الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صنم الذات

مينا ابراهيم

2017 / 12 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و نحن علي أعتاب العام الجديد؛ يتأهب الكثير من الناس الي بدء حياة روحية جديدة مع الله و يشرف على العقل أفكار التغيير و احلام القداسة. تشتعل العزيمة، تقوي الإرادة، يتعاظم الإصرار، ويسرع الانسان الي عملية التطهير. يقف تحت الماء ليتنقى، و تنهمر المياه لتطهر دنس كل أفكار الأعوام الماضية و تمحي كل ذنوب العمر السالف. ثم يقف الإنسان أمام الله طاهرا نقيا، يعتذر عن كل أفعاله السابقة، و يعلن تغيره بأنه قد أصبح إنسانا جديدا و يتعهد لله ان من يقف إمامة ليس انسان السنة الماضية بل إن هذا كان شبحا لا يمت له بصلة. فالماضي قد انتهي و غفران الله يمحي الذنوب و يقذف بها في هوة النسيان.
يتعهد الانسان لله ببداية حياة جديدة و طليعة عهد آخر و كأن الإنسان هو مجرد الصورة التي يراها لنفسه اليوم و كأن الماضي بات حلم أو حدث عابر تم منذ أمد بعيد في احد العصور السحيقة ؛ باد و اندثرت معه كل تغيراته و اثارة عليه، و كأن الانسان ليس الا عقل آمر وأعضاء مطيعة.
تنتهي وقفة الصلاة التاريخية للإنسان مع الله و قد شغلة فيها التعهدات والوعود، وحماسة التغيير ولم يتذكر أن يسأل الله كيف يتغير،
ولماذا يسأل؟ فهو يعلم الطريق جيدا و يدري تماما ماذا سيفعل.
ويبدأ الحياة مع الله بطريقته الخاصة، ينظم لنفسه طريق الخلاص و يخطط لذاته سبيل الاستقامة؛ فهو العقل المدبر لطريقة الروحي والإرادة المهيمنة علي غرائزه ورغباته.
يغدو ليقيس نفسه و يسجل انتصاراته، يحفظ تاريخ رجوعه لله ويظل يحسب الايام يوم بعد يوم؛ يمجد ذاته في كل يوم علي مثابرتها في الحياة الروحية و يمدحها علي أزرها في الجهاد الروحي.
وهكذا تتحول الحياة الروحية إلى حياة جديدة يجد فيها الإنسان ذاته، يجلسها علي عرش القداسة، يحرق لها بخور الصلوات و يقدم لها قرابين الحب.
يظن أن طريق الله انما هو مجال يحرز فيه مكانه او يحوز علي لقب، فتراه يتمثل القداسة من اول يوم، وله الثقة الكاملة أن مسألة تغييره باتت مجرد قرار شخصي و انه قادر بذراعه علي معرفة الطريق والسير فيه ليجد الله منتظرا في نهايته ليتوجه بأكاليل الجهاد.
يبدأ الحياة الروحية و يشرع معه تبجيل ذاته وبناء صنمها. تمر الايام الاولي، يغرق فيها الإنسان في الاهتمام ببرة و تتحول الممارسات الروحية إلى مواد تساعد في تصقيل هذا الصنم ليصبح صنم الذات هو إله الحب. يسقط الانسان و يهدم معه تمثال بره الذاتي و يجلس الانسان حزينا علي انهياره اكثر من ابتعاده عن الله إذ لا يبالي ببعده عن الله اكثر من صوره البر الكاملة التي رسمها لذاته والتي تمزقت بفعل الخطية ولا يقوي علي تصديق ان هذا التمثال الجديد الذي نصبه ليمثله قد هوي ليؤكد حقيقة ضعف جوهرة فيأسف الإنسان و يندب علي مجهوده الذي فناة في بنائه.
يسقط الانسان و يتأخر رجوعه فهو يحتاج الي وقت ليفيق من الصدمة ويستعيد قواه ليبني تمثال أكبر وأعظم ويحشد عزمة ليحافظ علي صموده و يحاول أكثر هذه المرة و لكن سرعان ما ينهار و يتعاظم سقوطه، و تكثر المحاولات و في كل مرة تنتهي إلى أشلاء هذا التمثال ويبحث الإنسان عن الله في بقايا هذا الحطام فلا يجده ولا يعلم انه لم ولن يكن في وسط هذه الاشلاء ابدا.
انه لايزال يقف منتظرا قدومك المتضع ورغبتك الجادة في الحياة معه بطريقته، رافضا بناء أي تماثيل أو إنشاء أي أصنام بل منكرا لذاتك معترفا بضعفك و خور طبيعتك.
عزيزي ان الله لايقف في نهاية الطريق و لن يوجد في ثنايا تمثالك أو في بقايا تهدمه ان الله هو الطريق ذاته و هو الاله القادر المتضع الحاني الذي يشفق علينا من الحقيقة التي نجهلها احيانا و نتناساها مرارا وهي ضعف الإنسان وفساد طبيعته البشرية فنحن، أصغر بكثير من السير في طريق الله وحدنا و اضعف بكثير من تغيير أنفسنا.
ان كل ما تحتاجه فقط هو التمسك بالله معترفا بضعفك و معلنا يأسك من نفسك و قلة حيلتك. تقبل انك انسان ضعيف و فاسد و تأكد ان الله يريدك ان تأتي له كما انت بشرورك و أقذارك تماما كما فعل الابن الضال مستسلما. ثق انه الطريق وليس اخر محطة.
اقبله في حياتك و سلم له زمام أمورك و جاهد لتكون معه و اصبر عليه ليغيرك، لا تحزن بعد ذلك ان سقطت، فأنت من البداية تعلم انك ضعيف وهذه نتيجة طبيعية لضعفك.
ثق تماما انه ان سقطت فصلتك بالله لم تنقطع و وصال الحب لم يتأثر، فقط قف أمامه و تأسف علي طبعك السيء وعبر له عن حبك واكد له صدق رغبتك و اثبت له انها لم تتغير بالسقوط بل زادت، فانت لا تحزن علي هدم اي تماثيل و لا تحتاج إلى فترة نقاهة أو وقت تضبر فيه بأسك أو تجدد إرادتك.
انت لا تملك سوى الإصرار علي حبة والمثابرة علي التعلق به و أما هو فلا يتركك بل يجعل منك شخص اخر وانت تلاحظ التغيير لتذكر دائما انك تدين له بكل شيء و بكل ما فعله معك، ولا تنسي ابدا رداءه طبيعتك التي تحولت بحبة الي السواء والنقاء.
عزيزي القارئ، لعلك تعلم الآن ما هي الخطوة المقبلة ، قف أمام الله منكسرا و اطلب منه ان يقودك. توقف عن العد و الحساب، و امتنع عن قياس ذاتك و المقارنة بالأخرين. ارفض اي فكرة لبناء تمثال لذاتك بل اعترف بحقيقة نفسك و بؤس حالتك التي لا يرثي لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على