الطريق إلى "جارخاند" تلقيت الايميل من الاُستاذ المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها محمد عابد يوفي في "كلية فاروق وروضة العلوم "يدعوني إلى تقديم ورقة كتبتها بعنوان "الهند هندك إذاقل ما عندك" بمناسبة عقده ندوة دولية حول "التبادل الثقافي بين الهند والعرب عبرالعصور"في هذه المرة قررت أن لا أعود مهما بلغ حدة الأوضاع وقسوتهاالا بعد زيارات المدن الشهيرة ففعلت.فولاية "كيرلا تُعتبر من أهم المدن الهندية التي تجتذب العديد من الُسياح في سياحة الهند نظراً لطبيعتها الساحرة بكل ما تعنيه الكلمة،فهي أكثرالمقاصد السياحية جذباً للزوارفي جميع أنحاءالهند،وواحدة من أجمل الأماكن في العالم،تقول عنها مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) إن ولاية كيرلا واحدة من 10 جنات في العالم،وأحد 50 وجهة يجب أن تراها قبل أن تموت، كما صنفت ضمن أعظم مئة رحلة للقرن الحادي والعشرين، واعتمدت وزارة السياحة في الهند شعارمدينة الله نظراً لجمال الطبيعة الذي تتمتع به،يوجد في ولاية كيرلا مجموعة من أروع الشواطئ في الهند يبلغ طولها 600 كيلومتر،وهي شواطئ رملية صخرية وتنتشر عليها أشجار جوز الهند،ومنظرالأمواج الزرقاء وهي تغسل الشواطئ الرملية أثناء استلقاء السائح تحت أحد أشجارالجوزمشهد مثالي يساعد على الاسترخاء والهدوء،ما عدا ذلك لها خصوصية معينة لا تُقارن بأي ولاية أخرى في الهند.ففيهامثلاً أول مسجد اُسس على التقوى ومن خلال طريقها دخل الإسلام بالهند،تسودها ثقافة عربية في العيش والأطعمة.وعامة الناس مرتاحون ومتنفسون صعداء يتكلمون ويتحدثون العربية وربما الهندية والانجليزية بطلاقة،شوارعها الممتدة على حد الأنظار خالية من قطاع الطريق،والهواء نقي يبعث السروروالبهجة في القلوب،هي قبلة الهنود المسلمين في مجال التعليم والدراسات العلياء،وهومأوى أفئدة العقول النزيهة الصافية،وأرض المشاعر المقدسة لجميع الاُمم والأقوام،ومركز القداسة العلمانية والطُهر الفكري،والنظام السياسي المستقر.
بادي ذي بدء ظهرت لي "كيرلا"من مشاهدة الجامعات الإسلامية وكلياتها ومساجدها،ودفعتنى الملصقات المكتوبة بالعربية الفصحى والعلم الأخضرمعلقا ًعلى كل سقف إلى جانب العلم الأحمرالذي يمثل الحزب الشيوعي الحاكم في الولاية،إلى القول بان كيرلا هي ولاية إسلامية فدهشت كثيراًوظهرت على افق السطح الفكري تلك الممارسات التي يقوم بها العنصريون في بعض الولايات الهندية الشمالية فينعتون هذا بالضال وذلك بالكافرالمغضوب عليهم عبروسائل الاعلام الحديثة ومختلف المنابروخطب الجمعة دون ان يُلاحقواقانونياً،فا ذا قضاء ساعات مع أصحاب العلم والفضيلة قد عمل على رفع هذاالظن الفاسد فهم امة أرقى وأفضل بكثير مماتوصف به يمتطون صهوة الازدهاروالافكارالنهضوية.ومع أن غالبية عددهم من المسلمين ولهم تحالف في الحكومة مع الحزب الشيوعي الحاكم فيها،ونسبة النصارى بمختلف التيارات تصل إلى 13% فقط لا أحد ينكر أن في كيرلا إرادة حقيقية لجعل النصارى يتمتع بمكانة مساوية لكلّ الديانات الأخرى، وهذا أمر طبيعي في إطارالعلمانية الهندية.وانا محظوظة أن أولد في هذا البلد ذي الثقافة العريقة،الذي أتاح لي عن طريق علمانيته أن أمارس شعائري الدينية بكل حرية، ودون أن يتدخّل أحد في ضميري واعتقاداتي. يعيش الهلال والصليب هنا جنباً إلى جنب وبغاية من الُحب والاحترام،والشعوب يتبادلون التهاني والتبريكات بغض النظرعن المعتقدات والإتجاهات الفكرية.وذلك كله على خلاف ما يحدُث في شمال الهند،فثقافة التبادل الثقافي والحضاري حتى حوارالأديان قد انقلب إلي عقبيه منذ زمان..
كنت متفكراً كثيراً وخائفا ًعلى نفسي قبل الوصول إلى كيرلا والسوال الوحيد الذي كان يقلقني هوكيف أتكيف مع الناس في كيرلا الاسلامية وقدطراء على تغييرات فكرية ربما تدفعني إلى الهرطقة والشعوذة والالحاد،وقد نبهني على ذلك البعض من الأصدقاء بالهند،فاذا دخلتها فماوجدت خرافات الاشياء التي تمارس باسم الإسلام كالتهميش مثلا، ومافيه تضييق الخناق على أحد في سلسلة قضايا الدين،ثمة مساجد ومدارس بعيدان كثيراًعن الغوغائية والأفكار الهشة التي تنطلق من أفواه مكبرات الصوت والتي لا تصب قط في مصلحة الإسلام ولاالمسلمين.
مافاتنى أثناء القيام اللقاء مع كبارالشخصيات لأجل الاطلاع على أرائهم وإرشاداتهم ووجهاتهم النظرية وأفكارهم النيرة.كلهم رحبوني بحفاوة بالغة وقدموا إلى شاياً وبسكيتا تقليديا،بدون الإستفسارحول معتقداتي وأفكاري،وأخص بالذكر منهم السيد الياس المولوي نائب رئيس الجامعة الاسلامية،والامين العام للجماعة الاسلامية بكيرالا السيد عبد العزيز،والسيد بهاء الدين الندوي نائب رئيس جامعة دارالهدى الاسلامية،ونائب رئيس مركز الثقافة السنية بل أهداني البعض منهم نسخة مولفاتهم القيمة،تجولت معظم الشوارع في مدينة كاليكوت ودخلت رحاب معظم الجامعات ،حتى المنظمات الاسلامية ما فاتنى الدخول فيها.
شعوب "كيرلا" عظيم للغاية ،متسامحون، لا يهمهم في الحياة سوى التقدم إلى الامام ،ولا تشغلهم القضايا الاخري سوى قضايا الخوض في موجات التقدم المتواصل،وبمجردجهودهم المتواصلة قد وصلوا إلى قمة الُرقى والإزدهار فهم الآن تجارناجحون ولهم أسهم في البورصة العربية،وأسواق عديدة في دول الخليج.
والشي اللافت أنهم مومنون إلى حد الإدمان بقوة لغتهم لذاأينما حلوا يحاولون النهوض بمستوى لغاتهم فيصدرون مجلات وجرائد(بمليالم)وهم اقرب بكثير إلى الفكرة العلمانية،بل هم من أهم مسلسلاتها(مقاومة الجمود الذي رأن على الفكرالاسلامي الهندي وأعاق الحضارة والصحوة والنشوة، مذ أمد بعيد،نتيجة هيمنة الكهان الديني الذي صادرواجميع الأنشطة الإنسانية في الهند) وأبعد عن الاسلام الشائع،(اختزال الدين إلى الصلوات الخمسة)فتياتهم بناتهم واُمهاتهم لهن نصيب وافر في الجامعات والمدارس الرسمية كمدرسة ومحاضرة وطالبة ورئيسة.
وفي الأخير!محط الغرابة والإستفهام أن مصطلح العلمانية الكافرة أتى من الغرب ومن الإنجيل بالضبط،إلا أنه انتقل في قليل من الاوقات إلى مجتمع "كيرلا" بسرعة أكثرمن البرق.فبتنا نسمع عبارات ببغائية، مثل:أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، والجملة المشهورة التي ابتدعها ماركس الدين لله والوطن للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا